على العرب ان يتحضروا للحرب التالية

13-09-2006

على العرب ان يتحضروا للحرب التالية

لا مجال لتحاشي اعادة ضرب لبنان وتصفية "حزب الله". كل التحليلات والمعلومات تؤكد هذه الوجهة، والذين يفكرون بغير ذلك إما يحلمون، أو انهم اصغر من حجم "الانتصار"/المحطة، وهؤلاء يمكنك ان تصادفهم اليوم حيثما توجهت سواء في الاوساط القريبة من "حزب الله"، وفي داخل "حزب الله" نفسه (...) بالمقابل، الاسرائيليون والاميركيون يراقبون، ويعدون العدة للجولة القريبة المقبلة، والقرار واضح: لن يمر الذي حدث الا باعتباره "جولة"، "حزب الله" ولبنان، ومعهما سوريا، مهمة لم تنجز بضربة واحدة، والبعض يتحدث هناك - ليعتبر البعض ذلك مجرد تقدير مقصود لاغراض اعادة التوازن النفسي للجيش الاسرائيلي - فالأوساط الاسرائيلية والاميركية المقررة تقول بأن ما حدث هو جولة اولى، مدروسة، وكانت ضرورية لاخراج الدبابير من عشها، وانهاك البلاد برمتها، عبر تحطيم معنوياتها، وتقليبها فوق مقلاة الكارثة والامل الزائف.
لا الامم المتحدة، ولا ذهاب الجيش اللبناني للجنوب، ولا أية جهة اياً كان وزنها، بمستطاعها ان تثني الاميركيين والاسرائيليين، عن ان يتموا المهمة التي بدأوها في تموز الماضي، وهذه المرة سوف تصل النيران بقوة الى سوريا، والتسريبات تذهب لحد التأكيد على احتمال ادخال الاسلحة النووية التكتيكية مجال الاستخدام، اذا تطلبت المهمة المقبلة ذلك.
حرب اقليمية نعم، فهل من يفكر بحرب غير اقليمية؟ احتلال العراق كان تحولا استراتيجيا على المستوى العالمي والاقليمي، تبعاته تسقط في منطقتنا كليا أي بعد "محلي"، ومع ان الجميع يتمنون لو يحدث العكس وتستثنى بلدانهم، لكن على من يفكرون على هذا المنوال في لبنان بالذات، ان يتذكروا بأن السوريين لم يكونوا ليخرجوا من لبنان لولا ما بعد احتلال العراق. الملف النووي الايراني ما كان ليصبح قضية كبرى، لولا وجود الاميركيين على الحدود الايرانية. الاردن ومصر والمملكة العربية السعودية، ماكانوا ليشكلوا محورا كالذي نراه امامنا اليوم، لولا تداعيات الوضع العراقي. الهلال الشيعي، ونقص ولاء الشيعة العراقيين لوطنهم، وتهمة تسليم الولايات المتحدة شؤون العراق لايران، نغم معروف عزفته الدول الثلاث معا، وعادت لتذكر به، يوم انفجر الموقف في لبنان.
قطعا نحن أمام "اقليم آخر" منذ عام 2003، والاقليم الذي نعيش فيه حاليا، لا مكان فيه للمحلية على الاطلاق. وديناميات الاحداث، يستحيل تبويبها وحصرها، حين نريد، داخل حدود بلداننا حصراً، خاصة في المناطق الاكثر حيوية، مثل لبنان وسوريا وفلسطين، وطبعا العراق.
والآن وبعد التداعيات الاخيرة الناجمة عن العدوان على لبنان، وانعكاساتها داخل اسرائيل، ومجربات التصيدية في المسألة الايرانية، ووضع سوريا، ووصول الحالة العراقية الى طريق مسدود، بعد هذا كله، ليس هنالك مايحول ابدا، بين اسرائيل، وبالاصل الولايات المتحدة الاميركية، وبين الاسراع في "اكمال" مهمتها سوى تغيير دراماتيكي يحدث على الجبهة العراقية، وهذا ببساطة ليس اقل من تغيير سريع في اتجاه البنادق "الشيعية" يحدث هناك، يبدأ مباشرة من الشروع بتخريب العملية السياسية الاميركية، قبل أن يحمل الشيعة العراقيون السلاح ويقولون للأميركيين ارحلوا.
موضوعتان يركز عليهما من يمثلون "حزب الله" في النقاشات التي يعقدونها مع بعض العرب المؤيدين، او مع لبنانيين: "نحن حزب لبناني اولاً واخيراً، ولا علاقة لنا بمجريات الامور في الساحات الاخرى، وعلى الآخرين أي العراقيين والفلسطينيين، وصولاً الى اقصى المغرب العربي، وفي العالم، ان يستثمروا اذا ارادوا، ما قد حققناه وحسب"، واللبنانيون يعلمون، ان المقصود بهذا التأكيد، نفي تهمة عالقة بالحزب، عن علاقته بإيران وسوريا، لا شيء يزيلها من سجله مهما فعل، لكن قصداً آخر خفياً، يستطيع المرء استخلاصه من مثل هذا الاصرار على تأكيد "المحلية"، في زمن لا مكان فيه ابدا للمحليات.
فالمعارك التي من هذا النوع، تغذي عادة تيارات "التسوية" الوهمية، وتقويها، وهذا الخطر وارد في حالة "حزب الله" الآن، ومنطق التكتيك الذي يغرق الحزب فيه، ليس كله "تقية"، بل قد تكون هنالك في حال غياب الانتباه وقدر عال من اليقظة "تقية مضادة"، ويمكن بلا ادنى شك، الاشارة الى بذور تيار تسووي، يريد وضع المجابهة وراء ظهره كليا، بحجة طمأنة اللبنانيين كليا وكسبهم، من دون ان يدرك هؤلاء، بأن المعركة لم تنته، ولا يمكن تحاشيها، وان المواجهة الاولى التي توقفت الآن، زادت بمئات المرات، فتح ابواب لبنان كساحة على الافق الاقليمي، وربطته به كليا.
فتعديل التوازن الحالي، والاسراع في كسر شوكة ايران، وضمان استمرار الاحتلال في العراق وتفعيله اقليميا، كل هذا يمر في الوقت الحاضر، من بوابة لبنان وسوريا، مع ان الامل في ايقافه او عرقلته، موجود في مكان واحد: العراق.
اكتب هنا من بيروت، وليس لدي امل في رؤية السيد حسن نصر الله، لكي اقول له وجاهة ما ينبغي وما لن اقوله لغيره، ومن ذلك وعلى اطرافه، الاجواء التي لمستها واصابتني بالصدمة، لا بل وادخلت في روعي شعورا مريرا، افضل أن لا اسميه، فهل استطيع على الاقل ان اقول للسيد علنا بأن أمامه ان لا يختار مصير "ياسر عرفات" نفسه، هذا اذا توجه الآن بالذات، الى "خلع صباطه" قبل الارتفاع فوق سلم الانتصار الذي تحقق. فالكارثة الكبرى على الاعتاب، لا خلف الظهور، ونحن مازلنا نسمع صدى كلمات غابت وراء التراب والزمن: "شهيداً... شهيداً... شهيداً" وبعد كل الاداء الذي رأيناه، لا ينبغي أن نتوقع كربلاء يقتلها العطش، وصوت الامام الحسين بن علي يصيح "يا سيوف خذيني".
نعم نصر "حزب الله" حتى الآن اكبر من "حزب الله"، والانتقال من زمن ما قبل الانتصار، الى ما بعده عمل عسير وجبار، وهو اختبار استثنائي لقائد وقيادة، لن يبدأ اذا لم يطرق بابه نصر الله شخصياً، اولا وقبل الجميع.
وكل من يريد حماية لبنان، او يهمه الابقاء على جذوة نصر "حزب الله"، لا بل ويبعد احتمالات الدمار والكارثة عنه، ان يركز جهده الاول على اقناع الايرانيين بتغيير سياستهم رأسا على عقب في العراق وفورا.
لبنان و"حزب الله" في خطر، ومن يناصرون المقاومة اللبنانية، من القوى العربية، وسوريا بشخص رئيسها، واللبنانيون وقياداتهم مجتمعة، وبمقدمتها الجنرال عون ورئيس الجمهورية، لا بل وحتى من لا يتفقون مع "حزب الله"، بل ومن يناصبونه العداء، من الحريصين على وجود بلدهم وبقائه، على كل القوى العربية والعالمية، وكل "متعهدي المؤتمرات"، المعروفين وغير المعروفين، كل هؤلاء مجتمعين، عليهم ان يركزوا همهم اليوم على مطلب اقليمي وحيد تسير باسمه الوفود الى طهران، وتعقد اللقاءات، والمؤتمرات، المطلب يقول: ايها الايرانيون سارعوا من اجل انقاذ لبنان ومقاومته وسوريا وفلسطين وانفسكم فوراً الى فتح جبهة العراق.

عبد الأمير الركابي- كاتب عراقي

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...