سورية..من سطا على الاحتجاجات السلمية؟

14-04-2012

سورية..من سطا على الاحتجاجات السلمية؟

الجمل- ترجمة رندة القاسم: من بين الخرافات التي أعاقت النقل الصادق للأحداث في سورية السنة الماضية، لم تلق خرافة رعاية شرسة من قبل المنادين بتغيير النظام السوري مثل تلك القائلة بأن (الحكومة السورية كانت  تطلق النيران على متظاهرين عزل مسالمين إلى أن قررت حديثا الجماعات المعارضة التسلح للدفاع عن نفسها).
و على العكس، كانت هناك أدلة واضحة على أن الجماعات المسلحة استهدفت و قتلت قوات أمن و مدنيين خلال أسابيع من المظاهرات الصغيرة الأولى في آذار 2011 . و في تحقيق سابق كتبته حول قوائم الوفيات السورية  تناولت مقتل تسعة جنود سوريين في بانياس العاشر من نيسان 2011 ، كدليل زمني هام على العنف المتعمد للمعارضة.
و تجاهل هذه المعلومات حول المشهد الأمني قد ساعد على تشكيل رواية غير مكتملة عن الأحداث في سورية. و علاوة على ذلك، شاركت هذه الحبكة المزيفة بشكل مباشر في تصعيد الأزمة عن طريق إثارة الغضب ضد العنف (أحادي الجانب) من قبل الحكومة، و تشجيع المعارضين عن طريق أحكام  مغلوطة تقتل النقاش المنطقي حول سورية.
غير أن هذه الروايات بدأت تتكشف في الأشهر القليلة الماضية، مع ظهور صور و مقاطع فيديو لرجال مدججين بأسلحة ثقيلة يتحدثون بفخر عن أعمالهم.
و ثرثرات الجهاديين على شبكة الانترنيت حول الجماعات المسلحة في سورية، والتفجيرات الانتحارية في دمشق و حلب، و الآن نداء القاعدة للمعركة ، قد أجبرت المحللين السياسيين الغربيين على الاعتراف كرها بوجود طرفين في الأزمة السورية.
و فجأة وقع تحول إجباري في مجرى الحوار حول سورية. غير أن معارضي النظام كانوا متيقظين للتأكيد بأن الرواية الجديدة تعني وجود مجموعات مسلحة دون المساس بالافتراض الأساسي القائل أن (الحكومة ذبحت متظاهرين سلميين).و هذا يعني أن المعارضة المسلحة قد دخلت في الجدول الزمني للأزمة السورية في وقت متأخر بعد اندلاع الاحتجاجات. و بناءا عليه، فقط مع بداية عام 2012 بدأت الإشارة إلى وجود ميليشيات مسلحة في ساحة وسائل الإعلام ، و دائما في سياق قصة محبوكة بعناية تزعم بشكل مضلل، كما ورد في صحيفة نيويورك تايمز، بأن المقاومة بدأت الآن بتسليح نفسها لممارسة الدفاع عن النفس.
ربما ما كانت استقالة علي هاشم من الجزيرة الشهر الماضي لتثير الاستغراب في ظروف طبيعية. غير أن مراسل القناة في بيروت كان واحدا من موظفيها الذين تعرض بريدهم الالكتروني للقرصنة ما كشف عن استياء متزايد من انحياز محطتهم  في تغطيتها للأحداث السورية. غير أن خروجه من الشركة الإعلامية المضطربة قد حجبته القنبلة التي ألقاها . إذ قال هاشم بأن الجزيرة رفضت عرض فيلم عن عشرات الرجال المسلحين المتورطين بأهداف داخل الأراضي السورية في أيار 2011. و ذكر هاشم و فريقه بأنهم شهدوا أيضا دخول مجموعات مسلحة إلى سورية قبل ثلاثة أسابيع ، في نيسان 2011، ولكنهم كانوا قادرين على التقاط فيلم لهم في أيار. بعض من الأسلحة كانت تضم كلاشينكوف و آر بي جي.
ومع عرض للمشهد على جهاز الحاسوب الخاص به في مقهى  بيروتي، شرح الصحفي قائلا: (إني أملك المقطعين المقطع الذي رفضت الجزيرة عرضه و الآخر الذي عرض، و على الهواء كنت أخبر المشاهدين أنني أشهد رجالا مسلحين يشتبكون مع الجيش السوري، غير أن ما كان يكتب على شاشة الجزيرة مختلف تماما. كان ذلك في منطقة تلكلخ على الحدود السورية اللبنانية من الجهة السورية، و يظهر الفيديو الميليشيات تطلق النيران، و بالمقارنة بين الفيلمين ستجد أنهم ليسوا في المكان ذاته).
ولم تفت هاشم و فريقه أهمية المقطع الإخباري ، لذلك أصيب بالدهشة حين قال له من كان حينها المسؤول عن الأخبار بالجزيرة و عبر الهاتف:(انس أنه يوجد مسلحين). و رفض هاشم، و لتهدئة دفاعه الغاضب عن أخلاق العمل الصحفي ،أكدوا له أنه يستطيع التحدث بحرية على الهواء، و قد فعل غير أن الجزيرة لم تعرض المشهد المرافق للرجال المسلحين بينما كان هاشم على الهواء يتحدث عنهم. و فيما بعد أكدت الشبكة أن هذا كان خطأ .
و من المهم مشاهدة فيما إذا كان فيلم هاشم قادرا فعلا على تغيير النظرة السائدة حول سوريه. و هناك القليل من البواعث لدى وسائل الإعلام الأساسية لتصحيح الرواية التي تغذي الصيغة الرابحة: دكتاتور سيء، متظاهرين سلميين ، تغيير نظام، و نهاية سعيدة.
و في الواقع من المثير للسخط أن ترى عوضا عن ذلك كيف تستمر  وسائل الإعلام المتنوعة، جماعات حقوق الإنسان، والمنظمات الحكومية و غير الحكومية بدعم هذه الرؤية المزيفة عن الأحداث.
و على سبيل المثال، تم تمويه مقتل تسعة ضباط سوريين في بانياس في نيسان الماضي من قبل الجزيرة و الغارديان و ال BBBC و وسائل إعلام أخرى حيث قيل نقلا عن "نشطاء" أنهم أعدموا من قبل زملائهم الضباط لرفضهم إطلاق النيران على مدنيين. و لكن في بحث عبر موقع YouTube عن الجنود المقتولين تجد فعليا جنازات مؤيدة للنظام.
و كانت جماعات حقوق الإنسان أكثر وقاحة في الاستهتار بعنف مجموعات المعارضة المسلحة. في لقاء حديث له على شبكة ال BBC  لم يذكر نيل ساموندز، الباحث في الشأن السوري من منظمة العفو الدولية، أي تقرير حول العنف المرتبط بالمعارضة المسلحة. و من سوء حظه أني أملك مراسلة طويلة بينه و بين ناشط سوري تتحدث بالتفصيل عن أعمال القتل التي تمارسها المعارضة و التعذيب و العنف، و توسل إليه الناشط مرارا و تكرارا أن يحقق في هذه الجرائم و يشير إلى انتشارها في سورية.
و في العشرين من آذار نشرت Human Rights Watch(HRW)  تقريرا غير متوقع عن الموضوع، و كانت هذه مجموعة حقوق الإنسان الأولى التي تلقي الضوء على عنف المعارضة لهذه الدرجة، و لكن ،و كما هو متوقع، كانت الرواية تتعلق بخط زمني مختلف، مفترضة أن الجماعات المسلحة وجدت في سورية بعد فترة طويلة من اندلاع الاحتجاجات في آذار 2011، إذ يقول التقرير: (كانت حركة الاحتجاج في سورية غالبا سلمية حتى أيلول 2011، و منذ ذلك الوقت، تزايدت وسائل الإعلام و التقارير التي تتحدث عن الأعداد المتنامية للمنشقين العسكريين و السكان المحليين الذين قرروا اللجوء للسلاح، قائلين بأنهم يدافعون عن أنفسهم ضد هجمات قوات الأمن أو لمهاجمة حواجز التفتيش و المرافق الأمنية في مدنهم).
و حين تحدثت إلى أول سولفاغ الباحث فيHRW  حول هذا التضارب في الأزمنة، قال لي : ( المفتاح في كلمة "غالبا"، فنحن لا نريد القول أنه لم يكن هناك عنف ضد قوات الحكومة قبل ذلك، و ما عنيناه أن العنف ضد الحكومة أضحى أكثر تنظيما و دائما بعد ذلك).
و في الواقع اعترف سولفاغ بأن HRW لا تستطيع الحديث بشكل جازم حول عنف المعارضة في المراحل الأولى من حركة الاحتجاج: (لقد وثقنا وجود عنف ضد قوات الحكومة قبل أيلول، و ضد جنود و مدنيين أسرى)، غير أن سولفاغ يستدرك بحذر: (لكن هذا لا يبرر إطلاق الحكومة النيران على المتظاهرين) ثم فاجأني بالاعتراف قائلا: ( حتى و لو كان هناك أحيانا أسلحة ضمن الجموع و قام بعض المتظاهرين بإطلاق النيران ضد قوات الحكومة).
و لهذا كله أعتقد أن فيلم علي هاشم يجب أن يعرض. لقد حان الوقت لإعادة تقييم الحقائق حول الأزمة السورية، بدءا من اليوم الأول بعيدا عن الافتراضات القديمة النابعة من فكرة الأشرار مقابل الأخيار. و ربما كان ارتباط الصراع بسورية نفسها أقل من ارتباطه بالمطامح الجيوسياسية للآخرين. و سوف نعلم هذا بشكل حاسم إذا عدنا أدراجنا إلى نيسان 2011 لنكتشف من الذي سطا على الاحتجاجات السلمية في سوريه، هل كان النظام أم الساعين لتغيير النظام؟ و إلى أن نتقصى الحقائق من البداية فان أي خطوة إلى الأمام في سورية ستكون عمياء، بكماء و صماء.


بقلم شارماين نارواني صحفية و محللة سياسية معنية بشؤون الشرق الأوسط، زميلة مساعدة في كلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد،تحمل شهادة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة كولومبيا للشؤون الدولية و العامة في كل من الصحافة و دراسات الشرق الأوسط.


عن Mideast Shuffle

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...