سجال عنيف حول الهيئة العامة السورية للكتاب

05-01-2008

سجال عنيف حول الهيئة العامة السورية للكتاب

قبل حوالي سنة ونصف، عُين د.عبد النبي اصطيف مديراً عاماً للهيئة العامة السورية للكتاب، لكن الهيئة التي أنيطت بها مهام ثقافية كبيرة، ما برحت تتعرض لانتقادات صحفية شديدة.

خصوصا مديرها د.اصطيف وطريقته في الإدارة، وتوجهه الثقافي، انطلاقاً من رصد أصحاب تلك المقالات لما أعلنه اصطيف من مشاريع، خاصة خطته للنشر لعام 2008، التي أثارت استياء الكثير من المثقفين. ‏

هذا الأخذ والرد جعلنا نذهب للهيئة العامة السورية للكتاب لمعرفة ماالذي يحصل في الكواليس. ‏

 - لم يكن د.اصطيف وحيداً في مكتبه، عندما ذهبنا إليه حاملين مجموعة من الأسئلة التي تنطلق من وثائق كان د اصطيف قدمها إلى اجتماع مجلس إدارة الهيئة بتاريخ 22/10/2007. أردنا أن تكون الأسئلة مبتعدة عن الاتهامات الجزافية العامة التي قد تتوجه بها الصحافة إلى أي مدير. ‏

قبالتي جلس جان ألكسان (أحد مستشاري اصطيف )، ولا اعرف لماذا كان ألكسان مستاء من وجود صحفيين في المكان (لاحقاً سيقتحم ألكسان الحوار) ‏

الأسئلة التي وجهنا لـ د.اصطيف تمحورت حول انجازات الهيئة منذ تأسيسها قبل حوالي العام والنصف، وعن خطتها للنشر عام 2008، ‏

قال اصطيف: إن الهيئة قد نشرت حتى الآن 150 كتاباً، وأن ما يقرب من عشرة كتب نشرت لمديريات وزارة الثقافة، فضلا عن الدوريات الثقافية التي تصدر بالشكل المعتاد (عدّدها اصطيف كلها). ‏

ولما سألنا د اصطيف إن كانت هذه الكتب قد أُقرَّت في فترة إدارته للهيئة أم أنها طبعت لأنها موجودة أصلا في المطبعة من أيام مديرية التأليف والترجمة. فقال: «كل هذه الكتب لا تصدر إلا بموافقتي، لكن آلية العمل هي على النحو الآتي: يأتينا المخطوط، فنحيله إلى لجان القراءة في المديريات المختلفة، وعندما تأتينا التقارير إيجابية نرسله للمطبعة وعندما تكون سلبية نعتذر عن عدم نشره ونرده إلى صاحبه. إن الهيئة مؤسسة وليست مزرعة شخصية حتى أقول هذا عملي، وهذا ليس عملي، فالعمل يسير وفق آلية موضوعية، واضحة ودقيقة وشفافة، فعملية إنتاج الكتاب مثل عملية زراعة محصول، فلا يأتي شخص ويقول هذا المحصول لي. فهذا عمل مؤسساتي، وهناك فريق مؤلف من عشرات الموظفين، الذين يعملون على إنتاج الكتاب. أعتقد أن هناك من أدخل في فهمك أن هذا العمل قديم، وأن ما أنتجته الهيئة يرجع لمدير التأليف والترجمة السابق، وأضاف أن المؤسسات لا تعمل بالأشخاص وإنما تعمل من خلال هيئات موضوعية». ‏

هنا تدخل جان ألكسان ، يطلب إيقاف الحوار ،وقال: «هذا ليس حواراً صحفياً. هذا تحقيق»، لكن د. اصطيف تابع حواره معنا، فسألناه عن خطته للنشر عام 2008 فقال: «الخطة اقترحت قبل 6 أو7 أشهر، عندما نُظِر في مسألة إسهام الهيئة في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية، وقدمت للسيد وزير الثقافة، ونوقشت بعض مفرداتها مع الأمانة العامة للاحتفالية، واعتمدنا قائمة من العناوين المشتركة التي ستصدر بيننا. فأنا أردت أن تبرز الهيئة بلاد الشام، ولكن الخطة لم تناقش بعد في مجلس الإدارة». ‏

خطة اصطيف التي يتحدث عنها، كانت في الحقيقة الدافع لإجراء الحوار، فتلك الخطة بدت غريبة، ومبهمة، ومقطوعة من السياق الثقافي الذي تسير به اللحظة الراهنة على صعيدي التأليف والترجمة. إذ ضمت تلك الخطة، التي أعلنها المدير العام ، سلاسل لكتب غير واضحة المعالم، كسلسلة «علماء بلاد الشام»، دون أن تقول الخطة من هم العلماء، وماذا سيكتب عنهم، بغض النظر عن جدوى إسهام كهذا، وما يضيفه للثقافة العربية، وسلسلة «وطننا العربي» التي جاء في الخطة أنها «تتضمن دراسات في الجغرافيا الطبيعية والسياسية والبشرية للأقطار العربية الشقيقة». دون أن نعرف لمن تتوجه هذه الكتب. ومدى جدواها الثقافية في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة، ثم يأتي بعد ذلك كله سلسلة «كيف تعتني بجسمك» ولهذه السلسلة حكاية طويلة سترد فصولها تباعاً. ‏

يقول د.اصطيف: «نحن مقدمون على احتفالية دمشق عاصمة للثقافة والهيئة ستقوم بإصدار مئة كتاب، وعدد من كتب الأطفال، وكذلك عدد من المختارات باللغات الانكليزية والفرنسية والألمانية، التي تتصل بدمشق فأنا كوني مديراً عاماً للهيئة، يجب أن أسهم في هذه الاحتفالية بكتب تتصل بدمشق أم علينا أن نصدر كتباً عن زيمبابوي وفرنسا والولايات المتحدة بحجة الانفتاح على العالم. ‏

تصور، أن احدهم احتج على الكتب التي اقترحتها عن بلاد الشام ويقول أين فوكو وألتوسير (لم يقل من هو، لاحقا ًسألنا عن صاحب المقولة فأجمع كوادر الهيئة أنه من بنات أفكار اصطيف). ويتابع اصطيف: «الذين يحاولون أن يزاودوا عليَّ بالثقافة الغربية، يقولون بأني لم أتخلص من الماضي، على الرغم من أني درست في أكسفورد، وعشت في الغرب حوالي عشر سنوات، لا يمكن لأحد أن يقول عني بأني متخلف ثقافياً، لقد كنت الطالب الأول في جامعة دمشق، هب أن جامعة دمشق قبلتني بالواسطة فهل يمكن لجامعة أكسفورد أن تقبلني بالواسطة. وأما عن السلاسل التي اقترحتها. فهناك سلسلة «كيف تعتني بجسمك» ومنها «كيف تعتني بقلبك»، و«كيف تعتني بعينيك»، ألا يجب أن نتساءل حول الفاتورة التي تدفعها كل أسرة نتيجة الجهل بالقواعد الصحية العامة، وهل يعرف الممتعضون حجم البيع الذي قد يحققه كتاب كهذا، أما سلسلة الجغرافيا قل لي ما الذي تعرفه عن موريتانيا، ما الذي تعرفه عن الجزائر، ما الذي تعرفه عن تونس؟» ‏

ولما سألنا د. اصطيف إن كان قد استشار العاملين في الهيئة أو مستشاريه بأمر هذه الخطة، قال إن الخطة وضعت قبل تكليف مديري التأليف والترجمة الحاليين. ‏

مقولات اصطيف وأجوبته المتشنجة، الحادة، قلبت الحوار إلى تحقيق صحفي لأن ثمة ماينبئ بإثارة عالية. هذا ما تأكد حين قال د. اصطيف: «في الهيئة روائي :خليل الرز، كاتب قصة: محمد كامل الخطيب، شاعر: بيان الصفدي، مترجمة: روز مخلوف، د.في نظرية الأدب من الاتحاد السوفييتي هو نوفل نيوف، بالإضافة إلى ثائر ديب الذي هجر الطب ليعمل في الترجمة. فهل ينبغي أن يتحكم هؤلاء بما ينشر أو لا ينشر، هؤلاء اهتماماتهم أدبية، والهيئة تهتم بأوسع من ذلك، فهي تهتم بالثقافة والحضارة وهناك من يريد أن يتحكم قراء الهيئة الذين ذكرتهم بكل ما ينشر. والسيد الوزير ومدير الهيئة معنيان بتوسيع دائرة القراء إلى 250 قارئاً وهذا سيخرج القرار من أيدي قراء الهيئة. أنت تعجبهم فينشرون لك، فعندما تكون الدائرة صغيرة تطبخ القرارات، تصور أن احد القراء (لاحقا سنعرف أنه بيان الصفدي ) لا يعرف الفرنسية أوغيرها، وغير متخصص بالنقد يحال له كتاب لجيرار جينيت ويقول هذا الكتاب جيد. لقد قاطع العاملون في مديرية التأليف والترجمة الندوات التي أقمناها في معرض الكتاب الأول، والتي أشركنا فيها خمسين كاتبا، ولم يحضروا إلا أنشطة أصدقائهم». ‏

تصريحات د. اصطيف قادتنا مباشرة الى الاستفسار عن مناخ العمل في الهيئة. فقال: «لا يهمني إذا كان المديريون العاملون في الهيئة يحبونني أو يكرهونني، لكنهم لا يجب أن ينالوا من المؤسسة التي يعملون فيها، فهم قد يكونون على خلاف فكري وأيديولوجي ولكنهم في الحقيقة يحاولون النيل من الهيئة التي تعتبر مكسبا للبلد، فأنا موقفي موقف وطني يتمثل بأني ابن هذا البلد، وأنا معني بثقافة هذا البلد قبل عنايتي بالثقافة الأجنبية، أنا أكتب بالانجليزية والعربية ولا مجال لأحد ليزاود علي بالثقافة الأجنبية، درّست في بريطانيا وأمريكا وأستراليا، لكن في الوقت نفسه أنا عربي، وهمي الأول هو الثقافة العربية والأدب العربي، ولا استطيع ان أبدد هويتي كي يقال عني بأني حداثي أو ما بعد حداثي». ‏

«انت تعلم»، يقول مدير الهيئة، «أنه لا يحق لأحد أن يذيع ما نناقشه في الاجتماعات، فكلما عقد اجتماع في الهيئة يصدر مقال يعلق على الاجتماع، رغم ان هذه الاجتماعات رسمية ولا يجوز تسريب ما يحصل فيها ما لم يصدر تصريح رسمي به». ‏

- بعد حصولنا على إجابات د. اصطيف، عملنا على استقصائها جميعاً مع كوادر الهيئة، حول ما أنجزته الهيئة خلال عام ونصف، قال اصطيف، بأنه قد طبع 150 كتاباً، ولكن عندما سألت د. ثائر ديب (مدير الترجمة في الهيئة، له حوالي خمسين كتاباً مترجماً)، إذا ما كانت الهيئة قد أصدرت 150 كتاباً في عهد د. اصطيف،أجاب: «هناك مشكلة في السؤال. لو سألتني هل طبعت وزارة الثقافة 150 كتاباً بعد مجيء د. اصطيف، لأجبتك نعم لقد طبعت أكثر من ذلك بكثير. لكن أكثر من99%من هذه الكتب التي صدرت بعد مجيء د. اصطيف موجودة منذ(2 ـ 5) سنوات. أما الكتب التي أقرها اصطيف فهي تكاد لا تتجاوز كتاباً واحداً هو كتابه «العرب والأدب المقارن». والأهم أن هذه الكتب الـ150 ما كانت لتصدر لولا إلحاح السيد وزير الثقافة. أما د. نوفل نيوف (كاتب ومترجم عن الروسية له 5 كتب مؤلفة و20 كتاباً مترجماً عن الروسية) فأجاب: «إن أبسط ما يجب أن يتحلى به الإنسان هو أن يكون صادقاً ، ولا يؤذي المؤسسة التي يعمل فيها. أما عن إصدارات الهيئة، فالحكم بيننا هو الوثائق. الكتب التي صدرت في عهد الهيئة، وعليها شعارها فقد أقرت، وتبنتها الوزارة قبل بدء الهيئة بالعمل بسنوات أما ما صدر في ظل إدارة الهيئة الجديدة فهي كتب معدودة لا تتجاوز الـ5 كتب، لم تمر على لجان القراءة، ومنها اثنان كانا مرفوضين من قبل». و تقول روز مخلوف (مترجمة عن الفرنسية لها20 كتاباً مترجماً) «لقد تراجعت إصدارات الوزارة بشكل خطير كماً ونوعاً، فإعاقة العمل واضحة وصريحة، والجو غير صالح للعمل. هناك جيش من المستشارين والقراء الذين لا عمل لهم، بينما القراء الحقيقيين الذين صنعوا مجد وزارة الثقافة أصبحوا مهمشين». ‏

وبعد مزيد من الاستقصاء، وجدنا بعض المعطيات التي لا بد من وضع القارئ في صورتها، لقد أصدرت الهيئة العامة بالفعل ما يزيد عن 150 كتاباً أكثرها مقرٌمن قبل مديري التأليف والترجمة السابقين، ولدي قائمة طويلة جداً تزخر بهذه العناوين، وهذا يعني أن جانباً من الحقيقة موجود خارج مكتب د.اصطيف. ‏

أما بالنسبة لخطة النشر الشهيرة، فقد سألنا عنها الشاعر بيان الصفدي (رئيس تحرير مجلة أسامة سابقاً، وله أكثر من 30 كتاباً للأطفال و4 مجموعات شعرية) فضحك وقال: «لقد وضعت الخطة دون أن يستشار أحد، على الرغم من أن الزملاء في الهيئة ممن تفاخر بهم الثقافة السورية، وأنا أسأل د. اصطيف لماذا لم يستشرهم. الذي وضع الخطة هو د. اصطيف، وهو يضع في سيرته الذاتية 5 كتب قيد النشر، وكتاب عبارة عن جمعٍ لنصوص من الأدب المعاصر، ونصف كتاب بالاشتراك مع الغذامي. لقد أحسسنا أن د. اصطيف قد عرقل كل بارقة عمل أو إبداع وخلق جواً من السطحية. و من الناحية الإدارية فأضرب لك مثلاً معاملة لي من الشهر الخامس لم يبت بها حتى الآن. ببساطة هو شخص لا يستحق الموضع الذي وضع فيه. أما بالنسبة لكتاب جيرار جينيت فقد أحال لي هذا الكتاب مدير التأليف والترجمة السابق عبد الله أبو هيف، للنظر في صياغته العربية، وهو الأمر الذي يحصل في كل هيئة تحرص على سلامة الأداء». ‏

من زاوية أخرى يقول د. كريم أبو حلاوة الذي عين حديثاً في الهيئة مديراً للتأليف: «لم أسمع بالخطة إلا في اجتماع رسمي لمجلس الإدارة، علماً أنني قد وضعت خطة كاملة لبقية عام 2007 وعام 2008 لسلسلة الكتاب الشهري التي تصدر بالتعاون مع دار البعث، ولم تدرج في الخطة المشار إليها، ومن المعروف أن الخطط والاستراتيجيات الثقافية توضع عادة بمشاركة واسعة من كل المعنيين بالشأن الثقافي، وهدفها الأبعد يجب أن يتصل باستنهاض طاقات الثقافة السورية». ‏

أما روز مخلوف، فتؤكد أنها لم تستشر بالخطة، وتضيف: «رأيت خطة مطبوعة مثل أي شخص لا علاقة له بالهيئة، وهي خطة تدل على تدهور نوعي في مستوى مطبوعاتنا، ففي أيام أنطون مقدسي كنا نطبع أمهات الكتب التي تلقى إقبالا واسعا من كبار المثقفين في الوطن العربي، أما الآن فعلينا أن نهتم بكيف تعتني بجسمك». ‏

ومن جهته يقول د. ثائر ديب: «لم أشارك في وضع الخطة ولم تجر استشارتي، ولكن الأخطر في الأمر ليس الاستشارة، الأخطر هو تصور د.اصطيف الثقافي، وعقليته التي تقف وراء مثل هذه الخطة، وهما تصور وعقلية كفيلين بأن يرسلا إلى الحضيض بمستوى الكتاب السوري، والثقافة الوطنية السورية. هذه الخطة مخجلة بكل المقاييس، ولا تصلح لمجلة للأطفال. تصور أن يكون اهتمام الوزارة كيفية العناية بالجسم في سنة دمشق عاصمة للثقافة العربية، بل تصور أن يكون هذا اهتمام الوزارة في أي وقت كان. حتى القسم الخاص ببلاد الشام من الخطة هو قسم مخجل ومدرسي،لا يليق بدمشق ولا ببلاد الشام. أما قول د. اصطيف أنه لم يستشرنا لأننا لم نكن قد كُلِّفنا، فأقول لك: لقد قدم اصطيف خطته العتيدة في اجتماع مجلس إدارة الهيئة في 22/10/2007 أي بعد شهرين على تكليفي والدكتور أبو حلاوة. السؤال الأهم: هل استشار مستشاريه، هل ثمة يد للروائي الكوني خيري الذهبي، مستشار المدير، في هذه الخطة الأضحوكة؟!! ‏

‏ - هذا الأخذ والرد، ينبئ حقيقة، عن وضع غير سليم في الهيئة، التي من المفترض أنها تتمتع بروح عمل جماعية عالية، لأن الثقافة والعمل الثقافي يتطلبان تشاركاً وانسجاماً، لذلك سألنا د. كريم أبو حلاوة عن مناخ العمل في الهيئة باعتباره وافداً جديداً إليها، فأجاب:«جئت إلى الهيئة بندب جزئي من الجامعة وكلفت بمديرية التأليف، وكنت متحمساً للعمل في هذا القطاع الحيوي، أي الثقافة، وما إن باشرت عملي حتى اكتشفت مجموعة كبيرة من المشكلات تبدأ بتراكم كم كبير من المخطوطات. أما ثاني هذه المشكلات فهي بيئة العمل غير المناسبة على المستويين الإداري والتنظيمي، مثل التأخير في سير المعاملات، والتأخير في الموافقة على المقترحات الجديدة التي تقدمت بها، سواء لجهة الاستمرار في سلسلة الأعمال الكاملة، أو لجهة تكليف عدد من الكتاب والباحثين لتأليف كتب حول موضوعات محددة مثل: (قراءات نقدية في كتابات عصر النهضة، الفكر القومي واقعه وآفاقه، عالمية الأدب اليوم، الإسلام والعصر، العرب والعلم، صورة العرب في الإعلام الغربي.. إلخ)، وهذه الكتب لم يفرج عنها د. اصطيف إلا بعد ان تدخل الوزير ووافق عليها، رغم أن الموافقة هي من شأن المدير العام. ‏

ما قاله د. حلاوة حول عرقلة في العمل يدل عليه قائمة الكتب التي طلب مدير الترجمة ثائر ديب التكليف بها ولم يوافق عليها مدير الهيئة حتى الآن ومنها(الآثار السورية من عصور الجمع والالتقاط إلى المجتمعات المدنية الباكرة، الانتحار لإميل دوركهايم، فهم الشعر لكلينس بروكس، الرومي: شرق وغرب، ماض وحاضر، اختراع التراث لهوبسباوم وهناك قائمة بأكثر من20 عنواناً مهماً تنام في أدراج د. اصطيف حتى بعد أن وقعها الوزير منذ أكثر من شهر ونصف وطلب منه أن يسلمها لأصحابها. ‏

مقولات د. حلاوة اقتضت الرجوع إلى د. اصطيف الذي قال: «معظم القراء في الهيئة يقولون بأن لهم وضعاً خاصاً، وأنهم غير ملزمين بالدوام، بحجة أنهم كتاب، ويجب أن يعاملوا معاملة خاصة، على الرغم من أن قراء الهيئة يقومون بطباعة أوراقهم الخاصة في الهيئة، ويجرون مكالماتهم الخاصة في الهيئة، وعندما يقوم بعضهم بقراءات، تدفع لهم التعويضات، ومع ذلك تجد البعض منهم يطالب بمكافآت إضافية، فهل الهيئة هي مجرد بقرة حلوب لهؤلاء، وفوق كل ذلك هم يريدون أن يطبخوا التقارير، رغم أن دائرة اهتمامهم لا تتعدى الأدب، فعندما رتب لي مكتب هنا، لم يرغبوا بوجودي لأنهم تعودوا الحياة الفوضوية، وتعودوا التجاوزات، هم يريدون العودة إلى نادي التأليف والترجمة، لينعموا بعقلية المزرعة، التي تحتوي على عدد قليل منهم ليقرروا ما يشاؤون، ويمرروا كتب بعضهم بعضاً، فعندما تضررت مصالح هؤلاء المادية أرادوا أن ينالوا من الهيئة ومن مديرها العام». ‏

اتهامات اصطيف لفريق عمله جعلتنا نسأله عن عدم اتخاذه الإجراءات بحق المخالفين، فقال: «إن البعض يحتالون على القوانين، مثلا تسأل مدير التأليف أين فلان فيقول بأنه أصيب بوعكة، فأرسلته إلى البيت، وكذلك السيد محمد الخطيب، لم يداوم منذ عدد من الأسابيع، وجهت له كتاباً، فقال بأنه قدم استقالته في الوزارة، فأجبته بأنك تعمل في الهيئة، وأنا مديرك، وعليك أن تتقدم باستقالتك لي وليس للوزارة، ويجب ألا تنفك عن العمل إلا بعد قبول استقالتك. محمد الخطيب أراد أن يعرقل العمل». ‏

أقوال اصطيف نفاها د. ديب حيث قال: «إن ادعاء اصطيف بأن لجنة القراء في الهيئة يمررون كتب بعضهم بعضاً هو افتراء لا يستحق الرد. سمعتي وسمعة زملائي معروفة، وليذكر السيد المدير كتاباً واحداً رفضته يستحق القبول أو العكس. فليظهر إلى العلن واحداً من تقاريري كقارئ لنرى السوية الفكرية والأخلاقية. ثم إنني لم أنل طوال وجودي في الوزارة أية مكافأة مادية إلا بعد مجيء د. اصطيف مع أنني لم أقبضها. وخلال خمس سنوات من وجودي في الوزارة نشرت كتابين مع انني نشرت فيها قبل ذلك عدداً كبيرا من الكتب. ولو اطلعت على قائمة الكتب الـ150 التي صدرت مؤخراً لما وجدت لقراء الهيئة الآخرين أكثر من 4- 5 كتب، جميعها مرت على لجان القراءة، بخلاف كتاب د. اصطيف، والكتب القليلة جداً التي طبعها، والتي لم يقرأها سواه، وذيل كل منها بعبارة «وجدته جيداً فدفعته إلى المطبعة»، والوثائق موجودة، فليظهرها السيد المدير، نحن لم نتضرر من مجيء د. اصطيف، الثقافة هي التي تضررت، ثقافتنا الوطنية السورية التي كانت بوصلة الثقافة العربية هي التي تضررت. إن وجود السيد اصطيف( بتصوره وعقليته ومعارفه) في هذا الموقع هو ترخُّص بهذه الثقافة الوطنية لا يمكن لأحد أن يبرره كائناً من كان». ‏

- من زاوية أخرى ذهب د. نوفل نيوف صوب النهاية الناجعة، إذ قال في رده على اتهامات اصطيف: «إن ماقبلناه كقراء من مخطوطات هو الحكم بيننا وبين اصطيف، وأتساءل أين لجان الرقابة والتفتيش؟ هناك هدر للمال العام جهاراً نهاراً، وكتب تنشر، وتصرف مكافآتها دون أن تمر بالطريق النظامي، وبعض هذه الكتب سبق رفْضُه من قبل لجان القراءة، فأين هي الشلة التي يتحدث عنها اصطيف والتي يتهمها بطبخ القرارات؟ ومن هو المستفيد، ولمن تمنح المكافآت وعلى أي أساس؟ نحن لا نطالب بمكافآت، ولا نحابي أحداً، وإنما نطالب بحقوق قراء الهيئة لعام 2006 والتي لم تصرف إلى الآن، علماً أن المدير يصرف مكافآت لمن لا علاقة لهم بالكتاب». ‏

ويستشيط د. نيوف غضباً، بعد أن نقلنا له اتهامات د. اصطيف لقراء الهيئة ويقول: «أطالب أن تتدخل الرقابة والتفتيش من أجل كشف الحقائق، ومعاقبة المقصرين الذين لا يفعلون شيئاً، إن من يتهمهم المدير العام هم من نهضوا بالثقافة السورية خلال 40 عاماً، عندما سأل أحد الناشرين ? يكمل نيوف- الدكتور اصطيف على شاشة التلفزيون: مادمت تقول بأن في الغرب لجاناً للقراءة لا يمكن نشر كتاب إلا عن طريقها، فلماذا ذهب كتابك إلى المطبعة فوراً، فأجابه اصطيف من هذه الحثالة التي سأرسل لها كتابي». ‏

أما روز مخلوف فتقول بصدد اتهامات اصطيف: «عن أي استفادة يتحدث د. اصطيف، فآخر مرة صدر لي فيها كتاب في الوزارة كانت في التسعينيات، وكانت مكافأته 5 آلاف ليرة سورية، بعدها لم أقبض قرشاً واحداً سوى راتبي». ‏

- و سألنا د. اصطيف عن حقيقة الهجوم الذي يتعرض له من جهات صحفية مختلفة فقال: «إن حسن م يوسف يأتي بالمعلومات عن الهيئة من زوجته روز مخلوف التي تسرب له أخبار الاجتماعات، وقد كتب ضدي في الصحافة، لأن صديقه قمر الزمان علوش، كتب رواية، أوقفنا نشرها لما فيها من ابتذال خلقي وإسفاف اطلع عليه السيد الوزير، والرواية لو نشرت لكان علي عندها أن أقدم استقالتي، لأنني بذلك أقوم بعمل مشين، علماً أن حسن م يوسف استعان برواية مارتن كريتن وبفيلم «المحارب الثالث عشر» ليكتب مسلسله «سقف العالم»، كما أن سيدة من سيدات دمشق قالت لي بأن حسن م يوسف سطا على كتابها وحوله مسلسلاً. من كان بيته من زجاج فليس عليه أن يرجم الناس بالحجارة. لقد ناشد حسن م يوسف، السيدة نائب رئيس الجمهورية بأن تخلص الهيئة، وكأن المسؤولين لا يعرفونني. إن كان حسن م يوسف يؤمن بالصحافة بوصفها سلطة رابعة، فعليه أن يتحرى الحقيقة، لكنه للأسف لا يؤمن بالحقيقة، وبالتالي فهو يفتري على الناس، ولو كنا في مجتمع يحاسب الناس على ما يكتبون لحوسب حساباً شديداً، فهو كتب عن أشياء لا يعرفها، فإذا كان حريصاً على الأخلاق فعليه أن يلتزم بالقيم الثقافية، وعليه أن يكون أمثولة للآخرين. لا أن يتهم الآخرين بسوء العمل وهو يرتكب سوءات. فعندما يقوم شخص بمثل تلك الأعمال فأنا لا آبه بما يقوله». لكن روز مخلوف علقت على هذا الكلام بالقول: «لماذا يعتبر اصطيف أن العمل الثقافي أسرار، وأن الهيئة وكر يجب أن نعمل به سراً، أما الكلام عن تسريب الأخبار فعارٍ عن الصحة، وأنا قبل أن أكون زوجة حسن م يوسف، مترجمة وقارئة منذ 20 سنة في مديرية التأليف والترجمة». ‏

‏ - يقول د. اصطيف: «الهيئة تنتظر المقر الدائم، فنحن موزعون في خمسة أو ستة أماكن، وليس لنا غرف كافية لموظفينا، وأنا أقوم بتسيير العمل بمساندة المستشارين الذين يعملون بدريهمات لا تكفي أجر التاكسي الذي يدفعونه للمجيء إلى الهيئة، ولكنهم يعملون إيماناً برسالة الكتاب، وحباً بوطنهم، في الوقت الذي يعرض فيه قراء الهيئة عن العمل». ‏

وعندما سألنا د. ديب لماذا لا يتعاون القراء مع مدير الهيئة، قال: "عملي يسير بشكل طبيعي تماماً، بل تقدمت للسيد الوزير بتصور عام لعملي، أصدر على أساسه قراراً بتكليفي بمديرية الترجمة، ورحت أحاول تنفيذ هذا التصور، الذي يتلخص جوهره باجتذاب أكبر عدد من المترجمين المهمين إلى الهيئة. وتقدمت إلى السيد مدير الهيئة، إلى الآن، بطلب تكليف أكثر من 20 مترجماً بترجمة كتب منتقاة، وكان مصير كل ذلك أدراج مدير الهيئة لولا تدخل السيد الوزير وتوقيعه هذه التكليفات شخصيا.ً ومع ذلك سل المدير العام هل سلم هؤلاء تكليفاتهم كما طلب السيد الوزير؟ وهل المطلوب أن « يطفش» هؤلاء إلى دور أخرى؟ كما تقدمت بعدد من الاقتراحات الأخرى، التي كانت ستدفن أيضاً لولا تدخل السيد الوزير، منها مجلة تعنى بدراسات الترجمة، ومسابقة للترجمة، وسلسلة بعنوان تراث الترجمة، واقتراح بتكريم عدد من شيوخ الترجمة مثل أنطون حمصي وأديب شيش ووجيه أسعد. إذا لم يكن هذا تعاوناً، وأنا لم اذكر كل شيء، فما هو التعاون؟ وبماذا تتعاون مع من لم يصدر خلال عام ونصف سوى كتاب رديء هو كتابه؟! اسمح لي أن أوضح لك طريقة العمل في الهيئة لكي ترى من الذي يدمرها بكل ما للكلمة من معنى: بداية المخطوط هي وصوله إلى ديوان الهيئة، وبدل أن يذهب إلى المديرية المعنية فإنه يذهب إلى د. اصطيف(بحجة انه يجب ان يفرز المخطوطات إلى تأليف وترجمة)؟ وهناك يبقى من 1 ـ 5 أشهر!!! ثم يرسله إلى المديرية المعنية وكثيراً ما يخطئ بالفرز خذ مثلاً مخطوط «فلسفة الحب» المترجم عن الروسية، فقد قُدِّم لديوان الهيئة بتاريخ 25/10/2007 ولم يحوله المدير العام إلى المديرية المعنية إلا بعد شهر وثلاثة أيام، بتاريخ 28/10/2007، غير أن المدير العام ارتأى أن تكون هذه المديرية المعنية هي مديرية إحياء التراث!! التي أعادت تحويل المخطوط إلى المدير العام لأنه من اختصاص مديرية الترجمة، التي وصلها هذا المخطوط بتأخير غير مبرر قدره شهراً ونصف). بعد وصول المخطوط إلى المديرية المعنية يجري تحويله إلى القراء ثم يضع المدير المعني قراره ويحول الملف كاملاً إلى المدير العام للمصادقة عليه رفضاً أو قبولاً بصورة نهائية. وهذه المرحلة الأخيرة تستغرق أشهراً أيضاً لدرجة أن الكتاب والمترجمين بدؤوا يقدمون طلبات بسحب مخطوطاتهم. من الذي يتعاون إذاً ومن الذي لا يتعاون؟ ‏

ويقول د. أبو حلاوة عن جملة المسائل المطروحة: «لا اعرف تماماً ما الذي يقوم به المستشارون، ولا أعتقد أنني متهم، وحسب معلوماتي أن الكتب التي صدرت أخيراً تعود إلى فترات سابقة باستثناء بضعة كتب. والقراء الموجودون في الهيئة هم نخبة من الكتاب والمترجمين لهم مساهماتهم المعروفة وقد اعتمدت وزارة الثقافة في بناء سمعتها على جهودهم، مثل صالح علماني (أكثر من 80 كتاباً)، وثائر ديب (مايقارب 50 كتاباً) ونوفل نيوف وبيان الصفدي وروز مخلوف، هؤلاء من خيرة المثقفين السوريين، ولا يجوز القول أن اهتماماتهم أدبية بالمعنى الذي يقصده د. اصطيف، الذي يثبت كل ما مرت به الهيئة من تجارب وحالات أن فشله الإداري كان ذريعاً، الإدارة الناجحة تعبئ طاقات موظفيها، وتحصل على أفضل ما لديهم من خلال توفير مناخ العمل المشجع ‏

- خاتمة زيارتنا كانت إلى المكان الذي تظهر فيه ثمار عمل الهيئة، وهو مديرية المطبوعات التي تشرف على منافذ بيع كتب الهيئة ومعارضها في سورية وفي الخارج. وحين سألنا د. سحر عمران، مديرة المطبوعات، عما يثار من لغط حول الهيئة، وعن مبيعات الكتب التي أصدرها اصطيف بعد تسلمه الإدارة (حيث كان قد زودنا بوثيقة عن حجم المبيعات في معرض مكتبة الأسد الأخير تظهر حجماً كبيراً لمبيعات كتابه العرب والأدب المقارن) كانت إجابتها بتقديم وثيقة تظهر أن احصاء د. اصطيف لمبيعات كتابه لم يشمل النسخ المهداة، وبقولها: «كان من الأجدر ألا تطبع كتب لم تحقق بيعاً أبداً، ولم يلمسها أحد، كما حصل في معرض اليمن، وهذه الكتب تبناها د. اصطيف. أما من يعملون في مديريتي التأليف والترجمة فهم أشخاص نشيطون ومرموقون وأصحاب كتب ومؤلفات». ‏

هذا ما يحري في أهم مؤسسة ثقافية معنية بالكتاب ونشره، بل معنية بالنهوض باستراتيجية البلد الثقافية، أخذناه من أفواه العاملين فيه والمسؤولين عنه، بكل ما ينطوي عليه من دلالات خطيرة، ونضعه برسم المعنيين والغيورين، وقبل ذلك برسم الحقيقة ومصلحة الوطن... ‏

‏ قيس مصطفى

المصدر: تشرين


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...