الفصل السابع ماذا يعني لدمشق؟

01-06-2007

الفصل السابع ماذا يعني لدمشق؟

كانت نخبة من الشخصيات الرسمية والدينية والإعلامية والثقافية تحتفل في قاعة المتنبي في فندق المريديان مساء الأربعاء من الاسبوع الماضي بصدور كتاب «سوريا 2000­2007 سنوات التحدي والبناء» الذي يوثق مسيرة سوريا خلال الولاية الدستورية الأولى للرئيس بشار الأسد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, حين كانت الدول الأعضاء في مجلس الأمن تعقد جلسة للتصويت على مشروع قانون إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بمحاسبة المتورطين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. المشهد السوري بدا بعيداً تماماً عما يجري في مجلس الأمن, إذ استمر السوريون في احتفالاتهم بمناسبة تولي الرئيس بشار الأسد ولاية رئاسية ثانية لسبع سنين جديدة, وكان إصدار الكتاب من ضمن هذه الاحتفالات التي عمت أرجاء البلاد كافة, وقد ازدانت بالأعلام ولافتات التأييد والولاء, كما انتشرت خيم الدبكات الشعبية وصدحت الأغاني الوطنية وأطلقت الألعاب النارية, فيما كانت مسيرات السيارات تجوب الشوارع حتى ساعات الصباح الأولى مزدانة بصور الرئيس بشار الأسد وعبارات التأييد والحب مثل «منحبك ومنحييك ومنهني سوريا فيك» و«نقول نعم لمصلحة الوطن» و«مبروك ليس لسوريا فحسب بل لكل العرب حماك الله يا أسد» و«مبروك لك يا سيادة الرئيس حب الشعب »... وغيرها من مظاهر ابتهاج شعبي عام لم يكن في الحقيقة سوى رسالة إلى الخارج تؤكد «تماسك الجبهة الداخلية السورية ومنعتها حيال الضغوط الخارجية» حسب تصريح أكثر من مسؤول سوري لوسائل الإعلام.
وقد وصفت جريدة «الثورة» في افتتاحيتها هذه بأنها رسالة «مفتوحة» وموجهة إلى «كل الذين راهنوا على التأثير في منعة واستقرار البيت السوري», «رسالة يفترض أن يكون قد تسلمها من يعنيه الأمر بأن هذا الشعب مؤمن بخيارات رئيسه», و«سيقف معه دوماً ضد كل ما يؤثر في سيادة وكرامة سوريا, سواء كان من خلال قرارات ومحاكم دولية أم غيرها من أشكال الضغوط». فمشهد التأييد الشعبي الكاسح الذي حقق نسبة 97,62% نسبة الذين صوتوا بنعم للرئيس الأسد, هو رد على حملات التشهير والتشويه التي تقودها اميركا ضد سوريا ورئيسها.
ولم تؤثر حرارة موضوع إقرار المحكمة الدولية ولا الحملة الإعلامية الخارجية في الشارع الذي بدا منشغلاً بالاحتفال, لإثبات ما ردده أكثر من مسؤول بأن «سوريا غير معنية بهذه المحكمة» وقد عبر عن ذلك وزير الخارجية وليد المعلم قبل ثلاثة أيام من اجتماع مجلس الأمن في تصريحات للصحفيين بعد الإدلاء بصوته بالقول إن «سوريا ليست معنية ولم تكن طرفا في نظام هذه المحكمة ولا في الاتفاق الذي أبرم بين لبنان والأمم المتحدة», مستنداً في هذا الموقف إلى ما سبق وأعلنه الرئيس السوري بشار الأسد في العاشر من أيار /مايو الماضي في خطابه أمام مجلس الشعب «بأن المحكمة ذات الطابع الدولي موضوع خاص بين لبنان والأمم المتحدة ولا نرى أننا معنيون بها بصورة مباشرة» مؤكداً أن «أي قرار وطني هو أعلى من القرار الدولي ولكن في الوقت نفسه نوضحها بشكل اكبر لأن هناك من يقول إن سوريا وقعت على ميثاق الأمم المتحدة وهنا هي النقطة بأننا وقعنا على ميثاق الأمم المتحدة ولم نوقع على مصالح الولايات المتحدة وباقي حلفائها».
هذا الموقف لم يتغير بعد إقرار قانون المحكمة تحت احكام البند السابع حيث علق المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري على القرار قائلاً إنه «خطير ويؤسّس لمرحلة من عدم الاستقرار في المنطقة». وأضاف إن «العملية هذه تفتح الباب على مصراعيه لاستمرار استهداف المنطقة واستقرارها», مشدداً على أن «سوريا لا تتدخل في الشأن اللبناني وهذا أمر داخلي. اللبنانيون وحدهم يقررون مصيرهم». كما نقلت وكالة الأنباء (سانا) عن مصدر إعلامي في أول رد فعل رسمي من دمشق مساء الأربعاء قوله «لا تغيير في الموقف السوري إزاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان», وأضاف إن «إنشاء المحكمة تحت الفصل السابع يعد انتقاصاً من سيادة لبنان, الأمر الذي قد يلحق مزيداً من التردي في الأوضاع على الساحة اللبنانية». وعلى الرغم من أن سوريا غير معنية بموضوع المحكمة إلا أن ذلك لا يمنع أن يكون لها رأي في الطريق التي سلكها مشروع نظام المحكمة, بحسب حنين نمر الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري وأمين سر مجلس الشعب الذي وصف تلك الطريق بأنها كانت مفروشة بالخروقات للقوانين الدولية واللبنانية, حيث تم تهريب هذا المشروع تهريباً بطريقة غير نظامية واستغرب نمر: «كيف توافق الأمم المتحدة على مناقشة مشروع نظام محكمة غير مقر في بلده الأصلي بطريقة قانونية, حيث لم يتم التوافق عليه كما لم يوافق عليه مجلس النواب ولا رئيس الجمهورية فـ«الفريق الحاكم قام بتهريب مشروع القانون, ومجلس الأمن قبل بمناقشته على الرغم من أن الأمم المتحدة من المفترض أنها تمثل ضمير العالم وميزانه القانوني, ونوه نمر إلى أن الطريق غير النظامية التي سلكها مشروع نظام القانون دفعت بعض أعضاء مجلس الأمن إلى المطالبة بإعادته إلى لبنان ليتم إقراره بطريقة دستورية... وقد لعبت السعودية دوراً ايجابياً في تهدئة الوضع في لبنان, لكن يبدو أن هناك بعض الأطراف لا تريد للسعودية والعرب التدخل في لبنان وحصر التدخلات في لبنان بالأميركيين لأنهم يسعون إلى تدويل وأمركة لبنان». وما إقرار المحكمة تحت البند السابع سوى تأكيد لذلك كونه سيشكل «أداة لاستباحة لبنان», فالفصل السابع له شروط أهمها أن تدخل الأمم المتحدة يتم في حال «كانت البلد تعيش حرباً أهلية وتعاني تفككاً داخلياً, بحيث تكون السلطة غير موجودة أو غير قادرة على ممارسة الحكم, فتدخل لتحل الأمم المتحدة محل السلطة. وهذا الواقع غير متوافر فعلياً في لبنان», لكن «هناك من يحاول أن يخلق هذا الواقع من خلال تسخين الساحة اللبنانية», ونبه نمر إلى «أن الاشتباكات واقتحام مخيم نهر البارد كانت تهدف إلى خلق شروط تناسب إقرار الفصل السابع, لكن حكمة الكثير من اللبنانيين والفلسطينيين حالت دون اقتحام المخيم».
وتتفق آراء الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري حنين نمر مع آراء محللين سوريين آخرين أبدوا استهجانهم من استعجال بعض الأطراف اللبنانية وجهات دولية لإقرار مشروع المحكمة قبل انتهاء تحقيق اللجنة الدولية والذي يتطلب على الأقل سنة, ورأى المحللون أن هذا مؤشر على عدم حياد الموقف وسعي إلى تسييس المحكمة, حيث أن سوريا لا تعارض مبدأ المحكمة لكنها تستغرب إقرار نظام قانون بمعزل عن الشرعة القانونية اللبنانية والدولية, وهو ما «يمس سيادة وأمن لبنان ويهدد الاستقرار في المنطقة».
ومع أن سوريا لا تظهر اهتماماً بموضوع المحكمة لأنها لا تستشار حولها, ولأنه لم يسلك طريقاً شرعياً إلا أن هذا الوضع في حد ذاته يثير الريبة وعدم الاطمئنان للسيناريوهات المقبلة المحتملة, إذ إن إقرار المحكمة وفق البند السابع ينذر ببدء جولة جديدة من الضغوط الدولية على سوريا, وهي تأتي بالتزامن مع احتمال العودة إلى الحوار السوري ­ الأميركي وفك العزلة, التي بدأت بلقاء وزير الخارجية وليد المعلم مع نظيرته الاميركية كوندوليزا رايس على هامش مؤتمر شرم الشيخ بداية الشهر الماضي, وأيضاً مع بدء حوار اميركي ­ إيراني اخيرا في بغداد, ما يشير إلى أن ثمة قواعد عدة ستتغير في اللعبة, من دون أن يعني ذلك تغيراً في اللعبة الاميركية في المنطقة, فحسب معلومات إعلامية أميركية مازال سيناريو فك الارتباط بين سوريا وإيران قائماً, ويرى محللون أن اميركا ستجلس على طاولتي حوار منعزلتين واحدة مع الإيرانيين وأخرى مع السوريين, وعلى كل طاولة ستحاول الحصول على مطالبها من كل طرف في ما يخص العراق, مقابل حلحلة في بعض القضايا المتعلقة بكل منهما, بحيث تفشل مطالب السلة الواحدة التي تجمع مصالح أكثر من طرف في المنطقة, وبالأخص محور الممانعة الذي تتقدمه كل من سوريا وإيران. ففي حين تتم مفاوضة إيران على الملف النووي, ستكون مفاوضة سوريا على تخفيف الضغوط بشأن تنفيذ قرار إنشاء المحكمة, وعلى هذه الخلفية قرأ مراقبون في دمشق زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي إلى دمشق صبيحة إقرار المحكمة, والتي تأتي بعد يومين على عقد مباحثات إيرانية ­ اميركية في بغداد بعد 27 عاماً من القطيعة, كما أنها تكتسب أهمية خاصة كونها أول زيارة لمسؤول إيراني إلى دمشق بعد التوتر الذي شاب الموقف الإيراني حيال لقاء المعلم­ رايس في شرم الشيخ.
مصادر مطلعة قالت لـ«الكفاح العربي» ان الهدف من الزيارة حمل التهنئة للرئيس الأسد بمناسبة توليه رئاسة سوريا لولاية ثانية, وبحث العلاقات الثنائية, وإقرار المحكمة الدولية, ونتائج الاجتماع الإيراني­ الاميركي في بغداد. والسؤال الذي طرحه المراقبون هل ستكون الظروف الجديدة التي سيخلقها صدور قرار المحكمة دافعاً لمزيد من التماسك في محور الممانعة, أم أن حركة الدبلوماسية الاميركية التي تسلك مسارين منفصلين في اتجاه سوريا وإيران ستؤثر في حجم التنسيق بينهما؟ لا شك في أن الإجابة مرهونة بالتطورات خلال الأسابيع المقبلة, أو رهناً بالتحرك العربي في الأيام القليلة التي أعطيت للبنانيين كمهلة أخيرة كي يتوافقوا على نظام قانون المحكمة, كي تكون دستورية وتمنع تداعياتها السيئة على كل المنطقة, وعلى أي حال فإن المؤشرات كافة تتجه نحو السيناريو الأكثر سخونة.


المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...