الصراع على البحر الأسود

16-09-2009

الصراع على البحر الأسود

الجمل: تعتبر روسيا من البلدان ذات الحدود البحرية الأطول في العالم وبسبب طبيعة التنافس الدولي الذي تخوضه روسيا في مواجهة أمريكا وحلفائها فإن عبء الدفاع عن الحدود البحرية والشواطئ الروسية الطويلة أمر صعب يستنزف قدراً لا يستهان به من موارد الدولة الروسية.
* أمن البحر الأسود: الحلقة الخطرة:
تطل روسيا على المحيط المتجمد الشمالي من الشمال وعلى بحر البلطيق من الشمال الغربي وعلى البحر الأسود وبحر قزوين المغلق من الجنوب الغربي وعلى المحيط الباسفيكي من الشرق، وعلى أساس الاعتبارات الأمنية فإن إغلاق المنافذ والإطلالات البحرية الروسية مع الباسفيك والمحيط المتجمد الشمالي وبحر البلطيق وقزوين لا تؤثر على روسيا إذا ظلت إطلالتها البحرية على البحر الأسود مفتوحة، ولهذه الأسباب فإن مذهبية الأمن العسكري الروسي تركز أولاً وقبل كل شيء على تأمين البحر الأسود وممراته وعدم السماح بوجود أي مخاطر أمنية تهدد الملاحة فيه وفي المناطق البحرية المرتبطة به.
يعتبر البحر الأسود من المسطحات المائية الداخلية وهو يقع بين ثلاثة كتل قارية هي: الكتلة الأوروبية والكتلة القوقازية والكتلة الأناضولية، ويرتبط البحر الأسود مع البحر الأبيض عن طريق مضيق البوسفور وبحر مرمرة ومضيق الدردنيل، وتبلغ مساحته 436.400 كلم مربع ويبلغ مستوى أعمق نقطة فيه حوالي 2200 متر (2.2 كلم) تحت سطح البحر، وتطل عليه ستة دول هي: روسيا – أوكرانيا – بلغاريا – جورجيا – رومانيا – تركيا. إضافة لذلك يطل على البحر الأسود حوالي 22 ميناء أبرزها ميناء اسطنبول التركي وسيغاستيبول الروسي وأوديسا الأوكراني وفارنا البلغاري.
* التطورات الأمنية والعسكرية الجارية في البحر الأسود:
تقول التقارير أن قائد دوريات الحدود البحرية الروسية صرّح يوم أمس 15 أيلول قائلاً أن القوات الروسية ستحتجز أي سفينة تدخل المياه الإقليمية الخاصة بإقليم أبخازيا الذي انفصل مؤخراً عن جورجيا وفسر المراقبون هذا التصريح أنه بمثابة تحذير يستهدف جورجيا لأنها الدولة الوحيدة التي ظلت تستخدم المناطق البحرية المتاخمة لأبخازيا باعتبارها مياهاً إقليمية جورجية، طالما أن إعلان الإقليم لانفصاله لا معنى له بالنسبة لجورجيا الرافضة لذلك.
هذا، وتشير تقارير أخرى أن الإجراء الروسي جاء في إطار رد الفعل على قيام القوات الجورجية باحتجاز سفينة كانت في طريقها إلى الإقليم منتصف الشهر الماضي، وتذرعت السلطات الجورجية أنها لن تسمح بوصول أي سفينة إلى شواطئ أبخازيا إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة من السلطات الجورجية، لسببين أولهما أن جورجيا لم تعترف بعد باستقلال أبخازيا والثاني أن الموافقة الأبخازية ليست ملزمة لجورجيا طالما أن الإقليم يقع تحت سيادة الدولة الجورجية.
بسبب التهديدات الجورجية لجأت أبخازيا إلى تقديم المزيد من التنازلات الأمنية والعسكرية لموسكو التي لم تتردد من جانبها بالقيام بدور الحامي الرئيسي لأمن أبخازيا البري والبحري والجوي.
* بين أمن البحر الأسود وأمن الشرق الأوسط:
ظل البحر الأسود طوال الأعوام الستين الماضية يلعب دوراً كبيراً في الربط بين موانئ بعض دول شرق أوروبا (بلغاريا ورومانيا) والاتحاد السوفيتي السابق، ومنطقة الشرق الأوسط، وتشير معطيات خبرة المعاملات أن حركة تدفق السلع والمواد بين موانئ البحر الأسود وموانئ الشرق الأوسط ظلت على وتيرة واحدة ولم تتأثر بانهيار الاتحاد السوفيتي أو حتى تفكك دول الكتلة الشرقية.
وتأسيساً على ذلك، نلاحظ أن تهديد أمن البحر الأسود وتحديداً مناطق بحر مرمرة المطل على اسطنبول ومضيق البوسفور ومضيق الدردنيل المرتبطان به هو تهديد سوف لن يترتب عليه تهديد روسيا وحسب وإنما تهديد مصالح دول الشرق الأوسط ذات العلاقات والروابط الوثيقة مع روسيا.
هذا، وتشير التحليلات إلى أنه من حسن حظ روسيا وأبخازيا فإن تهديد أمن البحر الأسود سيلحق الضرر بمصالح حلفاء أمريكا في البحر الأسود وتحديداً بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا وجورجيا، وبالتالي ستجد هذه الدول نفسها مضطرة إلى التخلي عن أمريكا والتعاون مع روسيا عندما يتعلق الأمر بأمن البحر الأسود.
بدأت منطقة البحر الأسود تشهد تصعيداً متزايداً لجهة تزايد عمليات إسقاط  القوة البحرية الأمريكية والروسية إضافة إلى القوة التركية والأوكرانية والبلغارية والرومانية وتقول المعلومات أن القطع البحرية التابعة لحلف الناتو بدأت تشق طريقها عبر مياه البحر الأسود، ولم يقتصر الأمر على البحر الأسود، فالوجود العسكري البحري الغربي لم يعد موزعاً بشكل متعادل في منطقة البحر الأسود وأصبحت الأغلبية العظمى من الأساطيل البحرية تتمركز في مناطق شرق المتوسط وتحديداً في المناطق البحرية الغربية من البحر الأسود إضافة إلى تمركز القوى البحرية فقد لجأت الدول الرئيسية المتصارعة إلى نشر قواتها وقواعدها العسكرية البرية والجوية بالقرب من البحر الأسود وحالياً تحتفظ أمريكا بقاعدتين في بلغاريا وقاعدة في جورجيا إضافة إلى الوجود العسكري الأمريكي في تركيا وأذربيجان أما بالنسبة لروسيا فقد كثفت قواعدها العسكرية في المناطق الروسية المطلة على البحر الأسود وفي مناطق القوقاز الشمالي المطلة على جورجيا.
من الصعب أن نتوقع ألا يتحول البحر الأسود إلى ساحة للحرب الباردة خلال العامين المقبلين خاصة وأن أهمية البحر الأسود ستزداد بسبب خطوط أنابيب المجرى الأزرق الجنوبي التي ستنقل نفط وغاز آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي.
لقد رتبت روسيا خط البحر الأسود على المستوى الروسي – القوقازي، ولكن مثل هذه الترتيبات لا يمكن أن تكون قادرة بما فيه الكفاية لتحقيق التوازن ومستوى الردع المطلوب في مواجهة التهديد العسكري البحري الأمريكي – الإسرائيلي – الغربي، فهل تسعى روسيا إلى تعزيز قدرات أمنها البحري عن طريق توسيع الترتيبات الأمنية البحرية وصولاً إلى البحر المتوسط أم تظل منكفئة ضمن قوام منطقة البحر الأسود؟

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...