الخارطة السياسية الإسرائيلية لما بعد إفشال مؤتمر أنابوليس

23-10-2007

الخارطة السياسية الإسرائيلية لما بعد إفشال مؤتمر أنابوليس

الجمل:  خلال فترة عدم اندلاع الحرب، تمثل توجهات السياسة الإسرائيلية امتداداً للتوجهات العسكرية، وخلال فترة اندلاع الحرب، تمثل توجهات السياسة العسكرية الإسرائيلية امتداداً للتوجهات السياسية. بكلمات أخرى، فإن ما يعجز الإسرائيليون عن تحقيقه بالقوة العسكرية يحاولون تحقيقه بالسياسة وعندما تصل السياسة إلى نهايتها المغلقة يلجأ الإسرائيليون إلى الحرب من أجل تغيير النتائج الميدانية، بما يؤدي إلى الدخول في دائرة جديدة من دوائر الشر الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
* مؤتمر إسرائيل – حلف الناتو: نظرية «تسيبي ليفني» الجديدة:
خلال فترة انعقاد مؤتمر إسرائيل – حلف الناتو، ألقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني خطاباً قدمت فيه "نظرية جديدة" لتفسير الصراع العربي – الإسرائيلي تتضمن النقاط الآتية:
• إن الصراع الحقيقي في المنطقة ليس صراعاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا حتى صراعاً بين العرب واليهود، إنما هو في الحقيقة صراع بين "المعتدلين" و"المتطرفين".
• إن السياسة الإسرائيلية يجب أن تكون سياسة مزدوجة، بحيث تقوم بمهمتين في وقت واحد:
* محاربة المتطرفين وعزلهم.
   * تقوية المعتدلين وبناء جسور التفاهم والتعاون معهم.
وعلى الصعيد التطبيقي لـ "رؤيا" الوزيرة الإسرائيلية، فقد أشارت تسيبي ليفني إلى ما أطلقت عليه تسمية "زعماء السلطة الفلسطينية البراغماتيين"، وقالت بأن إسرائيل سوف تتقاسم معهم الرؤيا والأهداف والغايات المشتركة القائمة على أساس اعتبارات منظور الدولتين والوطنين.. والحياة جنباً إلى جنب في سلام وأمان.
وأضافت ليفني قائلة: "... وسوف يكون من السذاجة الافتراض بأنه لا توجد خلافات في المصالح بين الطرفين، ومن ثم يتوجب علينا العمل والحوار من أجل تجسير الخلافات". كذلك أشارت الوزيرة الإسرائيلية أن على الإسرائيليين والفلسطينيين القيام بتجسير فجوتين وهما:
• الفجوة الأولى: في عملية حل الصراع حيث يتوجب على كل واحد من الطرفين أن يتخلى عن بعض أحلامه التاريخية.
• الفجوة الثانية: الإدراك الذي تم التوصل إليه بواسطة كل طرف والقدرة على تنفيذ واستدامة هذا الإدراك.
وقالت الوزيرة بأنه لا يوجد نزاع حول الحقيقة بأنه توجد فجوة بين إرادة الزعماء الفلسطينيين البراغماتيين من جهة، وقدرتهم على وضعها موضع التنفيذ من الجهة الأخرى.
* وزارة الخارجية الإسرائيلية وترتيبات "ما بعد" مؤتمر أنابوليس:
نقلت المعلومات التي أوردتها صحيفة هاآرتس الإسرائيلية الصادرة اليوم، بأن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، قد طالبت بتكوين "إدارة للمفاوضات"، وسوف تكون هذه الإدارة مختصة بالتعامل مع الأوضاع الجارية المتعلقة بالمسائل والقضايا الجوهرية لفترة "ما بعد" مؤتمر سلام أنابوليس.
وأشارت المعلومات إلى أن إدارة المفاوضات الجديدة سوف تكون مسئولة عن الاهتمام بالتعامل مع الأطراف الفلسطينية حول: ملف القدس، ملف اللاجئين، وملف الحدود الدائمة. كما أشارت المعلومات أيضاً إلى أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية وأهارون أبراموفيتش، مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، ومستشاريهم قد عقدوا اجتماعاً مع بعض المسئولين الحكوميين والعسكريين الذين سبق أن تولوا بعض المسئوليات إزاء القضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني خلال تولي الجنرال إيهود باراك لمنصب رئيس الوزراء الإسرائيلي في الفترة الماضية، وأشارت المعلومات إلى أن الذين حضروا هذا الاجتماع، بالإضافة إلى ليفني وأبراموفيتش، هم:
• العقيد السابق شاؤول ارييلي.
• جيلعاد شير.
• الدكتور نمرود توفيك.
• العقيد السابق دانييل رايزنر.
• العقيد السابق غيدي غرينشتاين.
هذا، وقد ركز الاجتماع على الآتي:
• هيكل "إدارة المفوضات" الجديدة.
• تكوين "إدارة المفاوضات" الجديدة.
• الأعمال والأنشطة الإجرائية.
وتقوم ليفني ومساعدوها بدراسة تاريخ عمليات التفاوض مع العرب، والاتفاقيات، والمبادرات، وعلى وجه الخصوص تلك التي لم يتم تنفيذها، كمبادرة جنيف، ومبادرة عامي إيعالون – الدكتور ساري نسيبي.
وتأتي هذه الدراسة المكثفة من أجل المزيد من الفحص والتدقيق، والاهتمام بما يمكن أن يكون مفيداً للاستخدام في المرحلة المقبلة.
وتقول المعلومات بأن الوثيقة الأكثر أهمية من بين الوثائق الجاري فحصها، هي: الورقة التي كتبها ارييلي، والتي لخص فيها عمله عندما كان رئيساً لـ«إدارة السلام» في فترة حكومة إيهود باراك، والموجودة حالياًَ ضمن ما يسمى بـ"الأرشيف الوطني الإسرائيلي".
وترى ليفني بأن الوظيفة الأساسية لهذه الإدارة الجديدة هي تقديم المساندة والمعلومات اللازمة للفريق الذي يضطلع بأمر عملية التفاوض الميداني..
الجدير بالذكر أن هناك خلافاًَ بين الإسرائيليين حول مكانة وتبعية هذه الإدارة، ذلك أن كلاًّ من رئيس الوزراء إيهود أولمرت، وزير الدفاع إيهود باراك، يعارض وجود هذه الإدارة في وزارة الخارجية بحيث تكون تابعة للوزيرة ليفني!! وذلك برغم محاولات الأخيرة إقناع أولمرت وباراك بأن هذه الإدارة سوف يتم تشكيل عناصرها من أفضل الخبراء الموجودين في رئاسة الوزراء، ووزارتي الدفاع والخارجية والجيش وأجهزة المخابرات..
* أجندة ما بعد إفشال مؤتمر سلام أنابوليس: الحسابات والترتيبات الإسرائيلية:
من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية، وجماعة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، قد أدركوا أنهم قد استطاعوا تحقيق تقدم ملموس في تنفيذ مخطط مؤتمر سلام أنابوليس، وذلك عن طريق إفراغ مؤتمر السلام من مضمون السلام، وتحويله إلى مجرد سيناريو فارغ عن طريق:
• حذف القضايا الخلافية الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي.
• تغييب الأطراف الحقيقية المعنية بالصراع، وإشراك الأطراف غير المعنية بجوهر الصراع.
• ممارسة ضغوط الدبلوماسية الوقائية، والمصطلحات السياسية الغامضة التي تحتمل أكثر من معنى وتفسير...
ترتيبات الخارجية الإسرائيلية تهدف إلى رفع جاهزية الحكومة الإسرائيلية والإعداد الجيد للتعامل مع المسرح السياسي الدولي في فترة ما بعد إفشال المؤتمر، ومن أبرز التوجهات الإسرائيلية المتوقعة في مسرح السياسة الخارجية سوف تبرز عملية إعادة تشكيل الإدراك العالمي حول طبيعة الصراع العربي – الإسرائيلي، بحيث يتم القضاء على مفهوم "الصراع حول الأراضي العربية المحتلة" و"الحقوق العربية المشروعة"، واستبداله بمفهوم "الصراع بين المعتدلين والمتطرفين"، بحيث تتم بعد ذلك عملية الشروع في إضفاء البعد والطابع المؤسسي الدولي للصراع بشكله وصيغته الجديدة..
أما دور الإدارة الجديدة، على ما يبدو سوف يكون هاماً للغاية، وذلك لأنها سوف تقوم بدور "هيئة الأركان" المسئولة عن توجيه السياسة الخارجية الإسرائيلية إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي..
التحركات الدبلوماسية في السياسة الخارجية تتعامل مع المذهبية الإسرائيلية مثلها مثل الحرب تماماً، ومثلما تتضمن التحركات الحربية حالتي "الدفاع" و"الهجوم"، فقد ظلت السياسة الخارجية الإسرائيلية منذ إنشاء دولة الكيان الإسرائيلي في عام 1948م، تتبنى مذهبية دفاعية تحاول إقناع العالم بأن ما تقوم به إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط لا يخالف الصواب.. ولكن بفعل الدعم والسند الذي قدمته السياسة المصرية والأردنية، وقوى 14 آذار، وحكومة السنيورة، وحركة فتح التابعة لمحمود عباس، فإن السياسة الخارجية الإسرائيلية بدأت تتهيأ من أجل توظيف مؤامرة إفشال مؤتمر السلام والانتقال من حالة "الدفاع" إلى حالة "الهجوم"، واستخدام الضغوط الأمريكية المباشرة وغير المباشرة على حكومات المعتدلين العرب من أجل عدم القيام بتأييد إسرائيل هذه المرة، وإنما مشاركتها في سياساتها الخارجية الهجومية ضد "قوى التطرف" في المنطقة..
السياسة الخارجية الهجومية الإسرائيلية خلال فترة ما بعد مؤتمر سلام أنابوليس سوف تركز على:
• إغفال النظر في ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ومطالبة محمود عباس والسلطة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بضرورة مساعدة إسرائيل في القضاء على الإرهاب والمتطرفين.. كخيار أول، ثم بعد الفراغ من هذه المهمة يمكن الجلوس والحديث حول قضايا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي..
• مطالبة المعتدلين العرب: مصر، الأردن، بالعمل على قدم وساق مع إسرائيل أولاً من أجل القضاء على المتطرفين، كشرط للحصول على المعونات الأمريكية وتفادي شبح تجويع شعوبهم..
• مطالبة الدول الخليجية والسعودية، بضرورة دعم الجهود الإسرائيلية بتوفير الأموال اللازمة لإسرائيل طالما أنها تعمل من أجل القضاء على خطر المتطرفين الذي يهدد المنطقة.
ولتنفيذ السياسة الخارجية الهجومية الإسرائيلية في فترة ما بعد إفشال مؤتمر أنابوليس للسلام فإنه أصبح منم المؤكد أن الإسرائيليين قد رسموا الخارطة السياسية الجديدة التي حدد الأهداف والتي بلا شك سوف تتضمن: سوريا، إيران، حزب الله، حركة حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية..
المرحلة النوعية الجديدة القادمة في السياسة الخارجية الإسرائيلية، سوف تتضمن محاولة الإسرائيليين الاستفادة من تراجع الزخم الدبلوماسي العربي في البيئة السياسية الدولية، خاصة وأن الدبلوماسية العربية كانت طوال المراحل السابقة في حالة "الهجوم" ضد إسرائيل، والآن سوف تحاول إسرائيل التحول إلى مرحلة "الهجوم" على النحو الذي يتيح لها الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة ودفع الدبلوماسية العربية إلى مربع حالة "الدفاع"..


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...