التلفزيون السوري: شاشة لا تشبه ما قُدِّر لها أن تكون

25-07-2008

التلفزيون السوري: شاشة لا تشبه ما قُدِّر لها أن تكون

دخل التلفزيون السوري أمس الاول (٢٣ تموز) عامه الثامن والأربعين، ولم تبلغ شاشته سنَّ الرشد بعد. فموقعُ التلفزة السورية في خارطة الإعلام المرئي لا يعكسُ أعوامه الثمانية والأربعين، ولم يستطع التلفزيون السوري، بصورته الحالية، أن يترك بصمة تخصّه في سوق الإعلام المرئي. وأكثر من ذلك، عجز عن مجاراة تلفزيونات عديدة حكومية أو خاصة تعمل بالملحن الشهير محمد القصبجي في استديوهات التلفزيون السوري.أقل من عشرة في المئة من عدد موظفيه، الذين يقدَّرون بالآلاف. ويكفي أن نقول إنَّ فضائية مثل »أم بي سي«، التي انطلقت في أيلول عام ،١٩٩١ تجاوزت التلفزيون السوري فنياً وتقنياً بأشواط، لندرك منحى الخط البياني المتذبذب للعمل في التلفزيون السوري، الذي اقتضى هذا العام مساعدة تقنية من تلفزيون »دبي«.
حالُ التلفزيون السوري اليوم، بـدت على الطرف النقــيض لما كان عليه في بداياتـه، لا سيما لجهة موقعه بين التلفزيونات العربية. يروي المخرج غسان جبري، وهو من جيل المؤسسين، أنَّ »التلفزيون في المنطقة العربية كان بطور البدايات، بينما كانت سورية ومصر رائدتين في هذا المجال«، لافتاً إلى أنَّ »كثيراً من المحطات العربية الأخرى اعتمدت في بداياتها على الخبرات السورية والمصرية«.
كان من الصعب لأشدّ المتشائمين أن يخمّن أنَّ بداية التلفزيون الطموحة تلك، ستنتهي إلى ما انتهى إليه التلفزيون السوري اليوم. ولعلَّ في استعادة تفاصيل من سنوات التأسيس في التلفزيون السوري، ما من شأنه أن يترك كثيراً من إشارات الاستفهام عن شاشة لا تشبه نفسها، كما قدّر لها جيل المؤسسين. فمثلاً، يتحدَّث المخرج خلدون المالح، وهو أحد المؤسسين الأوائل للتلفزيون، عن برنامج أسبوعي منوع، قدَّمه التلفزيون السوري على الهواء مباشرة ومن دون تسجيل، بعنوان »سهرة دمشق«، وذلك في السنة الأولى من تأسيسه، معتمداً على الفنانين الصاعدين (نهاد قلعي ودريد لحام) في فقراته الكوميدية، وعلى المنوعات الغنائية في الفقرات الأخرى. وبحسب المالح، فإنَّ »البرنامج تضمن من ٦ـ ١٠ لوحات غنائية استعراضية، وبين فقرة وأخرى يقدّم الثنائي دريد ونهاد مشهداً كوميدياً لمدة خمس دقائق«. وعن تميّز اللوحات الغنائية في البرنامج، يلفتُ المالح إلى أنَّ »المحطات العربية كانت تعتمد في معظم الأحيان عند تقديم المادة الغنائية على فرقة موسيقية تجلس في المسرح ومغنٍ على الميكرفون«، معتبراً أنَّ ذلك »ليس فناً تلفزيونياً«. ولكن كيف قدم التلفزيون إذاً المادة الغنائية؟
يقول المالح: »قدمت عام ١٩٦٠ الأغنية التلفزيونية في الأستديو، والتي كان لها موضوعها وديكورها وإضاءتها، أي بالشكل الذي نسمّيه الآن الفيديو كليب«.
بعد ثمانية وأربعين عاماً من بثِّ ذلك البرنامج، تبدو برامج المنوعات واحدة من أضعف البرامج التي تبثُّ على شاشة التلفزيون السوري اليوم، لتقتصر معظم البرامج المنوعة على مواد أرشيفية غنائية ودرامية قديمة، يقدّم لها بكلام إنشائي، وقد فشل معظمها في أن يحجز له مكاناً في ذاكرة المشاهدين، باستثناء البرنامج المنوع »غداً نلتقي«، الذي يبثُّ يومياً على القناة الأولى.
وحتى الساعة يتعثَّر التلفزيون السوري في إنتاج برنامج تلفزيوني ضخم شبيه بالبرامج التي تنتجها كلّ التلفزيونات العربية، وحتى الساعة ستبقى البرامج الحوارية الثقافية معدودة على الأصابع على مدار تاريخ التلفزيون، لتقتصر برامجه الثقافية في الغالب على متابعة الأنشطة الثقافية، وسيبقى الحضور البرامجي للتلفزيون السوري خجولاً في ما يتعلق بالبرامج النقدية التي تعنى بالدراما السورية رغم كلّ ما أنجزته الدراما السورية. وفي عامه الثامن والأربعين يفتقرُ التلفزيون السوري لاستديوهات ضخمة، أسوة بأيّ تلفزيون عربي. ورغم ما يعانيه من حالة تضخم وظيفي كبيرة، يفتقر التلفزيون السوري إلى عدد كاف من الفنيين والتقنيين القادرين على النهوض البرامجي... ومن يتميَّز منهم غالباً ما تحاصره الإمكانيات التقنية والمالية للتلفزيون.
وإن كان يحسب للتلفزيون السوري جدية برامجه، ومحافظته على دور تربوي وتنموي في عدد منها، إلا أنَّ الرسـالة التلفزيونية تلك لن تنتقص من قيمتها إذا ما ترافقت بالمتعة والتسلية، وهما العملتان اللتان تكادان تكونان محدودتي الحضور في التلفزيون السوري.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...