الاستخبارات الفرنسية تقرع أبواب دمشق

09-01-2015

الاستخبارات الفرنسية تقرع أبواب دمشق

الجمل- *جوزيف فيرنانديز  -ترجمة: رندة القاسم:

الهجوم القاتل ضد المجلة الهزلية "شارلي ابدو" طرح على الطاولة قضية محاربة الارهاب. و بنفس الوقت تقريبا ، وقع هجوم ارهابي على الحدود بين العراق و السعودية، اذ قتل ثلاثة حراس سعوديون على يد ارهابيي داعش خلال محاولتهم التسلل الى المملكة. و كلا الحادثين يلقي الضوء على كون الدولتان عرضة لخطر الإرهاب.
غير أن فرنسا تتخذ موقفا غامضا من الإرهاب في العالم العربي. ففي خطبهم، يؤكد القادة الفرنسيون مرارا و تكرارا التزامهم بمحاربة الإرهاب بكل أشكاله، و لكن على أرض الواقع تختلف الأمور. اذ قدمت فرنسا المال و السلاح لمجموعات ارهابية شمال سوريه من أجل اسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد. و اعترف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بنفسه أن فرنسا سلحت "المتمردين" المقاتلين ضد الجيش السوري.و نفس العملية تمت في ليبيا ، اذ شجعت فرنسا الميليشيات المسلحة لمحاربة نظام معمر القذافي قبل قصف البلد الذي تحول الآن الى ملاذ للارهاب الدولي.
و في سياساتها الشرق أوسطيه، تحالفت فرنسا مع بعض أنظمة الخليج الفارسي الراعية للتطرف و الارهاب، مثل السعودية و قطر. و قال بعض الخبراء الفرنسيين أن السعودية عملت في فرنسا من أجل تحويل المسلمين الى الوهابية ، دين الدولة السعودية و ايديولوجية القاعدة و داعش. عيسى الأيوبي، بروفيسور في القانون الدولي، أشار الى أن السعودية لم تستثمر على الاطلاق الأموال من أجل تطوير المسلمين في المشتبه بهما في حالة فرارفرنسا كجاليه، بل سعت فقط الى نشر النزعة الوهابية.  و استثمرت كل من  السعودية و قطر الكثير من الأموال في فرنسا و حققتا نفوذا لا يمكن انكاره على السياسة الخارجية الفرنسية. كل هذه الدول رعت المجموعات الارهابية المقاتلة ضد الدولة السوريه.
و لهذا ، فان السياسات الفرنسية و البربوغندا الوهابية المتعصبة قد شجعتا مئات الشبان الفرنسيين، و الأوربيين، للذهاب الى سوريه و القتال هناك. و لكن من الواضح أن لهذه السياسات نتائجها العكسية، اذ أن اثنين من الإرهابيين الذين شنوا الهجوم ضد شارلي ابدو هما سعيد و شريف كواشي القادمين حديثا من سوريه، حيث قيل أنهما اكتسبا خبرة في القتال.
و الآن تخشى الدول الأوروبية عودة مواطنيها المقاتلين في سوريه. و تقرع خدمات الاستخبار الفرنسية ، و أخرى أوربية، أبواب دمشق من أجل التأسيس لتعاون أمني مع سوريه. و وفقا لبعض وسائل الإعلام اللبنانية، فان دمشق تجاوبت بشكل ايجابي مع الطلبات الفرنسيه، غير أنها اشترطت اعادة فرنسا لعلاقاتها الدبلوماسية مع سوريه من أجل تأسيس هكذا تعاون، و حتى الآن لم ترد فرنسا.
و للأسف، الهجمات ستستغل من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفه، و على رأسها حزب "الجبهة الوطنية" الفاشي الجديد، من أجل رفع وتيرة حملتهم الغوغائية ضد المهاجرين و خاصة العرب و المسلمين.  و هذا الحقيقة تظهر أن مصالح المتطرفين (من الفاشيين الجدد و التكفيريين ) تتقاطع و تحتاج المجموعتان بعضهما من أجل تحقيق أهدافهما المشتركه المتمثلة في تدمير التعايش السلمي الديني و الاجتماعي في فرنسا و أوروبا.مقتل 4 رسامين تابعين لشارلي ايبدو
و بهذا ، و بمعزل عن موظفي المجلة الذين قتلوا، فان الضحية الفعلية لهجوم باريس هي الجالية المسلمة في فرنسا، و التي كانت تعاني أصلا من الاسلامفوبيا. و الفائزون  الحقيقيون هم حزب مارين لوبان و كل حركة الجناح اليميني المتطرف في أوروبا. و لهذا، لا يمكن لأحد استبعاد احتمال أن هجمات باريس كانت بتسهيل، و ربما بتحريض، من وكالات و مصالح حتى الإرهابيين أنفسهم لا يدركوها.
والأمر المثير للاهتمام هو أن المهاجمين كانوا يملكون معلومات مفصلة عن المجلة، و قال صحفي في شارلي ابدو لصحيفة اللوموند: "كان المهاجمون يعلمون تماما بموعد اجتماع هيئة التحرير الأسبوعي الأربعاء في العاشره صباحا، وفي بقية الأسبوع لا يكون هناك الكثير من الأشخاص".
حاليا فرنسا أمام خيارين، إما أن تحذو حذو الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول، و تنهمك في مرحلة جدية ترمي الى تقوية موقفها السياسي و الأمني ، ما يتطلب تغييرا جذريا في إستراتيجيتها. أو أن تهرب الى الأمام و تحتفظ بسياستها الخاطئة التي أدت الى نمو المجموعات الارهابية و ايديولوجيتهم ليس في سورية و العراق فحسب، بل أيضا في أوروبا و أجزاء اخرى في العالم.
فرنسا تشارك في الضربات الجوية التي يشنها الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة ، و لكن وفقا للخبراء فان هذه الهجمات بلا جدوى بدون تعاون استخباراتي  عسكري مع حكومات المنطقة، و خاصة السوريه. فالجيش السوري اليوم هو القوة الأكثر فاعلية في الحرب ضد الارهاب في المنطقة، و السياسة الفرنسية المتعجرفة المتمثلة بعدم التحدث مع دمشق بدأت تنعكس ضد فرنسا نفسها.
محاربة الارهاب تتطلب التزاما اكثر جدية من قبل الدول الغربية و فرنسا بشكل خاص. و ينبغي على القادة الأميركيين  و الفرنسيين مراجعة مواقفهم و التخلي عن كل الممارسات المشجعة للارهاب، مثل تدريب و تسليح "الثائرين المعتدلين في سوريه" الذين لا هم معتدلون و لا ثائرون و انما ارهابيون متعطشون للدماء. وحده الزمن من سيخبرنا ان كانت المذبحة الشنيعة في مجلة شارلي ابدو ستدفع القادة السياسيين و العسكريين الفرنسيين و الغربيين لتغيير سياستهم المتعلقة بمحاربة الارهاب من أجل تحسين التعاون الاقليمي و الدولي حول هذه القضية ،و للحيلوله دون المزيد من الهجمات الشائنة في أوروبا و الشرق الأوسط.


*صحفي و أمين الاتحاد الإسلامي في اسبانيا.
عن موقع Press TV

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...