اقتصاد الوردة: رومانس لكنّه يطعم خبزاً أيضاً

29-09-2009

اقتصاد الوردة: رومانس لكنّه يطعم خبزاً أيضاً

شهد قطاع الزهور في سورية، تطوّراً ملحوظاً، زراعةً وصناعةً وتجارةً وتصديراً خارجياً، إلا أنّ هذا الانتعاش كان حاله حال الزهور، سريع الذبول، وقصير العمر، فخلال السنوات الثلاث الماضية بدأ الانحسار والتراجع يصيب هذا القطاع لأسباب، أهمّها غياب الدعم الحكومي، واقتصاره على عقد ندوات وورش عمل فنية، كان آخرها الندوة الفنية التي عقدتها وزارة الزراعة، واتحاد غرف الزراعة السورية، بالتعاون مع الشركة الهولندية، وفيها أكّد أنطوني برود، المدير الإقليمي لشركة (توم اغرو) الهولندية المتخصصة في إنتاج الزهور: «أنّ سورية يمكنها أن تصبح دولة مصدّرة للزهور إلى أوروبا في وقت قصير نسبيّاً، نظراً لما تتمتع به من مناخ ملائم لمثل هذا الإنتاج، ولموقع سورية الجغرافي الذي يؤهّلها لتعب دوراً مهماً في إنتاج وتصدير الزهور إلى بلدان الخليج العربي وأوروبا المستهلكة للزهور.
ومع ذلك لا يحظى هذا القطاع بالدعم المطلوب فعليّاً على أرض الواقع، كما تمّ حصره بغرف الزراعة، ورفعت مسؤوليته عن وزارة الزراعة، علماً بأنّ هذا القطاع يؤمن، في مجال الزراعة، فرص عمل لأكثر من 5 آلاف شخص في دمشق وحدها؟!. ومن جانب آخر ما هي أسباب تراجع صادراتنا من الزهور وبذارها؟، وماذا عن دور جمعية المصدرين التي لا حول لها ولا قوة؟!.
ذكرت إحصاءات بورصة الورد في هولندا أنّ العالم يستهلك ملياري وردة سنوياً، فضلاً عن 190 مليون نبات زهري، هي حجم تجارة الورود في هذه البورصة التي تنفذ 50 ألف صفقة يومياً، ويتمّ التعامل فيها، من الولايات المتحدة إلى اليابان إلى أوروبا وأفريقيا، عبر الطائرات المجهزة خصيصاً لهذا الغرض، فمن زهور «أوركيد» في سنغافورة وماليزيا وتايلاند، إلى مصر التي تصدر الورد البلدي والأقحوان والفلوكس. إلى منطقة «السمير» الهولندية التي يتجمّع فيها مصدّرو الورد ومستوردوه في مزاد علني، حيث تستحوذ هولندا على أكبر مراكز التجارة العالمية للزهور، ما يقرب من‏ 45‏ مليار دولار من الورد، وقد نجحت هذه الدولة الصغيرة في استقطاب أكبر حجم بيزنس، وأصبحت أكبر سوق مصدّر تليها كينيا التي تصدّر ما يقرب من 120مليون دولار، وأوغندا بـ ‏70‏ مليون دولار،‏ وعربياً مصر تصدّر ما يقرب من 40 مليون زهرة سنوياً، وتحقق ما بين 6 ملايين دولار، رغم أنّ المحدّد لها تصدير‏3‏ آلاف طن زهور سنوياً من دون جمارك، في ظلّ اتفاقية الشراكة المصرية ـ الأوروبية.  إذاً تنامى «بيزنس» الزهور، ووصل حجم أعماله عالمياً إلى ‏65‏ مليار يورو، وبذلك تفوّق على القمح.
ازدهرت زراعة شتول وورود وأزهار الزينة في سورية خلال العقد الماضي بشكل كبير إلى درجة أنّ صادرات سورية من هذه المنتجات وصلت إلى الأسواق العربية والأوروبية، ونافست بشكل قويّ الكثير من منتجات تلك الدول، ولكن؟!.
يقول زهير معضماني، عضو المكتب التنفيذي في غرفة زراعة دمشق: «سابقاً كانت نسبة التصدير مرتفعة جداً إلى لبنان والأردن ومصر، وتتراوح ما بين 60 و70 %، لتشهد حالياً هبوطاً وصل إلى 20 % في أحسن أحواله، فعلى سبيل المثال كنّا نصدر إلى لبنان أكثر من 3000 سيارة سنوياً، أمّا الآن فقد انخفضت إلى 25 سيارة فقط، لأسباب عدة».
ورغم هذا الانخفاض، وبحسب محمد الشبعاني، رئيس قسم الزهور في غرفة زراعة دمشق: «سورية حالياً تنتج أكثر من مليار زهرة سنوياً، وتشكل عوائدها نسبة 3 % من الناتج المحلي، وهي نسبة جيدة مقارنة مع مساهمة قطاع الزيتون 3.5 %».
من أهمّ أسباب تراجع الإنتاج ـ كما حددها معضماني ـ تعود إلى غلاء المحروقات، وصعوبة الحصول على التورب (سماد طبيعي مخمر) والبذور، إضافة إلى أنّ تكاليف الأشتال المثمرة عالية جداً.
يقول معضماني: «بلغ عدد المشاتل في دمشق أكثر من 100 مشتل، ويبلغ عدد العاملين في هذا القطاع أكثر من 5000 شخص في دمشق وحدها، وهناك فائض بالنسبة إلى الإنتاج المحلي من الزهور والصعوبات في التصدير، وخاصة في المطار، حيث يتعاملون مع الزهور كأيّ بضاعة أخرى، والشروط تحتّم على المصدر إدخال بضاعته من الزهور والورود قبل عشر ساعات من شحنها، هذا الشرط، مع افتقار المطار إلى صالات خزن وتبريد، منافٍ للشروط العالمية التي تسمح بإدخال البضاعة قبل ساعتين فقط ما يبقيها جيدة»، ويضيف رفعت الطرشان، أمين سر غرفة زراعة دمشق: «نعم.. الشروط الموضوعة على المصدرين غير منطقية».
ويقول الشبعاني، رئيس قسم الزهور في غرفة زراعة دمشق: «يعتبر موضوع عدم وجود أماكن تصدير في المناطق الحدودية (المطار والموانئ) من أكثر العقبات التي تقف في وجه هذا القطاع، وهناك أيضاً الضرائب والرسوم المفروضة على البضاعة، فمثلاً تصدّر كمية من الورود بقيمة 50 ألف ليرة سورية، ويتطلّب منك البيان الجمركي مبلغ 50 ألف ليرة سورية تقريباً؟».
من جانبهم، أكّد عدد من أصحاب المشاتل أنّ هذا النوع من الزراعة مهدّد بشكل كبير في التراجع والانحسار إذا لم تتّخذ إجراءات دعم حقيقية في موضوع أسعار مادة المازوت بشكل حقيقي ومدروس، وموضوع تأمين المياه، وبالتالي يأمل أصحاب هذه المهنة أن يعاد النظر في أسعار الطاقة المقدّمة لهم، وأن يعاملوا كغيرهم من منتجي المحاصيل، وأن يكون هناك دور لوزارة الزراعة، فزراعة الشتول والأزهار أصبح لها جدوى اقتصادية كبيرة لا يمكن تجاهلها.
بقي قطاع الزهور، وموضوع تطوير واقعه الزراعي، وفتح منافذ التسويق الخارجي وتصديرها، من مسؤولية غرف الزراعة، ولم يدخل هذا القطاع ضمن نطاق ومسؤولية وزارة الزراعة؟، رغم أنّ ناتجه بلغ 3 %، ويسهم في الناتج الإجمالي لوزارة الزراعة ويتطلّب خططاً زراعية واتفاقيات تسويقية.
 يقول زهير معضماني، عضو غرفة زراعة دمشق: «لا علاقة لوزارة الزراعة في موضوع التسويق الخارجي، لذا غرف الزراعة تعمل على موضوع تحسين التسويق الخارجي للزهور، من خلال الاشتراك في معارض الزهور، والتعريف خارجياً بما لدينا، من خلال الاتصال بالانترنت، وبهذين الأسلوبين نحصل على نسبة 30 % من زبائننا.
ولكن التصدير يعاني من مشكلة ارتفاع تكلفة البيان الخاص بالتصدير، ما يفقدنا جانباً من قدرتنا على المنافسة، فمثلاً إذا قمنا بتصدير 100 كغ من الزهور، فإنّ البيان الخاص بها يكلّف من 8 إلى 10 آلاف ليرة سورية، بينما في باقي الدول المصدرون لا يحتاجون إلى بيانات تكلفة إذا كانت الكمية أقل من 500 كغ، أضف إلى ذلك غياب الدعم الرسمي للمزارعين، من حيث الإعفاءات المالية، وسهولة الحصول على المواد الأولية (بذور، عُقل، شتول)، والتصدير، والروتين في إجراء المعاملات، كلّ هذه الصعوبات تبقى سيدة الموقف دائماً، وليس لها حلّ على الإطلاق».

يضيف الطرشان: «إنّ التسويق محلي وفردي، والسبب عدم وجود مؤسسة أو حتى جمعية تختصّ بموضوع التسويق، ولأجل ذلك عملنا في الغرفة على تشكيل جمعية المصدرين السوريين، وتضمّ في عضويتها قسماً كبيراً من منتجي الزهور، وهدفنا منها تسهيل عملية التصدير والتسويق، بالتعاون مع الدولة، ومحاولة توفير الدعم اللازم لقطاع الزهور، بعد أن كان هذا الدعم ذاتياً لا مساند له ولا معين». ولكن هل استطاعت الجمعية تحقيق أهداف قيامها؟!.
يقول محمد (صاحب مشتل): «اتحاد غرف الزراعة يبذل جهوداً مهمّة في هذا المجال، وقد قام بزيارة إلى مصر للاستفادة من التطوّر الذي يشهده هذا القطاع، وأهمّه اتفاقيّة الإعفاءات الجمركية مع الاتحاد الأوروبي، وهذا ما نفتقده نحن في مطاراتنا، ما يهمنا أن الجمعية لم تستطع تحقيق معادلة تسويقية مهمّة، لارتباط الأمر بجملة من الصعوبات الداخلية».

محلياً المستفيد اقتصادياً من أسعار الزهور هم التجار، أمّا المزارعون فنصيبهم قليل، وهم مضطرون أمام عمر الزهرة القصير إلى البيع، أمّا التجار وأمام الطلب المتنامي على الزهور فهم يفرضون أسعارهم دون مرجعية أسعار، فلوائح أسعار التموين وقوانينه لم تطُل تجارة الزهور بعد، حتى إنّه لا وجود لرقم إحصائي حول عدد محال تجارة الزهور، وعدد العاملين في هذا القطاع تجارياً وصناعياً، وهي نسب لا يستهان بها.  يقول معضماني: «بالنسبة إلى أسعار الزهور التي تباع في الأسواق تكون بحسب المواسم وحجم الإنتاج، وأحياناً تتعلق بموضوع التصدير، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ أسعار الزهور والورود مرتفعة في السوق المحلية».  ويضيف صاحب محل أزهار: «الورد المستورد هو الأفضل، فالورد الجوري المحلي يتراوح سعر الوردة منه ما بين 25 و 50 ليرة سورية، أمّا المستورد فسعره 75 ليرة سورية، وهو ذو جودة أفضل من المحلي، حيث يوجد 20 صنفاً للجوري، و 5 أنواع أسعارها تتفاوت بين محل وآخر وبحسب أصنافها واستهلاكها».

سامر، صاحب محل زهور، يقول: «إنّ المصدر الرئيسي للزهور عبارة عن مزارع محلية، والقسم الآخر يستورد من أوروبا وبعض الدول العربية، وفي سورية لا نعتمد في طريقة البيع على البورصة أو المجمع الزراعي الذي يحدّد الإنتاج كما هو موجود في باقي الدول الأخرى، بل اعتمادنا على المزارع وتجار الجملة، حيث تكون التكلفة بحسب الموسم، وكمية الإنتاج والاستهلاك والأصناف الموجودة، وعليه نلاحظ أنّ الأسعار تكون مرتفعة خلال أشهر 7 و 8 و 9، على اعتبار أنّها مواسم أعراس وأفراح ومناسبات، أمّا المستوردة فأسعارها مرتفعة نظراً لجودتها المميزة».

مديرية وقاية النبات في وزارة الزراعة، وعلى مبدأ «على عينك يا تاجر»، أقامت ندوة فنية، سورية ـ هولندية، للاستثمار في ميدان إكثار وإنتاج الزهور في سورية، ومعرفة إمكانات إقامة مشاريع مشتركة مع هولندا، بهدف تشجيع زراعة الزهور في سورية، وتوسيع قاعدة الإنتاج لدى المزارعين، وتحقيق الجودة، بما يتناسب والشروط الأوروبية، وتنفيذ عمليات التصدير بالمواصفات العالمية المطلوبة، إذاً كيف تتحدّث وزارة الزراعة عن تطوير الإنتاج، وعن مقاييس ومشاريع مشتركة، وهذا القطاع مستثنى من حساباتها الزراعية؟!. ومع ذلك، وبدل أن تتحدّث وزارة الزراعة عن إمكانات معالجة مشاكل أصحاب المشاتل والصعوبات التي يعانون منها، تمركز حديث مديرياتها، من وقاية النبات، والتسويق الزراعي، وقطاع الزراعة والري، عن أمور ومواضيع لا علاقة لها بقطاع الزهور، وبالتالي لم تخرج الندوة بأيّ اتفاقيات أو نتائج قيمة مع هولندا، دولة بورصة الزهور».

رياض إبراهيم أحمد- ماريشا زهر

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...