أوروبا تطلق سياسة «عنق الزجاجة»: حشر سيل اللاجئين في اليونان

04-03-2016

أوروبا تطلق سياسة «عنق الزجاجة»: حشر سيل اللاجئين في اليونان

إنها مسألة وقت فقط، قبل تحويل اليونان رسمياً إلى «مخيمات للاجئين»، أو «مستودع أرواح» و «لبنان أوروبا» وفق أوصاف حكومتها.
لكن ذلك لا مهرب منه الآن. سيتكفل به التطبيق الواسع لسياسة «عنق الزجاجة»، بعدما اتفقت عليها دول طريق البلقان برغم اعتراضات أثينا. إطلاق العنان لها ينتظر مرور الدقائق الأخيرة من العد العكسي، أو من المباراة بكلمات المفوضية الأوروبية، حيث تلعب أوروبا ضد بعضها البعض. الخيارات قليلة، ليبقى المرجح أن يتحمّل اللاجئون المشردون تبعات أزمة أوروبا مع نفسها.مهاجرون ينظرون من اليونان إلى الأراضي المقدونية أمس (ا ف ب)
لحظة الصفر المنتظرة، وفق إعلانات المفوضية الأوروبية، هي القمة المرتقبة بين تركيا والاتحاد الأوروبي الإثنين المقبل. مسؤول أوروبي متابع للتحضيرات قال، لصحافيين في بروكسل، إن الاتحاد الأوروبي «بات منقسماً بوضوح بين فريقين، أحدهما يبحث عن حل أوروبي مع التخفيف عن اليونان، أما الآخر فيقول إن الأفضل هو إقصاء اليونان من شنغن حتى تستطيع تحمل مسؤوليتها لحماية الحدود الخارجية».
وشرح أن الفريق الأول يضم المفوضية الأوروبية وألمانيا وفرنسا ودول أخرى تحاول إيجاد خطة مقنعة، تقدم فيها تركيا التزامات جدية تسبقها خطوات ملموسة لتقليل تدفقات اللاجئين إلى اليونان. والفريق الثاني يضم النمسا وسلوفينيا ودول الاتحاد الشرقية الرافضة لاستقبال اللاجئين. هؤلاء بحسب المسؤول الأوروبي «مقتنعون أن القمة لن تجلب نتائج كبيرة، على الأقل ليس قريباً، لذلك ينتظرون تلك اللحظة لإعلان أنهم مضطرون لسياسة رقابة حدودية صارمة على طول طريق البلقان».
حينها سيجري التعميم الرسمي لسياسة «عنق الزجاجة»، أو السدود الحصينة، بعدما باتت مقدماتها واضحة إثر إغلاق مقدونيا حدودها مع اليونان. هناك سيكون الانحباس الأكبر، ليتكرر ذلك على حدود دول البلقان الأخرى وصولاً إلى النمسا.

اليونان تعترض، تتوعد بعدم السكوت، لكنها تتصرف على أساس أن «عنق الزجاجة» باتت قدراً واقعاً. بروكسل جهزّت غرفة إسعاف لمعالجة التبعات. خصصت تمويلاً طارئاً لتوفير المساعدات الإنسانية، تحسباً لعشرات آلاف اللاجئين سيعلقون هناك بلا أفق. مع ذلك، يبدو أن حكومة أثينا تعوّل على فشل سريع لتلك السياسة، مع تفاقم الأزمة، وفق السيناريو الذي وصفته الأمم المتحدة، بأنه «كارثة إنسانية محتملة» في حال بقيت الانحباسات مع استمرار التدفقات على اليونان.
التعويل على فشل المراهنين على فعالية السدود حمله وزير المالية اليوناني إقليدس تساكولاتوس، خوقال، رداً على أسئلتنا، إن ما يحصل الآن «وضع خطير للغاية»، قبل أن يضيف متحدثاً عن الدول التي تبنت إغلاق الحدود «من المهم جداً أنهم في الأسابيع المقبلة سيدركون العواقب المترتبة على أفعالهم، فإذا حاولت كل دولة حل المشكلة لوحدها، وليس وفق حل مشترك، فستكون المشكلة في النهاية أسوأ للجميع».
الوقت يمرّ بعقارب لا تكف عن لسع المفوضية الأوروبية. إنها من فريق رفض إغلاق الحدود. حين سئلت أمس عن أي نتائج مهمة، لم يظهر أي أثر لها، يمكن التعويل عليها في قمة على بعد أيام قليلة، قال المتحدث باسمها مارغريتس شيناس «الوقت لم ينته.. مثل كل مباراة كرة قدم علينا الانتظار حتى النهاية».
وفق هذا المنطق، الفريق الأوروبي كله الآن في الملعب التركي بحثاً عن هدف الفوز الثمين. مسؤولون ومفوضون أوروبيون لم يتوقفوا عن زيارة أنقرة خلال الأيام الماضية، إضافة للتجول في مدن على الحدود السورية. رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك حطّ أمس في أنقرة، لمحادثات تستمر يومين.
تصريحات توسك جعلته ممزقاً في الانقسام الأوروبي، فالمجلس الذي يرأسه يمثل الحكومات الأوروبية في النهاية. قضى الأيام الماضية متنقلا بين دول طريق البلقان، محاولاً بناء أي توفيق ممكن. حين يحلّ في النمسا، الغاضبة الآن من ألمانيا واليونان وبروكسل، يقول إنه يتفهّم قيادتها لفريق «عنق الزجاجة»، موضحاً «ليس مفاجئاً أن مستوى الإحباط يزداد، فالصبر ينفد فيما القوى الشعوبية (اليمينية) تتقدم».
حينما حلّ في أثينا، شدد على أنه لن يقف مع محاصريها، رافضاً بشدة إقصاءها من «شنغن». مع ذلك، فتصريحاته أكدت أنه لا منجى الآن من تطبيق سياسة السدود لوقف التدفقات، إذ قال للمستهدفين بها «أناشد جميع المهاجرين غير الشرعيين المحتملين من حيثما جاؤوا: لا تأتوا إلى أوروبا.. اليونان أو أي دولة أوروبية أخرى لم تعد بلد عبور، فقواعد شنغن ستدخل حيّز التنفيذ مجدداً».
صحيح أنه يوجه خطابه لمن يعتبرونهم «مهاجرين اقتصاديين»، لكن سياسات الصدّ والتشريد تستهدف الجميع، كما هو واضح مما يحصل أمام البوابة المقدونية.
رئيس المجلس الأوروبي أعلن أن هذه الأيام تفتح «فصلاً جديداً من مواجهتنا لأزمة اللاجئين»، مشدداً على أن عنوانه «العودة إلى شنغن». ترميم الخسائر التي تعرضت لها منطقة التنقل الحر، بفعل إعادة تقطيعها بحدود نصبتها سبع دول، عنوان يقود المفوضية الأوروبية اليوم لإعلان خطة «العودة إلى شنغن».
إنها جدول زمني بمهام يجب تطبيقها تباعاً، وفق نسخة من الخطة، سرّبها فريق المفوض الأوروبي للهجرة للصحافة بإيعاز منه. البداية من إلزام اليونان بتقديم «خطة عمل» لتنفيذ 50 توصية، تضمن سيطرتها على الحدود وتدفقات اللاجئين، بحلول منتصف الشهر الحالي، ليتم تقييم فعالية تنفيذها بعد شهر منه. منتصف أيار سيكون موعداً للبت إن كانت اليونان قادرة على ذلك، وإلا سيتم التشريع للدول بأن تعيد نصب الحدود، حيثما ارتأت، خلال عامين.
أحد أهداف الخطة الأساسية هي خلق وكالة أوروبية فعالة لخفر السواحل وحرس الحدود. الجدول الزمني المستهدف يتوقع أن تكون هذه الوكالة تعمل بأقصى طاقتها بحلول نهاية العام الحالي. لكن قبل ذلك، يجب أن يتم إقرارها في قمة حزيران المقبل للزعماء الأوروبيين. ذلك يجعل السرعة المأمولة أمام صعوبات ليست قليلة. البرلمان الأوروبي يجب أن يوافق على ذلك أيضاً، ولجنة الشؤون الداخلية فيه منخرطة الآن في نقاش بشأن حزمة مشاريع متكاملة، ضمنها إنشاء الوكالة. هناك أكثر من 1200 تعديل على الحزمة طلبها البرلمانيون، بعد عرض أول تقرير حول ما يريده البرلمان من تلك المشاريع.
قدمت هذا التقرير النائبة وزيرة الهجرة الإيطالية السابقة سيسيل كينغي. وقالت،  إن ما يعوق السرعة هو موقف الحكومات الأوروبية، لا موقف بروكسل. وأضافت «نحتاج حلاً لقضية اللجوء والهجرة، ولدينا هذا الحل، لدينا الاستجابة المباشرة والمتوسطة والبعيدة المدى إلى جانب النهج العالمي المطلوب»، قبل أن تضيف «لكن القضية عند الحكومات الأوروبية، فهي تؤيد اتباع نهج أمني، وبالنسبة للمفوضية والبرلمان هذا غير ممكن، نحن لا نريد إغلاق حدودنا بل أن نديرها بشكل جيد. كما أن إخراج اليونان من شنغن غير وارد وغير ممكن أصلاً».
جزء من حراك خصوم «عنق الزجاجة» يركز الآن على إيجاد آليات لإعادة توطين اللاجئين، مباشرة من تركيا على وجه الخصوص. تأمل بروكسل وبرلين باجتراح خطة قوية وجادة، يمكنها إرضاء أنقرة على أساس «تقاسم أعباء اللاجئين». كان المسؤولون الألمان تحدثوا حتى عن إمكانية إعادة التوطين مباشرة من سوريا، داعمين بذلك إيجاد منطقة آمنة لكن بالتوافق مع موسكو ودمشق.
الأمر ممكن طبعاً، وفق خطة شاملة يلتزم بها الجميع. لكن ذلك مشكوك فيه. خطة لتوزيع 160 ألف لاجئ، من اليونان وإيطاليا، لم تلقَ نجاحاً يذكر: نحو 600 لاجئ فقط تم توزيعهم خلال أشهر.
منخرطون في هذا النقاش يقولون إن الأمر يحتاج أن تأخذ أوروبا قراراً سياسياً بذلك. الخبير البريطاني غراهام واتسون يعمل الآن مستشاراً خاصاً لمؤسسات أوروبية رسمية حول قضية اللاجئين ومنطقة «شنغن» تحديداً. كان سابقاً برلمانياً أوروبياً، ويعرف تفاصيل النقاش الرسمي خلف الأبواب المغلقة.
و قال واتسون، منتقداً النهج الأوروبي الحالي، «أنا قلق للغاية. من الممكن حتماً لأوروبا استضافة هؤلاء اللاجئين كما فعلت أميركا قبل مئة سنة تقريباً، حين استضافت تقريباً مليون لاجئ سنوياً، على امتداد ثلاث سنوات»، قبل أن يضيف «لذلك فإن أوروبا حتماً قادرة على استضافة التدفق الحالي، لكن نحتاج خطة لذلك أساسها التضامن الأوروبي عبر تقاسم اللاجئين بين الدول. هذا ممكن تماماً، والبديل سيئ للغاية، وهو انهيار نظام شنغن. حتى أن أحداً لا يمكنه تصوره».

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...