آل سعود: عيونهم على سوريا .. وسيوفهم في الرياض

06-07-2012

آل سعود: عيونهم على سوريا .. وسيوفهم في الرياض

 

الجمل - عبدالله علي: قامت دمشق بخطوة استباقية حاولت من خلالها الاحتراز لأي طارئ على صعيد علاقاتها مع دول الخليج وبشكل خاص المملكة العربية السعودية، فأعلنت عن شرعية دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين لقمع الثورة التي اندلعت في وجه الملك هناك. لكن هذه الخطوة لم تصل إلى المراد منها، إذ سرعان ما فتحت الرياض النار على النظام السوري وحملت راية المطالبة بإسقاطه داعمة مطلب تسليح المعارضة ومطلب اللجوء إلى استصدار قرار تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

تاريخياً لطالما حاولت الحركة الوهابية أن تجد لها موطئ قدم في بلاد الشام عامة وفي دمشق خاصة وقد استمرت محاولاتها منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى أيامنا هذه. وبظل الأزمة الدموية المستعرة التي تعيشها سورية في هذه الفترة وجدت الوهابية الفرصة سانحة لتعيد المحاولة من جديد لعلها تظفر بما لم تستطعه سابقاً.

لكن يبدو أن الحماسة للتدخل في سوريا وزرع بذور الحركة الوهابية في أرضها، ليست بلا حدود أو على الأقل تخفف من غلوائها ضوابط كثيرة تضطر المملكة أن تقيد نفسها بها، وهذا ما يثبته ما شهدناه في الشهر الماضي من قيام نظام آل سعود باتخاذ خطوتين: الأولى تتمثل في حظر الجهاد في سورية، والثانية في حظر جمع التبرعات من قبل رجال الدين وغيرهم تحت ذريعة دعم الشعب السوري.

فقد صدرت عن مجلس القضاء الأعلى السعودي في التاسع من الشهر الحالي فتوى كان لها وقع المفاجأة بالنسبة للأوساط المتابعة وتقضي هذه الفتوى بحرمة الجهاد في سورية على السعوديين دون إذن ولي الأمر. وقال علي الحكمي عضو مجلس القضاء الأعلى تعليقاً على هذه الفتوى: "لا بد من التعاون مع الدولة فيما يتعلق بتقديم الدعم المنظم دون الخروج على ولي الأمر". وقد فُهم من هذا أن نظام آل سعود ليس في وارد تجييش الشارع لديه وحثه على الجهاد ضد النظام السوري.

وقبل ذلك وتحديداً في 29 أيار، نشرت الصحافة العربية خبراً مفاده أن الملك السعودي عبد الله استدعى عشرين شيخاً سلفياً بارزاً إلى الرياض، ومنعهم من التماس التبرّعات للمواطنين السوريين المنكوبين. جاء ذلك بعد أن شهدت المملكة نشاطاً مكثفاً من قبل رجال الدين للتحريض على النظام السوري والدعوة لإسقاطه وقد توج هذا النشاط بالدعوة إلى جمع التبرعات لمساندة الشعب السوري ممزوجة بالدعوة إلى الجهاد ضد نظام دمشق. وقد تجاوزت إحدى المجموعات المشكلة لهذا الغرض والتي تطلق على نفسها اسم «لجنة العلماء لدعم سورية»، الخطّ الأحمر - على ما يبدو - عندما أعلنت عن وجودها على الفايسبوك في 26 أيار/مايو، ونشرت أرقام حسابات مصرفية مخصّصة للمانحين المحتملين، ونظّمت حملة لجمع التبرّعات في مسجد البواردي في الرياض، ويرأس هذه المجموعة سبعة شيوخ بارزين غير موالين للحكم، يُعرَف عددٌ منهم بدعواته السابقة إلى التطوّع للقتال في العراق، وبآرائه المناهضة للإصلاح، ومن هؤلاء ناصر بن سليمان العمر، وعبد الرحمن صالح المحمود، وعبد العزيز مرزوق الطريفي.

وقد التزم مؤسسو المجموعة بقرار الملك القاضي بوقف التبرعات وأعلنوا على صفحاتهم أنهم لا يقبلون الهبات بسبب التدخل الملكي، وتابعهم في ذلك عدد من رجال الدين وعلى رأسهم الشيخ محمد العريفي ذا الشعبية الكبيرة، والذي يمتلك العدد الأكبر من المتابعين على موقع تويتر في المملكة، إذ علّق على الموقع قائلاً إنه أُجبِر على التوقيع على تعهّدٍ بعدم جمع التبرّعات لسورية.

وقد فسر بعض المحللين السياسيين صدور هذين القرارين في السعودية بأنه تراجع من نظام آل سعود عن موقفهم المتشدد من دمشق والقاضي بإسقاط نظامها مهما كان الثمن، وأن هذا التراجع جاء بعد التوازنات الدولية الجديدة التي فرضها الحضور القوي للدبلوماسية الروسية على ساحة الأزمة السورية وإمساكهم بخيوط اللعبة فيها كما قال هؤلاء المحللون.

لكن يبدو أن الحقيقة خلاف ذلك، لأن قرارات السعودية بحظر الجهاد والتبرع بالمال لا علاقة لها بالموقف من نظام دمشق ولا تنم بأي شكل من الأشكال عن تراجع في موقفها المتشدد، حيث يرى فريدريك ويلي من معهد كارنيجي للسلام أن هذه القرارات تأتي في صدد مرحلة حساسة من العلاقات بين نظام آل سعود وبين رجال الدين الوهابيين. ويذكر ويلي بأن الملك عبدالله اتخذ في آب 2010 قراراً يقضي بحصر مهمة الفتاوى بهيئة كبار العلماء فقط، مما يضع قيوداً جدية على استقلالية رجال الدين في المملكة ويمنعهم من الإفتاء عبر الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي في مواضيع قد تسبب الحرج لنظام آل سعود.

لذلك ينظر نظام آل سعود إلى الدعوات الصادرة بجمع التبرعات أو الجهاد في سورية على أنها محاولة من رجال الدين للالتفاف على قرار الملك السابق ذكره والقاضي بحصر الفتاوى في هيئة كبار العلماء، وبالتالي التملص من سلطة الملك مستغلين في ذلك الأزمة السورية التي تلامس المشاعر الدينية عند السعوديين.

بل وأكثر من ذلك، إذ يرى ويلي أن الحظر يعكس، وإن بشكل أقل وضوحاً، مخاوف آل سعود من أن يستغلّ علماء الدين المتشدّدون غير الموالين للنظام الحاكم الأزمةَ السورية لانتقاد شرعية الأسرة الحاكمة، ويعزز من هذه المخاوف لدى آل سعود أن العديد من رجال الدين قد أشادوا على موقع تويتر أو مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى بانتصار الإخوان المسلمين في مصر بانتخابات الرئاسة، وألمحوا تلميحاً غير مباشر إلى أن التجربة الديمقراطية المصرية يجب أن تتكرّر في شبه الجزيرة العربية.

إضافة إلى ما سبق فإن وفاة ثاني ولي للعهد في السعودية خلال عام، وتدهور صحة الملك والأنباء التي تحدثت عن استنفار أمني في شوارع الرياض عقب إدخاله المشفى تحسباً لأي طارئ، قد يدفعنا كل ذلك للقول: أن عيون آل سعود إذا كانت منصبة على دمشق فإن سيوفهم بلا شك مسلطة هناك في الرياض.

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...