«طوارئ» أوروبية تحسباً لطوفان اللاجئين: اليأس من الأتراك يحشر اليونان في الزاوية

27-02-2016

«طوارئ» أوروبية تحسباً لطوفان اللاجئين: اليأس من الأتراك يحشر اليونان في الزاوية

عجز الأوروبيين انتهى بهم لحشر اليونان في الزاوية، بتركها رهينةَ قدرها الجغرافي. عليها مواجهة تدفق اللجوء وحيدة، التجهّز لانحباسه على أراضيها بعد إغلاق الآخرين لحدودهم. الأوروبيون يحضرون خطة طوارئ احتراساً من طوفان اللجوء هناك، مع عروض لمساعدات مالية سخية لدولة ستتحول «مستودع أرواح»، كما قال رئيس وزرائها ألكسيس تسيبراس. الخلافات انفجرت، مع إحساس أثينا بالخديعة. العدّ العكسي بدأ، ليكون الحسم يوم السابع من آذار، موعد القمة الأوروبية مع تركيا.
يوم الخميس، ترك وزير الهجرة اليوناني جيانيس موزالس خلفه تصريحات غاضبة، ليدخل قنبلة موقوتة انفجرت خلال لقاء وزراء الداخلية الأوروبيين في بروكسل. مصادر ديبلوماسية أوروبية، حضرت الاجتماع، قالت إن جيانيس «خرج عن طوره تماماً، وحالما انتقل الحديث إليه انفجر في وجه الجميع». كانت اليونان وحيدة. الجميع أخذوا يصغون بلا اهتمام، باستثناء حديث متعاطف من وزيري قبرص وإيطاليا.
قبل دخوله الاجتماع، قال الوزير اليوناني إن اليونان لا تريد أن تصير «لبنان أوروبا»، لافتاً إلى رفضها التحول إلى «مستودع أرواح» مقابل الحصول على مساعدات مالية تعينها على ذلك. القصة لم تبدأ هنا، فقبل يوم من الاجتماع كان تسيبراس يكرر رفض عنوان «مستودع الأرواح». التطور الأهم، الذي يعطي سياقاً لذلك العنوان، تأكيد جيانيس أنه جاء إلى اجتماع يريد فيه نظراؤه مناقشة «أزمة إنسانية في اليونان هم أنفسهم من يريدون خلقها فيه».
الأمور بدأت تتضح أكثر مع تقدم أعمال الاجتماع، قبل أن يخرج المسؤولون الأوروبيون معلنين أن «خطة طوارئ» ستكون جاهزة خلال أيام. الطوارئ ستتحسب لسيناريو إغلاق دول غرب البلقان حدودها أمام تدفقات اللاجئين، بعدما تم الإعداد لذلك في اجتماع فيينا الذي أُقصيت عنه اليونان. التطور الوحيد، من دون أمل أوروبي كبير في حدوثه، هو اندفاع تركيا لتعاون يقلل على نحو كبير تدفقات اللجوء.
لا إشارات أساساً من تركيا في هذا الاتجاه، برغم قول الأوروبيين إنه التعويل الأساسي. لم ترسل أنقرة وزير داخليتها إلى الاجتماع، بل نائبه صباح الدين أوزتورك. حينما سألنا عن التوقعات الأوروبية الكبيرة من بلاده، للأيام القليلة حتى السابع من آذار، لم يخف أنهم مضطرون لتخييبها. قال رداً على السؤال إن «تركيا ليست في وضع يمكنها من تلبية جميع أولئك الذين يطلبون منها، هناك حزمة مطالب تقع خارج نطاق سيطرة تركيا».
الحساسية الكبيرة بدت واضحة من رد فعل أثينا على اجتماع البلقان، الذي نظمته النمسا متقصدة إقصاء اليونانيين. بعدما اعترضت عليه سلفاً، ردت اليونان على خروجه بـ «إعلان فيينا» عبر سحب سفيرها هناك. إنها سابقة بين دول تشترك في كونها عضوة في الاتحاد الأوروبي.
الرد اليوناني جاء من عيار ما رأته سياسة عدوانية تجاهها. دول «إعلان فيينا» اتفقت على انتهاج «سياسة منسقة» في ما بينها، من أجل تقليل التدفقات «بدرجة كبيرة». محور تلك السياسة هو تشديد الرقابة، وصولاً إلى إغلاق الحدود تباعاً، على اعتبار أن اليونان فشلت في تأمين الحدود الخارجية لمنطقة «شنغن» بالتوازي مع عدم فعالية «خطة العمل» مع تركيا. يعني ذلك، بصريح العبارة، ترك اليونان لتواجه انحباس طوفان لجوء داخلها.
الغضب اليوناني جاء أيضا رداً على صمت ألمانيا وتراجعها. كانت الخطة الأوروبية أن تقوم اليونان بإنشاء وتفعيل نقاط ساخنة، لتسجيل جميع اللاجئين وفرزهم، على أن يجري بالمقابل توزيعهم وفق نظام الحصص على الدول الأوروبية. نظام الحصص فشل تماما، نظراً لمعارضة شرسة من دول عديدة. من أصل نظام مؤقت لتوزيع 160 ألف لاجئ، لم يتم حتى الآن توزيع سوى نحو 600 لاجئ من اليونان وإيطاليا.
الانسحاب الألماني من تلك التعهدات، والدفع باليونان إلى الزاوية، بات واضحاً الآن. كأن لا حيلة. حينما سألناديبلوماسي ألماني عن مخاوف اليونان أن تصير «لبنان أوروبا»، لم يحاول نفي ذلك. قال إن «هذا سيحصل على أي حال، سيتجمّع آلاف اللاجئين من كل البلدان في اليونان». بدلاً من ذلك، اعتبر أن «تراخي» اليونان، وعنادها الآن، سيجعلان وضعها أسوأ: دائماً يأخذ الأمر وقتاً مع اليونان حتى تفهم خطورة وجدية الوضع، كما حصل في أزمة اليورو. عليهم تنظيم أنفسهم (تحسباً لفيضان لجوء)، رفع كفاءة نقاط تسجيل اللاجئين، وأن يأملوا أنه سيتم توزيع اللاجئين على الدول الأوروبية».
بهذه الطريقة، تتراجع برلين عن تعهدات سابقة بأن يكون العمل متوازياً: من جهة نقاط تسجيل ساخنة، يقابلها نظام حصص فعال. أما عن المتوقع في الأيام المقبلة، فاعترف الديبلوماسي أن هناك وجاهة لتجهيز خطة «طوارئ» عاجلة معتبراً أن «القمة مع تركيا موعد حاسم، سنرى إلى حينها كيف سيعمل الاتفاق مع تركيا، إذا لم نر نتائج فعلية سيكون هناك إجراءات مؤلمة»، رافضاً قصر الحديث على إغلاق دول البلقان حدودها.
رفض القيادة اليونانية فكرة «مستودع الأرواح» كانت لها تجلّيات عملية: رفض التعاون مع الأوروبيين لإنجاز ما يريدون من اليونان كجزء من خطة الطوارئ. مصادر أوروبية مواكبة لهذه المفاوضات قالت  إن المقترح الأوروبي يتحدث عن إنشاء مراكز استقبال كبيرة، تستوعب عشرات آلاف اللاجئين الذين من الممكن ألا يتمكنوا من مواصلة طريقهم إلى الغرب الأوروبي. المصادر أكدت أنه حتى الآن أنشأت اليونان مراكز تستوعب نحو 40 ألف لاجئ، لكنها رفضت مضاعفة الأعداد كما تريد «خطة الطوارئ»، مقرة بالاستعصاء لأنه «لا نستطيع التعاون معهم حول مسألة لا يوافقون عليها».
المراكز اليونانية الحالية لن يمكنها الصمود، ليبقى الاستعصاء منذراً بحالة فوضى كبيرة في حال إغلاق الحدود. مع حلول الربيع من المتوقع أن تعود تدفقات اللاجئين للارتفاع. المراكز التي تستوعب 40 ألف لاجئ يمكن أن تمتلئ خلال أربعة ايام ذروة، فالصيف الماضي كان يسجل وصول أكثر من عشرة آلاف يومياً إلى جزر اليونان.
الإعلان عن ضرورة الاستعداد للطوارئ خرج به وزير الهجرة الهولندي كلاس ديخوف، الذي تترأس بلاده الآن الاتحاد الأوروبي. قال إنه غير متفائل بإمكانية تحقيق نتائج كبيرة حتى القمة مع تركيا: «لا يمكننا إصلاح كل شيء مرة واحدة حتى ذلك الوقت»، قبل أن يضيف مشدداً على ضرورة إنجاز خطة الطوارئ «علينا الاحتراس بأنه إذا كانت هناك تداعيات إنسانية لقرارات (إغلاق الحدود المتزمت)، علينا أن نساعد في مواجهتها لمساعدة الدول التي تحتاج المساعدة للتعامل مع هذا التدفق».
الأمم المتحدة منخرطة في الإعداد لخطة الطوارئ الأوروبية. المفوض الأممي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي حضر اجتماع الوزراء الأوروبيين لهذا السبب تحديداً. حينما سألنا غراندي عن مخاوف اليونان من تركها وحيدة مع فيضان لجوء، لفت إلى أن هناك ما يبررها: «اليونان تواجه العواقب طبعاً، لقد ناقشنا مع حكومتها كيفية التعامل مع تزايد محتمل للاجئين الذين عليهم البقاء في اليونان لأنه لا يمكنهم الذهاب أبعد»، قبل أن يضيف في تأكيد على حجم المنشآت الكبيرة المطلوبة لاستيعاب ذلك «لكن هذا سيتطلب بالطبع الكثير من العمل والكثير من الموارد الإضافية».
وزيرة داخلية النمسا جوانا ميكيل ليتنر أكدت بدورها أنهم ماضون في خطط البلقان، خصوصاً تلويحهم بإمكانية إغلاق الحدود قريباً. قالت  منتقدة سياسة اليونان في ترك اللاجئين يمرون، أنه «عبر مبادرتنا مع دول البلقان نحن نبدأ عملية لوضع حد نهائي لهذا الأمر... لقد بات يثقل كاهل نظامنا ويهدد أمننا الداخلي واستقرارنا».

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...