«جنيف 2»: استعراض إعلامي .. قبل التفاوض

22-01-2014

«جنيف 2»: استعراض إعلامي .. قبل التفاوض

سوريا التي تستأهل استعراضا إعلاميا، يحتفل بها اليوم في مدينة مونترو السويسرية، بعد ثلاثة أعوام من المذابح، وعام ونصف عام من انبعاث «جنيف 1» ومحاولة إدخال السياسة في الحرب السورية.
يوم لإلقاء الخطابات والتهنئة، من دون كبير قناعة، بتحرك عربة التفاوض في سوريا، نحو هدف مجهول، ثم ينصرف ممثلو الأربعين بلدا بعد أن يفرغوا من إلقاء كلمات ترحيب بالاجتماع السوري، لن تزيد على خمس دقائق لكل منهم.
وحدهما وزيرا خارجيتي الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف، وقادة الوفدين السوريين، سيتجاوزون تلك المدة لإدامة الاستعراض من التاسعة صباحا حتى السادسة مساء، ذلك أن نزول المؤتمرين ووزراء خارجية 40 بلدا في المدينة الصغيرة المشاطئة الصغيرة، ليس سوى محطة نافلة لإشباع نهم الكاميرات التلصصي، على وجه آخر من سوريا: النظام ممثلا بأحد أهم أركانه وأكثرهم خبرة وحنكة ديبلوماسية، وليد المعلم، والمعارضة التي سيمثل أشلاءها، من فرط ما تمزقت حول جنيف، احمد الجربا، ركن الحضور السعودي القوي في قلب المعارضة.المعلم لدى وصوله الى مونترو امس (ا ف ب)
ويسمع السوريون اليوم، تمنيات سعيدة بان يذهب وقوف وفدين سوريين متقاتلين، تحت ثريات القصر السويسري الصغير، ابعد من مونترو. ووجها لوجه سيتبادل وزير الخارجية السوري وليد المعلم ورئيس «الائتلاف الوطني المعارض» احمد الجربا خطابات، تقدم قراءة كل منهما، لعامين ونصف عام من المقتلة السورية، بعد أن يفرغ رئيس البلد السويسري المضيف من الترحيب بالمؤتمرين. ويتوجه 30 سوريا يوم الجمعة المقبل، إلى قصر الأمم المتحدة في جنيف، لاختبار التفاوض للمرة الأولى، بعد اختبار الحرب.
وتتفاوت الإشارات الأولية حول أجواء المؤتمر، ذلك أن الوفد السوري الرسمي نفسه، لم يصل إلا بعد أن دفع أعضاؤه نقدا ثمن الوقود الذي زودت به طائرة الوفد على مضض في مطار أثينا. وكان هبوط الطائرة قد حاز موافقة مسبقة من السلطات اليونانية، قبل أن تفاجئ شركة «اولمبيك» الجميع برفض تزويد طائرة الوفد المفاوض بالوقود، بحجة العقوبات المفروضة على سوريا. ولجأت الخارجية اليونانية إلى شركة أجنبية «شجاعة» في مطار أثينا. وأدى ذلك إلى إلغاء اجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وتأخير لقاء بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تنسيقي أخير قبل لقاء الوزير الروسي بنظيره الأميركي.
وكان السجال حول توجيه الدعوة إلى إيران ثم سحبها، في ظروف بدت فيها الأمم المتحدة مرة أخرى رهينة السياسة الأميركية، قد أضافت مؤشرات على الاستخفاف الذي تعامل فيه قضية مشاركة طرف أساسي في النزاع حول سوريا، والذي ينبغي إجلاسه في قاعة المفاوضات، وإلزامه بالاتفاقات، إذا ما تم التوصل إليها، تسهيلا لمستقبل العملية السياسية، التي لن تجد طريقها من دون الإيرانيين.
ويكشف تشكيل الوفد السوري المعارض ثغرة كبيرة لمصداقية وشرعية التمثيل لكامل أطياف سوريا المعارضة، سياسية وعسكرية. وعبرت مصادر ديبلوماسية أممية عن شكوكها في أن يكون أعضاء الوفد، الذي يقوده الجربا، معبرا، ليس فقط عن تشكيلات المعارضة باقتصاره على «الائتلاف»، وإنما قادرا على الجلوس في مواجهة وفد من طراز الوفد الذي يقوده المعلم.
وطغت على الوفد المعارض أسماء، لا يملك سوى القليل منها خبرة سياسية أو تفاوضية وديبلوماسية. ويضم الوفد إلى الجربا، ميشال كيلو، الذي وصل جنيف ضعيفا بعد تمزق «اتحاد الديموقراطيين السوريين»، دون المقصلة التي طلب أن تقطع رأسه قبل أن يقبل التفاوض مع النظام. كما تضم غلبة إسلامية من «إخوان مسلمين» حاليين كنذير الحكيم، ومحمد حسام الحافظ، أو سابقين كأنس العبدة وعبيدة النحاس. كما يشارك في الوفد برهان غليون. أما التمثيل الكردي فعهد به إلى حميد درويش (٨٦ عاما)، ومؤسس أول حزب سياسي كردي في العام ١٩٥٧ في سوريا. كما عهد به إلى العضو في حزب «يكيتي» إبراهيم برو، مقصيا بذلك قاعدة كردية واسعة، يقع ثقلها الأساسي لدى «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، وزعيمه صالح مسلم. ويضم الوفد قادة أربع مجموعات مسلحة، من المفترض أن يعمل حضورها في جنيف، على إعادة تأهيل «الجيش الحر» المتلاشي في حروب إخوة «الجهاد» من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«الجبهة الإسلامية»، و«جيش المجاهدين» و«جبهة ثوار سوريا» .
وقال المعلم، قبل وصوله إلى جنيف، إن «الأمم المتحدة فشلت في تشكيل وفد مقبول من المعارضة السورية، ورضخت للضغوط الغربية عندما لم توجه الدعوة إلى أطراف المعارضة الوطنية في سوريا». وأضاف ان «موضوع الرئيس والنظام خطوط حمر بالنسبة لنا وللشعب السوري، ولن يمس بها أو بمقام الرئاسة».
وعما إذا كانت دعوة السعودية إلى المؤتمر مؤشرا على تراجع دورها في دعم «الإرهاب»، قال المعلم «لا نعول ولا ننتظر، وليس لدينا معلومات عن رغبتها بتغيير سياستها بناء على حضور هذا المؤتمر، فهي أعلنت بصراحة أنه حتى لو غيرت دول أخرى مواقفها فإنها مستمرة في هذه السياسة». وانتقد تراجع الأمم المتحدة عن دعوة إيران إلى المؤتمر.
إن من اخفق هو السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد الذي اشرف على تشكيل الوفد المعارض وليس الأمم المتحدة، لكنه حقق على الأقل نصف نجاح، عندما اقنع قادة «الجبهة الإسلامية» و«جيش المجاهدين» و«جبهة ثوار سوريا»، بالتوقف عن انتقاد مؤتمر «جنيف 2»، مع إقناع «جبهة ثوار سوريا» بالمشاركة. ويراهن الأميركيون على إعادة الاعتبار إلى «الائتلاف» وتأكيد سلطته ميدانيا عندما يحين الوقت لبحث تنفيذ وقف إطلاق نار بإشراك ممثلين عن «الجبهة الإسلامية» و«جبهة ثوار سوريا» و«جيش المجاهدين» و«أجناد الشام».
وقال معارض سوري، التقى لافروف، إن الروس لم يبدوا اعتراضا على أسماء المعارضة بعد أن عرضها الأميركيون عليهم، لاعتقادهم أنها لن تشكل عقبة كبيرة في المفاوضات، وأنها ضعيفة المصداقية إلى حد يخدم الاستراتيجية التفاوضية للروس وللسوريين.
والاهم هو أن «الائتلاف» لم يصل إلى مونترو بوفد مكتمل مؤلف من 15 عضوا، ويقتصر عداد الوفد الذي وصل به الجربا إلى مونترو على 11 عضوا، فمن بين «العسكريين» الأربعة المفترض حضورهم في الوفد لم تحصل إلا «جبهة ثوار سوريا» على القبول بموفدها، ولا يزال هناك خلاف كبير على إشراك «قائد هيئة أركان الجيش الحر» سليم إدريس على الحضور. وتشترط «الجبهة الإسلامية» و«أجناد الشام» و«جيش المهاجرين» تسمية أربعة أعضاء في الوفد الأصلي والحصول على حق الفيتو بما يتعلق بتسمية الاعضاء الخمسة الآخرين داخل القاعة، باعتبار أن تشكيلة الصفوف الأولى التي ستفاوض الوفد الرسمي، عبر المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، تفترض وجود 9 أعضاء، بينما يجلس في قاعة مجاورة ستة أعضاء من التقنيين والخبراء.
وعشية انطلاق استعراض مونترو، قبل التوجه إلى جنيف، أكد لافروف عدم التزام التفاوض بالورقة التي أعدت قبل عام ونصف عام، وقد تقادم عليها الزمن السياسي والعسكري في سوريا. وقال إن «المطالبة بتغيير النظام كشرط مسبق تفسير غير نزيه لجنيف الأول الذي تطالب به الأمم المتحدة».
وللمرة الأولى كشف لافروف عن وجود تفاهم روسي - أميركي على إدارة العملية السياسية، يستند إلى ما اسماه بالمبادرة الروسية - الأميركية. وقال إن «تغيير النظام في سوريا، ليس جزءا من المبادرة الروسية - الأميركية الخاصة بالتسوية السياسية في سوريا وبعقد مؤتمر جنيف».
ومن المنتظر إذاً أن يتركز النقاش في المراحل الأولى، التي تستغرق من سبعة إلى عشرة أيام، على الجانبين اللذين يتيحان إطلاق العملية السياسية، وإرضاء الراعيين الدوليين في رؤية عربة الحل تتقدم بهدوء، وتحقيق بعض الانجازات إذا أمكن. وتقتصر المحاولات الأولية على المسارين الإنساني ومكافحة الإرهاب، من دون الدخول في صلب «جنيف 1»، وتشكيل حكومة انتقالية، كما تدعو لذلك المعارضة.
وإنسانيا من الممكن التحدث عن خريطة بعض المواقع والمدن المحاصرة التي سيجري إجلاء من يرغب من أهلها، أو إيصال المساعدات الإنسانية إليها، من دون الحديث عن أي ممرات إنسانية إلزامية. ويبدو خفض التوقعات موقفا مناسبا أيضا في التوافق على إعلان ملزم لمكافحة الإرهاب، وهو ما يعين على تسريع الفرز داخل المعارضة المسلحة بين الجماعات «القاعدية» وغيرها، كما يتيح فتح الأبواب لمناقشة التعاون الأمني مع الأجهزة السورية وغيرها في المنطقة، وإعادة النظر باستراتيجيات الدول المجاورة تجاه تدفق المسلحين والسلاح إلى سوريا.

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...