هل تدخل السياسة اليونانية لعبة بناء الذرائع ضد سورية

29-09-2010

هل تدخل السياسة اليونانية لعبة بناء الذرائع ضد سورية

الجمل: اعترضت السلطات اليونانية إحدى السفن وأخضعتها للتفتيش الدقيق تحت مزاعم أن السفينة تحمل شحنة سلاح كورية شمالية في طريقها إلى سوريا، وبرغم عدم عثور السلطات اليونانية على أي أسلحة، فقد احتجز اليونانيون السفينة على أساس اعتبارات أنهم وجدوا ضمن الشحنة بعض الرقائق الإلكترونية وقطع الفولاذ والتي يمكن أو قد لا يمكن أن يتم استخدامها في التصنيع للأغراض العسكرية: ما هي دلالة هذه الحادثة؟ وهل تمثل هذه الواقعة بداية مرحلة دخول اليونان على خط محور واشنطن- تل أبيب عبر بوابة الانخراط اليوناني في مخططات حملة بناء الذرائع ضد سوريا؟
* هل من حملة ذرائع جديدة ضد سوريا: ماذا تقول المعلومات؟
تقول التقارير والمعلومات بأن السفينة التي اعترضتها السلطات اليونانية كانت بالأساس سفينة فرنسية ترفع العلم الألماني وتحمل شحنة كورية شمالية، وماهو لا فت للنظر أن السلطات اليونانينة قد بررت قيامها باحتجاز السفينة وتفتيشها على أساس اعتبارات أن أثينا قد تلقت معلومات تفيد لجهة أن السفينة خارطة شرق المتوسطتحمل أسلحة، وما هو مثير للغرابة والدهشة تمثل في الآتي:
• عدم العثور على أي أسلحة، وبرغم ذلك فقد قررت أثينا احتجاز السفينة بعد الحصول على رقائق الكترونية وبعض قطع الصلب والتي يمكن أو قد لا يمكن أن يتم استخدامها في التصنيع للأغراض العسكرية.
• عدم الإفصاح عن مصدر المعلومات الكاذبة التي تم من خلالها تضليل السلطات اليونانية.
• سعي السلطات اليونانية لاستخدام إستراتيجية الهروب للأمام، بحيث لم تلجأ السلطات اليونانية للاعتذار وإطلاق سراح السفينة بعد أن تبين أن عملية الاحتجاز والتفتيش تمت بناءً لمعلومات كاذبة استخدمت في تضليل السلطات اليونانية، وفي هذه النقطة تمثلت إستراتيجية الهروب للأمام في قيام السلطات اليونانية بالتذرع  بوجود رقائق الكترونية ومواد فولاذية وبالتالي الاستمرار في احتجاز السفينة إلى حين يتبين الخط الأبيض من الخط الأسود، أي يتبين هل سيتم استخدام هذه المواد في التصنيع للأغراض العسكرية أم لا.
تحدثت المصادر وأفادت شهود العيان بأن الأجهزة الإسرائيلية قد شرعت بالفعل في تقديم الدعم والتدريب لأجهزة الأمن اليونانية، وذلك على خلفية توجهات الإستراتيجية الإقليمية الإسرائيلية الساعية لاستبدال التحالف الإسرائيلي-التركي بتحالف إسرائيلي-يوناني، وتأسيساً على ذلك، ليس صعباً أن نفهم بأن السلوك الاستفزازي اليوناني قد جاء يشكل دليلاً على بداية دخول التحالف الإسرائيلي-اليوناني مرحلة الإنفاذ العملي.
* أين تتقاطع المعلومات: وصل الخط المتقطعرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مع رئيس الوزراء اليوناني باباندرو
نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع لجماعات اللوبي الإسرائيلي ورقة رصد سياسي أعدها أندرو جي تايلر خبير شؤون الشرق الأوسط بالمعهد، وأشارت الورقة إلى العديد من النقاط المتعلقة بمدى قيام واشنطن بإحياء محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل.
وبرغم أن ورقة أندرو تايلر قد ركزت على مفهوم محور واشنطن-تل أبيب القائم على مذهبية الأرض مقابل قطع الروابط مع طهران وحزب الله كأساس للمحادثات، فقد أشار أندرو تايلر إلى المقاربات الإدراكية الآتية:
- إن إسرائيل راغبة في استئناف محادثات المسار السوري تحت إشراف أمريكي وذلك لجهة تحقيق الآتي:
+ ضمان عدم قيام دمشق بالتأثير على المفاوضات الإسرائيلية الجارية حالياً مع الفلسطينيين.
+ ضمان وجود مسار تفاوض موازي تستطيع إسرائيل استخدامه في ردع الفلسطينيين من مغبة عدم تقديم التنازلات لإسرائيل.
- إن دمشق –بحسب ما أورده أندرو تايلر- راغبة في استئناف محادثات المسار السوري-الإسرائيلي، وذلك من أجل الآتي:
+ تفادي تداعيات تفتيش وكالة الطاقة الذرية العالمية.
+ تفادي تداعيات التطورات المحتملة في محكمة الحريري.
هذا، وتأسيساً على معطيات ورقة أندرو تايلر، نلاحظ وبكل وضوح مدى العلاقة الوثيقة بين فرضية أن دمشق تسعى لتفادي تفتيش وكالة الطاقة الذرية العالمية، وفرضية السلطات اليونانية القائلة بأن السفينة المحتجزة كانت تحمل رقائق الكترونية وقطع من الصلب، قد تستخدم وقد لا تستخدم في التصنيع للأغراض العسكرية.
استمرار التعاون الإستراتيجي الإسرائيلي-اليوناني سوف لن يجلب لأثينا المخرج من الأزمة الاقتصادية التي بدأت تتحول إلى أزمة سياسية، وبدلاً عن ذلك فإن اليونان سوف لن تحصل سوى على نموذج الدولة التابعة والتي سوف يكون لزاماً عليها أن تنتهج سياسة خارجية برسم الشروط الأمريكية-الإسرائيلية.
احتجزت السلطات اليونانية السفينة بسبب الشكوك في إمكانية أو عدم إمكانية احتمالات استخدام الرقائق الالكترونية وقطع الصلب في التصنيع للأغراض العسكرية، وغداً ربما تأتي سفينة محملة بالجلود والأقمشة، فهل يا ترى سوف تقوم السلطات اليونانية باحتجازها على أساس اعتبارات الشكوك القائلة بأن الجلود يمكن أن تستخدم في صنع الأحذية العسكرية، والأقمشة يمكن أن تستخدم في صنع الملابس العسكرية!!
تعتبر الشكوك في حد ذاتها أمراً مشروعاً، ولكن، أي شكوك، فهناك شكوك إيجابية تقوم على التناسق والانسجام بين المعطيات والنوايا، وهناك شكوك تقوم على استخدام المعطيات لجهة تركيب النوايا بما ينسجم مع نزعة تجريم الآخر، وهو أمر يرغب فيه أجهزة المخابرات الإسرائيلية ودوائر اللوبي الإسرائيلي كثيراً، فهل يا ترى استفادت الأجهزة اليونانية من دروس التدريب الإسرائيلي وسعت من خلال شحنة السفينة إلى محاولة القيام بدور التلميذ النجيب الذي يتقن الدرس من أول وهلة.
يبدو أن أثينا سوف تتورط كثيراً إن سعت إلى إدماج السياسة الخارجية اليونانية ضمن سقف سياسات محور واشنطن-تل أبيب، وهو أمر يجعل من أثينا تتمادى أكثر فأكثر، بحيث لا يقتصر أمر الشكوك السلبية اليونانية إزاء سوريا وحسب، وإنما يمتد للأطراف الأخرى "غير المتسامحة" والتي سوف تسعى بالتأكيد إلى استهداف أثينا وإلحاق المزيد من الخسائر باليونان، واقتصادها الخاسر بالأساس.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...