تداعيات المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية وسط الانقسام الفلسطيني

01-09-2010

تداعيات المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية وسط الانقسام الفلسطيني

الجمل: غادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إسرائيل إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، وغادر الأراضي الفلسطينية الرئيس الفلسطيني محمود عباس أيضاً إلى العاصمة واشنطن، وذلك لافتتاح فعاليات جولة المحادثات المباشرة الإسرائيلية-الفلسطينية التي سوف تنطلق غداً الخميس 2 أيلول (سبتمبر) 2010، وفي هذه الأثناء لقي أربعة مستوطنين إسرائيليين مصرعهم في الضفة الغربية بنيران فلسطينية غير صديقة لا لمحمود عباس ولا لبنيامين نتنياهو: كيف نقرأ سيناريو المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية على خلفية هذه النيران؟ ما هو شكل سيناريو الفعل ورد الفعل الإسرائيلي-الفلسطيني بعد هذه المفاوضات، التي تأكد فشلها مسبقاً؟ وما تأثير فشل هذه الجولة التفاوضية على خارطة الصراع الشرق أوسطي؟
* بيئة المفاوضات المباشرة الفلسطينية-الإسرائيلية: المحتوى والمضمونخارطة الضفة الغربية
تحدث الجميع، بما في ذلك المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين عن فشل هذه الجولة التفاوضية قبل بدئها، وبرغم ذلك توجَّه نتنياهو ومحمود عباس إضافة إلى وزير الخارجية المصري أبو الغيط ولفيف من كبار المسئولين من تجمع المعتدلين العرب إلى العاصمة الأمريكية واشنطن.
بعيداً عن واشنطن، وتحديداً في الأراضي الفلسطينية، حدثت عشية المفاوضات المزيد من التطورات والوقائع والأحداث الخطيرة:
• أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن رغبتها في مراجعة وإعادة النظر في عضويتها في المجلس الفلسطيني.
• أعلنت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عن ضرورة البقاء والاستمرار في المجلس الفلسطيني، وذلك للحفاظ على وحدة المجلس، ولحماية الوضع الفلسطيني من الخطر القادم، وأيضاً من أجل مساندة السلطة الفلسطينية إذا كانت تسعى فعلاً للتفاوض على ما يريده الفلسطينيون.
• أعلنت بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى – ما عدا حركة فتح جناح محمود عباس- عن رفضها لهذه المفاوضات.
وعلى خلفية هذا الموقف الفلسطيني المنقسم، والذي يحمل المزيد من نذر الاستقطابات ومفاعيل التعبئة السلبية الفاعلة الفلسطينية-الفلسطينية، جاءت التطورات الأخيرة من خلال المؤشرات الآتية:
- مؤشر العنف الهيكلي: تدافع آلاف الفلسطينيين في شوارع الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في سوريا والأردن ولبنان إلى تسيير المظاهرات والمواكب الاحتجاجية الرافضة لهذه المفاوضات، الأمر الذي يؤكد بأن مؤشر العنف الهيكلي الفلسطيني قد أصبح ينطوي أكثر فأكثر على المزيد من مخزونات العنف السياسي الخفي، والذي قد يتحرك ضمن مفاعيل أخطر وأخطر خلال الأيام والأسابيع القادمة.
- مؤشر العنف الوظيفي: برز الأداء السلوكي لهذا المؤشر من خلال مسارين، ففي مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أطلقت كتائب عز الدين القسام نيران رشاشاتها بما أدى إلى مصرع أربع مستوطنين في الضفة الغربية، وتحديداً في مناطق الخليل، وفي مسار الصراع الفلسطيني-الفلسطيني نفت أجهزة السلطة الفلسطينية عملية اعتقال واسعة استهدفت اعتقال 150 ناشطاً فلسطينياً من المنتمين إلى حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وذلك ضمن الإجراءات التعسفية-الوقائية لحماية السلطة الفلسطينية ومفاوضاتها المباشرة مع إسرائيل، وعلى خلفية تزايد الرفض الشعبي لهذه المفاوضات فمن الممكن أن تتسع دائرة الاعتقالات بحيث تشمل عناصر التنظيمات والفصائل الفلسطينية المعارضة الأخرى.الرئيس الفلسطيني محمود عباس
سعت بعض الأطراف إلى محاولة إضفاء قدر من التفاؤل على بيئة المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية المباشرة، وعلى وجه الخصوص تصريحات مبعوث لسلام الأمريكي للشرق الأوسط السيناتور الأمريكي جورج ميتشيل والتي قال فيها أن السلام ممكن إذا استمرت المفاوضات خلال فترة عام واحد!!
* المرحلة الانتقالية الجديدة في خارطة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
تفيد جميع المؤشرات إلى وجود معطيات تؤكد بكل وضوح لجهة أن جولة المفاوضات المباشرة الفلسطينية-الإسرائيلية سوف تشكل لحظة مفارقة حاسمة في مجرى عملية الصراع في الأراضي الفلسطينية، وذلك ضمن المسارات الآتية:
• الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي: من المتوقع أن يشهد أبعاداً جديدة، بحيث تتضمن قيام الإسرائيليين بالرد على العنف الفلسطيني العسكري، باستخدام المزيد من الوسائل الإسرائيلية غير العسكرية، منها على سبيل المثال لا الحصر: التوسع في بناء المستوطنات، وفي ملفات عملية تهويد القدس، وذلك جنباً إلى جنب مع احتمالات اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك، إضافةً إلى رفع وتائر عمليات الاغتيالات المستهدفة ضد رموز المقاومة الفلسطينية.
• الصراع الفلسطيني-الفلسطيني: من المتوقع أن تؤدي عملية الاستقطابات والاصطفافات الجديدة على خلفية فشل هذه المفاوضات إلى تعزيز فرص  انتقال عدوى سيناريو المواجهة العسكرية على خط حماس-فتح إلى الضفة الغربية، وهو أمر يمكن أن يؤدي إلى إحراز نتائج جديدة في الضفة الغربية.رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
التداعيات الجديدة لجولة المحادثات المباشرة هذه، سوف لن تنحصر على مجال العلاقات البينية الفصائلية الفلسطينية ، وإنما سوف تمتد متجاوزة ذلك إلى عمق الهياكل المؤسسية الفلسطينية، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر: منظمة التحرير الفلسطينية، المجلس الوطني الفلسطيني، المجلس المركزي، اللجنة التنفيذية وهلم جرا. ومن المتوقع أن تظهر أزمة صراع فتح-فتح الداخلي بما يؤدي إلى تغييرات واسعة في موازين القوى داخل حركة فتح، والتي تحولت، بفعل تأثير اتفاقية أوسلو وضغوط مشروع خارطة الطريق، إلى مجموعة من "الشراذم"، والتي أصبح بعضها يرتبط بأمن إسرائيل أكثر من ارتباطه بأمن الفلسطينيين.
* الزعيم محمود عباس وسيناريو مسلسل «باب الحارة» الفلسطيني الجديد
سوف يسعى الزعيم بنيامين نتنياهو إلى تقديم المزيد من الوعود الكاذبة للزعيم الفلسطيني محمود عباس، وسوف يسعى نتنياهو إلى ربط هذه الوعود الزائفة بملفات البند الثاني في مشروع خارطة الطريق، وهو ملف التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وبكلمات أخرى، سوف تواصل حركة حماس (كتائب القسام) وحركة الجهاد الإسلامي (سرايا القدس)، وربما كتائب الأقصى -إذا انفصلت عن فتح- المقاومة، إطلاق نيران الصواريخ والرشاشات ضد إسرائيل والإسرائيليين، وبالمقابل، سوف تسعى أجهزة السلطة الفلسطينية إلى القيام باعتقال المزيد من عناصر حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وبقية الفصائل الأخرى، وذلك تحت مبررات ومزاعم ملف التعاون الأمني مع إسرائيل.
أما إسرائيل، فسوف تسعى هذه المرة ليس إلى تنفيذ العمليات العسكرية الواسعة ضد الفلسطينيين، خاصة أن إسرائيل قد أدركت أن مثل هذه العلميات سوف تلحق أضراراً بالغة بالمصالح الإسرائيلية. والآن، لن تحتاج إسرائيل بعد هذه المفاوضات إلى استخدام آلة القمع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، طالما أن آلة القمع الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية قادرة على القيام بالعمليات المطلوبة. وبدلاً عن ذلك، سوف تسعى إسرائيل إلى التصرف بـ(هدوء) و(خبث) بحيث تنقل للرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بأنها تحتفظ بحقها في الرد على نيران الرشاشات والصواريخ الفلسطينية، وذلك عن طريق توسيع الاستيطان وتهويد القدس.
اشتعال المواجهة في الضفة الغربية بين حركتي حماس وفتح سوف يؤدي هذه المرة إلى استدراج الأجهزة الملكية الأردنية إلى الضفة، ولن تستطيع هذه الأجهزة سوى تنفيذ الخيار الأمريكي-الإسرائيلي القائل بضرورة الحفاظ على استمرار زعامة محمود عباس، أو ربما تصعيد بديل جديد له لا يقل عن محمود دحلان، لأن المطلوب في حالة نشوء مثل هذا الصراع ليس هو أمن الشعب الفلسطيني، أو أمن السلطة الفلسطينية، وإنما تحديداً هو: أمن إسرائيل وأمن النظام الملكي الأردني طالما أن إشعال الضفة الغربية سو ف لن تصل ألسنة نيرانه إلى تل أبيب وحسب، وإنما عمّان الهاشمية أيضاً.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...