أميركا لم توقف معركتها العراقية

25-08-2010

أميركا لم توقف معركتها العراقية

 خرجت لتوها آليات «سترايكر» المدرعة، التابعة للواء الجيش الاميركي الرابع من العراق. رحلة الانسحاب من بغداد إلى الكويت، لم تتعد مسافتها 300 ميل، لكن المسافة حملت معاني رمزية أكبر بكثير. فاللواء الرابع هو آخر لواء اميركي «مقاتل» يغادر بلاد الرافدين مع انسحاب القوات الاميركية، التي خسرت 4415 جنديا في حرب قاربت الفشل مرات عدة. «عملية حرية العراق»، تِركة إدارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، تنتهي لتبدأ عملية اخرى سميّت «الفجر الجديد»، وتثير الكثير من التساؤلات عن عكس مضمون عنوانها.جندي من قوات الاحتلال الأميركي يحرق وثائق سرية قبيل الانسحاب من قاعدة «سترايكر» في بغداد في 14 آب الحالي
تخفض الولايات المتحدة عديد قواتها في العراق إلى 50 الف جندي «للنصح والتدريب» لا «للقتال». لكن التمييز بين الصفتين، مصطنع إلى حدّ كبير، ومصمّم ليظهر أن الانسحاب الأميركي الموعود جرى بحسب الجدولة الزمنية. خمسون ألف جندي سيحافظون على قدرات قتالية مهمة، سواء اطلق عليهم اسم «مستشارين» او «مقاتلين» أو حتى «سياح». بعضهم، وبشكل خاص في «الوحدات الخاصة لمكافحة الإرهاب»، سيواصل عملياته كرأس حربة عسكري.
لكن العملية الانتقالية هذه، تتيح فرصة تقييم ما تم إنجازه في العراق، وما ينبغي القيام به هناك. فالخسائر واضحة، أكانت بالأموال أم بالارواح، قتلى الاميركيين بالالاف، وقتلى العراقيين بمئات الالاف. غير ان العراقيين اظهروا رغم كل سنوات الغزو الصعبة، تماما كاللندنيين خلال الحرب العالمية الثانية، مثابرة فريدة في مواجهة شلالات الدماء.
وبعيدا عن الترويج الإعلامي لبعض مؤشرات تحسّن الأوضاع في العراق، لا تزال بغداد اخطر من كابول، مع امتداد الأزمة الحكومية بعد اشهر من انتخابات آذار الماضي، ما يبقي تساؤلات كثيرة حول مستقبل العراق: هل سيتجه فعلا نحو الازدهار والديموقراطية، ليظهر كحليف اميركي رئيسي في الشرق الأوسط؟ أم سيعود الى الحرب الأهلية أو الديكتاتورية؟ استفهامات تستثمر لتبرير بقاء الوجود الاميركي المكلف «إبعاد العراقيين عن العودة للعنف الطائفي والعرقي». وتنوي واشنطن تزويد «حليفها» بدبابات «ام-1» ومقاتلات «اف-16»، لكن تدريب العراقيين على استخدام هذه الأسلحة المعقدة، سيتطلب سنوات عديدة. كما أن السيطرة على المجال الجوي العراقي، ستبقى مهمة الأميركيين، الذين سيواصلون أيضا «حماية» ميناء التصدير النفطي الرئيسي قرب البصرة في الجنوب.
أما سياسيا، فستعمل أميركا تحت لواء تهدئة الأجواء بين الأطراف المختلفة، للحد من العنف الميداني، الذي ترك لدى العراقيين تأثيرات شبيهة بالتي عانى منها سكان البوسنة وكوسوفو. وبعد مرور 15 عاما على «سكوت» المدافع في البوسنة، و11 عاما على ذلك في كوسوفو، لا تزال آلاف القوات الاجنبية منتشرة لحماية السلام الهش. وأي كلام عن حاجة 25 مليون عراقي لمساعدة أقل في عملية الانتقال، مما احتاجت اليه دويلات يوغوسلافيا السابقة، سيكون بدرجة البطلان التي وصل إليها الرئيس الأميركي جورج بوش عندما أعلن أن «المهمة أنجزت».
تفاوض أميركي جديد على إبقاء قوة بحوالى 10 آلاف إلى 20 ألف جندي في العراق، سيتطلب الدفع نحو تشكيل حكومة للتفاوض معها، ما يحتاج بدوره الى دبلوماسية أميركية تفرض نفسها، يقودها السفير الأميركي الجديد جيم جيفري، وتدعمها الادارة الاميركية خلافا لما جرى مع سلفه كريستوفر هيل. أسوأ مراحل القتال انتهت، لكن أميركا لن توقف معركتها لكسب العراق.

المصدر: السفير نقلاً عن معهد «مجلس العلاقات الخارجية» الاميركي بتصرف

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...