تقارب سوري لاتيني
عاد نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، من رحلة رسمية إلى أميركا الجنوبية، هي الأولى لمسؤول سوري بهذا المستوى إلى القارة اللاتينية. والخطوة تعتبر أيضا الأولى في التوجه السوري نحو فتح آفاق جديدة للعلاقات الخارجية، بعد تضررها في جوانب كثيرة مع الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الغربية.
في حديث السفير المقداد أمران لافتان. الأول هو البعد الاستراتيجي الذي تنظر من خلاله دمشق الى دورها المستقبلي، بغض النظر عن الضغوط الهائلة المحيطة بها والتي تعتبرها قدرها المحتوم؛ والثاني يتلخص بالتفاؤل، وهو أمر غريب لمن لا يفهم الدور الذي ترى دمشق أنه يجعلها متفردة، مميزة، ممانعة في خطها السياسي والإقليمي والدولي.
أما في مواضيع الساعة، فيجدد المقداد موقف سوريا من لبنان، ملقيا الكرة في ملعب الفئة الحاكمة في بيروت لاتخاذ مبادرة تجاه دمشق، كما يشدد على وقوف دمشق على مسافة واحدة من جميع الفصائل الفلسطينية، ويعيد التأكيد على أن وقتا قصيرا يفصلنا عن إعلان عودة العلاقات الدبلوماسية مع العراق.
وفي ما يلي نص الحوار مع المقداد:
* ما هي نتائج جولتكم على أميركا اللاتينية، وما الذي يمثله هذا التوجه في الوقت الراهن؟
طبعا الخطوة الأولى من جانبنا كانت باتجاه بعض الدول الصديقة في أميركا اللاتينية. هذه الدول ترتبط مع سوريا بأهم عامل يدعو دائما الى تمتين هذه العلاقة، وهو العامل البشري.
وفي ضوء هذا الفهم جاءت زيارتنا الى كل من كوبا وتربطنا بها علاقة تاريخية، وباتجاه الأرجنتين وفنزويلا. ووقعنا مع كوبا والأرجنتين على مذكرات تتعلق بدعم العمل الدبلوماسي. زيارتنا الى فنزويلا كانت مهمة وستفتح آفاقا جديدة في إطار العمل الدولي والعمل الثنائي. هنالك قوة تحاول فرض هيمنتها على أميركا اللاتينية وعلى آسيا وعلى إفريقيا وحتى على أوروبا. ولذلك يجب أن يكون هناك سعي من مختلف القوى التي تشعر بمسؤوليتها من أجل زيادة التعاون لخلق مناخ دولي ملائم بعيد عن الهيمنة والسيطرة.
* هل قاد في هذا الاتجاه الانطباع بأن ثمة خيارات مغلقة في وجه سوريا حاليا؟
لا توجد أي خيارات مقفلة. في بعض الأحيان قد يعطي البعض انطباعات في هذا الاتجاه. نحن علاقاتنا مستمرة مع كل دول العالم، في بعض الأحيان قد لا تكون هذه العلاقات قائمة على أعلى المستويات، ولكنها قائمة.
* هل ان إفريقيا نافذة أخرى تنوي دمشق طرقها في المستقبل القريب؟
نحن في سوريا وبتوجيهات من السيد الرئيس بشار الأسد سنعير التحرك السياسي في إفريقيا الاهتمام الذي يجب أن يحظى به على مختلف المستويات، وسنحاول أيضا من خلال أشقائنا العرب سواء في إفريقيا أو في آسيا، العمل من أجل تعزيز التواصل العربي الإفريقي.
الأمر يحتاج إلى مزيد من التنسيق العربي ومزيد من جانب آخر من التنسيق العربي المشترك مع أصدقائنا وأشقائنا في القارة الإفريقية. وهنا أشير الى العلاقة الجيدة التي تربطنا مع الكثير من الدول الإفريقية. وأتحدث هنا عن علاقتنا مع تنزانيا وغانا ونيجيريا وأتوقع أن يحدث تطور في الأسابيع والأشهر المقبلة.
* كيف ترى العلاقات مع لبنان في ظل الظرف الراهن، من استمرار التحقيق الدولي والحوار الوطني اللبناني؟
لا يمكن لأي سوري أن يعطي إلا جوابا واحدا على هذا السؤال، وهو أننا جميعا نتطلع إلى بناء أفضل وأطيب العلاقات مع شعب لبنان، ومن أجل بناء أفضل العلاقات ضحت سوريا بالآلاف من خيرة أبنائها لكي يبقى لبنان قائما، ولكي يتوقف نزيف الدماء على الساحة اللبنانية. ونحن نأمل أن يكون لبنان سيدا ومستقلا، وعلى استعداد لبذل كل جهد ممكن ومخلص في هذا الاتجاه.
طبعا التطورات التي حصلت مؤخرا على الساحة اللبنانية جعلت البعض يحيد عن البوصلة الحقيقية، وبدلا من الانتباه إلى العدو الرئيسي الذي يحيط بسوريا ولبنان نرى بأن بعض القوى قد استبدلت هذا العدو بآخر، واستعانت على الشقيق بالأجنبي وبالذي كان عدوا حتى يوم الأمس. نعتقد أن البعض قد عمل باتجاه سيادة واستقلال لبنان ووضعه بيد أشخاص معينين على الساحة الدولية ولا أريد أن أزيد في هذا المجال.
لبنان بلد مستقل ونسعى وسعينا إلى دعم هذا الاستقلال عندما كان الاحتلال الإسرائيلي قائما، ووصل في بعض الأحيان إلى بيروت ومعروفة التضحيات التي قدمتها سوريا في هذا الخصوص. طبعا من الجوانب التي حاول البعض استغلالها للاساءة الى العلاقات السورية اللبنانية هي اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. وأنا اثق أنه لو كان الرئيس الحريري على قيد الحياة الآن، لقام هو شخصيا بإسكات كافة الأفواه التي تشكك بالعلاقات السورية اللبنانية. والمساهمة السورية التي قدمت للبنان من أجل تعزيز وقوفه من أجل مواجهة كافة المؤامرات التي كانت تحاك ضد وحدته.
التحقيق الدولي الآن يسير، والمهم بالنسبة لنا أن لا يتم تسييس هذا التحقيق، وسوريا واثقة ليس مئة في المئة بل أكثر من ذلك ببراءتها من التهم التي حاول البعض أن يلقيها عليها. ونحن نأمل أن يسير هذا التحقيق، وندفع ونتعاون بشكل كامل مع هذا التحقيق، ولأنه في مصلحة سوريا وسيثبت براءة سوريا إذا استمر محايدا وموضوعيا. ويجب أن نضع هذا الأمر الآن خلفنا وكل من يدعو إلى علاقات سورية لبنانية يجب أن يتعامل بشكل موضوعي مع موضوع التحقيق.
* هل مازالت المبادرة السعودية قائمة؟
الآخرون هم الذين رفضوا مثل هذه المبادرات و يجب أن يتحملوا مسؤولية ذلك أمام الشعب اللبناني، وأمام من قاموا ببذل مثل هذه الجهود من أجل إعادة الأمور إلى أقنيتها الطبيعية.
* لا شيء جديد إذا؟
الآخرون هم المسؤولون عن هذا التباعد، وهم المسؤولون عن هذا الشرخ الذي تشهده العلاقات السورية اللبنانية. ومن جانب سوريا لا توجد إلا كل مودة وكل رغبة في أن تكون العلاقات مثالية لكل الدول العربية الأخرى.
* هل طلبتم من حركة حماس القبول بمبادرة السلام العربية كخطوة نحو تضييق الهوة بينها وبين حركة فتح؟
نحن في الحقيقة لا نطلب من حماس أو اي تنظيم فلسطيني آخر، أي شيء لا يخدم القضية الفلسطينية. ومن المعروف أن سوريا تقف على مسافة متساوية من جميع الفصائل. هناك وضع الآن دقيق وحساس على الساحة الفلسطينية، ومن خلال احتكاكنا المباشر مع كافة الفصائل سواء كانت حماس أو فتح أو الجبهة الديموقراطية أو الشعبية، لدينا أمل وليس طلب، أن تعمل هذه الفصائل على تعميق لحمة العمل والنضال الفلسطيني وتحيل المواقف الفلسطينية نحو التحديات الحقيقية التي تواجهها القضية الفلسطينية، وهي تحديات مصيرية.
نعتقد انه لا وقت أمام الفصائل الفلسطينية من أجل ممارسة ما يسمى بالعبثية السياسية، لأن التحديات القائمة هي تحديات مصيرية، ونأمل من كافة أشقائنا على الساحة الفلسطينية الارتفاع إلى هذا المستوى لأن التناحر الفلسطيني الفلسطيني لا يمكن أن يخدم إلا إسرائيل.
* جرى أكثر من إعلان في اليومين الماضيين حول عودة العلاقات مع العراق وزيارة قريبة لوزير الخارجية وليد المعلم؟.
مرة أخرى ما يربط سوريا والعراق هو التاريخ والجغرافيا والأهداف المشتركة. يمر العراق الآن بفترة عصيبة، ونحن ندعم كل الجهد الذي يقوم به الشعب العراقي من أجل الحفاظ على وحدة أرضه وشعبه. وبعد إتمام العملية السياسية من خلال الانتخابات التي جرت مؤخرا وانتخاب جمعية وطنية وحكومة عراقية، نحن كما قلنا مستعدون لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين، ونأمل أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن.
أعلنا مرارا ونأمل أن يتم ذلك وأن تتخذ إجراءات من قبل أشقائنا في الجانب العراقي خلال الأيام القليلة المقبلة، نحن نسعى فعلا لأن ينعم العراق بالأمن والسلام، وأن يستعيد الشعب العراقي الهدوء الذي سيساعد حتما على تحقيق التنمية الاقتصادية في هذا البلد، وإعادة العراق إلى دوره على المستويين الإقليمي والدولي. هناك رغبة صادقة ايضا من قبل القيادة في سوريا من أجل العمل في هذا الاتجاه، وسندعم كل ما يؤدي إلى تعميق العلاقات بين البلدين والشعبين.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد