ندوة "سينما الشباب" طموحات كبيرة وأحلام محنطة

08-12-2009

ندوة "سينما الشباب" طموحات كبيرة وأحلام محنطة

أثارت ندوة "سينما الشباب" التي أدارها الزميل راشد عيسى في برج الفردوس مساء الأربعاء الماضي العديد من الأسئلة لم يسمح لها وقت الأمسية المخصص للإجابة عنها، إنما حددت بعض النقاط الأساسية التي تلخص مشاكل سينما الشباب بشكل خاص والسينما السورية بشكل عام، حيث استضاف كل من المخرج الشاب جود سعيد والمخرج والمنتج عروة نيربية في حوار مفتوح مع الجمهور الذي ضم عدداً من الأصدقاء والمهتمين بالشأن السينمائي والثقافي.
بداية حاول مدير الندوة  تقسيم السينما الشابة إلى توجهين سائدين حالياً، الأول التجارب السينمائية الشابة الخارجة من معطف المؤسسة الرسمية الذي مثله جود سعيد، باعتباره أصغر المخرجين السوريين سناً والذي حظي بدعم وفرص لم يحظى بها الكثير من السينمائيين الشباب من قبل المؤسسة العامة للسينما، والثاني هو السينما المستقلة التي تحاول شق طريقه بمعزل أو بأقل قدر ممكن من مساعدة المؤسسة العامة للسينما، ومهرجان سينما الواقع خير مثال على تجربة السينما المستقلة التي باتت رائجة في الأوساط الثقافية السورية والذي مثله عروة نيربية، حيث أكد الأخير أن تجربة مهرجان سينما الواقع لم تكن لترى النور لولا دعم المؤسسة الرسمية، فيما دافع سعيد عن فيلمه "مرة أخرى" الذي يعتبره جزءاً من مشروعه السينمائي مؤكدا أن تصميمه وتحديه لجميع الصعوبات كان وراء نجاحه.
انتقل بعدها عيسى إلى مناقشة أمور مختلفة يعتبرها البعض الأسباب الكامنة وراء إحباط أحلام الشباب السينمائي السوري، وتشتيت مواهبه التي تتحطم بمجملها على أبواب البيروقراطية، وأكد أن عيسى أن هذه المشكلات والمعوقات لا تتوقف على السينما السورية وحدها إنما يمكن تعميمها على السينما العالمية من أهمها غياب الجهات الخاصة الراعية والداعمة بشكل حقيقي للمواهب السينمائية الشابة، وفتح بعدها باب المداخلات ومناقشتها مع الحضور، حيث أكد الأستاذ المخرج هيثم حقي على ضرورة الإنتاج السينمائي المشترك، وذكر تجربة النادي السينمائي الذي أسسه مع مجموعة سينمائيين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وذكر أن أهم معوقات صناعة السينما في سورية هي غياب تالمويل الحقيقي الذي يدعم المواهب الشابة في تقديم تجاربها،وأحال الروائي خالد خليفة تراجع السينما الشبابية السورية إلى تراجع الثقافة السورية بشكل عام، وأن هناك عوامل عدة تعمل على القضاء على جميع المواهب السورية في كافة أشكال الإبداع الثقافي والفني بما فيها السينما. من جهته شرح المخرج السوري الشاب نضال حسن مسألة إيقاف فيلمه داخل المؤسسة العامة للسينما، وأكد أن مزاج والعلاقات الشخصية لمدير عام المؤسسة العامة للسينما هي من يحكم ويحدد أعطاء فرصة في تقديم فيلم سينمائي، مضيفاً أن قضيته الشخصية تلخص الجو السينمائي السوري العام وبشكل خاص أحلام  السينمائيين الشباب التي تتحطم على صخرة الأنظمة والقوانين التي يحددها ويفصلها على مقاسهم  جميع القائمين على المؤسسات الثقافية والسينمائية الرسمية. أيضاً قدم الناقد السينمائي فاضل كواكبي مداخلة شرح فيها مشكلة الثقافة السورية التي اعتبرها ثقافة غير احترافية بالعموم، وحاول تعريف السينما المستقلة باعتبارها حالة ملتبسة باعتبارها قراءة سينمائية إبداعية غير ملتزمة بقوانين السوق وشباك التذاكر، وشرح التجربة السينما المصرية الاحترافية التي استطاعت في مرحلة من المراحل النهوض والحضور في الأوساط السينمائية العالمية.وأكد المخرج السينمائي عمر أميرلاي في مداخلته أن أهم أسباب نهوض السينما السورية في فترة سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، هو تآلف عدد من السينمائيين السوريين وإصرارهم على النهوض بالفن السينمائي بغض النظر عن الدعم الرسمي أو الحكومي أو حتى التمويل الخاص، وإن هذا الحالة باتت مفقودة في يومنا هذا، عندما أصبح السينمائيون الشباب يعملون بشكل منفرد، كل واحد منهم يبحث عن فرصته وتحقيق وجوده بمعزل عن الآخر.
العبرة في الخلاصة
كالعادة، تداخلت المناقشات والحوارات والمداخلات لتخرج عن الموضوع المحدد، باعتبار سينما الشباب جزء لا يتجزأ من ناحية المضمون والغاية عن السينما السورية والحالة الثقافية السائدة، كما حاول مدير الندوة إعادة النقاش إلى خطه الأساسي، لكن الخصوصية التي تتمتع بها ندوات الأربعاء الثقافية في برج الفردوس حولت الندوة إلى نقاش ثقافي موسع، مع بعض المساجلات المجانية التي تسببت بها العلاقات الشخصية بين الحضور، لكن ما طرحته الندوة يحرضنا على قراءة الواقع السينمائي السوري من وجهة نظر عامة، فالمتابع للعرض الجماهيري لنتاج المؤسسة العامة للسينما، سيصاب بالذهول للتراجع الشعبي والجماهيري عن متابعة السينما السورية، على سبيل المثال، عرض في العام الفائت فيلم "خارج التغطية" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد في سينما الكندي بدمشق، ويذكر أن الفيلم حقق جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق السينمائي في دورته 16، لكن لم يحقق الفيلم أي متابعة جماهيرية تذكر، أيضاً فيلم "علاقات عامة" للمخرج سمير ذكرى لم يكن أحسن حالا من سابقه عند عرضه جماهيرياً، هذا العزوف الجماهيري عن نتاج المؤسسة العامة للسينما يلخص تردي الواقع السينمائي السوري الذي بات مختصرا على النخبة الثقافية، وبعيدا عن الإطار الرسمي والمؤسساتي، راهنت بعض الجهات الخاصة على النهوض بالسينما السورية، عندما افتتحت سينما دمشق بالفيلم السوري اللبناني المشترك "سيلينا"، لكن بعد انتهاء عرضه وإلى الآن لم يتم تقديم فيلم سوري واحد في الصالة المذكورة، هذا أن دل على شيء إنما يدل على أن السينما السورية على الرغم من جميع المحاولات الجادة التي يقدمها القطاع الخاص جديد العهد أو السينما الشبابية لم تتعدى بعد المرحلة الجنينية أو ما تزال تراوح مكانها على الصعيد الجماهيري، وبحاجة إلى إعادة نظر ووقفة مطولة من أجل التواصل مع الجماهير العريضة باعتبارها الحكم الحقيقي لنجاحها أو فشلها.


أنس زرزر

المصدر: جريدة النهضة 
    

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...