لاجئون عراقيون يخلقون بغداد جديدة في دمشق

24-04-2007

لاجئون عراقيون يخلقون بغداد جديدة في دمشق

ملايين العراقيين اضطروا للنزوح عن بيوتهم بسبب دوامة العنف الدائرة في بلادهم.

الكثيرون من هؤلاء لجأوا الى دمشق، والحكومة السورية تتساءل: لماذا لا يفعل الأمريكيون والبريطانيون ما يكفي لمساعدة هؤلاء اللاجئين ؟

"هذه بغداد"، هذا ما قاله حسين.

نحن نجلس على كراسي بلاستيكية ذات ألوان زاهية في "الشارع العراقي" في العاصمة السورية.

كان للشارع اسم اخر، ولكن لم يعد أحد يذكره الان وقد تغيرت ملامحه تماما.

لوحات المتاجر تروي الحكاية: هناك "المخبز العراقي" و"حلويات السليمانية" و"مطعم الفلوجة" في الشارع.

كذلك هناك لوحات كثيرة تعلن عن سفريات تنقلك من والى المدن العراقية.

لوحات الاعلان في الشارع تحكي العراق، وكذلك لهجة حديث المارة والطريقة االتي تضع فيها النساء الغطاء على رؤوسهن.

أسأل حسين متى غادر بغداد، يرفع طرف بنطلونه ليريني أثر جرح، كما يشمر كم قميصه لنفس الغاية، وأرى اثار رصاصات استهدفت حياته حين كان يعمل في وزارة الداخلية، وهي مكان معروف بوجود "كتائب الموت" الشيعية فيه.

حسين شيعي، أما هنا في دمشق فهو يجلس مع باسل، وهو سني.

باسل يتنحنح.

أدرك أن جلوس هذين الرجلين في هذا المكان يرتشفان الشاي ليس علامة على البطالة فقط، بل هو دلالة حزينة على ما فقده كلاهما.

أقول لهما:"أنتم هنا تجلسون معا: شيعة، سنة ومسيحيون.

"هذا هو العراق الجديد" يقول باسل بصوت أراد به اقناع نفسه والاخرين.

وصل باسل الى دمشق العام الماضي، ولكنه عاد الى بغداد قبل عدة شهورعلى أمل أن تكون "الخطة الأمنية" قد أثمرت.

عاد الى سوريا ولا يريد الذهاب الى العراق مرة أخرى، لا يريد أن يسير بقدميه الى حتفه كما يقول.

هذا يبدو رأي غالبية العراقيين المقيمين في سوريا وعددهم يتجاوز المليون، وهناك ثلاثة أرباع المليون في الأردن المجاور.

أغلقت الولايات المتحدة وبريطانيا ومعظم الدول الأوروبية أبوابها أمام معظم طالبي اللجوء، أما الأردن وسوريا فيتحدثان عن "ضيوف" أو "زائرين" فهما لا يريدان أن يخلق عراق اخر على أراضيهما.

قبل ستين عاما عبر لاجئون فلسطينيون الحدود الى هذين البلدين، ولا زالوا هناك.

تدفق اللاجئين العراقيين ينظر اليه على أنه أكبر موجة نزوح منذ النزوح الفلسطيني، وهذا النزوح سيغير معالم المنطقة.

العراقيون يشكلون 15 في المئة من سكان الأردن الذي لا يتجاوز عدد سكانه الملايين الستة.

جيران العراق العرب لا يجرؤون على الحديث بصوت عال بما يتنافى مع التزامات الوحدة العربية المقدسة، ولكن الأردن بدا يتململ.

المواطنون الأردنيون والسوريون يتذمرون من ارتفاع أسعار كل شيء من الخضروات الى الشقق السكنية.

يتساءل الكثيرون لماذا عليهم تحمل تبعات أزمة يتهمون بريطانيا والولايات المتحدة بالتسبب بها.

تمخض المؤتمر الأخير في جنيف الأسبوع الماضي عن وعود بمساعدات، ولكن موجات البشر الذين يغادرون العراق لا تتوقف.

حتى الان لم تقم مخيمات للنازحين، فالأثرياء منهم يشترون أو يستأجرون منازل لهم، أما الفقراء فيجدون مكانا لهم في الضواحي الفقيرة.

تقول ايمان وهي شيعية اغتيل زوجها الذي كان سنيا، وهي الان تقيم في سوريا: امامي خياران: اما العودة الى العراق، وفي هذه الحالة سيأخذ صهري ولدي التوأم مني، أو البقاء هنا والتسول، لكن ولدي يقولان انه حتى الموت أفضل من التسول".

أسألها ان كانت تود العودة الى العراق اذا استطاعت فتجيب:" لا تذكر العراق. لقد جعلني أحب زوجي وعملي وحياتي، ولكنني الان أكرهه."

أسألها ان كان بحوزتها صور لطفليها، تتنهد وتبحث في حقيبتها عن شيء، وتناوله لي. صورة غير واضحة لها: امرأة شابة تضحك بمرح وانطلاق، وشعرها منسدل على كتفيها، بينما تحتضن زوجها الذي يمسك بالطفلين، وفي الخلفية شجرة عيد الميلاد.

"هل كنت، أنت المسلمة، تحتفلين بعيد الميلاد ؟" أسألها، فتهز رأسها وتتجه بنظرها بعيدا.

أما أنا فأتمثل ملامح عراق اخر لم يعد موجودا وعاصمة بلاد قديمة ذات تقاليد راسخة كانت عاصمة العواصم في الشرق الأوسط.

ليز دوسيه

المصدر: BBC

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...