كيف تحولت الدروس الخصوصية إلى ثقافة اضطرارية؟

21-08-2008

كيف تحولت الدروس الخصوصية إلى ثقافة اضطرارية؟

تعاظمت في الآونة الأخيرة أعداد المعاهد التدريسية الصيفية الخاصة في سورية, والتي غالباً ما تكون عبارة عن شقق سكنية فرشت بالطاولات والكراسي والمقاعد الدراسية, وقد يغالي بعضها بأجهزة التكييف لغرف الإدارة ويكتفي بالمراوح للصفوف أو »الغرف الدراسية« وذلك تبعاً للتوضع الجغرافي للمعهد, فكلما ارتقى مكانه الجغرافي كلما ارتقت أجهزته ودخلت المكيفات إلى الغرف الدراسية أيضاً, وبالتالي ترتقي معه التكلفة المادية على الطالب بشكل مرهق, إلا أنه وبالرغم من ذلك يبقى المعهد هو الرابح في معركة الأسعار الدائرة مع الأساتذة فيجده الطلاب والأهالي منقذاً من براثن الساعات الخصوصية, وبالتالي يزداد تهافت الطلاب على تلك المعاهد الصيفية باطراد, فهل أصبح هذا التهافت في ظل الانفتاح الحضاري الذي نعيشه الآن جزءاً لايتجزأ من »البريستيج« أو الموضة الاجتماعية التي تشعر الطالب بالحرج أمام زملائه في حال عدم انتمائه لصفوفها؟ أم تشكل قاسماً مشتركاً يجمع بين الصحبة (الشلة) والإلمام بالمنهج التعليمي للمرحلة الدراسية القادمة؟ أم تعد بالفعل عاملاً مساعداً يهدف إلى دعم العملية التربوية والتدريسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية حصراً كون مناهج المراحل الانتقالية ليست بكثافة مناهج تلك المرحلتين كما لا تلعب الدور الرئيسي في تحديد مستقبل الطالب كالمرحلة الثانوية, وربما تشكل تلك المعاهد كما يعتقد البعض شكلاً من أشكال الاستمرارية في التعليم بالنسبة لطلاب العلمي حتى لا يحدث الصيف بأشهره الثلاثة انقطاعاً للطالب عن العلم, فيجد بعدها صعوبة في العودة إليه بعدما اعتاد على الراحة والاسترخاء في الصيف؟! ولكن ألا يعد هذا اجحافاً بحق الطالب في الاستراحة والاستجمام بعد تسعة أشهر من الجد والتعب المتواصل على مدى عام دراسي كامل وقبل أن يبدأ معركته الدراسية الحاسمة المقبلة في التاسع أو البكالوريا..‏

حيث تنتهي المرحلة الدراسية الانتقالية في نهاية الشهر الخامس وتبدأ رحلة المعاهد في بداية الشهر السادس, وهكذا لا يجد الطالب لنفسه أدنى وقت ليصحو من شهر الامتحان حتى يلتحق بالمعهد الصيفي ليتابع فيه الدراسة أيضاً.‏

يقول في ذلك أغلب المدرسين والموجهين في تلك المعاهد: إن الزمن قد تغير وقد أصبحت المناهج الدراسية للمرحلة الثانوية بشكل خاص ضخمة جداً وتحتاج لوقت الطالب في الصيف ,إضافة إلى فصل الشتاء الدراسي حتى يستطيع أن يقارب طموحه في الوصول إلى الجامعة, فالمعدلات المطلوبة مرتفعة جداً وربما لا تحقق بسنة دراسية واحدة فتحتاج لسنة أخرى لتعويض النقص في المعدل ولو كان ببعض العلامات لتحقيق حلم الجامعة, فمن الأفضل أن يتابع الطالب دراسته في دورات المعاهد الخاصة في الصيف حتى يأخذ فكرة ولو مبدئية عن المنهاج الذي سيأخذه في السنة القادمة فيغدو معروفاً لديه ولا يجد صعوبة في استيعابه عند الدراسة الفعلية, فالمعهد بقوانينه لا يضيق على الطالب كثيراً في الدوام والوظائف والتسميع كما في المدارس الحكومية فقد يتغاضى أحياناً عن عدم الالتزام مقدراً حاجة الطالب للاستراحة من الدراسة ولو قليلاً مع إعلام الأهل بذلك حتماً, وبهذا يحقق المعهد للطالب الفسحة والدراسة في نفس الوقت!!! وبذلك يضغط الطالب نفسه قليلاً في الصيف إضافة للشتاء حتى يحصد في النهاية النتيجة التي يريدها إن كان في مرحلتي التاسع أو البكالوريا كونها مراحل حاسمة وتلعب دوراً كبيراً في مستقبل الطالب ومن بعدها يستطع الطالب أن يمارس عطلته بالشكل الذي يريد, على مبدأ (تعب يوم ولا كل يوم), كما أن الطالب في المعهد يدفع ثمن المعلومات التي يتلقاها ,وبالتالي يشعر بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه والديه اللذين وفرا له ثمن تلك المعلومات إن كان بصعوبة أم لا مطالبيه بالتفوق فيخلق لديه حساً بالمسؤولية والانضباط ورغبة في أن يكون من المتفوقين وأهلاً للثقة.‏

أما من وجهة نظر الطلاب فقد اختلفت الآراء بينما اتفقت آراء الطلاب المتفوقين فقط والذين تنقصهم بعض العلامات من المجموع النهائي حيث أكدت الطالبة س.ب الأولى على مدرستها في البكالوريا العلمي: إنها لم تحتج إلى أي دورات صيفية أو شتوية أو حتى دروس خصوصية حتى حققت تفوقها هذا وإنما اكتفت بالالتزام الكامل, بالدراسة العادية طوال أيام السنة كمتابعة الدروس وتحضيرها والالتزام بالوظائف بمواعيدها والتحضير للوظائف الأخرى من باب الفضول.. واستغلال الفرصة لتحضير الدرس القادم وسؤال الأساتذة عن أماكن اللبس التي تعترضها في المادة, شجعها على ذلك ترحيب الأساتذة بنشاطها وتفوقها.. وبذلك حققت نجاحها بقليل من التعب خلال السنة مع احتفاظها بعطلة الصيف التي لن تتنازل عنها (على حد قولها). ولن يؤثر عليها عقد الاتفاقات أمامها بين صديقاتها وأصدقائها من الذكور والإناث على اسم المعهد الذي سيسجلون به في الصيف خلافاً للكثير من الفتيات والذكور الذين يتأثرون بأصدقائهم عندما يستعرضون أسماء المعاهد التي سيدخلونها في الصيف ويسألونهم عن مكان توجههم ويدعونهم إلى نفس المعهد حفاظاً على الصحبة وأملاً في قضاء وقت ظريف, فيسبب ذلك لهم نوعاً من الضيق وإحساساً بالنقص لعدم تسجيلهم إن كان لأسباب مادية أو غيرها.. ويؤكد على ذلك أيضاً الطالب المتفوق الذي تنقصه بعض العلامات عن المجموع الكامل في البكالوريا الأدبي س.ح حيث يقول: لست مع الدورات الصيفية للطلاب فهي من حق الطالب للاستراحة من تعب عام دراسي كامل, فكما لأهلي حق المطالبة بالنجاح والتفوق لي أنا الحق في الراحة وتخطيط استراتيجية تناسبني وتحقق التفوق, فإذا لم آخذ قسطاً من الراحة لا أستطيع المتابعة بنشاط والطالب بشكل عام يستطيع أن يضغط نفسه قليلاً أو كثيراً في العام الدراسي حتى يحقق النجاح وفي الصيف, يعطي جسده وفكره حقهما في الاستراحة من عناء السنة فيعود بذلك إلى السنة الدراسية الجديدة بنشاط وحيوية وحماسة للدراسة التي غاب عنها لمدة, أما إذا درس في الصيف وفي الشتاء بشكل متواصل فإنه سيأتي على أيام الامتحان على آخر نفس ,مرهق وغير قادر على التركيز, هذا إذا فرضنا أن الدراسة في الصيف كانت جدية, عدا ذلك قد تحتاج مواد البكالوريا العلمية بعض المتابعة في الصيف حتى لا يحدث أي انقطاع أو نسيان للمعلومات فهي لا بد أن تبقى حاضرة في الذهن دوماً, ولكن لا مبرر لدورات المواد الأدبي, فمع قليل من التركيز أثناء السنةوالمتابعة اليومية للدروس يستغني الطالب تماماً عن تلك الدورات ولا يخلو الأمر من تسجيل مادة ما يشعر الطالب بضعف فيها ولكن ليس جميع المواد, وقد يكون أحد أهم الأسباب لتسجيل الطالب لتلك الدورات هو الضغط النفسي من قبل الأهل وأصدقائهم ومعارفهم والأقرباء, فالجميع يحثك على الاستعداد والتأهب لسنة حافلة بالتعب عدا أولئك الذين ينتظرون نتيجتك ويحذرونك من أي تقصير قد يؤثر على مستقبلك كاملاً.. إلى ما هنالك من تحديات وتوعدات ومواعظ تشعر الطالب بأن عليه الدراسة ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاءً ويبقى مقصراً, فطبيعي أن يسعى وراء الدورات الصيفية مع كل هذا الضغط النفسي والترهيبي من الشهادة.‏

بينما تقول الطالبة س.ع: إنه لو وافق الأهل على تسجيلها مع صديقاتها في نادي رياضة مثلاً أو موسيقا لما اتفقت أساساً هي وصديقاتها على التسجيل في دورة دراسية صيفية حتى قبل نهاية العام الدراسي للالتقاء والتسلية إضافة إلى الدراسة.‏

أو بالأحرى الإلمام بالمنهاج الجديد, فالدورات الصيفية في المعهد هي المكان الوحيد الذي يبرر خروجهم بشكل يومي بموافقة الأهل, وهكذا يجمعون بين التسلية وبعض الدراسة. وهناك بعض أهالي الطلاب الذين يغضون النظر نوعاً ما عن اعتماد أبنائهم على المعاهد الصيفية كمكان للالتقاء بأصدقائهم والترفيه عن أنفسهم في الصيف ,إضافة إلى محاولات الدراسة فيه فمع القليل من المتابعة من الأهل وحث الطالب على الدراسة لا بد برأيهم أن يستفيد من الدورة ولو كأخذ فكرة عن المنهاج الدراسي القادم, فلم لا يجمعون بين الاثنين فبعض الأمهات تفضلن معهداً يلم بالمنهاج الدراسي على أن يستفيض في التسلية وتضييع الوقت, وبعضهم الآخر يؤكد أهمية الإرادة في التفوق سواء بتسجيل الدورات الصيفية أم لا وإن كانوا لا يؤيدونها بدافع عجز مادي أو تبرير منطقي.‏

وضمن وجهات النظر المختلفة هذه بين معارضة للمعاهد الدراسية الصيفية وغير مؤيدة لها تماماً وجدت فيها أفضل المطروح مقارنة بالمعاهد الترفيهية وليس التعليمية, نتساءل هل أثبت هذا التعليم المأجور مصداقيته في دعم العملية التعليمية والتربوية أم في دعم المشاريع الاستثمارية؟!‏

نغم إبراهيم

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...