في ذكرى شاعر دمشق...

23-03-2008

في ذكرى شاعر دمشق...

يصادف اليوم 23 آذار ذكرى ميلاد الشاعر الأكثر جماهيرية في الوطن العربي نزار قباني.. ذلك الشاعر الذي جعل الشعر رغيف خبز يتداوله المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، فكان نزار قباني طوال حياته موضع جدل على الساحة الشعرية فمنذ أن نطق بأول بيت شعر أوقد ناراً لم يطفأ أوارها حتى الآن.. فكان الشاعر الخارج عن الأنظمة والقوانين ولم يعترف بسلطة الخفير العربي.. 
 عاش نزار قباني حياته متنقلاً بين دمشق وبيروت ولندن وباريس وعدد من الدول العربية والأجنبية الأخرى، كتب مئات القصائد في السياسة والحب، وعمل دبلوماسياً في سفارات بلده قبل أن يتفرغ كلياً للشعر.
«الوطن» تكشف بعض التفاصيل للأيام الأخيرة للشاعر السوري الكبير نزار قباني:

وشاء القدر أن يدغدغ قلب الشاعر نزار قباني في لندن بعد ظهر يوم الأحد الحادي والعشرين من شهر أيلول من عام1997 فأصيب بأزمة قلبية حادة دخل على أثرها إلى مشفى سان توماس وبقي فيه شهري تشرين الأول وتشرين الثاني..
وخيم الحزن على مساحة الوطن العربي.. كانت تلك الأيام هي آخر أيام شاعرنا، كانت دمشق تسأل عن مرض الشاعر كانت بيروت، الخرطوم، الجزائر، القاهرة، الكويت، كل الأطفال والنساء والرجال، كانوا يسألون عن الشاعر.. أطفال دمشق.. نساء دمشق... رجال دمشق... حاراتها، زواريبها... ياسمينها الحزين.. دمشق كلها كانت حزينة تصلي لأجل الشاعر وتذرف الدموع كي تسقي قلب الشاعر المريض:

(لقد حملتني دمشق بين أهدابها وخبأتني في سواد عينيها وغمرتني بعناقها وقبلاتها حتى كتب اللـه علي العافية).
واستجاب القدر وعوفي نزار قباني وعندما فتح عينيه في غرفه الإنعاش لم يصدق ما تراه عيناه:
(فقد كان الوطن العربي كله جالسا قرب سريري، يذرف الدموع، ويضرع إلى اللـه كي يعيد إلى قلبي السلامة والعافية).
ولم يستمر الفرح معمرا طويلا على مساحة الوطن العربي فامتدت يد القدر لنزار قباني ووافته المنية في منزله بلندن يوم الخميس 30/4/1998 عن عمر يناهز 75 عاماً ورحل الشاعر من دون عودة، وترجل عن صهوة جواده تاركا لنا أسطورة وإلياذة خالدة في حب المرأة والوطن وحكايات طويلة عن دمشق وياسمينها وصليب العذاب الذي صلب عليه منذ نطق بأول بيت شعر لأنه حمل قضية المرأة منذ نعومة أظفاره، لأنه غنى للعروبة وكان شعره السياسي خارجا عن كل قانون، جارحا تجاوز فيه كل الخطوط الحمراء، لأنه كان شاعر الحرية والديمقراطية لم يمالق ولم يهادن..
وعلمت دمشق برحيل شاعرها وابنها البار نزار توفيق قباني فنعت وزارة الخارجية ووزارة الثقافة ووزارة الإعلام واتحاد الكتاب العرب واتحاد الصحفيين وأسرة الفقيد الشاعر الكبير نزار قباني. ووجه السيد الرئيس حافظ الأسد بوضع طائرة خاصة لنقل جثمان الشاعر من لندن لدمشق.
أنا وردتكم الشامية يا أهل الشام
فمن وجدني منكم فليضعني في أول مزهرية
أنا شاعركم المجنون يا أهل الشام
فمن رآني منكم فليلتقط لي صورة تذكارية
أنا قمركم المشرد يا أهل الشام
فمن رآني منكم فليتبرع لي بفراش وبطانية صوف
لأنني لم أنم منذ قرون
بهذه الكلمات اختصر الشاعر علاقته بدمشق فكتب وصيته بخط يد وهو على فراش الموت في لندن:
إنني أرغب في أن ينقل جثماني إلى دمشق ويدفن فيها في مقبرة الأهل.
وأعرب عن رجائه من جميع إخوته وأهله تنفيذ هذه الرغبة:
(التي أعتبرها نهائية لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجديه الياسمين).
واختتم وصيته قائلا:
هكذا يعود الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه.
سكت قلب الشاعر العربي الأكثر جماهيرية في القرن العشرين، ونعاه أهل الشعر والعروبة وعلا الدعاء ورنت النواقيس في بلاد العرب مودعة شاعرها وابنها البار فلم تهتز عاصمة عربية لوفاة شاعر أو أديب كما تزلزلت لوفاة نزار، خسرت عواصم العرب كلها نزاراً لأنه كان شاعر العرب بمختلف جنسياتهم وانتماءاتهم وأعمارهم وتصنيفاتهم الاجتماعية والثقافية، واستطاع ولأول مرة في تاريخ العرب المعاصر أن يحطم حواجز الحدود والسدود وتجول كلماته بسرعة البرق من أقصى عالم العرب إلى أقصاه دون أن يتمكن أي دركي أو خفير من ضبطه والقبض عليه ومصادرته.
ووصل جثمان الشاعر إلى دمشق مساء يوم الأحد الثالث من أيار من عام 1998 على الطائرة الخاصة التي وضعها الرئيس حافظ الأسد لنقل جثمانه مع أفراد عائلته من لندن إلى دمشق، ورافق الجثمان أبناء الشاعر هدباء وعمر وزينب وكانت دمشق بكل ناسها في استقبال ابنها البار، وتوجه الموكب الذي حمل الجثمان إلى مستشفى الشامي لتبدأ مراسم التشييع الرسمية في اليوم التالي الإثنين الرابع من أيار والتي ابتدأت الساعة الثالثة والنصف وانتهت الساعة السادسة والنصف، من دار شقيقه المعتز في منطقة المالكي حيث جرى تشييع الشاعر إلى مقابر العائلة في منطقة الميدان في باب الصغير.. ولأول مرة في تاريخ دمشق كسرت النساء التقليد الذي يحظر على النساء المشاركة في التشييع ورافقن جثمان الشاعر إلى مسجد بدر حيث تمت الصلاة على جثمانه. ومشت نسوة دمشق في جنازة الشاعر وهن يذرفن الدمع ويبكين شاعر الشام.
وهكذا عاد الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه، ممتطيا صهوة سحابة، ممتطيا أجمل حصانين في الدنيا، حصان العشق.. وحصان الشعر:
(لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجدية الياسمين... وهكذا يعود الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه00 لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجديه الياسمين.. أعود إلى دمشق ممتطياً صهوة سحابة ممتطياً أجمل حصانين في الدنيا حصان العشق وحصان الشعر..).

 

شمس الدين العجلاني

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...