عن تبعية اتحاد الكتاب العرب في سوريا

23-11-2006

عن تبعية اتحاد الكتاب العرب في سوريا

على الرغم من إيمان الكثيرين بأن الكاتب ينبغي أن يكتب كنسر حرّ لا كحمام زاجل، وأن يكون خارج الإيديولوجيات والأطر والمؤسسات، حتى لو كانت تخصّه، إلا أن كثيرين أيضاً يرون وجوب وجود تلك الإيديولوجيات والأطر والمؤسسات وتكريسها، كي تلمّ جموع الكتاب. أياً يكن الرأي السائد، فإن المؤسسات الثقافية حقيقة واقعة، واتحاد الكتّاب هو إحدى تلك المؤسسات التي، إذا انوجدت، ينبغي أن تكون، أولاً وأخيراً، للكاتب، ومن أجله وطوع بنانه. إلا إن الأمر في سوريا مختلف تماماً. فالمؤسسات الثقافية السورية، حالها كحال بقية المؤسسات الحكومية، محكومة، في ظل سيطرة الهاجس الأمني، بالأحادية والتبعية للسلطة، ومحكومة أيضاً بالبيروقراطية والديكتاتورية التي تعم المجتمع السوري. عملت تلك المؤسسات على خلق كوارث حقيقية في الحياة الثقافية، وعلى تغييب قامات كبيرة رفضت الخضوع لها ليطفو بدلاً منها أشباه مثقفين، فقط لأنهم يخضعون لاعتبارات المؤسسة، ويجيدون التصفيق والتهليل لأصحاب الكراسي من خارج المؤسسة وداخلها! كما أنها خلقت الكوارث في سيطرتها الرقابية على الثقافة السورية، باعتبار أن طباعة أي كتاب تستلزم الحصول على إذن من دائرة الرقابة في وزارة الإعلام أو اتحاد الكتّاب العرب أو وزارة الثقافة أو القيادة القطرية لحزب البعث التي تتولى الإشراف على الكتب والمخطوطات في مجال الدراسات السياسية أو الدينية أو التاريخية.
تسبب هذا الواقع في بقاء عدد كبير من الكتّاب والمثقفين السوريين خارج اتحاد الكتّاب العرب حتى اليوم، مثل بوعلي ياسين وعادل محمود وفواز حداد وغيرهم، كما أدى إلى فصل عدد كبير منهم أيضاً لأنهم رفضوا الانصياع لمنظومته القمعية، مثل أدونيس، سعد الله ونوس، هاني الراهب، ممدوح عدوان، زكريا تامر، حنا مينه، وأسماء أخرى كثيرة.

تأسس اتحاد الكتّاب العرب في سوريا عام 1968 وكانت الجمعية التأسيسية في رئاسة المرحوم سليمان الخش، فيما كان حنا مينة وزكريا تامر من المؤسسين في المكتب التنفيذي الأول لهذا الاتحاد مع الشاعر علي الجندي، والشاعر ممدوح عدوان، والروائي حيدر حيدر وغيرهم. من المؤسف أن الاتحاد، بعد ذلك، أدخل في عضويته كل من له كتاب مطبوع أو أكثر، فتضخم الاتحاد حتى بلغ عدد أعضائه أكثر من ثمانمئة، بالرغم من أنه لم ينوجد في سوريا نصف هذا العدد من الكتّاب الحقيقيين.
من المعروف أن العقود الثلاثة الماضية شهدت تخلي عدد كبير من الكتّاب السوريين عن عضوية الاتحاد، لأنهم آمنوا أن هذا الاتحاد لا يمثلهم، فيما دخل إليه العشرات من كتّاب لا يملكون أي موهبة، بحيث أضحوا يشكلون العنصر الغالب فيه. يتألف اتحاد الكتّاب العرب في سوريا من ثلاث هيئات: الأولى نقابة الكتّاب، مهمتها الدفاع عن الحريات والكتّاب ضد قوى القمع، وهذا ما لم تفعله يوماً. الثانية دار النشر التي تتحكم في نشر الكتب أو عدم نشرها، وما يتبع ذلك من محسوبيات ووساطات. أما الثالثة فهي الرقابة على النصوص التي يطبعها أصحابها على نفقتهم الخاصة، وهنا تتألق المشرحة الرقابية في سوريا التي تحول الكتّاب فيها إلى رقباء، لكن على من؟ على الكتّاب أيضاً. يضم اتحاد الكتاب العرب نحو 770 كاتباً بينهم 110 أعضاء عرب. يتألف المكتب التنفيذي من 25 عضواً بينهم 13 عضوا بعثيا حصراً والبقية أي 12 عضوا من المستقلين ومن الجبهة الوطنية التقدمية. ذلك أنه حتى الثقافة والكتابة في سوريا تخضع لمعايير الانتماءات السياسية وللعبة الموالاة والمعارضة.

من الصعب الحديث عن اتحاد الكتّاب العرب في سوريا من دون أن ترفق به الأعين الثلاث: ع. ع. ع، كما يحلو للكثيرين تسمية علي عقلة عرسان. ذلك أن 28 سنة من ترؤسه الاتحاد، منذ 1977 حتى مغادرته الكرسي في السنة الماضية، كرست الويلات في الاتحاد، فراح الكتّاب الحقيقيون يغادرون الاتحاد في عهده ليدخله كثيرون، هم في معظمهم أنصاف مثقفين أو أساتذة جامعات. وبعد تراجع الوضع الاقتصادي في سوريا صار الكتاب في حاجة إلى المبالغ الضئيلة التي يلقيها إليهم الاتحاد باسم الضمان الصحي، أو الاستكتابات الصغيرة في صحيفة "الأسبوع الأدبي" ومجلة "الموقف الأدبي"، خصوصاً حين عمل علي عقلة عرسان على رفع استكتابات الكتّاب من الأعضاء وغيرهم في صحيفة "الاتحاد" ودورياته، حتى غدت تعادل ضعف الاستكتاب الذي يتقاضاه الكاتب في إحدى الصحف الرسمية السورية، فيما تراكمت في مستودعات اتحاد الكتّاب عشرات الأطنان من الكتب التي لا يشتريها أحد ولا يرغب في قراءتها بسبب افتقارها الى أبسط معايير الكتابة!
من الصعب الحديث عن عرسان دون الحديث عن الرجل الثاني الذي كان في الاتحاد وهو القاص والروائي الفلسطيني الأصل حسن حميد، الذي كان يشغل منصب سكرتير التحرير في جريدة "الأسبوع الأدبي"، وهو اليوم في هيئة تحرير "الموقف الأدبي". وأعتقد أنه يكفي الإطلاع على كتابه "البقع الأرجوانية في الرواية الغربية"، لاكتشاف "عبقريته"، حيث يضع خمسة من أعظم كتاب الرواية في العالم في خانة الأعداء، جويس ودوستويفسكي وثرفانتس وبروست وكافكا، ويصف أشهر أعمالهم بالروايات السخيفة! وقبل سنوات نشر حسن حميد خبراً يتهم فيه ماركيز بالعمالة للصهيونية، لكنه صدم بالتأكيد حين صدر بيان ماركيز المعروف ضد شارون!
أضعف الإيمان أن يكون اتحاد الكتّاب العرب متأهباً للوقوف إلى جانب الكتّاب حين يحتاجونه حقاً، هو الذي يدّعي أنه حاميهم، لكن الأمر كان على العكس. فحين تعرض الروائي نبيل سليمان للضرب على أيدي مجهولين في مدينته اللاذقية في العام 2001، رفض رئيس الاتحاد علي عقلة عرسان أن يقف إلى جانبه، وأدلى بتصريح تحدث فيه عن عدم وجود دوافع سياسية وراء الحادث، مومئاً إلى تصفية حسابات شخصية مع الروائي سليمان، وإلى وقوع عدد من الجرائم في الآونة الأخيرة في اللاذقية. كما أقدم على فصل الشاعر أدونيس من دون مناقشة أو محاكمة، وعبّر أدونيس عن موقفه من هذا الإجراء: "أنا سعيد للغاية لهذا الطرد"، وذلك إثر حضوره مؤتمر غرناطة واتهام السلطة له، ممثلةً بالاتحاد، بالتطبيع. على إثر ذلك قدّم كل من حنا مينة وسعد الله ونوس الاستقالة من عضوية الاتحاد احتجاجاً على الفصل، ليُنشر بعد مدة خبر في إحدى صحف الاتحاد مفاده أنهما فصلا من عضوية الاتحاد لأنهما مع التطبيع! كذلك الأمر بالنسبة الى هاني الراهب الذي ترجم رواية "غبار" ليائيل دايان، ابنة موشي دايان، وقد أراد بهذه الترجمة أن يدلنا على الصورة التي يرسمها أدباء إسرائيل عن العربي وأنه غير حضاري وجبان وغدّار، وكان ذلك في بداية السبعينات. واتهم هاني الراهب بمحاولة التطبيع مع إسرائيل، وبناء على ذلك قام اتحاد الكتّاب العرب بطرده من صفوفه. لكن الراهب ظل مصراً على رأيه، وبأن علينا أن نعرف كل شيء عن عدونا حتى في الثقافة. فهذا العدو كان ولا يزال متفوقا علينا في كل المجالات، وإن لم نكن على الأقل في مستواه فإننا لن ننتصر عليه.
كان تخلي الاتحاد عن كتّابه المعارضين مستمراً حتى في حال المرض، ففيما كانت هيئات الكتاب ومؤسساته واتحاداته في العالم تقف إلى جانب الكتّاب، وتؤمّن مصاريف العلاج لهم لأنهم في النهاية أدباء الوطن، كان اتحاد الكتاب العرب في سوريا يفعل العكس. الأمر حصل مع الكثيرين، وليس أولهم ولا آخرهم بوعلي ياسين وهاني الراهب وغيرهما ممن لم يكلف الاتحاد نفسه عناء تقديم أي مساعدة لهم. كما علّق اتحاد الكتاب العرب عضوية الكتّاب العراقيين لسبب واحد بسيط هو أن اتحاد الكتاب العراقيين شُكّل في ظل الحكومة العراقية الراهنة التي جاء بها الاحتلال. فكأن الخلق والثقافة مسؤولان عن المواقف السياسية للحكومات. وكان الشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي يردد باستمرار: "لا تشرّفني عضوية الاتحاد".

رئيس الاتحاد حالياً هو الدكتور حسين جمعة، وقد جاء بعد المؤتمر السابع في العام 2005، حين فاز في الانتخابات الداخلية لحزب البعث. ومع أن علي عقلة عرسان هو الذي فاز في انتخابات الاتحاد، فإن الأوامر جاءت من القيادة بتنحية عرسان ليفوز حسين جمعة بالرئاسة بدلاً منه. واشترط رئيس اتحاد الكتاب العرب الجديد على أدونيس، في حال طلب العودة إلى الاتحاد، التخلي عن الخط الذي تبناه، مؤكداً أن أحداً لم يفصل لأسباب سياسية، وأن السبب في فصل أدونيس كان لمخالفته أنظمة الاتحاد. ونفى أيضاً أن يكون هناك روابط أدبية جديدة لها ثقلها، تؤسَّس اليوم في الاتحاد، وفي حال ذلك فإن أعضاءها لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. يذكر أن مجموعة من الكتاب شكلت حديثاً ضمن الاتحاد تجمعاً باسم "التجمع المستقل للكتاب في اتحاد الكتاب العرب" طالب بإلغاء الرقابة على الكتابة والكتّاب في سوريا، وألا يترأس الاتحاد رئيس لأكثر من دورتين، وإلغاء "الشللية" من أعمال الاتحاد، والتزام الاتحاد أمن الكتّاب ورفاهيتهم. زاد الطين بلة في الاتحاد، في رئاسته الجديدة، سياسة التقشف التي طرحها رئيس المؤتمر السنوي الذي انعقد بدمشق في 22/1/2006. وتمت الموافقة وقتذاك على اختزال النشاط المركزي للأعضاء إلى نشاط واحد في العام، وضغط نفقات السفر للوفود الخارجية، وتقليل عدد النسخ المطبوعة من الكتب التي يصدرها الاتحاد على نفقته، فيما ظلت الرقابة رقابة، وظلت لجان القراءة التي تقرر طباعة الكتب خارج الاتحاد وداخله مليئة بالعناصر غير المنتقاة على أساس الكفاءة، حيث يجري تقويم الكتب في سوريا اعتماداً على أشخاص ذوي سويات ثقافية متدنية لا يعرفون حتى ألف باء النقد، علماً أننا لا نستطيع إنكار وجود بعض الكتاب الكبار في لجان القراءة.
في الملتقى الروائي الثاني الذي عقد في القاهرة تحت عنوان "الرواية والمدينة"، أعلن الروائي صنع الله إبرهيم من على المنبر رفضه الجائزة التي فاز بها، لأنها بحسب رأيه، صادرة عن حكومة لا تملك صدقية منحها! كرّس ذلك الموقف الشجاع فكرة أساسية تتلخص في رفض الكاتب الحقيقي أن يكون بوقاً لأي جهة، وضد أي قوالب تجبره على الانصياع والانقياد لها. هذا لنقول إن على اتحاد الكتّاب الذي يدّعي الدفاع عن الكتّاب وصون حقوقهم وحماية امتيازاتهم، أن يكون أهلاً لهذه المهمة المشرفة، وأن يرتقي ليكون دافعاً للخلق لا محطماً له.

روزا ياسين حسن

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...