طلال سلمان:كوشنير ضد فرنسا .. والعرب ضد عمرو موسى!

30-07-2007

طلال سلمان:كوشنير ضد فرنسا .. والعرب ضد عمرو موسى!

في مطار بيروت التقى الموفد الفرنسي، برنار كوشنير، الذاهب الى القاهرة بقليل من الأمل وكثير من العناد، الموفد الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس الآتي من القاهرة لكي يواصل رحلته، بتفاؤله الأبدي، إلى دمشق. صار عمرو موسى محطة إجبارية للموفدين المتبرعين بالمبادرات، أو الآتين للاستكشاف والتعرف إلى المواقف ـ في هذه اللحظة ـ وقبل التورط في ادعاء القدرة على اقتراح الحلول الوسط... العجائبية!
عمرو موسى صبور، ثم ان موقعه الرمزي هش بتكوينه، لأنه قائم بطبيعته على التوازنات الدقيقة بين الأقوى بالقدرة على الفرض والأقوى بالقدرة على التعطيل، واللذين يشتركان في مسؤولية إبعاد الحل... حتى اشعار آخر!
وبين الشروط في الأمين العام لجامعة الدول العربية ان يكون صبوراً بعنق جمل: يستمع وينصح، يصغي إلى المقترحات والمقترحات المضادة، ثم يعيد الصياغة، ويعيدها ثانية وثالثة، حتى وهو يدرك انها لن تُقبل، ويغرق الناس في تفاؤله (وهو بعض واجبه) وهو يعرف ان النجاح مرجأ، أو متعذر.
أما برنار كوشنير فمتعجل دائماً، متحمس دائماً، واثق من نفسه دائماً. يحب التحدي، يكره الفشل ويحترف قنص النجاح.
ويفترض كوشنير انه يعرف لبنان جيداً، وربما أفضل من أهله... وهذه بين المزايا الموروثة عند بعض السياسيين الفرنسيين المحترفين، وإن كان الرئيس السابق جاك شيراك قد بزهم جميعاً.
وهؤلاء قد يحبون اللبنانيين، وقد يقدرون شطارتهم، لكنهم غالباً ما يسقطون في سوء تقدير لموقع فرنسا في لبنان ـ الحاضر... ثم يضطرون تدريجياً للاعتراف انه لم يعد ذلك «اللبنان» الذي كان، أي ذلك الذي اصطنعوه قبل ثمانين عاماً. وبعضهم قد شعر بغصة وهو يرى نفسه مضطراً إلى استخدام اللغة الانكليزية للتفاهم مع هؤلاء الذين كان يشعر معهم انه في بيته، والذين كان يعرف انهم في بيوتهم يتخاطبون باللغة الفرنسية ويعتمدون اصول اللياقات والمآكل الفرنسية، وصولاً إلى النبيذ وآدابه.
وبرنار كوشنير، بالذات، يعرف ان «لبنان الموحد والديموقراطي والمستقل» أقرب إلى ان يكون أمنية، وان ما يعيشه اللبنانيون في هذه اللحظة بالذات هو من القسوة بحيث انهم لا يطمحون إلا إلى «هدنة» تفسح في المجال أمام شي ء من الأمل في اجتراح الحل الموعود ولو بعد حين، طالما انه متعذر التحقق الآن.
كذلك فان برنار كوشنير يعرف ان الكثير من التعقيدات المانعة للحل في لبنان هي من صنع الغرب، بالقيادة الأميركية... وان بعض هذه التعقيدات تحمل توقيع الرئاسة الفرنسية (السابقة) والإدارة الأميركية التي تريد من خلف جاك شيراك ان لا يكتفي بإكمال الدور بل ان يذهب إلى أبعد مما وصل سلفه.
ولأن كوشنير عنيد ومغامر فهو يكابر فيعلن: «لم أفشل، لكن المهمة صعبة»...
ولعل بين اسباب الصعوبة اتساع لبنان الضيق بمساحته لكل هذه «الدول» المعنية بأزماته المتوالدة باستمرار، بل المسؤولة عن هذا التوالد والتعقيد.
وبغير قصد في ايذاء مشاعر وزير الخارجية الفرنسية الذي اطلق مبادرته بحماسة لافتة، فلا بد من الاشارة إلى ان السفير الفرنسي مثلاً، في بيروت لا يشارك وزيره هذه الحماسة، بل لعله لم يكن معنياً بهذه المبادرة التي سقطت عليه من علٍ، ولعله غير معني بنجاحها إلا إذا اتخذت سياقاً مغايراً لما اراده ـ ونجح في فرضه ـ كوشنير، سواء في صورتها الأولى كما تجلت في «سان كلو»، أو في صورتها الثانية التي غاب عنها من لا يستطيع الحضور، والمشاركة في الغداء الاحتفالي في القاعة الدمشقية في قصر الصنوبر، في بيروت... وهو، لمن نسي أو خانته الذاكرة، القصر الذي من على درجه، أعلن الجنرال المنتصر غورو، قيام «دولة لبنان الكبير» في 31 آب ,1920 كنتيجة مباشرة لانتصار «الحلفاء» على «دول المحور» في الحرب العالمية الأولى، وسقوط الامبراطورية أو السلطنة العثمانية التي كانت قبل ذلك بستين عاماً أي في العام 1860 قد اضطرت إلى التنازل والاعتراف بوضع خاص لجبل لبنان، فأخرجته من «الولايات» لتعطيه مرغمة كياناً خاصاً تحت مسمى «المتصرفية»... ولم تكن «دولة لبنان الكبير» إلا تلك «المتصرفية» بعد ان ضُمت إليها ما يسمى بالأقضية الأربعة (الشمال والجنوب والبقاع وبيروت...).
وإذا كان من الضروري تسجيل «اختفاء» السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان عن المسرح اللبناني للمبادرة الفرنسية، ومواصلته التحرك المحرض على الانقسام السياسي، بل ورعايته، فليس ذلك الاختفاء مصادفة ولا دليل دعم لبرنار كوشنير...
ان المبادر العربي الوحيد، عمرو موسى، يصطدم بعجز الدول العربية وخلافاتها التي تزداد حدة، كل يوم، وبالعجز العربي العام عن مواجهة الهيمنة الأجنبية، الأميركية تحديداً، والرعب من «إرهاب الأصولية» الذي يدفعها إلى تملق «الاحتلال الإسرائيلي»،
أما المبادر الفرنسي فيصطدم، متى حسنت نواياه، بمشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة، واتخاذه من لبنان قاعدة خلفية لحماية احتلاله في العراق والقضاء على أي اعتراض على مشروعه للشرق الأوسط الجديد، فكيف بمقاومة إسرائيل وإفشال دورها المساند والمكمل لتلك الهيمنة؟!
ان برنار كوشنير يصطدم بكثير من الألغام ، بينها ألغام فرنسية زرعت في الأرض اللبنانية، إضافة إلى الألغام الأميركية والغربية عموماً التي تبدى واضحاً انها تستهدف ما هو اخطر من تغيير الوجهة السياسية للنظام اللبناني، أي تغيير موجبات الهوية الحقيقية للبنان وشعبه الذي ارتضى هذا النظام كتسوية للخلافات التي طالما ولدت الحروب الأهلية عندما أريد بالضغوط استبدال الهوية أو تغيير الموقع السياسي للبنان بحيث يغدو ضد «محيطه» العربي، اي ضد أهله.
وواضح ان المبادرات المنقوصة لا تقرب لبنان من الحل، بل بما حذر منه برنار كوشنير: الحرب!

طلال سلمان
المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...