شيراك تحت رحمة القضاء

21-06-2007

شيراك تحت رحمة القضاء

متى يمثل الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أمام القضاء؟ السؤال لم يعد نافلا منذ أن أصبح الرئيس السابق أمام القانون الفرنسي السيد جاك شيراك ولا شيء سوى ذلك.
وكان الرهان على رؤية الرئيس مستدعى إلى قصر العدل في نانتير، في ضواحي باريس، قد بلغ الذروة ليلة السبت الماضي عندما نفدت المهلة الدستورية، التي كانت لا تزال تمنح للرئيس حصانة حديدية من فضول ثلة من قضاة التحقيق، انتظروا لسنوات وبفارغ الصبر أن يهبط من علياء العصمة الرئاسية، إلى قدر المواطن العادي لينغصوا على الرئيس تقاعدا مريحا في عنوانه الجديد، في شقته التي تعلو السين وتشرف على اللوفر، يخلو فيها إلى متعتيه الكبيرتين: مشاهدة أفلام الوسترن التي يعشقها، واحتساء بيرته الكورونا المكسيكية المفضلة.
وليس بعيدا أن يكون الرئيس قد أصيب بضيق وأسى وهو يشاهد على شاشة التلفزة نيكولا ساركوزي يرافق مودعا بأدب جم وابتسامة عريضة حتى درج الاليزيه، القاضية أليزابيت بوريل، وأرملة القاضي بوريل، التي رفض رئيساً، على الدوام استقبالها، وظل القضاء يعتبر جثته المحروقة المتكلسة في واد من «جيبوتي» عمل رجل مكتئب انتحر، وظلت زوجته ومحققون فرنسيون، يرون فيها جريمة، تعاونت فيها مجموعة من القتلة مقربة من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيلله، ودواعي مصالح فرنسية تعلو على دواعي إحقاق العدل، لكي لا يكشف عنها، ولا يُحرج بلد صديق، يستقبل أحدى أهم القواعد العسكرية الفرنسية، والتي تستضيف قوات أميركية على الجانب الشرقي من أفريقيا، وتنطلق منه الغواصات النووية الفرنسية، ويشرف على المحيط الهندي، وطريق النفط الإستراتيجي عند مضيق باب المندب.
وكان القضاة قد أخفقوا في دخول القصر الرئاسي قبل أن يغادره شيراك منتصف الشهر الماضي، لتفتيش مكاتب معاونيه بحثا عن وثائق تؤكد تورط الاليزيه الذي بذل جهودا كبيرة لحماية الرئيس غيلله من الاتهامات الفرنسية وعمل على منع تقدم التحقيق في القضية.
وتعهد ساركوزي للأرملة بوريل، بالسماح للقضاة بالكشف على وثائق مصنفة سرية تمس المصالح العليا للدولة. كما تعهد بالسعي لدى محكمة العدل الدولية للاستماع إلى شهادتها في القضية. وكان قضاة التحقيق قد وقعوا على وثائق تشير إلى نصائح قدمها قصر الأليزيه نفسه في عهد شيراك إلى الرئيس الجيبوتي إسماعيل غيلله لتقديم شكوى أمام محكمة العدل الدولية.... ضد فرنسا، للحصول على حق الاطلاع على ملف التحقيق الفرنسي الاتهامي بحق مقربين من الرئيس الجيبوتي.
وتطارد الرئيس السابق خمسة ملفات قضائية أخرى. وأهونها أن يستدعى كشاهد في قضية فضيحة كليرستريم المالية. وتتجه ظنون القضاة إلى دور قد يكون قام به شيراك، خلال صراعه القديم مع ساركوزي، في توليفة من الاتهامات المزورة، ضمت لائحة أسماء شخصيات فرنسية مختلفة للتشهير بها، من بينها إسم نيكولا ساركوزي، سربت إلى الصحف، وتتهم هؤلاء بحيازة حسابات مصرفية سرية في لوكسمبورغ، لاستقبال أموال غير مشروعة من صفقات أسلحة فرنسية وغواصات مباعة من تايوان.
وينتظر القضاة توضيحات أخرى من شيراك تتعلق بقضايا فساد ورشوة وسوء استخدام سلطة، عندما كان شيراك رئيسا لبلدية باريس، حيث كانت صناديق الحزب الديغولي تختلط بصناديق البلدية لتمويل رواتب أعضاء الحزب من أموال البلدية عبر وظائف وهمية يتولونها، أو بشكل عمولات يدفعها المقاولون المتعاملون مع بلدية العاصمة، لمقربين من حزب الرئيس، أو جباية عمولات عن مناقصات مدبرة لتمويل صناديق الحزب الديغولي.
وعثر المحققون على وثيقة بخط يد الرئيس السابق، رئيس بلدية باريس، توصي شركة مقاولات برفع راتب مساعدة تعمل إلى جانبه. وكان ألان جوبيه رئيس الوزراء الأسبق قد أدين في هذه القضية منذ ثلاثة أعوام، بحرمانه من حقوقه المدنية عاما واحدا، بصفته مديرا ماليا لبلدية باريس، من دون أن يتمكن القضاة من الاستماع إلى شهادة الرئيس شيراك، بسبب حصانته الدستورية.
أما وقد سقطت حصانة الرئيس، فلا يبدو أن الكي فولتير سيبقى مكانا يأمن فيه الرئيس من فضول القضاة، وإصرارهم على محاسبة الرئيس الذي أفلت من شباكهم 12 عاما خلف جدران الإليزيه، إلا إذا قرر الرئيس نيكولا ساركوزي الوفاء بوعد ينسب إليه، بالعفو عن مخالفات مشابهة لما ارتكبه شيراك، وهو وعد سيكون سهلا امتحانه، في الأسابيع وربما الأيام المقبلة.

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...