ريف إدلب: حرب بين «النصرة» و«ثوار سوريا»

29-10-2014

ريف إدلب: حرب بين «النصرة» و«ثوار سوريا»

تتجه الأحداث في ريف إدلب إلى تصعيد دموي شديد الخطورة، حيث سيطرت «جبهة النصرة» على مناطق جديدة، بينما يحشد خصومها تعزيزاتهم لشن هجوم مضاد، في الوقت الذي طرح بعض رؤوس «الجهاد» مبادرة لحل الأزمة المشتعلة بين الطرفين، قبل أن تحرق الأخضر واليابس في دوامة جديدة للعنف الدائر بين الفصائل المسلحة، قد لا يكون لها شبيه سوى أحداث ريف دير الزور، مع فارق بسيط أنه لا وجود لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» في إدلب.
وشهد الريف الإدلبي فيعناصر من الهلال الاحمر السوري ينقلون مساعدات الى حي بستان القصر في حلب الذي يسيطر عليه المسلحون، امس (رويترز) تموز الماضي موجة من الصراع بين «جبهة النصرة» وحلفائها من طرف وبين «جبهة ثوار سوريا» وحلفائها من طرف ثانٍ، تمكنت خلالها «النصرة» من السيطرة على مناطق شاسعة على الشريط الحدودي مع تركيا، أهمها سلقين وحارم وعزمارين، وذلك في إطار سعيها إلى إقامة ما أسمته «دار القضاء»، كبديل لفكرة إعلان «الإمارة» التي لم تجد سبيلاً لتطبيقها بعد أن كان زعيمها أبو محمد الجولاني وعد بإقامتها خلال عشرة أيام في شهر رمضان الماضي.
وهدأت الاشتباكات بين الطرفين خلال الشهرين الماضيين لعدة أسباب، منها تدخل الوسطاء لإيجاد حل سلمي، وانشغال «جبهة النصرة» بهزائمها في ريف حماه على يد الجيش السوري، ودخول التحالف الدولي على الخط وبدء عملياته في سوريا، وكذلك إصابة قائد «جبهة ثوار سوريا» جمال معروف ونقله للعلاج في تركيا نتيجة صاروخ أطلقه الجيش السوري أودى بحياة نائبه.
إلا أن فشل مساعي المصالحة، وتزايد أعداد مقاتلي «جبهة النصرة» في ريف إدلب بعد انسحابهم من ريف حماه، وعودة جمال معروف سليماً معافى، وانشغال التحالف الدولي بمدينة عين العرب (كوباني)، كل ذلك أدّى إلى اندلاع الموجة الثانية من الصراع بين الطرفين، والتي انطلقت شرارتها الأحد الماضي لتهدد كامل الريف الإدلبي بمصير مشابه لمصير ريف دير الزور الذي شهد منذ بداية العام الحالي أعنف المعارك بين «داعش» من جهة و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» وحلفائهما من جهة ثانية، لم تنته قبل ارتكاب «داعش» لأبشع مجزرة بحق أبناء قبيلة الشعيطات الذين وقفوا ضد سيطرته على ريف مدينتهم.
وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن أساس الصراع هو تنازع «جبهة النصرة» و«جبهة ثوار سوريا» على مناطق النفوذ، ومحاولة كل منهما توسيع حدود «إمارته»، لا سيما بعد تداول معلومات عن نية «النصرة» إقامة «إمارتها» في ريف إدلب بعد هزيمتها وانكفائها من المنطقة الشرقية، بينما يحاول جمال معروف التمسك بالأراضي التي يسيطر عليها وإظهار نفسه كفصيل «معتدل» يمكن للغرب الاعتماد عليه في محاربة «الإرهاب»، وذلك على خلفية قلقه المستدام من تمركز مقاتلي الجبهة في ريف إدلب إثر كل انسحاب يضطرون إليه، سواء من المنطقة الشرقية أو من ريف حماه مؤخراً، وما يشكله ذلك من تحدٍّ لنفوذه وهيمنته.
وفي إطار هذه المعطيات، يغدو من غير المهم السبب المباشر الذي أدّى إلى اندلاع المعارك بين الطرفين، لأنها يمكن أن تندلع لأي سبب طالما أن أسباب الصراع قائمة. ومع ذلك تذرّع جمال معروف بملاحقة بعض المطلوبين (حوالي 90 مسلحاً قرروا الانشقاق عنه والالتحاق بـ«جبهة النصرة») في بلدة البارة بريف إدلب، ليهاجم صباح الأحد مقار تابعة لـ «النصرة» و«أحرار الشام» في الحي الغربي من البلدة، الأمر الذي شكل صاعق الانفجار لمعارك الأيام الماضية، والتي امتدت إلى عدد من البلدات والقرى المحيطة.
وكان الرتل الذي أرسله جمال معروف يشي بنيته السيطرة على البلدة، لا ملاحقة مطلوبين داخلها وحسب، إذ كان الرتل يتضمن دبابات ومدفعية ومضادات دروع. وتمكنت «جبهة النصرة»، بالاشتراك مع «جند الأقصى»، من صد هجوم «جبهة ثوار سوريا» والسيطرة على البلدة. لكنها لم تتوقف عند هذا الحد بل سيطرت على قرى بليون وكنصفرة وابلين وابديتا ومشون ومغارة وشنان، واقتحمت معقل جمال معروف في مدينة معرة النعمان، مهددة باقتحام مسقط رأسه دير سنبل الذي بات قاب قوسين من وصول الاشتباكات إليه، لا سيما أن مصادر «جبهة النصرة» تتحدث عن قرار صادر عن الجولاني نفسه بملاحقة جمال معروف في أي مكان وعدم التساهل معه تحت أي ظرف.
في هذه الأثناء كانت بلدة البارة أكثر المناطق تأثراً بالمعارك الدائرة، حيث تساقط عليها ما يزيد عن مئة صاروخ وقذيفة هاون، ما أدى إلى إصابة العشرات وسط نزوح كثيف من قبل الأهالي بعد عمليات الاعتقال التي تعرض لها العشرات منهم، على رأسهم إمام مسجد الرحمن. وقد تبادل الطرفان الاتهامات حول قصف البلدة واعتقال الأهالي.
وبسبب خطورة هذه المعارك بادر بعض رؤوس «الجهاد»، قادةً ومشايخ، هم أبو بصير الطرطوسي وأبو ماريا القحطاني وحذيفة عبدالله عزام، إلى طرح مبادرة لحل الأزمة بين الطرفين، تقضي بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى وتسليم جثث القتلى، والانسحاب من المناطق والمقار «المغتصبة»، وتشكيل لجنة شرعية مؤلفة من الأسماء السابقة، بالإضافة إلى شيخين يسميهما «المجلس السوري الإسلامي»، للنظر في مجمل القضايا العالقة بين الطرفين. وأعطت المبادرة مهلة 24 ساعة للموافقة عليها انتهت عملياً الساعة السابعة من مساء أمس الاول.
ووسط تسارع الأحداث، وتقدم «جبهة النصرة»، مقابل قيام «جبهة ثوار سوريا»، بالاشتراك مع «جبهة حق» و«حركة حزم» و«ذئاب الغاب»، بحشد تعزيزاتهم في دير سنبل ومنطقة أحسم لشن هجوم مضاد لاستعادة المناطق التي خسروها، يجد الريف الإدلبي نفسه أمام منزلق في غاية الخطورة قد يؤدي به إلى السقوط في خضم حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، خصوصاً في ظل معلومات تتحدث عن رصد «الدولة الإسلامية» للمعارك الدائرة وتحينه الفرصة المناسبة للتدخل بهدف الانتقام لطرده من ريف إدلب أوائل العام الحالي، مع الإشارة إلى أن القائد العسكري في «داعش» أبو حسن البارة هو صهر جمال معروف.

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...