الرئيس الأسد يفتتح تظاهرة "دمشق عاصمة للثقافة العربية"

20-01-2008

الرئيس الأسد يفتتح تظاهرة "دمشق عاصمة للثقافة العربية"

افتتح الرئيس بشار الأسد مساء أمس رسميا احتفالية "دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008" في "دار الأسد للثقافة والفنون".

وشارك في الافتتاح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وزوجته الشيخة موزة بنت ناصر المسند والرئيس التركي عبدالله غل والرئيس اللبناني السابق إميل لحود وعدد من المسؤولين.

وألقى موسى كلمة من وحي المناسبة, ثم تحدث الأسد فأكد أن "من دمشق سطعت فكرة القومية العربية وانطلقت الأهداف العظيمة وانتشرت ثقافة الأمل بالمستقبل وثقافة الرفض لكل آثار الاستعمارين القديم والجديد".

وألقى الرئيس الأسد كلمة بهذه المناسبة هذا نصها:

سمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني وسمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند

السيد الرئيس عبد الله غل

فخامة الرئيس اميل لحود والسيدة عقليته

السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية

ضيوف سورية الاعزاء.. السيدات والسادة الحضور..

لاتجد دمشق اجمل من أهلاً بكم في وطنكم وعلى الرحب لتخاطبكم.. وهي تفتح ذراعيها لتحتضنكم ابناء واهلا واعزاء واصدقاء.

دمشق.. عاصمة الثقافة العربية.. ليست مجرد مدينة او عاصمة او مكان جغرافي يقع في قلب بلاد الشام.. لدمشق معنى كبير وكلي.. حاضر في الوجدان العربي.. بوصفها مدينة الثراء الروحي ومنبعه ومبدعته.

فأنى اتجهت في عاصمة الدنيا دمشق تعطرك برائحة الزمان الانساني المنتشرة في كل مكان فيها. فالدروب التي سار عليها بولص الرسول مورقة بالمحبة التي زرعها.. وبواباتها تفتح صدرها لكم والبسمة فى عيونها.. وخالد فاتحا ذراعيه على بابها الشرقي يعانقكم بمحبة.

دمشق بني أمية.. ينظرون الى الافق.. مطلين من مآذن الاموي.. حارسين يوحنا المعمدان.. رافعين راية العروبة السمحاء. وصلاح الدين يهزأ بالذين يضمرون سوءاً لدمشق او يعلنون.. وعلى القادمين الى ارض الشام ان يخففوا الوطء.. فأديمها من اجساد شهداء خالدين ما زالت ارواحهم تحوم في سماء امتنا قناديل تضيء الدروب نحو الابداع والتقدم والكرامة. هنا أضرحة كبار الفلاسفة والكتاب والشعراء والفنانين من كل انحاء الوطن العربي.. من ضريح الفارابي إلى ضريح الارسوزي.. من ضريح ابن عربي الى ضريح النابلسي.. من ضريح حسين مروة الى ضريح عبد الكريم الكرمي.. ومن ضريح الجواهري الى ضريح نزار قباني. هذه المدينة ذات أسوار وابواب.. لكنها لم تغلق نوافذها فى وجه الريح يوماً.. فما من ريح هبت على دمشق ودخلت من نوافذها المشرعة الا واخذت من روحها.. فهي تأخذ خيوط النور من أي شمس كانت.. لكنها تغزلها في نولها الخاص لتعيده الى العالم بساطا دمشقيا مزركشا بقيم التسامح والاخاء والمحبة. إنها لا تكف عن صناعة هديتها دون ان تفقد جوهرها.. تعبر عن ذاتها بكل صنوف الادب والفن والفكر والفلسفة والتصوف والعقائد.. وتتناغم فيها الاديان وتتحاب.

وكما ان قدسنا هي درب من مروا الى السماء.. كذلك دمشقنا هي درب السماء الى العالمين. فمن دمشق انطلقت رسالة السيد المسيح عليه السلام الى العالم.. ومن دمشق انتشرت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فكنيسة القديس بولص وجامع بني امية رمزان ساطعان على قوة الحب في دمشق.. وعلى دور دمشق في التاريخ والان.. والتي كان للثقافات والعقائد التي تبادلت الوان العطاء على ارضها.. ان انتجت انموذجا انسانيا متفردا في سموه وانفتاحه بفضل ما اسبغت عليه السماء مع الديانات التوحيدية السمحاء من مضامين اخلاقية وتعاليم سلوكية كانت احدى السمات الحضارية الارقى لامتنا عبر تاريخها.

دمشق الدور هذا قدرها.. ومنها سطعت الفكرة القومية العربية وانطلقت الاهداف العظيمة والامال الكبيرة.. وانتشرت ثقافة الامل بالمستقبل.. وثقافة الرفض لكل اثار الاستعمارين القديم والجديد. انها كانت وما زالت موطن الالتزام الخلاق بقضايا الامة واهدافها ومستقبلها.. الالتزام المبدع فنا وفكرا وادبا وعلما.. لكن دمشق لا تصنع اقفاصا من هذا كله.. بل تنسج اجنحة للطيران لمن يسعى نحو الافق والمستقبل.. لمن يحب الوطن العربي واحة. دمشق عاصمة للثقافة العربية.. يعنى ان تكون عاصمة للكرامة العربية تمنحنا الاحساس القوي بالعزة القومية والانسانية.. احساسا لا ينضب بالكرامة الوطنية. ولهذا.. فدمشق عاصمة ثقافة المقاومة.. بوصفها سمة اصيلة من سمات ثقافتنا العربية.. هي ثقافة الحرية والدفاع عن الحرية.. ثقافة المقاومة.. هي ثقافة الابداع.. لان حريتنا شرط لابداعنا.. ولا يمكن ان ينفصل الابداع عن الحرية.

دمشق عاصمة للثقافة العربية.. درس عظيم وعميق ودال على حوار الثقافات وتعايشها.. ورمز لوحدة التنوع.. رمز لثراء الحياة.. وبرهان ساطع على عقم فكرة صراع الحضارات.. وافلاسها. وهي.. أي الثقافة العربية.. تقيم علاقة حب وانفتاح مع ثقافة الاخر.. ودمشق الانموذج في ذلك.. فهي تفتح قلبها لمن يأتيها حاملا قلبه.. وتغلق ابوابها امام من يأتيها حاملا سيفه.

أيتها الاخوات.. أيها الاخوة.. نحن أبناء ثقافة واحدة.. ثقافتنا العربية هي وطننا جميعا. في رحابها نعيش متساوين في الانتماء إليها. فخورين بالدفاع عنها.. مبدعين في حقلها.. عائشين فيها هويتنا الاعمق.. لانها نمط وجودنا وقيمنا وافكارنا وعقائدنا وابداعنا الروحي. الثقافة العربية هي العروة الوثقى.. والرابطة التي توحد امالنا والامنا.. انها اهم عامل يحد من اثار التجزئة السلبية على وطننا العربي الكبير.. بل هي العامل الاهم الذي يجعلنا حاضرين في هذا العالم.

رسوخها وعمق جذورها هو عاصم الامة من الانهيار امام طوفان الافكار الهدامة.. والسد المنيع امام ثقافة الهيمنة والقتل والتدمير.. وهي معقد الامل والثقة في هزيمة مشاريع التفتيت والتقسيم والتي تستهدف شخصية الامة قبل ان تستهدف حدودها. والاحتفال بالعواصم العربية.. هو رد صريح ومباشر على الكثير من الاسئلة الاستنكارية التي يطرحها الانعزاليون.. ومؤدلجو التجزئة من قبيل التشكيك بوجود ثقافة عربية اصلا في ظل وجود هذا العدد الكبير من الدول العربية. لكن الواقع يعطي الجواب. فأنى اتجهت الى مشرق الوطن العربى او الى مغربه فستجد اسلوب حياة مشتركا.. تجد اللغة المشتركة.. والشعور بالانتماء.. الذي يظهر كل يوم.. في الغضب من كل ما ينال من هذا الوطن. تجد الامال المشتركة. ثقافتنا الواحدة قول فصل في تأكيد اساس وحدة الامة المنشودة.. وما اشكال الخصوصيات الا اطياف اللون الواحد. ولان الامر هكذا.. فان جميع الايديولوجيات الانعزالية قد فشلت فشلا نهائيا في ان يكون لها حضور في وعي الشعب. فشلت محاولات بعث تاريخ قديم هنا.. وتاريخ قديم هناك.. واعتباره تاريخا خاصا.. وايجاد مبرر ايديولوجي/تاريخي للتجزئة.. فشلت كل محاولات قص ما يشاؤون من تاريخنا المشترك.. لجعله سمة من سمات تاريخ هذا القطر او ذاك.

ثقافتنا هي هوية ذات جذور عميقة في التاريخ.. وفي الحاضر.. وفي الاهداف. الهوية لا تظهر بقرار ارادي من احد.. او بناء على هوى احد.. هويتنا هي ثمرة كل ما انجزناه عبر التاريخ.. وحتى هذه اللحظة. رسالتنا رسالة العروبة.. رسالة الخير والانسانية.. وعطاؤها الحضاري ثمرة عطاءات جميع الشعوب التي تعارفت على ارضها والتي يشرق وجهها بجميع الالوان التى تألقت على محيا ابنائها.. فابدعت فكرا وادبا وفنا وعلما وموسيقا.. وانجبت رموزا للثقافة الانسانية.. عربية الوجه والقلب واللسان. ويخطىء بعض المتعولمين بقولهم.. ان العولمة تأتي على الهويات القومية.. وبالتالي أتت على الهوية العربية.. بل يجب ان نقول لهؤلاء ان العولمة كظاهرة معاصرة.. لا تتناقض مع هويتنا القومية.. لا تتناقض مع الشعور بالانتماء. والهوية العربية اغتنت.. عبر كل العصور.. من ثقافات الامم الاخرى.. واغنت ثقافات الامم. والثقافة العظيمة قادرة على هضم الوافد من الثقافات.. واعادة انتاجه.. مرة اخرى.. ليغدو جزءا لا يتجزأ من الثقافة القومية. حتى ليمكن القول.. انه ما من ثقافة قومية في هذا العالم.. الا وهي ثمرة تمازج ثقافي عالمي. واذا كانت العولمة توفر سبل تواصل اكثر بين امم الارض وشعوبها.. فالاولى بها ان توفر سبل التواصل بين ابناء الامة الواحدة.. على نحو اعمق واكبر. ولهذا سيكون من شأن الثقافة العربية المعاصرة ان تزدهر مع العولمة وفي كل الظروف.. لان الثقافة ثراء مستمر وسيرورة لا تنتهي. أما من يرى العولمة هيمنة.. وقضاء على الهويات بفعل قسري.. فهذا ما تواجهه الثقافات القومية جميعها.. بما في ذلك ثقافتنا العربية.. التي صمدت امام كل التحديات.. وتابعت شوطها.. عندما توفرت لشعبنا الارادة للتفاعل من دون ذوبان.

ولن يستقيم الحديث عن ثقافتنا العربية.. دون أن تكون لغتنا العربية الاساس المتين لهذا البيت.. لذلك علينا ان نعلي من شأنها. فهي لغة القرآن الكريم الذي تتوجه نحوه مئات الملايين.. لغة مكتوب بها نصف تاريخ العالم.. وتاريخ علمه وأدبه. لغتنا لغة الشعر العظيم والفكر والفلسفة والعلم.

ومن الاهمية بمكان.. ان نتعلم اللغات الحية.. لنتعرف على منجزات التقدم الانساني.. دون ان يعني هذا اهمال لغتنا القومية.. او يكون مدعاة للشعور بالدونية تجاه الاخرين. علينا ان نكون فخورين بها.. ولا يتحقق فخرنا الا اذا اغنيناها بالابداع في كل صنوف المعرفة. فهو يعزز من حيويتها.. ومن عالميتها.. ويجعلها فاعلة.. في مسار الوعي الانساني. فلا هوية دون لغة.. ولا وطن من دون هوية.

 أيها السيدات والسادة.. ان دمشق.. وهي تزهو بهذه المناسبة كما كل عاصمة ومدينة عريقة.. فانها تسعى لكى تجعل منها عيدا للابداع يضيف احجارا جديدة في بناء الثقافة العربية الشامخ.. كما تسعى لكي يكون هذا العام عام محبة وتضامن بين ابناء الامة العربية.. وعامل وعي جديد ومتجدد بأهمية امتنا حرة عزيزة كريمة ورائدة على مستوى العالم.

واذا كنا سنعمل خلاله لابراز ثقافتنا وتراثنا.. فانها فرصة ايضا لابراز تواصل هذه الثقافة مع ثقافات العالم المختلفة.. والقيم المشتركة التي تغذيها.. وبشكل خاص التواصل مع تلك الثقافات التي عشنا وتفاعلنا معها عبر قرون طويلة وتبادلنا الوان العطاء الانساني خلال عصور متتالية من تاريخنا.. وما وجود هذه الشخصيات المرموقة من الاخوة والاصدقاء معنا في هذه المناسبة.. والذين اتوا من دول مختلفة.. ويمثلون ثقافات متنوعة الا تعبير عن هذا التواصل التاريخي. واوضح تعبير هنا هو مشاركة الاخ الرئيس عبد الله غل معنا في هذه المناسبة.. فالثقافتان العربية والتركية والشعبان العربي والتركي عاشا سوية لقرون طويلة.. واليوم نرى هذا التفاعل الكبير بين الشعبين.. ونرى المصالح المشتركة تتوسع ونلمس المشاعر الواحدة للشعبين.

كما نسعى كي تكون كذلك فرصة لايجاد اللحمة بين المبدعين والمثقفين العرب في مواجهة التطورات المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم وما يفرضه ذلك من ضرورة وضع تصورات لمجابهة التحديات المطروحة من خلال العمل من اجل تحقيق /امن ثقافي عربي/ يكون جزءا اساسيا مكملا للامن القومي العربي.. يهدف الى صيانة الهوية الحضارية لامتنا العربية وتزويد ابنائنا بالادوات المعرفية الملائمة للحفاظ عليها.

ايتها السيدات.. أيها السادة.. ايها الاصدقاء..

امامنا مهام شاقة وتحتاج الى زمن طويل.. ومن يتصدى لصناعة تاريخه لا ينظر الى الوراء ولا يتشاءم من حجم المتاعب التي تعترض طريقه.. بل يتجه الى الامام واثق الخطى.. مهما كانت التضحيات ومهما كان الثمن باهظا. فالاهداف العظيمة تحتاج الى نفوس عظيمة. ودعوني أقول عبركم.. صحيح ان دمشق تزهو بوردها الشامي وترش على القادمين اليها.. حبا.. عطر ياسمينها.. وتسقي العطاش اليها.. من ينابيع مياهها العذبة.. لكن لدمشق سيفا ينتسب اليها.. سرعان ما تشهره.. في وجه الطامعين بها.. في وجه الذين يريدون بها سوءا.

سنعمل على ان تكون رسالة دمشق.. رسالة للتمسك بجذور الامة.. بلغة الاجداد العظام.. بالمعاني المشبعة بقيم العروبة الحقة التي تدعو للخير والسلام وتعمل من اجلهما باباء وكرامة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

كما تضمن الحفل فقرات فنية متنوعة وقراءات عن دمشق قام بها فنانون سوريون.

وكانت دمشق قد شهدت الجمعة الفائت الافتتاح الشعبي لاحتفالية "دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008" الذي تخلله عرض ضخم للألعاب النارية حضره آلاف السوريين في ساحة الأمويين.

وستقام في دمشق بالمناسبة نشاطات ثقافية متنوعة، أبرزها عودة الفنانة اللبنانية فيروز بعد غياب طويل عبر تقديم مسرحية "صح النوم" من 28 يناير/ كانون الثاني حتى الثاني من فبراير/ شباط في دار الأوبرا.

المصدر: وكالات
 
 
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...