الجهاد ضد حزب الله

13-08-2006

الجهاد ضد حزب الله

سجلت إدارة بوش وغالبية ساحقة من الحزبين الديموقراطي والجمهوري رقما قياسيا في الدفاع عن الهجوم الاسرائيلي على البنية التحتية للبنان كوسيلة لضرب ارهابيي حزب الله. لكن بخلاف حركتي حماس والجهاد الاسلامي الفلسطينيتين الاسلاميتين، فإن قوات حزب الله لم تقتل أي مدنيين اسرائيليين طيلة اكثر من عقد. وبالفعل يشير تقرير لجهاز الابحاث في الكونغرس في تحليلاته عن حزب الله، الى انه ما من هجمات ارهابية رئيسية ارتكبها حزب الله منذ العام 1994. كما ان احدث تقارير وزارة الخارجية حول الارهاب العالمي لم يشر الى أي اعمال ارهابية قام بها حزب الله منذ ذلك التاريخ باستثناء بعض الادعاءات غير المؤكدة حول اشتراك عضو من حزب الله في الهجوم الذي حدث في حزيران من العام 1996 ضد مبنى لعناصر القوات الجوية الاميركية في منطقة الخبر في السعودية.
ولا شك في ان الهجمات بالصواريخ التي يشنها حزب الله على اهداف مدنية في اسرائيل هي بالفعل اعمال غير شرعية سينظر اليها بالتأكيد كأعمال ارهابية، الا انه من المهم الاشارة الى ان مثل هذه الهجمات لم تشن الا بعد بدء الهجوم الاسرائيلي المدعوم اميركيا ضد اهداف مدنية في لبنان في 12 تموز. ولقد تعهد حزب الله وقف مثل هذه الهجمات اذا توقفت اسرائيل عن اعتداءاتها ضد لبنان وسحبت قواتها من الاراضي اللبنانية التي احتلتها منذ مستهل الجولة الاخيرة من الاعمال العدائية (وان هجوم حزب الله على المركز الحدودي الاسرائيلي الذي فجر الاعتداءات الاسرائيلية، بالرغم من انه استفزازي بحق وغير شرعي، لكن لا يمكن اعتباره من وجهة النظر القانونية عملا ارهابيا طالما ان هدفه كان هدفا عسكريا وليس مدنيا).
لقد كان تطور هذه الحركة الشيعية اللبنانية من مجموعة ارهابية الى حزب سياسي شرعي اهم وافضل التطورات في الشرق الاوسط خلال السنوات الاخيرة. وفي حين فشل مخطط نزع سلاح حزب الله كما نص على ذلك القرار 1559 لمجلس الامن الدولي، كان الحزب يفاوض مع الحكومة اللبنانية وغيرها من الاحزاب المعنية، على امكان تسليمه السلاح خلال بضعة اسابيع. ويرجح ان الحزب قبل استدعائه لقواته الاحتياطية اثر الاعتداءات الاسرائيلية لم يكن لديه اكثر من الف مقاتل فعلي.
بمعنى آخر، فإنه مهما كانت النظرة الى الايديولوجية الرجعية لحزب الله وتاريخه القذر، فإن هذه الحركة لم تكن تشكل مثل هذا الخطر الجدي على امن اسرائيل الذي يبرر أي حرب وقائية ضده.
ومثلما تطور قلق واشنطن ومخاوفها من الخطر العراقي تحالفا عسكريا مضادا بلغت ذروته في الغزو للعراق العام 2003 بعد ان نزعت هذا البلد وفككت برامج اسلحته الكيميائية والبيولوجية والنووية فإن تركيز الولايات المتحدة على حزب الله تطور بعد ان كان هذا الحزب قد تخلى عن ماضيه الارهابي. وفي السنوات الاخيرة، بدأت ادارة بوش والكونغرس في استباق ظاهر للعدوان الاسرائيلي المحضر له منذ مدة طويلة يصبحان اكثر هوسا بحزب الله. فالكونغرس على سبيل المثال، لم يشر الى حزب الله في أي من كل قراراته طيلة الثمانينيات حين كان هذا الحزب يقوم باختطاف وقتل المواطنين الاميركيين ويتورط في اعمال ارهابية اخرى. وفي الواقع، فإن أي قرار للكونغرس لم يشر بالاسم الى حزب الله إلا في العام ,1998 أي بعد سنوات على آخر عمل ارهابي للحزب اشارت اليه وزارة الخارجية. بينما، في الدورة الاخيرة للكونغرس، كان هناك اكثر من 24 قرارا يدين حزب الله.
وفي آذار من العام الماضي اصدر البرلمان الاميركي باغلبية اصوات ساحقة (380 ضد 3) قرارا يدين الهجمات الارهابية المتكررة لحزب الله. وبالرغم من الاتصالات الكثيرة التي وردت على مكاتب الكونغرس التي تسأل عن تفاصيل او ذكر امثلة عن هذه الهجمات الارهابية لحزب الله خلال العقد الاخير، فان أيا من اعضاء مجلس النواب الذين اتصلت بهم لم يستطع اعطائي أي مثل عن هذه الهجمات.
أضف الى ذلك التأكيد المستمر بان تهديدات حزب الله ليست فقط ضد اسرائيل بل ضد الولايات المتحدة ايضا بالرغم من ان الحزب لم يشن أي هجوم او يطلق أي تهديد بالهجوم على أي مصالح اميركية خارج لبنان. ولم يكن هناك سوى شهادة للرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الاميركية الـ سي آي أيه جورج تينيت اورد فيها اتهامات غريبة تقول بان حزب الله منظمة لديها قدرة وتواجد واسع النطاق في مختلف انحاء العالم يوازيان قدرة ووجود القاعدة ان لم يكن اكثر منها... وانها تكسب وتعمل على اصعدة مختلفة.. ما يجعلها على مستوى دولة لها قدرة مميتة ضخمة....
وفي الواقع، وما عدا عددا من الاغتيالات السياسية لمعارضين في اوروبا خلال الثمانينيات والتسعينيات، فإن مسألة ما اذا كان حزب الله قد اطلق مرة هجوما ارهابيا خارج لبنان هي مسألة خاضعة للنقاش. وتتذرع الولايات المتحدة بما تعتبره قضيتها الرئيسية الاهم ضد حزب الله، بأنه متورط في تفجيرين ضخمين لاهداف يهودية في الارجنتين: السفارة الاسرائيلية العام 1993 ومركز الجالية اليهودية في العام ,1994 اللذين اديا الى سقوط عدد كبير من الضحايا. وبالرغم من تحقيقات طويلة الامد قام بها مسؤولون في الارجنتين، بما في ذلك شهادات من مئات شهود العيان ومحاكمتان، فليس هناك حتى الآن أي دليل ملموس بتورط حزب الله. بل ان الشبهة الرئيسية تحوم حول عناصر يمينية متطرفة من العسكر الارجنتيني الذي يشتهر بعدائه للسامية.
هناك دول عدة تعترف بمدى التطور الذي شهده حزب الله مقارنة بسنواته الاولى. فالاتحاد الاوروبي مثلا لم يشمل حزب الله في لائحته للمجموعات الارهابية. والنتيجة انه في مسعى جديد للضغط على الدول الاخرى اقر الكونغرس العام الماضي قرارا يحث الاتحاد الاوروبي على تصنيف حزب الله كمنظمة ارهابية. وهي المرة الاولى التي يفكر فيها الكونغرس الاميركي في تحدي السياسة الاوروبية بشكل مباشر في مسائل لا تتعلق بالتبادل التجاري.
ان للاوروبيين تاريخا وتجربة واسعة مع الارهاب، وهم اكثر قربا جغرافيا الى الشرق الاوسط ولهم تاريخيا روابط وعلاقات تجارية وسياسية وغيرها مع لبنان اقوى من علاقات الولايات المتحدة بتلك البلاد، وهم بالتالي قادرون على الاقل على تخمين توجهات حزب الله بمثل الكونغرس الاميركي. والاكثر من ذلك، ان الاتحاد الاوروبي لم يواجه أي مشكلة في تصنيف القاعدة، الجهاد الاسلامي او حماس كمنظمات ارهابية، بما يوحي انه كان يمكنه ان يوسع هذا التصنيف ليشمل حزب الله لو ان الوقائع اكدت ذلك. غير ان اعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي الذين يجهل معظمهم تعقيدات السياسات اللبنانية الحالية ويخشون على ما يبدو الانتقادات الاوروبية لهجوم اسرائيلي مدعوم اميركيا ضد لبنان، يصرون بفظاظة على انهم يعرفون افضل من الاوروبيين بالوضع ولهم الحق في الاملاء عليهم ما يجب فعله.
صعود حزب الله
لم يتواجد حزب الله الا بعد اربع سنوات على اجتياح اسرائيل واحتلالها للجنوب اللبناني العام .1978 وكبر الحزب بشكل سريع مفاجئ اثر الاجتياح الواسع والمكثف المدعوم اميركيا للجنوب العام 1982 واحتلال اسرائيل المناطق الاساسية من لبنان، وما تبع ذلك من تدخل لقوات المارينز لدعم حكومة لبنانية ضعيفة اقامتها اسرائيل. وبفرضها رحيل القوات المسلحة لمنظمة التحرير الفلسطينية وتدميرها للقوى الوطنية العلمانية، اوجد التدخل الاسرائيلي والاميركي في لبنان فراغا اتاح نشوء ونمو مجموعات مذهبية مثل حزب الله.
وخلال السنوات الاولى من التسعينيات واثر انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية اقدمت حكومة مركزية في لبنان بدعم من السوريين على نزع سلاح معظم الميليشيات التي كانت تقطع اوصال لبنان وتتقاسمه. لكن في المقابل، وبسبب استمرار الاعتداءات الاسرائيلية لم يمس حزب الله بل نما وازداد نموا واتساعا وقوة. فلقد ادت سنوات من القصف الاسرائيلي الواسع والمدمر الى هروب آلاف اللبنانيين الشيعة باتجاه الشمال ليشكلوا حزاما واسعا من الاحياء الفقيرة في الضواحي الجنوبية لبيروت. وفي هؤلاء المهجرين واللاجئين وغيرهم من الذين عانوا من الاعتداءات الاسرائيلية المدعومة اميركيا وجد حزب الله مركز دعمه.
واصبح بطلا بالنسبة للعديد من اللبنانيين لا سيما مع ركود عملية السلام.
لقد اطلق حزب الله على فترات الصواريخ على داخل اسرائيل وادى بعضها الى مقتل وجرح مدنيين. لكن عمليا فان كل هذه الهجمات كانت مرتبطة بشكل مباشر بهجمات اسرائيلية واسعة النطاق ضد مدنيين لبنانيين. ولقد ادانت الولايات المتحدة حزب الله ليس فقط بسبب هجماته المتقطعة داخل اسرائيل لكن ايضا بسبب مقاومته المسلحة ضد الجنود الاسرائيليين داخل لبنان بالرغم من ان القانون الدولي يعترف بوضوح بحق كل بلد بمقاومة مسلحة ضد أي قوات احتلال اجنبي على اراضيه.
لكن يبدو ان الحكومة الاميركية كانت تعتقد ان المزيد من الضغط الاسرائيلي ضد لبنان سيرغم اللبنانيين على توقيع معاهدة سلام منفردة مع اسرائيل، وسيعزل بالتالي السوريين. ولقد بالغ المسؤولون الاميركيون في تقدير دور سوريا في السيطرة على حزب الله ودعمه، متجاهلين ان سوريا تدعم تاريخيا حركة امل المنافسة لحزب الله. في المقابل، وفي حين لعب حراس الثورة الايرانية المتطرفة دورا رئيسيا في تشكيل حزب الله في البدء في العام ,1982 فإن الدعم الايراني المباشر لهذا الحزب تراجع بشكل ملموس ومهم في السنوات اللاحقة. وان تشديد الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة على روابط حزب الله مع ايران كان في الاساس من اجل تقويض الدعم الشعبي الواسع الذي بات للحزب في اوساط العديد من الجماعات الايديولوجية والدينية المختلفة في لبنان.
وفي منتصف التسعينيات، ادى سقوط الكثير من الاصابات بين جيش الدفاع الاسرائيلي الى تنامي الانقسام داخل اسرائيل. لكن، ردا على استطلاعات الرأي العام التي اظهرت رغبة الاغلبية الساحقة من الاسرائيليين بانسحاب جيش الدفاع الاسرائيلي من لبنان بشكل احادي الجانب، شجع مارتن انديك سفير الرئيس بيل كلينتون لدى اسرائيل اسرائيل علنا على ابقاء قواتها المحتلة في لبنان. بمعنى آخر، فإن الولايات المتحدة، وفي حين تدافع عن عقوباتها وقصفها ضد العراق على اساس قرارات مجلس الامن الدولي، كانت تشجع اسرائيل وضد الغالبية الساحقة من مواطنيها على تحدي وانتهاك قرارات مجلس الامن الداعية الى الانسحاب غير المشروط من لبنان. ففي مواقف مزدوجة متناقضة كان القرار العام 1978 الذي يطالب بانسحاب اسرائيل من لبنان مماثلا عمليا للقرار الذي اقر بعد 12 عاما ويطالب بانسحاب العراق من الكويت، الذي بسببه شنت الولايات المتحدة الحرب.
لقد استطاع حزب الله في النهاية فرض انسحاب اسرائيل والقوى المحلية التابعة لها من لبنان في انسحاب كثيف ومهم في ايار .2000 وفي ظل فشل من ادعى وناصر ايديولوجية اكثر اعتدالا وحلا دبلوماسيا، جاء الانتصار العسكري لحزب الله ليعزز مكانته وموقعه.
طيلة اكثر من 12 عاما اقتصرت النشاطات المسلحة لحزب الله على مقاتلة القوات الاسرائيلية المحتلة لا سيما في جنوب لبنان اساسا ومن ثم وبعد الانسحاب العام 2000 في منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها الواقعة على الحدود مع سوريا والتي لا تزال محتلة من قبل اسرائيل. لقد تعمدت ادارة بوش والكونغرس معا، التضليل في عدم التمييز بين المقاومة المسلحة ضد القوات الاجنبية المحتلة التي يعترف بها القانون الدولي باعتبارها نوعا من الدفاع عن النفس وبين الارهاب الذي نظرا للظروف السياسية هو غير شرعي طالما انه يستهدف مدنيين ابرياء. فقلة من الاميركيين على سبيل المثال وصفت بالارهابية عمليات عناصر المقاومة الكويتية ضد قوات الاحتلال العراقي خلال الاشهر الستة من احتلال قوات صدام حسين للكويت في 1990.1991 لكن لو ان هذه القوات زرعت قنابل في المقاهي او الحافلات في بغداد لكانت اعتبرت اعمالا ارهابية بالرغم من عدم شرعية احتلال العراق للكويت.
وبالرغم من وجود بعض التقارير غير الرسمية التي تربط بين بعض العمليات الفردية لحزب الله مع مجموعات ارهابية فلسطينية، يبدو ان هذه الحركة ككل تغيرت تماما وباتت من ضمن المجموعات الارهابية والحركات السياسية ذات العناصر الارهابية التي تطورت الى حركات سياسية شرعية خلال السنوات الاخيرة. وهذا يشمل الاحزاب الحاكمة الحالية في كل من اسرائيل، الجزائر، الاورغواي وزمبابوي وافغانستان.
وفي الواقع فان بعض القادة البارزين في التحالف الاسلامي الموالي لاميركا في العراق كانوا اعضاء في منظمات صنفت ارهابية من قبل وزارة الخارجية الاميركية في السابق، والعديد من هذه المنضمات ابقت على علاقات وثيقة مع حزب الله.
لكن بدلا من الترحيب بالانعطاف الكبير والضخم الذي حققه حزب الله وابعده عن استخدام الارهاب للدفع ببرنامجه السياسي، فان ادارة بوش والكونغرس في استباق واضح لاعتداء اسرائيلي على الحزب وانصاره اصبحا اكثر قلقا وخوفا وتحذيرا مما اسموه الخطر المفترض الذي يشكله هذا الحزب السياسي اللبناني. ونظرا لرفض الحكومة اللبنانية حظر هذا الحزب السياسي وعدم قدرتها على تفكيك الميليشيا التابعة له، اعطت الولايات المتحدة اسرائيل الضوء الاخضر للهجوم ليس على ميليشيا حزب الله فقط، بل على البنية التحتية المدنية للبنان ايضا.
نظرا لتعدد المجموعات الخطرة في الشرق الاوسط وغيره، التي تورطت جديا في نشاطات ارهابية مستمرة طيلة السنوات الاخيرة، يطرح السؤال حول سبب الهاجس بشأن حزب لبناني اقلي كان حتى ما قبل الهجوم الاسرائيلي في الشهر الماضي قد تخلى عن الارهاب؟
يؤكد عنصر رئيسي في عقيدة بوش، ان الدول التي تدعم مجموعات صنفتها الولايات المتحدة بانها مجموعات ارهابية هي مذنبة بقدر ذنب الارهابيين انفسهم، وتشكل بالتالي اهدافا شرعية لهجمات الولايات المتحدة بمبرر الدفاع عن النفس.
ولا تنطبق هذه العقيدة على لبنان فقط، بل على سوريا وايران ايضا: البلدين اللذين اقترحهما المحافظون الجدد من مهندسي الغزو الاميركي للعراق كهدفين مقبلين للهجوم. وبالرغم من ان الدعم الخارجي لحزب الله قد ضعف بشكل دراماتيكي هائل مقارنة بالسنوات الماضية، تعتبر سوريا وايران الداعمين التقليديين الاولين لحزب الله. وبتصنيف حزب الله رسميا كـ منظمة ارهابية والمغالاة في حجم الدعم السوري والايراني، كان كل من ادارة بوش والكونغرس يهيئان السبيل لهجوم اميركي عسكري محتمل ضد احد البلدين او البلدين معا في وقت ما في المستقبل القريب. ومثلما كانت هناك مبالغة مفرطة في تقدير حجم سيطرة السوفيات والكوبيين على الحركات والحكومات اليسارية في اميركا الوسطى وافريقيا خلال الثمانينيات بهدف دفع اجندة ادارة ريغان بشأن القضايا العالمية، تجري الآن مساع ثنائية من الحزبين الجمهوري والديموقراطي لتضخيم حجم السيطرة السورية والايرانية على حزب الله.
خلال الحرب الباردة، وصفت الحركات الوطنية التي اندمجت تحت اطار ماركسي لينيني، كجبهة التحرير الشعبية في جنوب فيتنام، باعتبارها جزءا من البرنامج التوسعي للشيوعية العالمية وليس كالتجلي لصراع وطني طويل الامد ضد الهيمنة الاجنبية. على هذا النحو وصف ارسال اكثر من نصف مليون من القوات الاميركية الى جنوب فيتنام وشنها أعنف واقسى حملة قصف في تاريخ العالم، بانها حملة للدفاع عن النفس لاننا ان لم نقاتلهم هناك، سيصل بنا الامر الى ان نقاتلهم هنا>. لكن عندما انسحبت القوات الاميركية توقف الفيتناميون عن قتل الاميركيين. وكذلك الامر بالنسبة لحزب الله، فهو توقف عن شن الهجمات ضد مصالح فرنسا واميركا منذ انسحبت قوات البلدين من لبنان العام .1984 وكما اشرنا اليه سابقا، فإن حزب الله توقف كذلك بشكل واسع عن شن الهجمات ضد الاسرائيليين منذ انسحبوا من لبنان العام 2000 (باستثناء مزارع شبعا التي يدعي الحزب انها جزء من لبنان).
وقد يكون الدافع الآخر للعداء المبالغ فيه من قبل الحكومة الاميركية تجاه حزب الله، سعي هذه الحكومة الى اقناع الاميركيين بأن المجموعات الاسلامية المتطرفة ذات القاعدة الوطنية لن تتوقف عن شن الهجمات حتى بعد الانسحاب. ولقد شددت ادارة بوش على ضرورة ان تدمر الولايات المتحدة الارهابيين في العراق والا فانهم سيهاجمون الولايات المتحدة. غير ان تنامي المجموعات الاسلامية المتطرفة وتصاعد الهجمات الارهاببية في العراق لم يتما الا في اعقاب اجتياح الولايات المتحدة العراق العام .2003 واذا اعترف الاميركيون بان هذه الهجمات من قبل العراقيين ضد الاميركيين ستتوقف في حال انسحبت القوات الاميركية، فسيكون من الصعب جدا تبرير الحرب الاميركية الحالية.
كذلك الامر بالنسبة الى لبنان، فإذا اقر الاميركيون بان الهجمات <الارهابية> لحماس وحركة الجهاد الاسلامي قد تتوقف على الارجح ان سحبت اسرائيل قواتها المحتلة من الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة وتتيح قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، فانهم لن يتمكنوا بعد ذلك من الدفاع عن دعهم المادي والدبلوماسي للاحتلال والقمع والاستعمار الذي تمارسه الحكومة الاسرائيلية اليمينية في هذه الاراضي الفلسطينية المحتلة (كذلك فان أيا من حزب الله وحركة حماس والجهاد الاسلامي لم يتواجد الا بعد سنوات من الاحتلال الاسرائيلي وبعد فشل كل من المجموعات الوطنية غير الدينية والدبلوماسية الدولية عن انهاء الاحتلال).
هذا الواقع هو بالتأكيد ما لا تريد ادارة بوش وقادة الكونغرس للشعوب ان تتأمل فيه لانه يزيد من صعوبة تبريرها للحروب في العراق وفلسطين ولبنان. لذلك من المهم سياسيا اقناع الاميركيين بان حزب الله هو مجموعة ارهابية متورطة في هجمات ارهابية مستمرة وتشكل بالتالي خطرا مستمرا على مصالح الامن القومي للولايات المتحدة وحلفائها.
ان المأساة تكمن في مدى رغبة الاعلام الرئيسي والرأي العام الاميركيين في تصديق هذه التفسيرات المغلوطة المبسطة لتعقيدات الوضع السياسي اللبناني، وفي مدى سهولة التلاعب والمناورة في الحرب على الارهاب بهدف تبرير اعتداء مدعوم اميركيا ضد البنية التحتية المدنية لبلد ديموقراطي صغير. 
* مقال نشر في الرابع من آب على موقع (www.fpif.org) Foreign Policy in Focus وهو مؤسسة فكرية اميركية مشتركة للابحاث بين مركز العلاقات الخارجية ومعهد الدراسات السياسية الاميركية. ومن بين اعضاء مجلس ادارتها نعوم تشومسكي وجوناثان فوكس. 
* ستيفن زونيس، محرر شؤون الشرق الاوسط في فورين بوليسي ان فوكس بروجكت. وهو استاذ للعلوم السياسية

ستيفن زونيس

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...