إعادة توزيع الثروة ؟ نعم (لكن ليس كما يقترح أوباما)

04-11-2008

إعادة توزيع الثروة ؟ نعم (لكن ليس كما يقترح أوباما)

الجمل- ترجمة: مازن كم الماز:   بحسب النيويورك تايمز "الليبرالية" فإن فرص جون ماكين المتراجعة للحاق بباراك أوباما في الانتخابات الرئاسية ازدادت بعض الشيء بسبب "تعليق غير ملائم من السيد أوباما"استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة . تصريح أوباما السيئ كان "تعليقا على ( جو ) السباك في أوهايو الذي سأله عن اقتراحه عن زيادة مستويات الضرائب على العوائل التي تكسب أكثر من 250 ألف دولار سنويا , التي أكد فيها السيد أوباما أن هناك حاجة "لتوزيع الثروة" .
  كما تقول التايمز فقد "استغل ماكين الجواب ليكرر هجومه إنه سيرفع ضرائبكم الذي لقي تاريخيا صدى ما في ولايات كفلوريدا و أيوا و نيو هامشاير" ( ا. ناغورني , كيف يأمل ماكين في تحدي الاستطلاعات و الفوز , النيو يورك تايمز , 24 – 10 – 2008 أ1 , أ 19 ) .
في الواقع هذا ما قاله أوباما بالضبط لجو السباك في أوائل هذا الشهر :
"ليس أنني أريد أن أعاقبك على نجاحك . أنا أريد فقط أن أضمن أن كل شخص خلفك , يملك فرصة للنجاح أيضا . موقفي هو أنه إذا كان الاقتصاد جيدا للأشخاص من الأسفل إلى الأعلى , فيجب أن يكون جيدا لكل شخص ... إنني أعتقد أنه عندما توزع الثروة فهذا جيد لكل فرد" .

أوباما "كاشتراكي"
تخفف التايمز من الاستخدام الرجعي للجمهوريين لتعليق أوباما . أكثر من مجرد الزعم بأن أوباما سوف "يزيد الضرائب" , فقد استخدمت ماكينة الدعاية الجمهورية تعليق أوباما الوسطي و "المحافظ بشدة" الحربي لتدعم الإدعاء المكارثي الجديد المنافي للواقع أنه مناصر يساري لإعادة توزيع الثروة . اقترحت سارة بالين , سين هانيتي و بقية كلاب هجوم أقصى اليمين , اقترحوا أن تعليق أوباما يعكس أرجحية أن يكون السيناتور صغير السن من إيلينوي "اشتراكي" ( 1 ) . حاول المتحدث باسم ماكين ميكايل غولدفراب أن يستخرج شيطانين من "تعليق أوباما غير المواتي" . فاستخدمه غولدفراب ليربط بين الزعم السخيف بأن المتسابق الديمقراطي هو "يساري" بالتهمة التي تساويها في السخافة أن أوباما "يساير" الأعداء الكونيين الرسميين . "إذا كان هدف باراك أوباما كرئيس أن يوزع الثروة" كما أبلغ غولدفراب الفوكس نيوز "فربما أن اجتماعه غير المشروط مع هوغو تشافيز , راؤول كاسترو , و كيم جونغ إيل ليست فكرة مجنونة إلى هذا الحد – إذا لم يقوموا بأي شيء آخر فيمكنهم نصح إدارة أوباما فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية" .

الموجة الصاعدة و المساواة في الفرص ضد إعادة التوزيع الراديكالية و المساواة في الظروف
لدي أربع تعليقات من اليسار الحقيقي على كلام أوباما , و معالجته للثقافة السياسية الأمريكية , و مشكلة انعدام المساواة . أولا على العكس من هستيريا اليمين فإن الدعوة إلى "توزيع الثروة" هي ليست نفس الشيء مثل الدعوة إلى توزيع عادل للثروة . في إيديولوجيا رأسمالية الدولة الغربية المهيمنة التي ينتسب إليها كلا من ماكين وأوباما ( لا يوجد مرشح يرفض هذه الإيديولوجية يمكنه أن يشارك بشكل جدي في التنافس على الرئاسة الأمريكية ) , لقد زعم صانعو السياسة "السائدة" ( التي تقرها الشركات ) منذ وقت طويل أن حل الفقر و انعدام الأمان المادي هو "النمو الاقتصادي" – تكبير الكعكعة عوضا عن تقسيمها بطريقة أكثر عدالة" . "إن الموجة الصاعدة أو المد" كما تقول الحجة "سترفع كل الزوارق" , بحيث أنه لا داعي لأي كان ليقلق عمن يملك أكبر المراكب أو أكثرها بذخا . و الزعم بأن مدراء الاقتصاد السياسي يمكنهم أن يخلقوا ما يكفي من الوظائف و الدخل بحيث يمكن إشباع الحاجات المادية للناس دون أي نزاع اجتماعي على المشاكل "التي بطلت بالتقادم" للتوزيع .
عندما تتحدث النخب الأمريكية الرأسمالية و السياسيون عن زيادة المساواة فإنهم يعنون فقط المساواة في الفرص , لا المساواة في الظروف . بالنسبة لليسار التاريخي الحقيقي على العكس من ذلك تشمل "المساواة" الفعلية النتائج , و ليس فقط "الفرص" . إنها ليست عن منح كل شخص فرصة متشابهة ليصبح غنيا بشكل خرافي أو فقيرا بائسا في توافق مع نسيجه الخاص من الموهبة , الاجتهاد , و الحظ . يرى الراديكاليون أن الفروق الاجتماعية الاقتصادية الهائلة التي تقسم الحياة الأمريكية و العالمية اليوم لن تكون أقل عدائية أو ضررا إذا صعد كل شخص في القمة إلى موقعه من انطلاقا من "ملعب أفقي متساوي" . كما علق نعوم تشومسكي مجيبا على أحد سائليه عما يميز انعدام المساواة الأمريكية باستخدام استعارة أو مثال "متسابقين في الركض" : يبدأ أحدهما عند خط البداية و يبدأ الآخر على بعد خمسة أقدام من خط النهاية"
"هذا تشابه جيد , لكني لا أعتقد أنه يقود إلى النقطة الرئيسية . من الصحيح أنه لا يوجد أي شيء أبعد من مساواة الفرص في هذا البلد , لكن حتى لو كان هناك مثل هذا النظام فإنه سيبقى لا يطاق . افترض أن لديك متسابقين يبدآن من نفس النقطة تماما , و لديهما نفس الحذاء و ما إلى ذلك . ينهي أحدهما السابق أولا و يحصل على كل شيء يريده أما الثاني فينهي السباق في المركز الثاني و يجوع حتى الموت" ( 2 ) .
لم يسع اليسار الحقيقي أبدا نحو تنافس عنيف أحمق عادل بشكل سطحي فقط – بداية عادلة لكن نهاية غير متساوية .      

"أعظم أصولنا":الرأسمالية
ثانيا أن أوباما الذي ترعاه الشركات بقوة قد قدم بشكل متكرر البرهان على أن فكرته عن "مشاركة الثروة لا تذهب أبعد من الأفكار البرجوازية المحدودة عن تكبير الكعكعة و المساواة في الفرص . استمع ( على سبيل المثال بين أمثلة عديدة ) إلى المقطع التالي الذي يكشف الحقيقة من كتاب حملة أوباما لعام 2006 الذي يبجل السلطة بشكل لا يلين "جرأة الأمل" :
"قال كالفن كوليدج ذات مرة أن "العمل الأساسي للشعب الأمريكي هو البزنس ( أي عمل رأس المال ) نفسه" و بالفعل سيكون من الصعب أن نجد بلدا في الأرض كان أكثر ملائمة و ترحيبا بشكل دائم لمنطق السوق . يضع دستورنا امتلاك الملكية الخاصة في قلب نظام حريتنا . تحتفل تقاليدنا الدينية بقيمة العمل الجاد و تعبر عن القناعة بأن الحياة الفاضلة ستؤدي إلى جزاء مادي . عوضا عن أن ذم الأغنياء , فإننا نعتبرهم نماذج وظيفية ... و كما في قول تيد تيرنر ذائع الصيت , في أمريكا المال هو كيف نفوز " .
"إن نتيجة ثقافة البزنس هذه كانت رخاء غير مسبوق في تاريخ الإنسانية . يتطلب الموضوع رحلة إلى خارج البلاد لتقدر بشكل كامل كم تملك أمريكا من الخير ,حتى فقراءنا فإنهم يعتبرون أن البضائع و الخدمات شيئا مسلما به - الكهرباء , الماء النظيف , إيصال المياه إلى البيوت , التلفونات , التلفزيونات , و الأجهزة المنزلية – التي لا تمكن حيازتها بعد في معظم العالم . لقد أنعم على أمريكا ببعض أفضل الأملاك في العالم , لكن من الواضح أن مصادرنا الطبيعية لا تبرر لوحدها نجاحنا الاقتصادي . إن أكبر مصادرنا كانت نظامنا للتنظيم الاجتماعي , نظام شجع الإبداع المستمر لأجيال , و المبادرة الفردية و التوزيع الفعال للموارد ... إنه نظام سوقنا الحرة"  ( 3 ) .
مشيرا إلى نفسه على أنه "رجل السوق الحرة" و مذكرا النخب و الآخرين بأنه"يحب السوق" ( 4 ) , فإن أوباما لا يفعل و لا يطالب بأي شيء يتساءل و لو بشكل محدود عن صحة أو درجة الإخلاص لهذه الأنشودة المريعة لنظام الأرباح . إن قبوله بخطة الإنقاذ الفيدرالية لنخبة الشركات الأمريكية المالية ( بما في ذلك الكثير من أكبر داعميه ) هو مثال قريب عن التزامه الصارم بما غرسه في الأذهان بقوة فكر رأسمالية الدولة من مدرسة القانون في هارفارد و راعيه الأساسي غولدمان ساكز .

"إنني أعني "توزيع الفرصة" "
لقد طور أوباما موقفا برجوازيا بقوة من انعدام المساواة و التحريك الاجتماعي . بعد الزعم بأن الولايات المتحدة هي "منارة للحرية و الفرصة" لأولئك الذين يساندون "الاجتهاد و المثابرة" , فإن خطابه في قرار الحزب الديمقراطي عام 2004 ذائع الصيت يشيد بالأمريكيين للاعتقاد بأنه " فقط بتغيير بسيط في الأولويات , يمكننا أن نضمن أن كل طفل في أمريكا لديه فرصة جيدة في الحياة , و أن أبواب الفرص مفتوحة أمام الجميع" , جرى تكرار هذه الفكرة في "جرأة الأمل" ( 5 ) .
بالانطلاق من هذا المنظور المحافظ المعياري عن معنى المساواة كمساواة في الفرص ( و ليس في الظروف ) كان لدى أوباما التالي ليقوله في دفاعه الشخصي بعد أن بدأ الجمهوريون يستغلون "تعليق أوباما غير الملائم" "لجو السباك" :
"النقطة البسيطة التي كنت أحاول قولها هو أنه حتى لو افترضنا أنه في وضع يريد فيه أن يشتري شركة ما يأمل بأنها سوف تعطيه أكثر من 250,000 دولار , فإن النقطة التي أردت طرحها هو أن قبل عشرة أو خمس سنوات أو حتى قبل سنة من الآن عندما كان يكسب أقل من ذلك بكثير , فإنه كان يمر بوقت صعب ... إننا لا نمانع أن يصبح الأشخاص فاحشي الثراء بسبب مهاراتهم و مواهبهم و قيادتهم . لكننا نريد دوما أن نضمن أن الملعب مصمم بحيث أن كل فرد لديه أفكار جيدة ستكون لديه فرصة للنجاح . أن لكل فرد الفرصة ليحصل على التمويل . و أن كل فرد يعمل بجد سيكون قادرا على إعالة أسرته . أن لكل فرد الفرصة إذا تصرف بصورة مسؤولة ليرسل أطفاله إلى الجامعة و أن يتقاعد بكرامة و احترام . و بهذا المعنى فإن هذا يعني أن نقوم بتوزيع الفرص" ( 6 ) .
بالطبع كل من يتفحص بجدية عملية اختيار أمريكا للمرشحين و انتخابهم يعرف أن فرص "شخص يطالب بإعادة توزيع راديكالية" للوصول إلى الحد النهائي للرئاسة هزيلة لدرجة الصفر . لن يحصل أي شخص يعد بتفريق الثروة المركزة و توزيع الموارد بالتساوي بين الشعب على رعاية الشركات و على موافقة الإعلام المطلوبة ليشكل متنافسا قابلا للحياة للرئاسة في ظل "ديمقراطية السوق" الأمريكية ( 7 ) . يدرك أوباما و مدربوه هذا جيدا , يمكننا أن نكون واثقين بهذا تماما . إنهم يلعبون للفوز .

انعدام المساواة ضد الديمقراطية
ثالثا من المشين أن أوباما لا يمكنه أن يدعو إلى المساواة حتى لو أراد ذلك . هناك تقليد أمريكي و غربي فلسفي و سياسي قوي – ليس اشتراكي فقط – يمكن اقتباسه أو الإشارة إليه دعما لإعادة توزيع الثروة . في سياسة أرسطو , و هو أساس معظم النظرية السياسية الغربية التالية ( بما في ذلك آباء الولايات المتحدة المؤسسون ) , يفهم أن أي ديمقراطية ذات معنى يجب أن تكون تشاركية بالكامل و موجهة نحو الصالح العام . هذا لا يمكن تحقيقه كما يرى أرسطو في غياب مساواة اجتماعية نسبية , بما في ذلك "ملكية معتدلة و كافية" للجميع ( طبعا أنكرت أثينا المشاركة و المنافع على النساء و العبيد ) .
رأى أرسطو أنه لا يمكنك الحديث بجدية عن الديمقراطية في مجتمع يتميز بتطرف في الغنى و الفقر . إن انعدام المساواة الهائل في الثروة و الديمقراطية لا يمكن أن يوجدا معا في مجتمع ما لأن أصحاب الثروة الهائلة يملكون موارد جيدة ليؤثروا في السياسة لصالح مصالحهم الأنانية الخاصة . إذا كان أرسطو على حق فهناك أسباب جيدة إذا "للقلق من الأشخاص الذين أصبحوا مفرطي الثراء" – مهما كانت الوسائل المؤدية لذلك ( و معظم الثروة الخاصة ترجع أساسا إلى الظروف الاجتماعية الخارجية , و ليست القوة الفردية للأفراد الأثرياء ) – في مجتمع يضم مواطنين آخرين الذين هم فقراء أو باختصار أقل ثراء . فكرة أن هناك نزاع مركزي بين انعدام المساواة الاقتصادية و الديمقراطية السياسية يشترك فيها العمالقة التاليين للفكر و السياسة الغربيتين , بما في ذلك آدم سميث , ألكسيس دي توكفيل , فيلهلم فون هامبولد , جون ستيوارت ميل , توماس جيفرسون , و جون ديوي – و لم يكن أيا منهم اشتراكيا ( 8 ) .
أرسطو , جيفرسون و الليبرالية الغربية الكلاسيكية قلقون بصدد التأثير الذي يؤدي إلى الشلل للثروة المركزة و التفاوت الاقتصادي على حكم الشعب الذي ينتج بشدة من السياسة الأمريكية الراهنة . إن ال 1 % الذين في القمة يسيطرون على 40 % من ثروة أمريكا و 57 % من إدعاءات الثروة ( الأسهم , العوائد و ما إلى ذلك ) , تاركين لبقية ال 99 % أن يحاربوا لقاء أقل من ثلثي ثروة الشعب . يملك ال 10 % الذين في القمة أكثر من ثلثي ثروة الشعب و حصة أكبر ربما من سياسيي الأمة و صانعي سياساتها .
على العكس من الأسطورة الشعبية فإن البنية الطبقية الصارمة الأمريكية هي ثابتة نسبيا . إن "الحلم الأمريكي" بالصعود من الفقر إلى الثروة قابل للتحقق بشكل أقل في الولايات المتحدة منه في معظم الدول الرأسمالية المتقدمة . "إن أقصى ديمقراطية يمكن للمال أن يشتريها" ( بحسب وصف غريغ بالاست للنظام السياسي الأمريكي ) هي منح إعفاءات عملاقة من الضرائب لمفرطي الثراء الفعليين . إنها تدفع لأجل حرب هائلة و ميزانية الإمبراطورية ( 622 مليار دولار هذه السنة ) التي تدعم 730 قاعدة عسكرية منتشرة تقريبا في كل بلد على الأرض و تشكل نصف الإنفاق العسكري العالمي ( كل ذلك باسم "الدفاع" الأورويلي ) . هذا لأن القلة الأمريكية صاحبة الامتيازات ليست راضية بتملك حصة غير متكافئة من الثروة الأمريكية . فهم و واضعو الخطط الإمبرياليون يسعون وراء السيطرة على أكثر ما يمكنهم من ثروة العالم و موارده ( احتياطات النفط خاصة ) . في نفس الوقت فإن الحرب , العسكريتاريا , مبيعات الأسلحة , و الاحتلال كلها استثمارات رابحة في ذاتها و لأنفسهم . إن ميزانية البنتاغون هي منحة حكومية عامة هائلة – آلية فعالة لنقل منظم للثروة العامة إلى قطاع الشركات عالية التقنية .
يراقب الأمريكيون اليوم "حكومتهم" و هي تمنح مئات مليارات من الدولارات العامة لخطة الإنقاذ "التي لا يمكن تجنبها" لشركات وول ستريت الطفيلية التي هندست الانهيار المالي الذي يساعد على إطلاق ركود عميق سيلقي بالملايين إلى البطالة . إنها أكثر من مجرد مصادفة أن أكثرنا يتجنب الكارثة بالكاد من راتب إلى آخر . إن الإجلاء من المنزل , حبس الرهن , الإفلاس , و الانتحار في تزايد بين الطبقات العاملة , الدنيا و الوسطى .
سيقف عشرات ملايين المواطنين الأمريكيين في طوابير الحصول على الغذاء كل سنة . كثير من هؤلاء الأمريكيين المحرومين بشدة هم جزء من "فقراء العمال" , و هم مجموعة "التزمت باللعب وفق القواعد" و ما زالوا غير قادرين على رفع رؤوسهم فوق الماء في "أغنى بلد في العالم" .
في المشهد الانتخابي الرئاسي الحالي الذي يجري كل أربع سنوات و الذي تحترفه الشركات و ضيق الأفق و الذي يتركز على الأشخاص تبقى غير مرئية تقريبا بالنسبة لل 37 مليون فقير رسميا . يتحدث المرشحون بانتظام عن مساعدة الطبقة الوسطى لكنهم لا يتحدثون بجدية عن زيادة فقر الجماهير أو عن حالة الفقراء . مثل ميزانية "دفاع" ( الإمبراطورية ) المنتفخة , فإن عمق و درجة انعدام المساواة الاقتصادية هي "خارج طاولة" النقاش الجدي في الثقافة السياسية و الإعلامية الأمريكية السائدة . 
لقد منح كبار داعمي أوباما الأمل "التقدمي" العظيم من وول ستريت ( 9 ) عشرات مليارات الدولارات من الخزانة الأمريكية , لكن لم يجر التخطيط لأية خطة إنقاذ مشابهة أو حتى معادلة لها بعض الشيء للأغلبية غير الثرية . في هذه الأثناء يجند أولاد و بنات الطبقة العاملة بشكل اقتصادي ( توفيري ) في خدمة مهلكة في الحروب الاستعمارية الدموية للإرهاب في العراق و أفغانستان – حروب إمبريالية و غير شرعية سيواصلها كلا من مرشحي رأس المال كما هو واضح .
يقف كلا من حزبي رأس المال المسيطر و مرشحيهما الرئيسيين إلى جانب رأس المال الكبير – و الإمبراطورية – و هما يقفان بشكل متقارب على يمين الأغلبية الشعبية الأمريكية بصدد قضايا السياسة الحاسمة ( 10 ) .
يزخر إعلام الأمة "السائد" ( المهيمن و المرتبط بالشركات ) بالأخبار و التعليقات التي تعبر عن القلق من الزوال المحتمل – و الحاجة "لإنقاذ" – "الرأسمالية" . إنها لا تعبر كثيرا عن القلق فيما يتعلق بالحاجة لإنقاذ الفقراء و الطبقة العاملة . إنها لا تقول أي شيء عن الحاجة لاعتماد موارد مالية من ميزانية "الدفاع" ( الإمبراطورية ) الضخمة و المقدسة لتلبية الحاجات الاجتماعية في الوطن و الخارج .
إذا كنا نريد أن نتحدث بجدية عن الديمقراطية في الولايات المتحدة , فإننا بحاجة شديدة إلى إعادة توزيع الثروة في هذا البلد . 

الرأسمالية ضد الديمقراطية
أخيرا و ليس آخرا كما أنه لا يمكن لأي مرشح جدي أو أي معلق "رئيسي" للشركات أن يعترف بجدية أنه يوجد وراء كل هذا نزاع أساسي بين ( أ ) المساواة الاجتماعية المطلوبة لديمقراطية ذات معنى و ( ب ) الرأسمالية . قبل 20 سنة لاحظ الاقتصادي الليبرالي ليستور ثيورو أن "للديمقراطية و الرأسمالية اعتقادين مختلفين جدا عن التوزيع المناسب للسلطة . تؤمن أحدهما بتوزيع متساو بالكامل للسلطة السياسية , "شخص واحد , صوت واحد" , فيما تؤمن الأخرى بأنه من واجب القادر اقتصاديا على أن يطرد غير القادر من حيز العمل و أن يمحقه . "البقاء للأقوى أو للأصلح" و انعدام المساواة في القوة الشرائية هي كل ما تعنيه الكفاءة الرأسمالية . هكذا تأتي الأرباح الفردية أولا و تصبح الشركات مجدية بالنسبة للأغنياء . لنضعها في أكثر أشكالها وضوحا , تتوافق الرأسمالية بشكل تام مع العبودية . أما الديمقراطية "فلا" ( ثيورو , مستقبل الرأسمالية , نيو يورك 1996 ) .
بشكل مشابه لاحظ المراسل الاقتصادي للشيكاغو تريبيون ذات يوم ر. سي . لونغوورث , و الذي ليس براديكالي , قبل عقد من الآن , أن "صراع الديمقراطية و الرأسمالية" هو في قلب "الجدال فيما يتعلق بالاقتصاد العالمي" . نظريا يزعم لونغوورث "أنهما يفترض أن يسيرا جنبا إلى جنب , أن يكونا متلازمين بالفعل . لكن أولويات الديمقراطية هي المساواة أمام القانون , حق كل مواطن أن يتحكم بالقرارات التي تحكم حياته , خلق حضارة تقوم على العدالة و المساواة . أما أولويات الرأسمالية فهي انعدام المساواة في العائد , الربح لموردي رأس المال , جدوى الإنتاج و التوزيع , هي النقطة الجوهرية"( لونغوورث , الأزمة العالمية , شيكاغو , 1998 ) .
هنا نورد كيف يعرف قاموس ويبستر الكامل الطبعة الثانية الرأسمالية : "هي النظام الاقتصادي الذي تمتلك فيه كل أو معظم وسائل الإنتاج و التوزيع بشكل خاص و تدار لغرض الربح , أصلا تحت ظروف تنافسية بالكامل : لقد تميزت عموما بميل نحو تركيز أكبر للثروة و , في المرحلة الأخيرة , نمو الشركات الكبرى" ...
الشركات الكبرى , مثل النيو يورك تايمز  , أكثر صحيفة "شائعة أو رائجة" يسارية في ثقافة سياسية و إعلامية وطنية رجعية لدرجة أن أبرز الصحافيين الليبراليين يجدون أنه من "غير المناسب" لمرشح ما أن يسمع و هو يدافع عن فرصة اقتصادية أكبر قليلا فقط للناس الذين هم في أسفل القمم الغنية للتراتبية الهرمية الطبقية شديدة الانحدار للأمة . ثقافة سياسية رجعية لدرجة أن مرشحا برجوازيا عالي النبرة يخاطر بأن يتهم بجريمة أنه "راديكالي" خطير المزعومة لأنه تجرأ على الدفاع عن نسخة أكثر عدالة قليلا من الرأسمالية .
لا تأخذ الحقيقة من رايدكالي حقيقي مثلي . خذها من أرسطو و جيفرسون : إننا بحاجة إلى إعادة توزيع حقيقي للثروة إذا كنا نريد شيئا كالديمقراطية في الولايات المتحدة .
و خذها من قاموس ويبستر : هذا يعني القطع مع الرأسمالية , المرض الحقيقي ( بالمناسبة ) الكامن وراء الأعراض المالية و استجابات حكومة الأثرياء التي تتابعت في الأسابيع الستة الأخيرة .
إن هذه حقائق قاسية لن يعترف بها أبدا نظام الإعلام و الدعاية الأمريكي الحاكم .
ربما يمكننا أن نلتفت إلى هذه القضايا الملحة بطريقة جدية عندما تختفي قصاصات الورق للفورة الانتخابية الرباعية الحالية و عندما تصبح الحقائق الباردة للحياة تحت إمبراطورية رأسمالية الدولة الأمريكية و انعدام المساواة موضع اهتمام أكبر .

بقلم : بول ستريت
29 أكتوبر تشرين الأول 2008
نقلا عن  www.zmag.org/znet/viewArticle/19257 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...