أفق التسوية الجديدة للأزمة اللبنانية

28-11-2007

أفق التسوية الجديدة للأزمة اللبنانية

الجمل: بسبب حدة الصراعات وتزايد تدخل الأطراف الدولية وتزايد تقاطعات المصالح بين زعماء 14 آذار وأمريكا وإسرائيل، فقد أصبح "الرادار" –إن جاز التعبير- السياسي اللبناني فائق الحساسية في التقاط كل شيء بما في ذلك أسراب الطيور التي تحلّق حالياً على سماء أنابوليس الأمريكية.
* المسرح السياسي اللبناني: على سطح الأحداث والوقائع:
انتهت الجولة الانتخابية الرئاسية اللبنانية، وانقضى يوم 23 تشرين الثاني، ولم يتم اختيار الرئيس اللبناني الجديد ليحل محل الرئيس اللبناني السابق إميل لحود.
الأطراف الدولية بدت أكثر إحباطاً إزاء الملف الرئاسي اللبناني، فقد جربت كل الوسائل الممكنة وأصبحت هذه الأطراف (فرنسا وأمريكا بشكل خاص) أكثر تقبلاً لفكرة "الحلول الأخرى" والتي قد لا تتوافق مع طموحات قوى 14 آذار التي أصبحت مرتفعة للغاية. الإدارة الأمريكية أصبحت أكثر اهتماماً بإرضاء الأطراف العربية من أجل الفوز بـ"صفقة سلام الشرق الأوسط" وبالتالي فقد أصبحت هذه الإدارة تدرك جيداً الفرق الكبير بين "الفرصة" التي يمكن أن تحصل عليها في حالة نجاح مؤتمر أنابوليس، والـ"مخاطرة" الكبيرة التي يمكن أن تتعرض لها إذا سايرت قوى 14 آذار خاصة وأن الإدارة الأمريكية لم تعد تحتمل احتراق المزيد من أوراقها في الشرق الأوسط.
* قوى 14 آذار وخارطة الطريق الأمريكية في لبنان:
ليس لقوى 14 آذار خارطة طريق لبنانية خاصة بها، وقد ظلت هذه القوى تسير منذ لحظة إنشائها عقب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ضمن خارطة الطريق التي وضعتها جماعة المحافظين الجدد واليهود الأمريكيين (إيليوت إبراهام وباولا دوبريانسكي ومن ورائهم زياد عبد النور المشرف من وراء الكواليس على تسيير زعماء قوى 14 آذار ضمن مسارات خارطة الطريق الأمريكية (الإسرائيلية) في لبنان.
أدرك الأمريكيون والإسرائيليون أن خارطة طريقهم في لبنان قد وصلت إلى نقطة الانغلاق، وعلى خلفية انعقاد مؤتمر أنابوليس بدا واضحاً أن إسرائيل وأمريكا ومن ورائهما فرنسا قد قرروا تغيير مسارات خارطة الطريق وتبني مسار جديد يختلف عن المسار السابق الذي كان يركز على تسويق العداء لسوريا والفلسطينيين، والآن على ما يبدو فقد جاء دور قوى 14 آذار لكي تغير توجهاتها بما يتماشى وينسجم مع مسار "خارطة الطريق الجديدة".
* الأزمة اللبنانية: إفرازات الرمال المتحركة:
يواجه لبنان حالياً الآتي:
• أزمة الفراغ الرئاسي المؤدي إلى الفراغ الدستوري.
• تصاعد المعارضة الداخلية (دينياً وسياسياً) لتولي رئيس الوزراء فؤاد السنيورة لمهام رئيس الجمهورية.
• انتشار الجيش اللبناني في الشارع على النحو الذي يهدد باحتمالات الانقلاب العسكري إذا حدثت صفقة بين العسكريين وقوى 8 آذار.
• تصاعد الأزمة الاقتصادية.
• تزايد عدم ثقة الأطراف الدولية بمصداقية قوى 14 آذار.
• يأس الإسرائيليين من مدى فعالية قوى 14 آذار في توجيه لبنان باتجاه الوضع الذي تريده إسرائيل.
• تزايد التأييد في الشارع اللبناني لقوى 8 آذار.
• عودة الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات الإسلامية في شمال لبنان على النحو الذي يمكن أن يستغله قادة الجيش اللبناني من أجل فرض سيطرة الجيش الكاملة على الساحة اللبنانية.
وعلى خلفية هذه التطورات، برزت بعض التطورات الجديدة في الساحة السياسية اللبنانية، يتمثل أبرزها في ثلاثة توجهات هي:
• عدم وجود أي أفق سياسي للتوافق لانتخاب رئيس لبناني جديد في جلسة مجلس النواب القادمة.
• تزايد مخاوف قوى 14 آذار من أن يؤدي مؤتمر أنابوليس إلى قلب طاولة التوترات الداخلية والخارجية على رؤوسهم.
• تراجع زعماء قوى 14 آذار عن مواقفهم السابقة الرافضة لطرح اسم العماد ميشيل سليمان قائد الجيش ضمن خيارات الرئاسة اللبنانية.
* قوى 14 آذار و"أفق التسوية" الجديدة للأزمة اللبنانية:
من المعلوم أن زعماء قوى 14 آذار يتوزعون الأدوار ضمن مثلث جنبلاط (ملف السياسة)، سمير جعجع (الملفات الأمنية)، وسعد الحريري (التمويل).
وعلى لسان جنبلاط جاءت التوجهات السياسية الجديدة لقوى 14 آذار، والتي عكست محاولتها للتكيف مع الواقع الجديد والعمل وفقاً لمبدأ "التحرك الاستباقي" الذي يوفر الحماية المبكرة لقوى 14 آذار من تداعيات نتائج أنابوليس.
طالب وليد جنبلاط (الزعيم السياسي لقوى 14 آذار) بضرورة العمل من أجل انتخاب رئيس لبناني جديد، وذلك لتفادي الفراغ الذي بدأ يلقي بظلاله على الساحة السياسية اللبنانية، وبرر جنبلاط مطالبته قائلاً بإمكانية حدوث "صفقة حول لبنان" في أنابوليس بين سوريا والولايات المتحدة، وأضاف قائلاً بأن لبنان أصبح الآن أمام واحد من ثلاث مسارات: المسار السوري، المسار الإيراني، المسار اللبناني.
وتجدر الإشارة إلى أن جنبلاط كان وبقية زعماء 14 آذار يتحدثون عن "المسار السوري - الإيراني" أي بالجمع بين سوريا وإيران، ولكن جنبلاط تحدث هذه المرة عن مسار سوري ومسار إيراني، وذلك في إشارة واضحة إلى أن قوى 14 آذار أصبحت تفرق بين المسار السوري والمسار الإيراني.
* خيار العماد ميشيل سليمان رئيساً:
تقول المعلومات الواردة صباح اليوم أن قوى 14 آذار أصبحت أكثر قبولاً لخيار تولي العماد ميشيل سليمان قائد الجيش الحالي لمنصب الرئيس اللبناني. وتقول المعلومات كذلك، بان هناك تحركات لإجراء المشاورات حول إمكانية قيام مجلس النواب اللبناني بتعديل الدستور من أجل السماح بترشيح العماد سليمان لمنصب الرئاسة.
الموقف الجديد لقوى 14 آذار يطرح المزيد من التساؤلات حول طبيعة المستجدات، والعماد ميشيل سليمان ودوره المستقبلي، مستقبل لبنان:
• لماذا تراجعت قوى 14 آذار عن معارضتها الشديدة السابقة لترشيح العماد ميشيل سليمان؟ هل سبب هذا التراجع خارجي (أي بتأثير الأطراف الخارجية) أم أن سببه يتعلق بإدراك قوى 14 آذار لوجودها كحركة سياسية لبنانية موالية لأمريكا وإسرائيل ومعادية لسوريا وللمقاومة الوطنية اللبنانية؟
• لماذا باتت التوجهات نحو العماد ميشيل سليمان بالنسبة لخيار الرئاسة؟ هل لأن قدراته العسكرية تمثل ضرورة لازمة للقيام بأعباء منصب الرئاسة اللبنانية في الفترة القادمة أم للاستفادة من القوة الرمزية للجيش اللبناني باعتباره يمثل "القوة العسكرية المحايدة الأولى في منطقة الشرق الأوسط". بكلمات أخرى، لم يتورط الجيش اللبناني في أي مواجهة عسكرية في كل الحروب العربية – الإسرائيلية، ولا في أي مقاومة مسلحة ضد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، ولا في أي عملية عسكرية هدفت إلى ردع المليشيات التي كانت تتقاتل على مدى 15 عاماً في الحرب الأهلية اللبنانية.
• هل وجود العماد سليمان على كرسي الرئاسة سوف يساعد في نقل "مذهبيته العسكرية الحيادية" الخاصة بالجيش اللبناني إلى الساحة السياسية اللبنانية بحيث تتشكل "مذهبية سياسية" لبنانية محايدة إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي؟
• هل طلبت جماعة المحافظين الجدد وإسرائيل من قوى 14 آذار الإسراع في عملية التوافق حول شخصية العماد سليمان؟ وذلك لأن نتائج مؤتمر أنابوليس المتوقعة لو ظهرت ولم يتم انتخاب رئيس لبناني بعد، فإن كارثة قوى 14 آذار ستكون أكبر وسوف لن تستطيع حينها لا إسرائيل ولا أمريكا تقديم المساعدة اللازمة لقوى 14 آذار.
عموماً، بين هذا وذاك، سوف يبقى خطر الفراغ الرئاسي اللبناني قائماً، وذلك لأن العماد ميشيل عون ما زال يدرك تماماً أنه الأكثر شعبية بين اللبنانيين، وأنه الأوفر حظاً في أوساط الرأي العام اللبناني، ولكن من يدري، قد يتنازل الجنرال عون للجنرال سليمان وتحدث "المعجزة".

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...