«العاشق» لعبد اللطيف عبد الحميد الصفعات والشعارات

27-01-2015

«العاشق» لعبد اللطيف عبد الحميد الصفعات والشعارات

تحت وابلٍ من القذائف على أحياء العاصمة السورية سلك جمهور صالة «سينما سيتي» طريقهم أمس الأول لحضور العرض الخاص لفيلم «العاشق ــ 2011 ــ مؤسسة السينما» لعبد اللطيف عبد الحميد ــ 1954 ــ المخرج الذي تابع في شريطه الأحدث ما كان قد بدأه عام 1988 من احتفاء بسينما المؤلف في فيلمه الأول «ليالي ابن آوى ــ مؤسسة السينما». تقنية لافتة في إدارة أحداث «العاشق» الذي تعرّض للمقاطعة من قبل مهرجاني القاهرة ودبي الدوليين عام 2012؛ ووصلت الحكاية إلى التهديد بإحراق دار الأوبرا المصرية إن وافقت إدارة الدار على عرضه. يروي الشريط «روائي طويل ــ 120 دقيقة» قصة «مراد» المخرج السينمائي ــ أدى دوره عبد المنعم عماري» الذي يقوم بمونتاج فيلمه الأول عن ذكريات طفولته في قريته المنسية على الساحل السوري؛ وضياع حبه الأول في مدينة اللاذقية بعد انتقاله للدراسة هناك، دامجاً بين هذه المرحلة من سبعينيات القرن الفائت في سوريا؛ مع حياة هذا المخرج الراهنة في مدينة دمشق وحبه لجارته «ريما ــ ديمة قندلفت» بداية 2011 وما تخلل الزمنين من أنواع عديدة من قمع السلطة والأسرة والمدرسة للمخرج الشاب في آن معاً؛ حيث تتبدى في «العاشق» رغبة قوية لدى صاحب «نسيم الروح ــ 1998ــ مؤسسة السينما» في إكمال الزمن الأصلي لشريطه السينمائي الممتد على مسيرة عشرة أفلام روائية طويلة؛ قارب فيها عبد الحميد ما مرت بها بلاده من تطلعات دائمة لغدٍ أجمل ورغبة في العيش الحر والكريم. هجاء لا يخلو من الطرافة والمرارة يسوقه «العاشق» متنقلاً برشاقة بين قرى اللاذقية ومدينتها وبين أحياء العاصمة السورية؛ حيث تتناغم الصورة بين الجبل والمدينة من دون أن يفقد مخرج الفيلم قدرته على توحيد البيئة اللونية للشريط؛ بل بإصرار يتخطى عبد الحميد صعوبات كثيرة؛ موظفاً فن المونتاج لمصلحته في كل مرة تتباعد فيها أحداث السيناريو الذي كتبه، ولعب فيه دور الأب، الشخصية التي تعكس بصفاء لافت تراجع الأحلام القومية لفلاح يضحي بقوة عمل ابنه الصغير من أجل تعليمه في مدارس اللاذقية؛ مواظباً على ترديد شعار الحزب من حقوله البعيدة. لقطات مؤثرة التقطها عبد الحميد هنا، معيداً صدى صيحات هادرة: «أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة»، الشعار البعثي الذي تردده جبال اللاذقية لينتهي على مكاتب ذوي النفوذ والسلطة في دمشق، بريداً أمنياً عاجلاً عن مخالفة يرتكبها «مراد» في مقابلة تلفزيونية عن القسوة التي تلقاها على يد معلّمه في مدرسة القرية.
مواجهات عدة يطرحها الفيلم للنقاش عبر أسئلة وجودية تتصادى فيها سمات الشخصية السورية، وما مدى قدرتها على تخطي الماضي الأبوي القاسي، وانتزاع نجاحاتها ونسيان الصفعات على الوجه، صفعات يوجهها معلّم المدرسة والمحقق، مثلما توجهها الحبيبة في أكثر من مرة لخدِّ «مراد» كلما همَّ بتقبيلها على فمها، حيث تقف الأعراف الدينية والعصي والعقوبات الجماعية في وجه الحب، مثلما تقف سكين الأب المتزمت حائلاً بين ابنته وحبها للمخرج الشاب الذي يسكن معها في البناء ذاته. مفارقات عديدة لا تخلو من تلك المجابهة الصادمة بين سكاكين جماعية وورود ترتجف قبالتها، أداء حار وكثيف للممثلين، وزوايا تصوير تبرمها كاميرا عبد اللطيف عبد الحميد في كل مرة بين ماضي الشريط وحاضره، بين نهارات القرية وليل دمشق، لتبدو الصورة كذكرى عن وطن كان يعيش الكارثة ويشعر بها حتى قبل وقوعها، فتتحول شعارات «الوحدة والحرية والاشتراكية» عندما يهم الأبُ بإنشادها إلى صيحة مزلزلة ترددها الجبال: «واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد». صيحة تبدو بديلاً عن وحدة عربية كان ينشدها ذاك الفلاح شغوفاً بالمنطلقات النظرية لحزبه؛ بينما يتمناها اليوم أن تبقى بين أبناء البلد الواحد.


سامر محمد إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...