«أمير الزبداني».. من حلم الخلافة إلى البحث عن ملاذ

29-08-2015

«أمير الزبداني».. من حلم الخلافة إلى البحث عن ملاذ

يعيش أبو عدنان زيتون أسوأ أيامه. فبعد تتويجه «أميراً» على الزبداني حيث كان يطمح في يوم من الأيام لإقامة «دولة الخلافة»، وجد نفسه محاصراً في بضع مئات من الأمتار فقط. والخيارات أمامه قليلة لكنها جميعاً تعني التخلّي عن طموحه، فإما الاستمرار في قتال عبثي معروف النتيجة، وإما القبول بالانسحاب خارج دمشق، إلى الشمال أو الجنوب، لا فرق لأنه في كلتا الحالتين سيكون قد خسر التاج الذي قاتل من أجله.
وتشير معلومات من مصدر مقرب من زيتون، إلى أن الأخير أسس في سبيل إدارة مدينة الزبداني مجموعة من المجالس واللجان، أهمها «مجلس عسكري» بقيادته و «مجلس سياسي» و «لجنة استشارية» من أعضاء بعضهم متواجد في سوريا وبعضهم خارجها، و «لجنة شرعية» تضم رجال دين وبعض المحامين والقضاة.من معارك «الجبهة الشامية» مع تنظيم «داعش» في ريف حلب، امس («الأناضول»)
وبحسب المصدر فإن قيادة «أحرار الشام» المركزية أرسلت إلى زيتون للاستفسار منه حول موقفه من موضوع التفاوض مع الجيش السوري بخصوص مدينة الزبداني والفوعة وكفريا. فانعقد «المجلس السياسي» واتخذ قراراً بالموافقة على خوض المفاوضات وحظي القرار بتصديق أبي عدنان عليه. عندها تم تشكيل لجنة في الزبداني لمتابعة المفاوضات وجرى ربطها مع مندوب من القيادة المركزية في إدلب عبر شبكة الانترنت للتشاور حول تفاصيل المفاوضات.
ويؤكد المصدر أن زيتون من حيث المبدأ لا يمانع بمغادرة مدينة الزبداني مع مسلحيه، إلا أنه لن يفعل ذلك من دون الحصول على بعض الشروط والضمانات التي تكفل ألا تترتب عليه تداعيات سلبية نتيجة ذلك، سواء على شخصه أو موقعه في الحركة. واتهم المصدر فصيلاً من فصائل وادي بردى من دون تسميته بإفشال الهدنة السابقة، حيث عمد إلى قطع المياه عن مدينة دمشق. وعزا هذا التصرف إلى خشية فصائل وادي بردى من أن الدور سيحين عليها بعد الزبداني لذلك ترغب في عدم سقوطها، وأن تستمر معركتها أطول فترة ممكنة، مبدياً استغرابه من هكذا تصرف لأن هذه الفصائل لم تهب إلى نصرة الزبداني وتريدها أن تقاتل وحدها.
ولكن برغم تعدد المجالس، لا يمكن إنكار أن أبا عدنان زيتون بشخصه وسيرته يمثل قطب الرحى في الأحداث التي تجري في مدينة الزبداني، وأنه نجح في رهن مصير المدينة بمصيره.
فمن هو أبو عدنان زيتون؟
 هو القائد العام لـ «حركة أحرار الشام الاسلامية في الزبداني»، وبما أن الحركة هي المهيمنة على المدينة فمن الطبيعي أن يكون أبو عدنان المتنفذ رقم واحد الذي يمسك بزمام القرار ويدين له الجميع ـ ولو ظاهرياً ـ بالولاء والطاعة. وقد ساعدته الظروف منذ مطلع العام الماضي على التدرّج سريعاً في مسيرة القبض على مفاصل المدينة والتحكم بممراتها العلنية والسرية. فقد قتل أحد أبرز قادة المجموعات وهو محمود رحمة المعروف بلقب «الريّس» قائد «لواء شهداء الحق» الذي كان له تأثير كبير ونفوذ يضاهي نفوذ زيتون، فترك مقتله شغوراً حرص الأخير على أن يكون الشاغل الوحيد له. كما أن الهجمات التي شنها الجيش السوري في ذلك التاريخ ساعدت أبا عدنان زيتون في شدّ عصب المسلحين وإقناعهم بضرورة وجود قيادة واحدة لمواجهة المعركة.
ولد زيتون، واسمه الكامل محمد عدنان زيتون في العام 1977 ما يفسر اختياره للرقم (77) كرمز له في النداءات على اللاسلكي. وتخرّج من كلية الهندسة الزراعية، ثم سجّل في كلية الشريعة استجابة لدوافع التشدد التي كانت تتبلور في شخصيته. والمفارقة في حياة زيتون أن أمه لبنانية الجنسية من قرى النبي شيت شيعية المذهب، لكن ذلك لم يمنع ابنها من الغرق في مستنقع الطائفية. وقد قبض عليه لأول مرة بعد العام 2006 وهو يروج لأقراص مدمجة تتضمن طعناً في الشيعة، وزجّ به في سجن صيدنايا حيث تعرف فيه على بعض قادة «أحرار الشام» وغيرهم من قادة بعض الجماعات الاسلامية.
وبعد اندلاع الأزمة السورية، بدأ زيتون نشاطه السري منذ الأسابيع الأولى، حيث كرس كل وقته وجهده لتشكيل الخلايا الأولى وتأمين السلاح لها. وساعده في ذلك عدد من شباب المدينة أبرزهم غياث كنعان الذي كان بمثابة ذراعه الأيمن، وقد قتل العام الماضي أثناء اشتباكات مع الجيش السوري. وفيما استمرت الخلايا الأولى بالعمل سراً، كانت الخلايا الأخرى تعلن عن نفسها تحت اسم «تنسيقيات» أو «لجان» وقد كان كنعان من أعضاء تنسيقية الزبداني قبل أن يتحول إلى العمل العسكري ويصبح من قادة المجموعات قبل مقتله. وقد يكون أول ظهور علني لأبي عدنان زيتون حدث اثناء تشييع كنعان الأمر الذي يشير إلى أهمية القتيل عنده.
بعد ذلك، عمل زيتون على الربط بين الخلايا من الناحية التنظيمية، حيث أسّس «سرية جعفر الطيار» ولكن لم يُعلن عنها وبقيت تمارس نشاطها سراً. وكان من أهم مهام هذه السرية هو الضغط على الموالين للنظام السوري وتهديدهم للرجوع عن موقفهم، وإلا التعرض للعقوبة التي كانت تتراوح بين الخطف والتهجير والقتل. هذه الممارسات رشحت مدينة الزبداني لتكون من أوائل المدن التي يتجه إليها الجيش السوري لضبط الأمن فيها، وكانت الحملة الأولى في تموز من العام 2011 أي قبل تأسيس ما يسمى «الجيش الحر». لكن الجيش لم يدخل المدينة، لتبدأ من ذلك التاريخ قصة «مفاوضات الزبداني» التي ما زالت مستمرة.
قويت في هذه الأثناء شوكة المجموعات المسلحة، وتخلت عن السرية والكتمان وباتت قادرة على الإعلان عن نفسها. وهو ما فعله أبو عدنان زيتون عندما أعلن في مطلع العام 2012 عن تشكيل ما أسماه «كتيبة حمزة بن عبد المطلب». وسرعان ما ستجد هذه الكتيبة نفسها وجهاً لوجه أمام حملة جديدة للجيش السوري بعد أن خرجت الأمور في الزبداني عن الإطار الذي حدده التفاوض السابق. وقد أصدرت الكتيبة بياناً هددت فيه ما لم تتوقف حملة الجيش بتنفيذ الأمور التالية: (تدمير الآبار الارتوازية المتوجهة إلى دمشق. وتدمير خط التوتر العالي الدولي المار من المنطقة على الحدود اللبنانية. وتدمير أبراج الخليوي التابعة لشركة سيرياتل. وأخيراً قطع اوتستراد بيروت الدولي). وبعد اشتباكات استمرت لمدة خمسة ايام تم التوقيع على أول اتفاق «هدنة»، كان الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة السورية.
لكن الهدنة لم تصمد طويلاً، فعادت الاشتباكات في أول شهر شباط من العام 2012 واستمرت حوالي عشرة ايام، اضطر بعدها المسلحون إلى الإعلان عن الانسحاب من مدينة الزبداني نتيجة توقيع اتفاق جديد مع الجيش السوري الذي دخل المدينة ودخلت معه قوافل المساعدات إلى الأهالي المحاصرين بسبب الاشتباكات. إلا أن المدينة عادت وخرجت من سيطرة الجيش السوري في منتصف ذلك العام.
في هذه الأثناء كان أبو عدنان زيتون يشارك في تأسيس أول تحالف من نوعه منذ بدء الاقتتال في سورية وانتشار الفصائل المسلحة. حيث تم الإعلان عن تشكيل «تجمع أنصار الاسلام» بمشاركة «لواء الاسلام» بقيادة زهران علوش و «كتائب الصحابة» و «الحبيب المصطفى». وفي ميثاق هذا التحالف حُدّد الهدف بصراحة وهو «إقامة الخلافة الاسلامية» بعد إسقاط النظام والتدرج عبر إقامة الدولة الاسلامية. لتكون المرة الأولى التي يجري فيها طرح هذا الهدف على الساحة السورية.
وقد وقع الاختيار على أبي عدنان لقيادة التجمع الجديد وهو ما اضطره إلى مغادرة الزبداني والاستقرار في الغوطة الشرقية، حيث قاد معركة مرج السلطان بنفسه، وناب عنه في الزبداني أبو مصعب حمدان. ولكن سرعان ما أدّت مجموعة من العوامل إلى انفراط عقد المتحالفين وانهيار التجمع، ليعود زيتون إلى الزبداني من جديد ويقود المعارك هناك بعد أن أُجهض حلمه بإقامة الخلافة.
وبينما اختار زهران علوش الانضمام إلى «جبهة تحرير سوريا الاسلامية»، اختار زيتون الانضمام إلى «الجبهة الاسلامية السورية» التي كانت تنص في ميثاقها بشكل غير مباشر على «إقامة الدولة الاسلامية» و «تمكين الدين من الفرد والمجتمع والدولة». ومن ثم أعلن اندماجه التام مع «حركة أحرار الشام الاسلامية» في نيسان من العام 2013. بعدما كانت «كتيبة حمزة» التي يقودها قد تحولت إلى «كتائب حمزة» نتيجة انضمام كل من «سرايا المهام الخاصة» و «صقور الاسلام» إليها. والمفارقة أنه بالتزامن مع اندماجه مع «أحرار الشام» كان أبو عدنان زيتون يعلن انضمامه إلى المجلس العسكري في الزبداني (يتبع الجيش الحر).
لكن شبه الإجماع الذي ساد في الزبداني حول اختيار أبي عدنان كأمير على المجموعات المسلحة لقيادة المعارك وأهمها معركة يبرود ومعركة المزابل ومعركة الجبل الشرقي، لم يمنع أن تواجهه بعض العقبات خصوصاً لجهة خلافه مع الفصائل التي كانت تريد منافسته على الزعامة. ومن بين هذه الفصائل يبرز اسم «لواء شهداء الحق» الذي أعلن في آذار من العام 2014 اندماجه مع مجموعة كتائب أخرى مثل «كتيبة محمد بن مسلمة» و «شهداء الزبداني» لتشكيل ما سمّي «لواء الفرسان» بقيادة قائد «كتيبة محمد بن مسلمة» أبو علي العامري ومن ثم الانضمام إلى «حركة احرار الشام».
ورأى البعض في هذا التشكيل أنه مسرحية الغاية منها منافسة زيتون ومحاولة منعه من الاستفراد بالقرار في الزبداني. وقد تجلّى ذلك مؤخراً عندما أعلن «شهداء الحق»، بالتزامن مع توقيع الهدنة الأخيرة أي قبل يومين فقط، انشقاقه عن «أحرار الشام» والانضمام إلى «ألوية سيف الشام» التابعة إلى «الجبهة الجنوبية» والتي تنشط في الغوطة الغربية. حيث فُسرت هذه الخطوة بأنها محاولة جديدة للتشويش على المفاوضات ومحاولة إفشالها، بعدما فشلت الهدنة السابقة بسبب قطع المياه عن مدينة دمشق.
وفي مطلع العام 2014 تم تسريب مقطع صوتي يتحدث فيه أبو عدنان زيتون عن هجوم الجيش السوري و «حزب الله» على بعض القرى والتلال المحيطة بالزبداني، وهو إذ وصف هذا الهجوم بأنه حرب نفسية ليس أكثر، أكد على نحو قاطع بأن «النصر قريب لأننا مسلمون». غير أن أشهراً قليلة بعد ذلك ستكون كافية لإثبات أن زيتون لم يكن على حق هذه المرة، وأن خبرته التي راكمها في التفاوض وعقد الهدن ثم التنصل منها بما يحقق مصلحته، لم تسعفه هذه المرة. فقد وجد نفسه بعد شهرين من القتال محاصراً في بضع مئات من الأمتار مع المسلحين التابعين له وبعض عوائلهم، بينما عناصر الجيش السوري ومقاتلو «حزب الله» يطوقون معاقله من كل اتجاه، والخياران الوحيدان المتاحان له هو إما الاستسلام وإما البحث عبر المفاوضات عن طريق يقوده إلى مكان آخر لن يكون له فيه ترف الطموح للخلافة.

عبد الله سليمان علي 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...