«تركيب سمة»عرض راقص من بطولة التونسي ظافر يوسف

27-09-2010

«تركيب سمة»عرض راقص من بطولة التونسي ظافر يوسف

لا يمكن اليوم مطالبة فرق الرقص المعاصر بإنجاز مؤلف موسيقي خاص لعروضها الحركية، فكتابة وتسجيل موسيقا للعرض الراقص تبدو من الأعباء الباهظة على كاهل هذه الفرق التي يغيب عنها دعم المؤسسات الرسمية، فيما تتلقى فرق الرقص السياحي الإمكانيات كافة التي تجعل منها متنوعة بعناصرها التزيينية لا أكثر، ومن المعروف أن فرق المسرح الراقص في سورية مازالت تبحث عن شخصيتها الثقافية وسط ترقب وريبة ممن يناصبونها عداءً خفياً، لاسيما الفرق السياحية التي تتدأب إلى احتكار الفلكلور والاستفادة منه في معارض الصناعات الثقيلة و عروض افتتاح العواصم الثقافية..!

لكن إذا كان من الصعوبةِ بمكان توفير أقل شروط العرض لفرق الرقص المعاصر التي تعول هي الأخرى على دعم المراكز الثقافية الأجنبية ومهرجانات الرقص العالمي، فإنه من غير الممكن القبول بعروض راقصة كيفما اتفق، فعرض «تركيب» لفرقة سمة للمسرح الراقص التي اعتدنا على رؤية راقصيها في حفلات افتتاح مهرجان دمشق السينمائي تملك هامشاً جيداً من الفرص التي لا يتوافر أقلها لفرقٍ أخرى، و«سمة» التي أسسها الفنان الشاب «علاء كريميد» منذ عام 2003 تستطيع وفق الفرص التي تقدم لها لافتتاح العديد من المناسبات الثقافية والفنية أن تجد لها مؤلِفاً موسيقياً يعمل في خط متواز مع الكريغراف الشاب «علاء كريميد» على وضع سيناريو موسيقي خاص بعروض الفرقة الشابة. 
 ‏ المؤلف الموسيقي الخاص ‏

من هنا لا يمكن إبداع صيغة مختلفة عن عروض افتتاحيات مهرجان دمشق السينمائي، إلا إذا وجدت «سمة» مؤلَفها الموسيقي الخاص، وابتعدت كل البعد عن الرقص على موسيقا «من كل بستان زهرة» ولئن اعتمد مصمم رقصات الفرقة على موسيقا المغني «ظافر يوسف» في عرضه «تركيب-قدم على مسرح الحمراء بدمشق19-23أيلول» والمأخوذة معظمها من ألبوم «ملاك» الخاص بالمنشد التونسي، إلا أن ذلك لم يزد الأمور إلا ابتعاداً عن إنجاز عرض راقص بكل معنى الكلمة، فما الفائدة اليوم من «تركيب» موسيقا على رقصات لم تبلغ ضخامة الموسيقا وفضاءاتها، بل ألصقت على مشاهد رقص متتالية لا تجانس فيما بينها، سوى أنها استعارت من خارجها. ‏

إن استعارة الألبومات الموسيقية للرقص عليها في عرض «تركيب» لم يقدم أية أطروحة حقيقية من فرقة يعول عليها الكثير من متتبعي وهواة الرقص المعاصر في سورية، فضلاً عن حقوق المؤلف التي لا مكان لها في حسابات الفرق الجديدة، وهذا يعود ببساطة إلى أن العرض المسرحي الراقص كما يعلم الجميع ليس مادة مشهدية مفصولة العناصر، لأن الموسيقا في هذه النوعية من العروض تعمل على تأليف الحركة، والحركة هي موضوع الرقص، الحركة هي الدراما، إن الرقص هنا ليس وصيفاً درامياً بقدر ما هو جوهر الطرح الفني، وهذا الطرح لا يمكن إيجاده على الخشبة من دون نوطة صوتية تمفصل أجساد الراقصين وتكتبهم وفق ارتجالات حسية وشعورية تشارك فيها هذه المجاميع المتحركة تحت إشراف مصمم الرقصات، لذلك أيضاً سيبدو عرض «تركيب» عرضاً بلا موسيقا، أو بالأحرى عرض بلا موضوع، فالموسيقا ليست عنصراً تزيينياً، إنها جوهرية في عمل الكريوغراف، فهذا الأخير لا يمكنه أن يكتفي هكذا «بنمرات» متتابعة وفق ما تمليه عليه مختاراته الموسيقية الاعتباطية، وإن كانت محصلة لأغانٍ وأناشيد كالتي يؤديها «ظافر يوسف» في ألبوماته الموسيقية، وإنما يجب على الكريوغراف أن يجد صيغته الإيقاعية الفريدة، لأن موسيقا العرض الراقص قبل كل شيء هي النوتة المبدئية لمزاج الرقص المسرحي، أو الرقص المعاصر، وعليه يصبح من التكلف إقحام الحركة على موضوع موسيقي منفصل تمام الفصل عن الكروكي الأسود لهذه النوعية من العروض. ‏

مستويات التلقي ‏

تبدو الكتابة عن مشكلة تأليف الموسيقا للعرض الراقص معقدة، لأنها تخضع إلى عدة مستويات من التلقي، لكن المستوى الأبرز هنا يعود مباشرةً إلى نكهة الرقص الذي نريد أن نقدمه، وإلى الاقتصار في هذا المقال على المهتمين بهذا الموضوع الفني شديد الخصوصية، فالمسرح الراقص والمسرح الجسدي والرقص المعاصر تبدو اليوم أنواع ثقافية جديدة على مسرحنا السوري، لاسيما أنها تشكل بذوراً لحداثة مسرحية يمكن إذا ما توفر لها المزيد من دعم المؤسسة الرسمية وغير الرسمية أن تؤتي أُكلها على طبيعة وتكوين الأنواع المسرحية التقليدية ككل، ولهذا لا يمكن الاستهتار بالكتابة النقدية عن العروض الراقصة التي يزداد حضورها على خشبة المسرح السوري بازدياد الفرق الشابة التي تخوض غمار تجاربها الأولى مع فن الجسد ولغاته المتعددة، ولذلك لم يوفق «كريميد» في إضافة الكثير على تجربته في عرض «تركيب» فالنبض غائب، وإدخال الحوارات والمونولوجات الخاطفة للراقصين لم يساعد على رسم سياق حركي خاص، وهذا كما أسلفت عائد إلى فقدان التأليف الموسيقي للعرض، لقد بذلت «سمة» أقصى طاقتها لإضفاء الدرامية على رقصاتها، وهذا أيضاً غير مطلوب، وليس في مكانه، بل كان من أجل استجداء جمهور لم يختبر بعد أدواته في تلقي هذا النوع من المسرح، ومثال ذلك لوحة الحب والشاب الذي يريد إهداء وردة لفتاة يحبها، فترمي الفتاة الوردة بعد مكابدة حركية وصدامات مع حواجز كثيرة من قبل الشاب الساعي لخطب ود فتاته. ‏

هذا النوع من الطرح لا يمت للرقص بصلة، لاسيما أن «تركيب» حاول منذ البداية أن يعنون لوحاته بكلمات على نحو.. «إيقاع، حب، روح تصلي، عشق، صبر، ضوء، حقيقة، سمة» في اللحظة التي كان على «كريميد» ودراماتورجه «ثائر العكل» الابتعاد عن أية مصادرة لمعنى حركات الجسد الراقص على الخشبة، والاشتغال أكثر على ثنائية «راحة النفس وتعب الجسد» التي دلل عليها الراقصون أيضاً بالكلام الصريح غير مرة، وفي ذلك تسليم مفاتيح مبالغ في مباشرتها للجمهور، ومصادرة على إصغائه الخاص لدلالة الحركة الراقصة ولغويتها اللامنتاهية في إنتاج الإشارة. ‏

فقدان الهوية والمبالغة ‏

من هنا كان عرض «سمة» يعاني من عطبين أساسين أولهما فقدان هوية إيمائية خاصة نتيجة الرقص على أناشيد وموسيقا «يوسف» وثانيهما التصريح والمبالغة في شرح مفردات الرقصات، لنخلص في النهاية إلى أن راقصي الفرقة الواعدة كانوا عبارة عن مصاحبين لموسيقا المغني التونسي، بل إنهم على الأغلب كانوا يرقصون في مسرحية أخرى، متجاهلين صعوبة الخلاص إلى عرض جديد كل «مازورة» فيه تشكل مقطعاً بنيوياً في لفتات أجسادهم ودلالاتها المتعددة الأسطح، ولهذا لم يخفق كتّاب ومؤلفي موسيقا الباليهات العالمية، ولم ينقرضوا، والدليل على ذلك أن موسيقا «كسارة البندق» لتشايكوفسكي، و«القربان» لسترافنسكي، و«مخلوقات بوموثيوس» لبيتهوفن ظلت خالدة، وموجودة، لا لأن نوتة هذه الباليهات مدونة وحسب، بل لأن الموسيقا هي من تخلق الرقص، وليس العكس، ولهذا كله كان عرض «تركيب» من بطولة المغني التونسي «ظافر يوسف» بكل اقتدار.. ‏

سامر محمد اسماعيل

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...