أزمة جديدة في الدراما السورية عنوانها 'الحلقة الأخيرة'

25-09-2010

أزمة جديدة في الدراما السورية عنوانها 'الحلقة الأخيرة'

يرى بعض الدارسين أنه يمكن من وجهة البحث النظرية تقسيم العمل الأدبي أو الفني، وهو تقسيم غير مُلزِم لصاحب العمل بكل تأكيد، إلى ثلاثة مقاطع، المقدمة والعرض والخاتمة. على أن تحمل المقدمة تعريفاً بمحاور هذا العمل وشخوصه، وعلى أن تعرض الخاتمة لحل الأزمة الدرامية - إن وجدت- وكيف انتهى المطاف بأبطال'هذا العمل، وذلك ضمن نسقٍ زمني ودراميٍ متوازن. إلا أنّ الدراما السورية، كشفت لنا بوضوحٍ جلي في موسمها الرمضاني 2010 عن أزمتها الجديدة التي تبدأ من الخلل الزمني في هذا التقسيم - بعد اعتماده - وتمتد إلى جوهر معنى 'الحلقة الأخيرة'، مع استثناءات قليلة.
حيث نجحت بعض الأعمال الدرامية في كسب متابعة الجمهور، إمّا لجرأة القضية التي تطرحها للنقاش كما في مسلسلي 'ما ملكت أيمانكم' و'وراء الشمس'، أو لمتابعة تتمّة الجزء السابق الذي عُرِضَ في رمضان الماضي وكان ناجحاً كما في مسلسلات البيئة الشامية مثل 'أهل الراية' أو الكوميديا مثل 'ضيعة ضايعة'، أو لأسباب أخرى كما مع مسلسل 'أبو جانتي'. إلا أننا سنتوقف عند هذه المسلسلات التي فاجأت متابعيها في حلقتها الأخيرة، بشكلٍ أثار استياء الغالبية. وفي غمرة الاستياء هذا نبدأ بمسلسل 'ضيعة ضايعة' الذي شكّل استثناءً من القائمة السوداء- إن صحّ التعبير- على الرغم من أنّ صوت غضب متابعيه وصل حد التصريح عن مشاعرهم ضد مخرج العمل 'الليث حجو' على صفحات الموقع الإلكتروني الشهير 'الفيس بوك'، وهنا يعود الاستياء إلى النهاية المؤلمة التي قضت على قرية 'أم الطنافس الفوقا' وأبطالها جميعاً، إثر تعرّضهم للنفايات النووية. علماً أنّ مخرج العمل كان قد اقتطع الكثير من المشاهد التي صورها للنهاية في عمليات المونتاج للتخفيف من ألم وفاة أبطال العمل المحبوبين، وخاصة البطلين 'اسعد خرشوف- نضال سيجري' و'جودة أبو خميس- باسم ياخور'. إلا أنّ العمل الذي اشتغل على تفاصيل القرية وشخوصها حتى الامتلاء عبر جزءين وصل إلى حده الأقصى، وفي تفادٍ صحيح لسقوط العمل في مطب التكرار الذي يجتر اهتمام المشاهدين بهدف الكسب المادي كان لا بُد من هذه النهاية، التي يحتمل شرط العمل الفني أن تُختصر إلى حلقة واحدة انطلاقاً من كونه دراما تقوم على الحلقات المنفصلة- المتصلة.
في حين فاجأنا مسلسل كُتبت أحداثه بعد بحث طويل علمي واجتماعي مثل 'وراء الشمس' عن واقع ذوي الاحتياجات الخاصة من المصابين بطيف التوحد إلى متلازمة داون، وتمّ إخراجه بشفافية وحرفية راعت طبيعة العمل التي تبحث في المُتغيرات النفسية لشخوصه أكثر من التقلبات الدرامية السريعة، فاجأنا بنهاية ظهرت وكأنها مشاهد رُكِبَت في عملية مونتاج سريعة من أكثر من حلقة لتوضع في بوتقة واحدة تحت عنوان 'الحلقة الأخيرة'. ونخص بالتحديد حالة الأب 'عُبادة- باسل خياط' الذي تابعنا طوال 29 حلقة تطوّر حالته النفسية من الفرح بخبر الحمل إلى صدمة أنّ طفله القادم سيكون مريضاً بمتلازمة داون، وإصراره منذ البداية على إسقاط هذا الجنين بغض النظر عن رأي زوجته أو حالتها النفسية والصحيّة، حتى لو أدى الأمر إلى ارتكاب جريمة قتل زوجته«'فجأة تأتي الحلقة الأخيرة وعبر دقائقها المعدودة فنراه وهو يفقد عقله كلياً، ويدخل مصحة للعلاج، يتعافى ويعود إلى حياته وفي مشهد واحد يرى ابنه ويتقبله!! إنّ هذا التقبل للطفل كان يكفي وحده لو امتد إلى مساحة أطول لا تتوازى بالضرورة مع مساحة الحلقات الماضية، لكنها لا تُجتزأ إلى دقائق، خاصة وأنّ تقبل الأب لطفله من الأهميّة الدرامية بمستوى تقبله لخبر مرضه ورفضه لهذا الطفل.
هذا الخلل في التقسيم الزمني أكثر ما يبدو واضحاً في الحلقة الأخيرة من مسلسل 'أهل الراية' في جزئه الثاني، حيث حظيّ زفاف أحد شخصيات العمل بأكثر من ثلثي مساحة الحلقة، ليأتي الثلث الأخير مُثقلاً بجنون المرأة الشريرة 'دلال- كاريس بشار' وتعرضها لطلق ناري تموت على أثره ثمّ قيامها من الموت، هذا القيام الذي لم يكن بالإمكان فهمه سوى كفقعة فنية تُبشّر بالجزء القادم من العمل. هذا طبعاً إلى جانب مجموعة أخرى من الأحداث رُكِبَت جميعها في الدقائق الأخيرة من الحلقة الأخيرة. وفي ذات السياق القائم على عدم التوازن كان مسلسل 'أبو جانتي' الذي أحبّ أن يتوسّل مشاعر متابعيه إلى النفس الأخير، فسُحِبَت التكسي من بطلها 'أبو جانتي- سامر المصري' في انقلاب درامي مُفاجئ كاد أن يُبكي المشاهدين، ومن ملك نفسه لحظتها سالت دموعه إثر دموع ملك التاكسي البهيج بصخب زائد يُقارب الضجيج طوال الحلقات الـ29 الماضية.
أمّا أسوأ حلقة أخيرة، سياقاً على 'أوسكار' أفضل الأفلام، فكانت الجائزة من نصيب مسلسل 'ما ملكت أيمانكم' ومخرج العمل 'نجدت أنزور' الذي فاجأنا طوال حلقات العمل الثلاثين بأخطاء فنية لا تليق باسمه حقيقة، وخاصة المشاهد الطويلة جداً- بعضها امتد لقرابة الخمس دقائق مع قطعات مونتاج- والمتكررة لحوار الأطراف الدينية مع بعضها وبحثها في قضايا الجهاد الإسلامي والفرق بينه وبين الإرهاب على شكل ان اثنين يتبادلان الحوار على صفحات الانترنيت والكومبيوتر المحمول، وهذا الشكل في تقديم الطرح الفكري هو أضعف الأشكال الفنية على الإطلاق، حتى أنّ التقرير الإخباري يتفوق عليه درامياً، ونتساءل هنا عن لجوء مخرج مثل 'نجدت أنزور' إلى هذا الحل الإخراجي الواهن، فكيف وأنّ النهاية قامت في جزء منها على أنه كُتبَ للمشاهدين ما حدث للأبطال، حيث كُتبَ أنه ستتم إعادة فتح ملف إحدى القضايا التي كانت محوراً من محاور العمل الدرامي وهي قضية فصل أستاذ مدرسة إثر شكوى أحد طلبته بأنه تعرّض للاعتداء من قبل هذا الأستاذ، لنتابع طوال أكثر من عشر حلقات اللا تغيّر في حالة الأستاذ اليائس والمُحبط والمُنهار عاطفياً وفكرياً واجتماعياً بعد ردّه الضعيف والانفعالي غير العقلاني على التهمة الموجّهة إليه، ثم سنأمل نحن المشاهدين أن يكون في إعادة فتح القضية نهاية سعيدة لحياة هذا الأستاذ المهنية.
نورد أمثلتنا هذه كنماذج عن نجاح أو إخفاق الحلقة الأخيرة في عمل كسبَ حب المتابعين وحقق جماهيرية عالية وحضوراً نقدياً قد يكون إيجابياً وقد يكون سلبياً لكنه عمل فني أثار الجدل في النهاية، بأمل أن ينجح القائمون على هذه الأعمال وسواها ممّن عانت إشكالات فنية مماثلة في تجاوز هذه الإشكالات ومراعاة شروط الجزء الأخير من عملهم الفني بما يضمن للعمل الفني مزيداً من النجاح ولأصحابه مزيداً من التألق، وينفذ بالدراما السورية من مطبٍ جديد وهي التي تحاول تجاوز أزماتها الأخرى والبقاء على مستوى المنافسة والتفوّق مع الدراما العربية الأخرى.

يارا بدر

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...