وسط علامات استفهام تركيا تنهي هجومها بشكل مفاجئ

01-03-2008

وسط علامات استفهام تركيا تنهي هجومها بشكل مفاجئ

فاجأت رئاسة أركان الجيش التركي العالم أمس بقرار إنهاء العملية العسكرية البرية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وسط علامات استفهام كبيرة قد لا تتضح قبل مرور بعض الوقت.
وجاء قرار الانسحاب من العراق مفاجئا جدا لسببين: الأول أن تصريحات كل المسؤولين الأتراك، بمن فيهم رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ورئيس الأركان ياشار بويوك انيت ووزير الدفاع وجدي غونول كانت تفيد وتؤكد، قبل ساعات من بيان هيئة الأركان، استمرار العملية، وربما لأشهر. والثاني أن أردوغان نفسه كان قد وزّع صباحا نص الكلمة التي كان سيوجهها إلى الأمة مساء، كانت تتضمن عبارة تفيد «الاستمرار في العملية العسكرية بكل عزم»، وما هي إلا ساعات حتى كان أردوغان يسحب النص الذي وزّع.
وجاء هذا التطور ليطرح علامات استفهام حول ما إذا كان قرار الانسحاب قد اتخذ على عجل قبل ظهر الجمعة، أم أن أردوغان لم يكن أصلا على علم به!
ودعا أردوغان، في كلمة إلى الشعب، المتمردين الأكراد إلى إلقاء السلاح، معتبراً أن «ديموقراطيتنا ناضجة بما يكفي للأخذ في الاعتبار كل الخلافات، ومختلف الأفكار السياسية ما دامت ضمن القانون».
في جميع الأحوال، يبدو أن المعلومات التي نشرتها صحيفة «حرييت» الخميس الماضي كانت عاملا في القرار التركي، وهو أن وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس قد وجّه إنذارا إلى أنقرة بضرورة إنهاء العملية بسرعة، تحت التهديد بقطع التعاون الاستخباراتي معها، وانه فكّر جديا بإلغاء زيارته إلى تركيا لكنه قرر المجيء ليبلغ بنفسه «الإنذار» إلى الأتراك. وقد كرر الرئيس جورج بوش دعوته إلى انسحاب تركي سريع، بعد انتهاء غيتس من لقاءاته مع المسؤولين الأتراك.
وقد حاول بيان رئاسة الأركان التركية إبعاد ظلال الشك عن دور أميركي ضاغط لسحب القوات. وأوضح أن «إطلاق العملية وإنهاءها تم تقريرهما من قبلنا، ومن غير الوارد أن يؤثر أي عامل داخلي أو خارجي على قرار القوات المسلحة». وفي ذلك رسالة إلى الاميركيين أن تركيا لا تتصرف وفق إملاءاتهم.

والرسالة الثانية من بيان رئاسة الأركان هي للرأي العام التركي، من أن المعركة ضد حزب العمال الكردستاني ستتواصل بكل عزم، والثالثة موجهة إلى حزب العمال وبغداد، وهي أن أنقرة لن تسمح باستخدام الحدود العراقية لتهديد أمنها.
ونقلت وكالة «دوغان» التركية عن بويوك انيت أن الإعلان عن إنهاء العملية بعد يوم من زيارة غيتس «محض صدفة»، مضيفا «اتخذ القرار بسبب أن العملية وصلت إلى أهدافها. عندما وصل وزير الدفاع الاميركي إلى تركيا، كان اتخذ قرار الانسحاب».
واعتبر البيان أن هذا التدخل الواسع، الذي نفذه آلاف من عناصر الوحدات الخاصة، «لن يشل قدرة المنظمة الإرهابية على التخريب»، برغم اعتباره أن «المنطقة لم تعد معقلا للإرهابيين».
وتتعاظم التساؤلات حول أسباب الانسحاب الحقيقية، فهل هي رغبة تركية بالتجاوب مع التهديدات الاميركية أملا باستمرار التعاون الاستخباراتي مع واشنطن حول مسلحي حزب العمال؟ أم أن أنقرة رفضت ابتزاز واشنطن بشأن أفغانستان أو الاعتراف بالسلطة الكردية في شمال العراق، أم أنها رفضت أي تعاون ضد إيران، أم رفضت توسيع استخدام أراضيها من قبل القوات الأميركية الموجودة في شمال العراق؟
وسارع البيت الأبيض إلى الترحيب بإنهاء العملية العسكرية. ووصف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الاميركي غوردون جوندرو التوغل بأنه «محدد الأهداف وقصير نسبيا»، مضيفا «هناك شيء واحد لا يزال واضحا، وهو أن الولايات المتحدة وتركيا والعراق ستواصل اعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية يجب التعامل معها»، في تحذير مبطن من احتمال شن ضربات في المستقبل ضد حزب العمال.
ويمكن القول إن العملية العسكرية البرية في شمال العراق حققت عدة أهداف:
1ـ كسرت الستاتيكو الذي بقي قائما منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وأمكن لتركيا وإن بضوء أخضر أميركي كسر عقدة تجاوز الحدود بريا.
2ـ كانت تركيا على مختلف مستوياتها: الرأي العام والجيش والحكومة، بحاجة إلى نصر معنوي ردا على هجمات حزب العمال في الخريف الماضي، التي أوقعت العديد من القتلى العسكريين والمدنيين ووصلت إلى حد أسر ثمانية جنود أتراك. إن تركيز بيانات الجيش على أعداد قتلى حزب العمال يعكس الرغبة في الظهور بمظهر المنتقم من قتلاه، وان الدم التركي ليس رخيصا.
3ـ كذلك أكسبت العملية الجيش التركي خبرة مهمة على صعيد خوض القتال في ظروف مناخية صعبة جدا، وسط الثلوج وفي درجة حرارة تحت الصفر.
4ـ وجّهت العملية ضربة لقدرات حزب العمال ولاستعداداته المعتادة عشية بدء فصل الربيع للقيام بهجمات في الداخل التركي. كما إشعار للحزب أن منطقة شمال العراق لن تكون آمنة له في جميع الظروف.
مع ذلك لا يمكن القول إن الأتراك سيكتفون بهذه الأهداف، ولا بد أن طريقة الانسحاب المفاجئة ستترك أثرا سلبيا على صورة تركيا المستقلة، التي تتحرك انطلاقا من مصالحها الوطنية ولا تملى عليها من الخارج.
وفي الواقع أن السياسة المتمردة التي اتبعتها أنقرة ضد واشنطن بعد احتلال العراق، والتي أكسبتها شعبية في الداخل التركي وفي الخارج تعرضت إلى هزة قوية، وبدت أنقرة كما لو أنها ترضخ للضغوط الاميركية وتتحرك بـ«الريموت كونترول» الأميركي، أي إن العملية ما كانت لتبدأ لولا الضوء الأخضر الأميركي وما انتهت إلا بناء لضوء أحمر أميركي. على الأقل هذه هي الصورة التي انطبعت في ذهن الرأي العام التركي والعالمي. وستظهر الأيام والأسابيع المقبلة ما إذا كان شهر العسل التركي ـ الاميركي الذي بدأ بعد قمة اردوغان ـ بوش قد انتهى أم لا؟

محمد نور الدين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...