هيفاء بيطار تحاكم الرجولة العربية

25-11-2006

هيفاء بيطار تحاكم الرجولة العربية

يهيمن على مجموعة القصص القصيرة لهيفاء بيطار، التي صدرت مؤخرا عن دار الساقي تحت عنوان كومبارس، هاجس الدفاع عن قضايا المرأة العربية المحقة والعادلة، ولكنه هاجس مصاب إما بالتورم النسوي الغاضب أو بالفجاجة الجنسية الاحتقارية والساخطة. فمن ليلة الدخلة.. والمصباح الكهربائي، مطلع المجموعة، تصور لنا بيطار، بأسلوبها الرشيق والممتع، الذي يدخل منه القارئ الى قلب الحدث الروائي مباشرة، وقائع ليلة الدخلة، بين إيمان العروس وعريسها اللقطة: فوجئت إيمان ان العريس فتح حقيبته السامسونيت وأخرج منها مصباحا كهربائيا يعمل بالبطارية: أرجوك، اسمحي لي أن أفحص بكارتك، أريد أن أتأكد أنك لم تقومي بعملية ترقيع البكارة، المنتشرة بكثرة هذه الأيام! وعندما ترفض إيمان الإذعان لمشيئة العريس، يأتي جوابه الصافع: أنتِ طالق، يا حقيرة، لن أسمح لجنس حقير أن يخدعني!.
- صورة الرجل في هذه القصة، صورة الجلاد الذي لا يرف له جفن، والطاغية الأحمق الذي يبحث عن صدق غشاء البكارة ولا يلتفت لغضب العروس وفجيعتها بشكه بكرامتها وعذريتها، إنه الرجل المشرقي المغلق عقله على مفاهيم بالية والمتسلط على حرية المرأة وكرامتها والذي تتكرر صورته هذه في قصص لاحقة: قصة القاتلة التي تنتفض لطفولتها المنتهكة بأبوبة مجرمة باطشة، فتقتل أباها، أو قصة صابرين ضحية الاغتصاب والتنكيل الرجولي التي تستمتع بسماع مأساتها وسائل الإعلام الذكوري بسادية مثيرة للتقزز والاحتجاج. هكذا يبدو الرجل المشرقي العربي في المجموعة، إضافة الى قسوته وبلاهته، إما غبياً حيناً، أو لئيماً حيناً آخر، أو كذاباً وغشاشاً حيناً، أو فاقداً الإحساس بكرامة الآخر النسوي، أو أنانياً أو بخيلاً أو شهوانياً وعدوانياً، أو متغطرساً متكبراً من جهة ومتملقاً ذليلاً من جهة اخرى.. وكأن كل عيوب الشرق ومثالبه تلقيها بيطار على عاتق النفسية الرجولية النرجسية بل العصابية المريضة للرجل العربي. وفي هذا التناول أو التوصيف جنوح في المعالجة الروائية يضع قصص بيطار في خانة الأدب النسوي الاتهامي للرجل العربي، بما يتجاوز أدب نوال السعداوي وإلهام منصور الى حدود تضج بالسخط النسوي من عالم الرجال الحمقى والعصابيين بل الى حدود الكفر بالرجل وجوداً وجنساً وكياناً ذكورياً مداناً.
إن تصوير العلاقة بين الرجال والنساء في شرقنا بمثل هذا النزوع الاتهامي وبمثل هذه العصابية المرضية يلقي أضواء كاشفة على وقائعنا ولكنه لا يحيط بأعماق العلاقات بين الرجال والنساء التي ترتكز على الغبن والجهل والإجحاف اللاحق بواقع الرجل المشرقي والمرأة المشرقية على حد سواء. انه واقع التخلف والأحكام المسبقة والظلم والقهر الاجتماعي والسياسي والفساد والرياء والنفاق المهيمن على المواطن العربي، رجلا كان ام امرأة، ولا يصح الانحراف عن تصوير أعماق هذا الواقع، برؤية نسوية اتهامية للذكورية العربية وتضخيمها بعبارات شاتمة أو ساخطة. وتبدو قصة القَسَم في المجموعة، وحدها، خروجاً عن هذا الإطار الاتهامي، ووضعاً للأصابع على مكامن الجراح. فهي القصة الوحيدة في هذه المجموعة، التي تدين الواقع السياسي القاهر الذي يتخبط به الرجل المشرقي، وهي تذكرنا بمناخات زكريا تامر السياسية الاتهامية الفانتازية للسلطة الحاكمة ولجلاوزتها.
- في قصة فخ الحب، كنموذج، تعالج بيطار قصة حب وهمي نشأ من خلال التعارف على الانترنت، وسيط الغرام الحضاري، وتحقق اللقاء في باريس بين امرأة مستوحدة ظمآنة الى قصة حب دافئة ورومانسية، تعيش قرب اللاذقية كمدرسة، وهي مطلقة بعد أن عاشت خمسة عشر عاما في سجن الزوجية، وكان سبب طلاقها هو عقمها. أما الطرف الآخر الذي اصطاد هذه المرأة من خلال الأنترنت، بجملة تقول أفكر بالموت كثيرا، فهو رجل عراقي مقيم في لندن، هجّ من بطش صدام، وتزوج بإنكليزية وطلقها بعد عشر سنوات، وله طفلة منها تعيش مع والدتها، وهو مولع بابنته حتى الجنون، ويتألم لأن أمها تربيها على احتقار العرب. وهكذا، يتواعد الطرفان على اللقاء في مقهى رصيف في باريس. ويتم اللقاء. ولكن، بعدما يتدفق الحديث بينهما ناعما سلسا، ينقضّ العراقي فجأة على فمها بقبلة مفاجئة هارسا شفتيها. بوغتت المرأة وشعرت بالأذى يلحقه بها، لكنها خجلت أن تبعده عنها، ألم تقذف بنفسها من قريتها الى باريس لتلقاه؟ آذتها شهوته التي فارت في الوقت الذي تحتاج فيه الى حنانه وإصغائه.. وتتوالى الحقائق الجارحة عن هذا الشريك: انه بخيل جدا وشهواني جدا. إنها لا تريد أن تضاجعه برغم حرمانها العاطفي المديد. لا تريد رجلا يخرق جسدها، من دون أن يلج روحها أولا.. كيف ستضاجع رجلا لا يقف إلى جانبها في ورطتها وقد أضاعت مالها، ويتجاهل جوعها وتعبها من المشي المستمر في شوارع باريس وأزقتها بحثا عن غرفة رخيصة يختليان فيها. كانت تتظاهر أنها تنصت إليه وهو يشتم كل شيء، صدام حسين، الشعب العراقي الخنوع، العراقيين الذين يعيشون في الخارج، والحكومات العربية، يشتم أميركا والغرب. كل كلامه قائم على الشتائم والرفض والغضب، ولا يطرح بديلا. طلبت إليه أن يوصلها الى حيث تعمل صديقتها كي تقترض منها مالا، لم يمانع، تأملته ببرودة: كم هو خسيس؟ وفي عربة المترو المزدحمة التصق بها. سمعت فحيح شهوته يلفح عنقها من الخلف، فانتابها غثيان.. كان يضغط عضوه المثار على عجيزتها وهي جامدة كتمثال. همس في أذنها: يا إلهي متى أضاجعك؟ أكاد أجن. أجلت جوابها حتى توقف المترو، وانفلتت من أسر شهوته الزنخة. نظرت إليه وهي تمسح وجهها المحتقن بغضب مكبوت. قالت: أتعرف، لا يستحق الأمر أن تدفع ستين يورو ومع امرأة لا تحيض كان قد سألها اذا كانت تحيض . إنه فخ الحب الذي أوقعها في سراب التوهم ان ثمة قصة حب بينهما. هكذا تعالج بيطار سراب الحب بسخرية حادة تنهيها بضحكة هاربة ترفض المهانة؟
- هذه السخرية السوداوية من الحب تنسحب ايضا على قصتها بلا عنوان وقصة مقام الحب. والواقع أن معظم قصص هذه المجموعة تفيض بالسخرية الجارحة التي تعبر عن خيبة المرأة العربية من عالم الرجال وبإحساسها بالمهانة والاحتقار والخيانة التي يلحقها الرجل العربي بها. فالمرأة في هذه المجموعة هي الضحية دائما والرجل دائما هو المعتدي والكاذب والطاغية والمغتصب والبخيل، حتى لكأن كل العيوب والمثالب الاجتماعية الأخلاقية التي تعالجها بيطار في مجموعتها تردها الى نفسية الرجل العربي المريضة. وحتى فكرة التعاطف والتضامن التي تريد بيطار من القارئ أن يشعر بها نحو بطل قصة كومبارس، لا تخلو من السخرية والشماتة.
ليس من المبالغة القول ان ثمة نزعة عدوانية ضد الرجال تهيمن على مسار هذه المجموعة، وهي نزعة وإن أثلجت قلب القارئة العربية التي أحبطها عالم الرجال، إلا أنها نزعة تصيب القارئ العربي بالاحباط وتجعله يشعر بأنه متهم ومدان برجولته التي لا ترى فيها بيطار إلا مادة عفنة تستوجب كل هذه السخرية والإدانة وكل هذا الاتهام والإزدراء.

صفوان حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...