هل تضيّع «الهيئة العامة للكتاب» ما أنجزته وزارة الثقافة؟

11-07-2007

هل تضيّع «الهيئة العامة للكتاب» ما أنجزته وزارة الثقافة؟

شكّل مرسوم إحداث «الهيئة العامة للكتاب» في سوريا العام الماضي صدمة إيجابية في الأوساط الثقافية والأدبية. لم نصدّق، في ظل أزمة الكتاب والقراءة والمعدلات العالية والاستثنائية للأمية والجهل، أن تغامر مؤسسة ببضاعة كاسدة لا تبيع. لكن ما يدفعنا إلى التصديق هو إيماننا بأنه ما زال للدولة دور في دعم الثقافة، وفي إنتاج السلعة الثقافية. لقد صدّقنا إذاً أن للدولة خططها نحو نهوض ثقافي شامل، إذ يتعدى (كما رحنا نحلم) مشروع هيئة عامة للكتاب مجرد إصدار مئة كتاب في عام، والتنقل بها هنا وهناك في معارض الكتب. قلنا أن لا بدّ للدولة من خطط ترافق إنتـاج الكتاب وتوزيعه، خطط طموحة وحملات إعلانية وإعلامية تحمل مثلاً اسم جنون القراءة، أو جنون المطالعة، جنون الكتاب، أو الكتاب للجميع، إذ ليس ثمة سوى جنون من هذا النوع يمكنه أن ينقذ حال القراءة، وليس ثمة غير هذا الجنون بإمكانه أن يفسّر هيئة عامة للكتاب.
كانت البذرة التي خرجت منها الهيئة صالحة إلى حد بعيد، ونعني بها «مديرية التأليف والترجمة» في وزارة الثقافة، وقد قامت على أكتاف مثقفين استثنائيين كشيخ المثقفين السوريين الراحل أنطون مقدسي، وبدعم من وزيرة الثقافة السابقة نجاح العطار التي تتسلم اليوم منصب نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية. ويتذكر البعض ما قاله الباحث ريشار جاكمون عند زيارته إلى دمشق، وهو أحد أهم الباحثين في شؤون الترجمة والتبادل الثقافي، حين أشار إلى وزارة الثقافة السورية كواحدة من أهم دور النشر في العالم من حيث نوعية إصداراتها. والرجل، حسب مقـــربين منه، يبني آراءه على إحصاءات ودراسات بالغــــة الدقة. كما أن في «مديرية التأليف والترجمة» طاقما من خيرة المثقفين السوريين، مؤلفين ومترجمين، مثل نزيه أبو عفش، محــــمد كامل الخطيب، صــــالح علماني، خلــيل الرز، ثائر ديب، نوفل نيوف، روز مخلوف وسواهم.
لكن كل ذلك قد انقضى الآن، ولم يبق سوى الذِكر الطيب لـ«المديرية» التي وقعت اليوم في براثن «الهيئة..» وقد تُركت هذه تحت الاختبار عاماً كاملاً، أَجهَضت خلالها كل أحلامنا بحركة إنتاج مضاعفة، وما حدث أن كتاباً واحداً لم يصدر عن الهيئة إلى الآن، وأن لجنة قراءة الكتب لم تقرأ مخطوطاً جديداً واحداً خلال الأشهر الستة الأخيرة. وحسب مقربين ومجرِّبين فإن مصيبة «الهيئة..» أولاً في مديرها عبد النبي اصطيف، الأستاذ الجامعي والناقد الأدبي، الذي إن بحثت عن مؤلفاته لن تجد شيئاً يذكر، سوى كتب وعناوين قيل إنها، جملةً، قيد النشر. وقد كتبت صحيفة محلية رسمية تشكو منه تقول: «أغلق مكاتبه في وزارة الثقافة وكتب على الباب «تقبل المراجعة يومي كذا وكذا، في الساعة الفلانية»، والباقي حسب الذين يعرفون ببواطن الأمور يقضى في تصحيح أوراق الامتحانات الجامعية». وصار من نافل القول أن ليس للرجل ما يقدمه للثقافة والكتاب، بل صار سلوكه مع المثقفين والكتّاب محل تندّر، خصوصاً مع تكرار إخفائه لمعاملات وأوراق الكتّاب في طريقهم إلى إصدار كتبهم، فلم يرسل له أحد معاملة إلا وضيّعها، وصار يعتقد الكثيرون، من كثرة تكرار حوادث الاختفاء، أنها أمر مقصود، من دون أن يعرف أحد سراً لذلك. والأمر برمته مكرر عن حوادث الأطروحات الجامعية التي كانت تقدم إليه فيبقيها لديه أشهراً طوالاً يفقد الطالب معها تأجيله الدراسي عن الخدمة الإلزامية، وما إلى ذلك. ومن طرائفه الأخيرة أن عبد النبي اصطيف، وفي محاولة على ما يبدو لإغاظة قراراتِ سلفه، راح يطالب الكاتب قمر الزمان علوش بأن يردّ المكافأة التي أخذها ثمناً لروايته التي يفترض أن تأخذ طريقها للنشر في مطابع الوزارة، بعد أن حصلت على كل الموافقات اللازمة. أراد اصطيف أن يوقف نشر الرواية بحجة أن سلفه كامل الخطيب كتب تقريراً مختصراً عنها.
أهل الواسطة
وبعد اصطيف مديراً لـ«الهيئة»، يأتي عبد الله أبو هيف مديراً لـ«التأليف والترجمة» اللذين أصبحا مديريتين من بين مديريات «الهيئة» الكثيرة. وللمفارقة فإن «المديرية» نفسها كانت قد رفضت كتباً لأبو هيف، المعروف بإصداره كل يوم كتاباً لا يمكن لأحد أن يتذكر من بينها واحداً (كما رفضت كتباً لنائبه نزار عيون السود المقرب من أحد ما في الوزارة، والمترجم الرديء عن الروسية). وهو كان (أبو هيف) من قبل مستشاراً لوزير الثقافة لشؤون الندوات وتروى عنه طــرائف لا تنسى في هذا الاختصاص، من بينها أنه دعا المصرية هالة البدري إلى ندوة عقدت لتكريم فارس زرزور، وقد بدأت محاضرتها التي جاءت من أجلها بالقول إنها لم تسمع بحياتها عن زرزور وأعدت مع ذلك بحثها عنه. فمعروف أن ما يدفع أبو هيف إلى دعوة الضيوف هو فقط حساب المصالح الشخصية والدعوات المتبادلة. وقد سبق للرجل أن دعا إلى ندوة في تكريم نزار قباني من يشتم الأخير بأجهل الشتائم. لكن خطورة أبو هيف تكمن في ما يمثله، فهو واحد من مجموعة تعتبر اليوم اقتحاماً لاتحاد الكتّاب العرب لمعاقل وزارة الثقافة، التي كانت في عهد نجاح العطار وزارة الشيوعيين. وهؤلاء، الاتحاديون، قد صاروا بالإضافة إلى مناصبهم في الوزارة قراء المخطوطات الجدد، ونتوقع على ذلك أفقاً مختلفاً هو أفق الاتحاد الضيق ورقابته وتحديه للجديد والجاد. ومن بين قراء المخطوطات الجدد خالد محي الدين البرادعي، قمر كيلاني، عزت سيد أحمد، ومجيب السوسي. وللأخير حكاية أخرى؛ فهو عضو اتحاد الكتاب العرب الذي أُحضر على عجل ليصير موظفاً في وزارة الثقافة، وبسرعة الصاروخ تسلّم مديراّ للمراكز الثقافية، البالغ عددها أربعمئة وخمسة وعشرين مركزاً، وسبق له أن تقدم بمخطوط لديوان شعر لطبعه في الوزارة فرفضته اللجنة المؤلفة من قراء ثلاثة (من بينهم بندر عبد الحميد)، ثم شكّلت له لجنة أخرى فرفض للمرة الثانية، ومع ذلك فإن السيد السوسي مدير المراكز الثقافية غدا قارئاً يرفض أو يجيز. من الواضح أن المعنيين لم يستوعبوا معنى انتقال «مديرية التأليف والترجمة» إلى «هيئة عامة للكتاب» ينبغي أن يكون الهدف منها أولاً سدّ حاجة وفراغ في سوق الكتاب على المستوى العربي، بعد كتب موثوقة ومشهود لها في وزارة الثقافة السورية. لذلك فإن المثقفين والمعنيين بشأن الكتاب ينتظرون من الدكتورة نجاح العطار ويناشدونها التدخل لتصويب وضع الهيئة، إدارتها، ومسارها، لئلا تصير «الهيئة» عبئاً، وملعباً لأهل الواسطة والنفوذ، فيضيع الكتاب، والكتّاب، .. ونضيع. 

راشد عيسى 
 المصدر: السفيير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...