نظام حسني مبارك فوق صفيح ساخن

26-01-2011

نظام حسني مبارك فوق صفيح ساخن

الجمل: تداولت شاشات القنوات الفضائية مساء الأمس وصباح اليوم مشاهد المظاهرات والمواكب الغاضبة التي شهدتها كافة المدن المصرية، وذلك بما فاق حجمه الوصف: فما هي حقيقة السخط الشعبي المصري؟ وهل توجد لدى نظام الرئيس حسني مبارك القدرة الكافية على احتواء هذا السخط، أم أن الأمر قد وصل إلى نقطة اللاعودة؟
* التحولات الجديدة في خارطة الصراع المصريمن المواجهات الشعبية المصرية مع قوى الأمن الداخلي أمس في يوم الغضب
تحدثت تقارير المراقبين والخبراء واصفة حركة الاحتجاجات العامة المصرية التي اندلعت وصعدت إلى المقدمة بالأمس بأنها تشكل تحولاً وانتقالاً نوعياً بالغ الخطورة وذلك على أساس اعتبارات الخطوط العامة الآتية:
•    نطاق الاحتجاجات: شهدت جميع المدن المصرية الصغيرة والكبيرة على السواء، وفي المدن الكبيرة مثل القاهرة، الإسكندرية، السويس، أسيوط، أسوان، المينا وسوهاج، لم يكن هناك موكب واحد وإنما عشرات المواكب في المدينة الواحدة والتي ظلت تتحرك بشكل يغذي التجمعات الرئيسية في مناطق وسط المدينة، الأمر الذي أدى إلى جعل مراكز هذه المدن وهي في حالة ازدحام واكتظاظ غاضب منفلت.
•    القطاعات المشاركة: في الفترات الماضية، كانت المواكب والمظاهرات تقتصر على فئات وشرائح معينة دون غيرها، على سبيل المثال، عندما تحدث الخلافات مع الإسلاميين فإن أنصار الحركات الإسلامية هم الذين يسيرون في المواكب، وعندما تحدث الخلافات مع النقابات، فإن أنصار هذه النقابات هم الذين يتحركون في المواكب، و نفس الشيء في حالة مواكب المحامين، ومواكب الطلبة وما شابه ذلك، ولكن في هذه المرة، فقد خرج الجميع بلا استثناء، وما هو جدير بالملاحظة والاهتمام أن الأغلبية العظمى من المنخرطين في المواكب الغاضبة هم من الفئات التي لم تكن تهتم كثيراً بالقضايا السياسية خلال المراحل السابقة. وقد تحدثت معظم التقارير بأن المواكب الحالية تتكون بشكل رئيسي من جماعات "الأغلبية الصامتة" التي تمثل الشرائح الشعبية العظمى في مصر.
•    طريقة التعبير والإفصاح: الشعارات والهتافات المستخدمة في هذه المواكب لم تركز على المطالبة بإصلاحات أو تغييرات أو إجراءات معينة ,إنما سعت هذه المرة إلى الاستخدام المباشر لهتافات من نوع: "يسقط.. يسقط حسني مبارك" وبشكل سافر و"كامل الدسم".
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن تقارير جميع المراسلين الصحفيين، وعلى وجه الخصوص التابعين للمؤسسات الإعلامية الغربية العالمية الكبيرة مثل سي إن إن، بي بي سي، رويترز، يونايتد برس، نيويورك تايمز، واشنطن بوست، الغارديان، الصنداي تايمز، اللوموند ودير شبيغل وما شابه ذلك، ركزت جميعها لجهة وصف ما حدث بالأمس وصباح اليوم بأنه ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ مصر السياسي المعاصر، ولا يوجد أي نموذج لأي استقطاب سياسي شعبي مماثل لهذا النوع إلا ما حدث في عام 1972 عندما تظاهرت بعض المواكب الداعمة لضرورة إشعال المواجهة ضد إسرائيل وهو ما حدث بالفعل بعد بضعة أشهر في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973.
* نظام الرئيس حسني مبارك على صفيح ساخن
أجرت وكالة رويترز عملية استطلاع بواسطة شبكة مراسليها الذين انتشروا بالأمس في العديد من المناطق المصرية، وفي هذا الخصوص تم رصد المواقف الآتية:
-    لم تعد مؤسسات الدولة هدفاً للحنق والغضب وإنما أصبح شخص الرئيس حسني مبارك هو الهدف الرئيسي لكافة أنواع السخط، بحيث أصبح المتظاهرون يؤكدون على أن الفشل السياسي سببه حسني مبارك، والفشل الاقتصادي سببه حسني مبارك، وتدهور الأوضاع سببه حسني مبارك.
-    تعليقات وتصريحات كافة زعماء الحركات السياسية المصرية المعارضة لنظام الرئيس حسني مبارك كانت تعليقات وتصريحات تتميز بالهدوء والوضوح والتوافق التام حول حقيقة واحدة تقول: "إن هذه المرة تختلف جداً عن المرات السابقة"!!
-    يسيطر على أذهان المصريين المحتجين "النموذج التونسي" والذي أصبح يمارس حضوره القوي بما أدى إلى ظهوره في بعض الهتافات التي تقول: "تونس.. تونس.. تونس".
هذا، وتقول التسريبات بأن أحد المؤشرات البالغة الخطورة يتمثل هذه المرة في أن قوات الأمن المصرية قد تصرفت هذه المرة ضمن ردود أفعال تختلف بقدر كبير عن تلك التي درجت على القيام بها هذه القوات في عمليات مكافحة ومواجهة الاحتجاجات المدنية والشعبية السابقة، وبكلمات أخرى، إن أسلوب رد فعل قوات الأمن المصرية، وإن تحدثت بعض المصادر قائلة بأنه مقصود ومحسوب بحد ذاته، فإن العديد من المصادر الأخرى أكدت بأن عناصر قوات الأمن المصرية لم يعد يتملكها ذلك الحماس السابق لجهة ممارسة القمع والفظاظة ضد المحتجين، إضافة إلى تزايد إدراك عناصر قوات الأمن المصرية بأن حركة الاحتجاجات المعادية لنظام الرئيس حسني مبارك قد تحولت متخذة شكل الـ(ظاهرة) الاجتماعية-السياسية العميقة الجذور أكثر منها مجرد معارضة سياسية عادية لنظام حاكم.
* نظام الرئيس المصري حسني مبارك: إلى أين؟
تشير المعطيات الجارية إلى أن نظام الرئيس المصري حسين مبارك سوف يواجه المزيد من الضغوط والتي بدأت تأخذ الشكل الآتي:
•    ضغوط داخلية: تقول المعلومات بأن تزايد وتيرة حركة الاحتجاجات الشعبية المتزايدة سوف يلقي بظلاله السيئة للغاية على الأوضاع المعيشية بالنسبة لملايين المصريين الذين يعتمدون على الدخل اليومي كمصدر للرزق، وبالتالي، إذا أصيبت الحياة الاقتصادية بالشلل لبضعة أيام، فمن المؤكد أن انتفاضة أخرى سوف تحدث ضمن هذه الانتفاضة، بما يمكن أن يتضمن هجمة جياع تسفر عن عمليات سلب ونهب للمتاجر والمطاعم والمخازن.
•    ضغوط خارجية: بدأ حلفاء نظام الرئيس المصري مبارك التقليديين وهم أكثر استعداداً للتخلي عنه إذا فقد مبررات القدرة على البقاء. وفي هذا الخصوص جاءت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وهي تحمل هذا الفهم الإدراكي المزدوج، فقد أكدت كلينتون على أن النظام المصري يتميز بالاستقرار، ولكنها في نفس الوقت تحدثت عن ضرورة احترام طموحات وتطلعات المتظاهرين الغاضبين، وإضافة لذلك جاءت تصريحات السفير جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط والتي رحب فيها بالمواكب والاحتجاجات الشعبية لجهة أنها تمثل خطوة هامة على طريق الإصلاحات الديمقراطية التي ظلت واشنطن تسعى لتطبيقها في مصر والأردن.
تقول المعلومات، بأن كبار المسئولين السعوديين أصبحوا ينظرون بقلق بالغ لمجرى التطورات الجارية حالياً على الساحتين الأردنية والمصرية، وبالنسبة لما حدث بالأمس ويحدث اليوم في الساحة المصرية، تقول التسريبات بأن الأمير السعودي تركي الفيصل –رئيس جهاز المخابرات السعودية السابق والسفير السعودي في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية- قد خرج عن صمته وتحدث لبعض الصحفيين في دافوس السويسرية قائلاً: "بالنسبة لمصر، فأنا لا استطيع أن أحدد الآن حقيقة إلى أين يمضي هذا الوضع" وأضاف قائلاً: "إن مدى قدرتهم كقادة على تقديم ما يطالب به السكان المصريين هي قدرة مشكوك في مصداقيتها، وعلينا أن ننتظر لنرى ذلك، طالما أنه ما زال من المبكر التعرف على شكل الوضع النهائي".
إذاً، هل أصبح المصريون على موعد مع تونس جديدة، وإلى أين سوف يذهب الزعيم حسني مبارك، وبكلمات أخرى، إذا نجحت طائرة الزعيم الليبي معمر القذافي في إخراج جاره من الناحية الغربية زين العابدين من علي وتوصيله إلى السعودية، فهل يا ترى سوف تنجح طائرة القذافي هذه المرة في إخراج جاره من الناحية الشرقية الزعيم حسني مبارك وإلى أين سوف توصله هذه المرة؟!


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...