مخاطر الزلازل على السكن العشوائي

29-05-2007

مخاطر الزلازل على السكن العشوائي

نسمع بين حين وآخر عن سقوط بناء سكني هنا وآخر هناك, وتتكرر الحوادث في أماكن مختلفة, ولايقتصر سقوط الأبنية على مناطق السكن العشوائي بل بشمل مناطق السكن النظامي أيضا..

صحيح أنه لم تقع أي حادثة من هذا القبيل منذ فترة, باستثناء تصدع أحد الأبنية في منطقة الكشكول وإخلاء ساكنيه وشاغلي المحلات التجارية بسرعة قبل أن يتداعى البناء الذي لجأ مالكوه إلى تدعيمه على وجه السرعة للحؤول دون سقوطه.‏

ولايعني أنه لن تقع حوادث جديدة في أي وقت وأي مكان, لأن النسبة الأكبر من أبنية السكن العشوائي لاتتوفر فيها شروط الأمان وقد بنيت على عجل في أوقات قياسية دون إشراف هندسي أو تقيد بشروط فنية ونسب مواد البناء من حديد واسمنت وأساسات وغيرها من الشروط المعروفة عند إشادة أي بناء!!.‏

ولانزال نذكر حوادث سقوط الأبنية السكنية في أماكن مختلفة مثل دف الشوك ومناطق السكن العشوائي في مدينة حلب جراء عدم التقيد بالشروط الفنية عند إشادة هذه الأبنية والتساهل في نسب الحديد والاسمنت التي دخلت في البناء.‏

ويتساءل الناس بخشية واضحة , ترى ماذا سيحل بتلك الأبنية السكنية المشابهة إذا لاقدر الله حدثت هزات أرضية, وكم سيكون حجم الخسائر جراء ذلك؟!‏

نحن لانقصد من إثارة هذا الموضوع إخافة الناس ودب الرعب في نفوسهم ولكننا نحذر قبل وقوع الخطر من أجل اتخاذ إجراءات وقائية منعا لوقوع الخطر, فالحيطة واجبة والتنبه ضرورة لأن حياة الناس وأرواحهم هي الأهم ولاشيء أهم منها..‏

ونسأل ويسأل غيرنا, ترى ما الذي أوصلنا إلى هذه الحالة التي نحن فيها , وكيف توسعت مناطق السكن العشوائي بهذه السرعة القياسية وامتدت على رقعة واسعة من الأراضي الزراعية وأراضي أملاك الدولة وتحولت إلى حاضنة لمئات الألوف من السكان الباحثين عن السكن فوجداو ضالتهم في السكن العشوائي؟!‏

الأرقام تشير إلى أن نسبة السكن العشوائي في سورية حسب المكتب المركزي للإحصاء تصل إلى 50% من السكن الإجمالي على مستوى سورية, في حين وصلت نسبة سكان السكن العشوائي إلى 45% من سكان دمشق و35% من سكان حلب و42% من سكان حمص بعد أن شهدت مناطق السكن العشوائي نموا سريعا دون أن تخضع لأي نوع من المعايير الفنية والخدمية والصحية!!‏

وبسبب عشوائية إشادة الأبنية السكنية في مناطق المخالفات وغياب الدراسات الجيولوجية والهندسية, لم يتنبه الناس إلى طبيعة بعض المناطق والمخاطر التي تتهددها بسبب وقوع جزء كبير من السكن العشوائي في مناطق معروفة بعدم استقرارها الجيولوجي.‏

فقد كشفت إحدى الدراسات عن وجود منطقة بدمشق بطول عشرة كيلوو مترات وعرض 20-30 مترا, تمتد من منطقة مشفى تشرين حتى مزة 86 مرورا بعش الورور وبرزة وركن الدين والشيخ محي الدين والمهاجرين ويمتد تحت هذه المنطقة ما يسمى بنطاق التكهف تحت سطحي, وهو عبارة عن مغاوور وكهوف تشكلت من انحلال طبقات الكلس الغفاري , حيث شيدت فوق هذه المنطقة الكثير من المباني والبيوت يقطنها مئات الالوف من السكان, وهم معرضون للخطر في أية لخطة. وقد سبق في أوقات ماضية أن سقطت بعض البيوت في سفح قاسيون نتيجة بنائها فوق كهوف ومغاور!!َ.‏

وتشير الاحصاءات إلى أنه لدينا في سورية أكثر من 1.2 مليون مسكن عشوائي تفتقر إلى الشوارع الواسعة والحدائق والمشافي والمدارس وبقية الخدمات العامة كما تفتقر إلى أبسط ملامح الهندسة المعمارية.‏

وهذا يوضح لنا حجم المشكلة وصعوبة معالجتها في الحدود الدنيا لكي نتلافي ما يمكن تلافيه من أخطاء, وإصلاح ما يمكن إصلاحه كحل إسعافي مؤقت قبل وقوع الخطر, أن نسبة غير قليلة من أبنية السكن العشوائي لن تصمد كثيرا حتى تتصدع وتسقط ولن تنتظر وقوع هزات أرضية لاسمح الله!!‏

فقسم كبير من مناطق السكن العشوائي كما ذكرنا تقع في مناطق معروفة بعدم استقرارها الجيولوجي ويمتد تحتها ما يسمى بنطاق التكهف ومناطق أخرى فيها تقع على أسرة الأنهار وفي مواقع انخفض فيها منسوب المياه الجوفية, فأدى ذلك إلى تصدع بعض الأبنية كما حصل في مبنى البريد المركزي وغيره من الأبنية التي جرى تدعيمها والتي تقع على سرير نهر بردى.‏

وهناك أبنية أخرى مهددة بالتصدع وتحتاج إلى تدعيم كي يتم انقاذها والحؤول دون سقوطها!!.‏

بعد أن أصبحت مناطق السكن العشوائي أمرا واقعا لامفر منه, لابد من اللجوء إلى حلول اسعافية لانقاذ الموقف والتخفيف من الأخطار المحتملة قدر الامكان إن لم نستطع تلافيها بشكل كامل , وأهم الاجراءات الواجب اتخاذها اللجوء إلى تدعيم الأبنية في مناطق السكن العشوائي, وخاصة تلك الأبنية التي أشيدت دون أعمدة أو أساسات وأقيمت بسرعة دون مراعاة أي شروط فنية أو هندسية, ويتم ذلك عن طريق تشكيل لجان تضم الخبرات الهندسية والجهات البلدية وأصحاب الأبنية للكشف على الأبنية ومدى مطابقتها للشروط الفنية والعمل على تدعيمها كحل مؤقت ووقائي ريثما يتم وضع حلول نهائية من خلال خطط الدولة لتأهيل مناطق السكن العشوائي وتنظيمها.‏

والتدعيم هنا لا يقتصر على مناطق السكن العشوائي بل يجب أن يطول الأبنية النظامية وفي مناطق السكن النظامي التي لم يراعى عند إشادتها مسألة الخطر الزلزالي وضرورة مقاومتها للزلازل.‏

ومنذ سنوات يتم التقيد ومراعاة الخطر الزلزالي عند إشادة الأبنية السكنية وغير السكنية وتقوم نقابة المهندسين من خلال مهندسيها على تطبيق ذلك وفق الكود السوري كما عممت رئاسة مجلس الوزراء على الوزارات والإدارات والمؤسسات وكافة جهات القطاع العام بشأن وضع أولويات لتدعيم أبنيها ومنشاتها بما يتناسب ومقاومة خطر الزلازل والهزات الأرضية وتكون الأولوية للأبنية والمنشآت التي تضم اكبر عدد من الناس كالمعامل والمصانع والمدراس ودور العبادة وغيرها.‏

وبالفعل فقد بدأت الجهات الحكومية تبدعيم أبنيتها لتقاوم الهزات الأرضية وتكون أكثر متانة وأمانا وتخفف من خطر الكوارث الطبيعية.‏

وعندما يتم إشادة بناء باشراف مهندسين, لابد وأن يراعى فيه كافة الشروط الفنية ومن ضمنها مقاومة الخطر الزلزالي, أما في وضع كوضع مناطق السكن العشوائي فنادرا ما يقوم مهندس بالاشراف على بناء المساكن, بل يقوم عمال البناء ومتعهدو البيتون بالتصرف وتقييم البناء وإشادته بسرعة دون التقيد بمقادير الاسمنت والحديد والمدة اللازمة لتشييد البناء , وغير ذلك من الأعمال المطلوبة في هذا المجال!!‏

ولكن كم هي نسبة الذين يستطيعون القيام بتدعيم بيوتهم من سكان المناطق العشوائية بسبب تكلفة التدعيم والاشراف الهندسي وبقية المستلزمات؟!!‏

أظن أن العملية ليست بهذه البساطة ولن تتم بالسرعة المطلوبة, رغم خطورة الوضع وعلاقته بحياة وأرواح الناس!!.‏

كذلك لامفر من اللجوء إلى التدعيم وخاصة لتلك الأبنية والبيوت التي أشيدت دون دعائم وأساسات, وإلا فحياة سكانيها مهددة بالخطر في أي وقت!!.‏

لكن عمليات التدعيم لن تتم بسهولة لأنها تحتاج إلى مبالغ كبيرة لتنفيذها خاصة بعد ارتفاع أسعار الحديد والاسمنت والمواد الأخرى.. وإذا لم تتم عمليات التدعيم بشكل إلزامي فإن نسبة كبيرة من سكان مناطق السكن العشوائي لن تقدم على تدعيم الأبنية رغم إدراكهم بحجم الخطر الذي يتهددهم!.‏

ولابد من ايجاد حل لعمليات التدعيم, كأن تقوم الدولة بتقديم المساعدة في هذا المجال ريثما يتم التوصل إلى حل نهائي عن طريق تأهيل مناطق السكن العشوائي من خلال شركات الاستثمار العقاري والمطور العقاري وايجاد مساكن بديلة في نفس مناطق السكن العشوائي بالتفاهم والتعاون مع السكان بعد تأمين حقوقهم وتحويل مناطق السكن العشوائي إلى مناطق منظمة تتمتع بكافة الخدمات والمرافق وشروط السكن الصحي المناسب.‏

أما تدعيم الأبنية الحكومية فيجب أن يستمر وفق خطط سنوية وحسب الأولويات والامكانات المتاحة لانجاز أعمال التدعيم.‏

ويجب ألا يبقى القطاع الخاص بعيدا عن عمليات التدعيم والقيام بتدعيم الأبنية التي لم تراعي الخطر الزلزالي وتجنيب الساكنين مخاطر التصدع والسقوط, وخاصة في المناطق التي تقع على سرير نهر بردي وفي المناطق التي انخفض فيها منسوب المياه الجوفية, وفي غيرها من المناطق.‏

عبد الحميد سليمان

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...