لو كان السوريون هم من قتلوا الحريري لما أخطأوا ثانية بقتل بيير الجميل

28-11-2006

لو كان السوريون هم من قتلوا الحريري لما أخطأوا ثانية بقتل بيير الجميل

الجمل:   من آثار وتداعيات عملية الاغتيال السياسي الأخير التي صدمت لبنان (القتل بالرصاص لبيير الجميل سليل إحدى العائلات السياسية المارونية المسيحية الأكثر شهرة) إلقاء الاتهام على السوريين، وبالطبع حزب الله باعتبارهما الجناة الأكثر احتمالاً.
ثمة منطلق ما يكمن في وجهة النظر هذه، فسوريا – كما يقولون ويزعمون- بأنها متورطة في عملية اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء الأسبق في شباط 2005م، والجميل هو خامس الذين تم اغتيالهم بعد الحريري، وكان كل واحد من هؤلاء الضحايا منتقداً للسوريين، وبقدر أقل –منتقداً- لحزب الله.
ولكن، حتى إذا جزمنا بأن سوريا كانت وراء اغتيال الحريري، وبأن هناك دليلاً جيداً يؤيد ويدعم هذا التخمين -الافتراضي- فمن الصعب أن تجد فوائد ومكاسب لصالح سوريا أو حزب الله من جراء عملية اغتيال الجميل، فسوريا الآن في مركز وموقف إقليمي أقوى مما كانت عليه قبل عدة سنوات، وإدارة رئيس الولايات المتحدة، جورج دبليو بوش، مجبرة ومرغمة على أن تأكل الغراب وتبتلع العتلة الحديدية، وأن تفكر ملياً في المفاوضات مع دمشق وذلك من أجل أن نحصل على المساعدة لتخفيف حدة التمرد في العراق.
وإيران، حليفة سورية الرئيسة، هي بالمثل أيضاً، تتمتع بموقفها ومركزها الجيوستراتيجي الأقوى منذ عدة حقب، وحليفها حزب الله برز كفائز ومنتصر سياسي في حرب الصيف الماضي مع إسرائيل.
واستناداً لذلك، فلماذا تخاطر وتغامر سوريا بتشويش وتقويض وقلب هذا التوازن المواتي لمصلحتها، بالانخراط في عملية قتل السياسي الماروني، في الوقت الذي أصبح فيه حزب الله بالأساس ساحباً دعمه عن الحكومة ومطوقاً لها، ومهدداً بالمسيرات والمظاهرات الحاشدة  على النحو الذي يسقط ويقضي على الترتيب السياسي الذي أعقب ثورة الأرز، بشكل يعكس على نحو أفضل نفوذه وقوته المتزايدة، وأيضاً نفوذ وقوة سوريا؟ والسؤال نفسه يمكن طرحه على أولئك الذين يحاولون ربط حزب الله بعملية اغتيال الجميل، بشكل استنزف الطاقة والحيوية بعيداً عن حركية دولابهم السياسي.
بالطبع، وتحدياً، إذا لم يكن، لكل من سوريا أو حزب الله، فائدة أو مكسباً من عملية اغتيال الجميل، فكيف نتصور بكل سهولة حدوث الخطأ في حسابات السوريين وحزب الله المتعلقة بتأثير مثل هذا الفعل، -للمرة الثانية- وهو أمر يمكن الافتراض بأن السوريين قد قاموا به من قبل إذا كانوا بالفعل افتراضاً قد أمروا باغتيال الحريري، كذلك فإن قيادة حزب الله قد أقرت واعترفت بالقيام بعملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين في شهر تموز الماضي بافتراض أن رد فعل إسرائيل سوف يكون منسجماً ومتطابقاً مع قواعد اللعبة التي كانت تجري آنذاك.
ولكن قبل أن ننظر ونبحث عن ما هو الذي يمكن أن يكون قد أخطأ في الحسابات المتعلقة بإصدار الأمر باغتيال الجميل، من المفيد أن نسأل: من هو المستفيد حقيقة من عملية الاغتيال؟ ومن هذا المنظور فإن الطرف الأوحد الذي يستفيد بوضوح من عملية اغتيال الجميل هو الحكومة الإسرائيلية.
إن إسرائيل هي الخاسر الرئيسي في حرب الصيف، وعلى الأقل سياسياً واستراتيجياً. وقد بدا زعماء إسرائيل يهددون يجولة جديدة من القتال، حتى قبيل بدئهم القيام بعملية سحب القوات الإسرائيلية وإخراجها من جنوب لبنان. وصعود نجم حزب الله في فترة ما بعد الحرب كان هو العلامة المنظورة والأكثر إزعاجاً لضعف إسرائيل العسكري الذي برز ووضح بشكل غير مسبوق، ولتخبطها وارتباك عماها الاستراتيجي.
إن الدفع باتجاه عملية اغتيال من هذا النوع (والتي لا يمكن أن تكون فوق قدرة إسرائيل) يمكن أن تخدم أهدافاً وغايات:
الأول: أن تحول الاضطراب الذي كان حزب الله يعمل من أجل خلقه لمصلحته، إلى اضطراب يضر بمصلحته. ومن ثم فبدلاً من أن يدير حزب الله اضطراب ما بعد الحرب من أجل تعزيز وتدعيم موقفه، فقد أصبحت حركة حزب الله حالياً مجبرة ومرغمة على التزام الموقف الدفاعي، وأن تتجاوب وفقاً لديناميكية جديدة، أصبح وفقاً لها المسيحيون (باستثناء فصيل ميشيل عون) والسنة أكثر وحدة وتماسكاً عما كانوا عليه من قبل في رغبتهم الهادفة إلى تطويق وعرقلة سيطرة حزب الله على النظام والوضع السياسي.
الثاني: إذا انحدر لبنان وانجرف إلى الحرب الأهلية والتي يتخوف منها الكثيرون برغم أن احتمال وقوعها ما يزال مستبعداً، فإن حزب الله سوف يكون بالفعل قد تم تحييده -في الصراع المباشر ضد إسرائيل-  ومن ثم يكون بإمكان إسرائيل أن تعتمد على الموارنة والسنة في القيام بمهاجمة حزب الله، على النحو الذي يجعل إسرائيل لا تواجه أي تنديد أو سخط أو إدانة دولية من النوع الذي واجهته في فترة الحرب الماضية.
الثالث: الشكوك والاتهامات ضد سوريا (قام الزعيم الدرزي وليد جنبلاط علناً باتهام دمشق بالوقوف وراء عملية الاغتيال)، قد أدت بالأساس إلى إيقاف وعرقلة زخم عملية التطبيع مع النظام السوري، وهي عملية كانت تقوم بها الأطراف الأوروبية والولايات المتحدة، وذلك بهدف الاستعانة بمساعدة سوريا في العراق.
وما هو مهم إذا حدث وازدادت الأزمة عمقاً، فإنها سوف تؤدي إلى الإغلاق المبكر لاحتمالية وإمكانية أن تقوم إدارة بوش (والتي تقبع الآن تحت وصاية وإرشاد جيمس بيكر، الدبلوماسي الأمريكي الأوحد الذي يقف الآن في مواجهة إسرائيل في أول سابقة منذ أداويت ايزنهاور) بالضغط على إسرائيل لكي تتفاوض في القريب العاجل على صفقة حول مرتفعات الجولان.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة
المصدر: اسيا تايمز
الكاتب: البروفيسور مارك لي فاين- أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...