لبنان: الحكومة تنقلب على التوافق والمعارضة تدرس الرد

25-12-2007

لبنان: الحكومة تنقلب على التوافق والمعارضة تدرس الرد

بقرار لا قيمة له، أعادت حكومة فؤاد السنيورة اللبنانية التي تطعن المعارضة اللبنانية في شرعيتها، أجواء التوتر السياسي الى لبنان، مطيحة بكل المساعي التي كانت بذلت داخليا وخارجيا من أجل التهدئة، خصوصا وقد تلاقى الأطراف جميعا على تأييد العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي أوحد لرئاسة الجمهورية اللبنانية.
فقد أقرت حكومة السنيورة مشروع قانون تعديل الدستور اللبناني اضافة الى فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، وذلك ضمن توجه واضح يهدف الى استفزاز وتحدي المعارضة اللبنانية، التي رأت في القرار استهدافا لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، بشخصه كما بموقعه، بقدر ما يستهدف أيضا العماد ميشال عون، ولكنه يلحق أفدح الضرر بالعماد ميشال سليمان، بتحويله من عنوان توافقي الى عنوان خلافي.
فقرار حكومة السنيورة بالمزايدة في التعديل والترشيح «لمنع الفراغ»، حمل في طياته، بداية مرحلة جديدة عنوانها الانقلاب على خيار ميشال سليمان التوافقي، عبر تبني قرار لا قيمة له سوى تسعير الخلاف السياسي، الذي كان التوافق، ولو بغير تنسيق، على قائد الجيش، كمرشح إجماع، قد ساهم في تهدئته، مستولداً مناخاً يساعد على الخروج من المأزق عبر «العهد الجديد» الذي بات مهدداً بصورة جدية.
واذا كانت حكومة السنيورة مدركة مسبقا أن قرارها لن يبصر النور، بل يزيد الموقف تأزيماً، فان ما اقدمت عليه، دشّن عملياً بداية مرحلة سياسية جديدة ستكون لها شروطها وأدواتها، لا بل طوى المبادرة الفرنسية نهائياً، كما اسقط التوافق الأوروبي العربي الداخلي، على تجميد خيارات المعارضة في ضوء تعهد الحكومة بالاكتفاء بتصريف الأعمال، وذلك بسبب قرار الأكثرية «اتخاذ قرارات اساسية» على شاكلة طلب مجلس الوزراء فتح الدورة الاستثنائية، «بالاتفاق مع رئيس الحكومة» (سابقاً مع رئيس الجمهورية) وذلك في خطوة هي الاولى من نوعها في تاريخ لبنان الحديث، لجهة مصادرة رئيس مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية بهذه الطريقة السافرة.
وأعلن الرئيس فؤاد السنيورة ان الحكومة تمارس صلاحياتها ولن يثنيها عن ارادتها أي تهويل، وقال «لقد آثرنا الموافقة على التعديل تجنبا لاستمرار الفراغ وتنامي الازمة الوطنية»، معتبراً هذه الخطوة «دليل تصميم على عودة لبنان الى جادة الصواب»!
وبينما أقر أكثر من وزير علناً، قبيل انعقاد الجلسة، أن إقرار مشروع قانون التعديل هو خطوة تكتيكية من الحكومة لإحراج رئاسة المجلس النيابي، وقالت مصادر أن وزير المال اللبناني جهاد أزعور طرح خلال الجلسة أسئلة اعتراضية على مسلك الجلسة، وقال مخاطباً رئيس الحكومة «إذا كان ما سنقدم عليه اليوم هو في سياق التكتيك السياسي فإنه خطير جداً على الحكومة وعلى قوى 14 آذار، وإذا كانت الأمور تأخذ منحى جدياً خارج سياق المناورة السياسية فهل يعني ذلك الذهاب حتى النهاية في المواجهة مع كل ما سينتج عن ذلك من تداعيات أم نكتفي بهذه الخطوة التكتيكية»؟
وعلم أن الوزير محمد الصفدي كان أكثر تحفظاً على مسار الجلسة، وقال «إذا كانت خطوة اليوم (أمس) هدفها فقط فتح الباب أمام قائد الجيش العماد ميشال سليمان لدخول قصر بعبدا تمهيداً لإعادة ترميم المؤسسات الدستورية، فأنا سأسير حتى لو كانت تتضمن مخالفات، لأنني أعتبر أن مخالفة الدستور هنا هي من أجل غاية شريفة».
لكن الصفدي أبدى خشية كبيرة من أن تؤدي هذه الخطوة خلاف هذا الهدف بحيث تعطي مردوداً عكسياً، لأنها لا تخدم العماد سليمان بل وتؤذي الإجماع الوطني عليه، لأن قوى 14 آذار تساهم في وضعه بمواجهة الفريق الآخر.
وأكد الصفدي أنه سيسير في هذا الخيار على الرغم مما لديه من علامات استفهام، «شرط أن لا تكون هذه الخطوة بداية لنهج سيتبع في جلسات مقبلة من أجل إجراء إقرار تعيينات قضائية أو ترقيات أمنية ودبلوماسية أو غير ذلك من القرارات التي يمكن أن تشكّل استفراداً بالبلد، لأنه في تلك الحال لن يوافق مطلقاً على أي خطوة أو قرار من هذا القبيل».
وأكد مصدر وزاري ان الحكومة قامت بواجبهاوقدمت كل ما لديها لتسريع انتخاب سليمان بما ينفي ادعاءات القائلين بأنها ترغب في البقاء في السلطة والاستئثار بها، وباتت الكرة الآن في ملعب الرئيس بري الذي يجب أن يتحمل مسؤولياته. واعتبر المصدر انه كان لا بد للحكومة ان تحيل مشروع التعديل الدستوري الى مجلس النواب وأن تطلب فتح دورة استثنائية لإقراره، لان مهلة الدورة العادية لمجلس النواب قد شارفت على نهايتها، ولم يكن مقبولاً ألا يحرك مجلس الوزراء ساكناً إزاء ذلك، مؤكداً ان الحكومة مستعدة لإرسال مشروع التعديل مرة ثانية متى عاد الوزراء الشيعة الى صفوفها.
وشدد المصدر الوزاري على ان الحكومة ستسعى الى الاحتفاظ بروحية تصريف الاعمال منعا لاستثارة حساسية المسيحيين، مستبعداً احتمال تعيين وزير بديل للوزير الشهيد بيار الجميل أو إصدار تعيينات في السلك الأمني أو القضائي.
ودافع عدد كبير من نواب ووزراء الأكثرية عن خطوة الحكومة سيما رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي حمل بعنف على العماد ميشال عون وسوريا، وقال «إن التسوية شيء والاستسلام شيء آخر، فالتسوية هي القرار الشجاع والموقف الإنقاذي الذي يهدف إلى حماية المكتسبات التي تحققت بأغلى الاثمان والدفاع عنها واستكمال المسيرة بهدوء ورصانة بعيدا عن التوتر والتهديد والوعيد»، أضاف في حديثه الأسبوعي لمجلة «الأنباء» «إننا لا نزال على إصرارنا على السير بالتسوية السياسية عبر الانتخاب الفوري لمرشح التوافق، وسنبقى على انفتاحنا المطلق لمناقشة كل القضايا الخلافية من ضمن المؤسسات وعبر الحوار البناء، وهذا سبيلنا الوحيد للحل ولدخول مرحلة سياسية ووطنية جديدة تجسد طموحات اللبنانيين وآمالهم».
المعارضة تدرس خيارات المرحلة الجديدة
وفي المقابل، دخلت المعارضة في مرحلة تشاورٍ لصياغة سيناريوهات للرد «على إطلاق الحكومة النار على ترشيح العماد ميشال سليمان، تحت شعار توفير الحماية له».
وبينما جدد الرئيس بري رفضه تسلم اي مشروع ترسله إليه الحكومة «غير الشرعية»، أبدى العماد ميشال عون أسفه الشديد «لأن تبدأ الحكومة ليلة عيد الميلاد بارتكاب الخطايا الكبيرة والمميتة، وهذا الأمر لن يمرّ دون موقف، وهذا الفعل الذي قامت به الحكومة غير الميثاقية أشبه بضربة السيف في الماء، لأنّه لا أثر لها تشريعياً، ومحاولات السيطرة على صلاحيات رئاسة الجمهورية لن تقبل». وقال «هذا الخطأ الجديد اليوم يضاف الى الأخطاء السابقة الأخرى، وفي نهاية المطاف لن تصل الحكومة الى مرادها». وأكد أن «نهاية هذه الحكومة لن تكون سعيدة».
ورد «حزب الله» بلهجة قاسية على قرارات الحكومة وقال المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل إن حكومة السنيورة ترقص على النغم الأميركي وهناك أمر عمليات رسمه ديفيد ولش واليوت ابرامز وهم يسيرون عليه، وهذه أولى بداياته (قرارات الحكومة) وما أقدموا عليه يصب في خانة تعطيل الاستحقاق الرئاسي، ورأى أن ما أقدمت عليه الحكومة غير الشرعية لن يؤدي إلى انتخاب سليمان رئيساً للجمهورية.
وقال خليل في حوار أجرته معه قناة «أو تي في» إن هناك رداً سيصدر عن المعارضة، ولكنه ليس للتداول في الإعلام ونحن لن نسكت على قيام السنيورة وزمرته بالاستئثار بالسلطة، واصفاً الحكومة بأنها عبارة عن حفنة من الوكلاء الصغار للمشروع الاميركي، وقال «لو غطى العالم بدوله وقواه هذه الحكومة سنبقى نعتبرها غير شرعية وغير دستورية وسارقة للسلطة».
ورداً على سؤال حول الرسائل المتبادلة بين «حزب الله» وجنبلاط قال خليل «كل يوم ممكن أن نسمع شيئاً جديداً وإن شاء الله نحن نقابل الإحسان بالإحسان». وعندما قيل له هل هذه رسالة ايجابية لجنبلاط رد خليل «إذا كان جنبلاط شريكاً في قــرارات الحــكومة فهو يبتعـد عن الرســائل الإيجــابية».
ورأى عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب علي حسن خليل أن لا قيمة دستورية لما صدر عن الحكومة اللاشرعية وهو لزوم ما لا يلزم دستوريا، واعتبر ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة حقق اهداف اميركا لمصادرته صلاحيات رئيس الجمهورية. ورأى أن ما جرى هو فقط محطة إعلامية تعطيلية للتسوية ككل، وسأل «هل هذا تسهيل لانتخاب ميشال سليمان الذي هو موضع إجماع اللبنانيين، ام عرقلة»؟
في غضون ذلك، لوحظ أن العماد ميشال سليمان «قفز» خلال تفقده قاعدة القليعات الجوية ولواء المشاة الخامس المنتشر في منطقة نهر البارد، فوق المطبات التي زرعتها الحكومة في طريق وصوله الى القصر الجمهوري، وشدد خلال حديثه مع العسكريين على إبعاد الجيش عن التجاذبات السياسية «ومتابعة مسيرة التضحية والعطاء مهما بلغت المخاطر والصعاب»، وقال «الأمن خط أحمر وهو تكليف وطني وحق للمواطن اللبناني الذي أظهر عن وعي ورقي ديموقراطي اثناء التجارب الماضية وليس آخرها مرحلة الفراغ الرئاسي التي اثبت خلالها مدى ايمانه برسالة لبنان وحرصه على الوحدة الوطنية وإرادة العيش المشترك».
في باريس، نفت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية باسكال اندريانى «أن يكون هناك إعداد فى الوقت الحالي لعقد اجتماع في باريس يشارك فيه كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس كتلة المستقبل سعد الحريري لحسم موضوع الانتخابات الرئاسية اللبنانية»، وأوضحت المتحدثة «أنه ليست هناك نية لعقد مثل هذا الاجتماع في الوقت الحالي، مؤكدة أن فرنسا تعرب دائما عن استعدادها لدعم الحوار والتفاهم في لبنان، في إطار الروح التي عقدت فيها اجتماعات سان كلو بفرنسا بين القوى السياسية اللبنانية في الصيف الماضي.
وأشــارت اندريــاني إلى أن فرنسا ستــواصل اتصالاتها مع مختلف الأطراف، وذلك بالتنسيق مع شركائها ومع مختلف الأطراف المعنية بالملف اللبناني.
وفيما يتعلق بالاتهامات المتبادلة بين واشنطن ودمشق بعرقلة الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، قالت المتحدثة أن فرنسا تدعو كافة الأطراف المعنية بالملف اللبناني إلى الإسهام في إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية في أقرب وقت ممكن، داعية كل طرف إلى تفهم هذه الرسالة بشكل واضح.

المصدر: السفير

  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...