في يوم المرأة العالمي: النساء بوصفهن رقيق العالم وضحايا العنف

08-03-2009

في يوم المرأة العالمي: النساء بوصفهن رقيق العالم وضحايا العنف

لا تزال المرأة، والعالم يقترب من نهاية العقد الاول للالفية الثالثة، تعامل بصورة اقرب الى معاملة الرقيق في كثير من انحاء العالم: تمنع من التعليم، تباع في صفقة زواج، او تُنهى حياتها تعذيبا وقتلا في مسلسل العنف المنزلي وقضايا الشرف. كل ذلك من غير محاسبة للجاني، «مالكها الاصلي»: زوجها، والدها، وكل من له صفة الوصاية عليها في عائلتها. هذا من غير ان ننسى تهريب النساء بين الحدود لاستغلالهن كرقيق ابيض، او اساءة معاملتهن كخادمات قطعن الاف الكيلومترات من بلادهن بحثا عن لقمة العيش. هل نسينا الحديث عن حقوقهن السياسية والادارية؟ تبدو هذه الحقوق بطرا امام ما يحدث من تجاوز لا يتصوره عقل بحق المرأة في كثير من مناطق العالم.
فمع هذا الثامن من آذار (مارس)، اليوم العالمي المخصص للمرأة من قبل الامم المتحدة، نلاحظ أنه على رغم اشارة مؤسسة استطلاع الرأي العالمية الاميركية قبل شهور الى ان المساواة بين الجنسين في العالم، والوعي باعطاء المرأة مزيدا من الحقوق، قد ارتفع بصورة مضطردة منذ السبعينات حتى الآن، بما فيها بعض البلدان العربية والمسلمة التي شملها الاستطلاع، لا يزال هناك، للأسف، ما لا يسر من الاخبار عن سوء الاوضاع التي تعيش في ظلها، وجميعها تحمل قصصا حول مآسي النساء واوضاعهن المزرية على شتى المستويات. لا تقف الاختراقات  عند مستوى معين، من التشريعات، الى الواقع العملي من ضرب واغتصاب وتحرش وقتل. كل الصور التي نراها امامنا تثبت ان النساء لا يزلن بحاجة الى مزيد من الاتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية لتحريرهن من العبودية «الواقعية»، كما تم تحرير العبيد السود والبيض على السواء في العالم، بدءا من القرن التاسع عشر.
سأبدا من آخر الاخبار نسبيا التي وصلتنا نهاية العام المنصرم حول قرار طالبان باكستان اغلاق مدارس البنات في «اقليم سوات»، ثم تدميرها لـ252 مدرسة عقابا على عدم الالتزام بقرارهم الوحشي. وكانت النتيجة ان البنات عدن الى البيت بعد ان هددت طالبان بقتلهن في حال ارسلهن الاهل الى المدارس، ليتلقين «فتات» التعليم في البيت لمن كانت فقط محظوظة منهن. غير  ذلك، فقد حمل لنا العام 2008 حزمة اخرى من الاخبار غير السارة عن وضع النساء. من ذلك تقارير تكشف عن صغيرات تخطف منهن طفولتهن وهن لا زلن يلعبن في ساحة المدرسة، ويتم تزويجهن سدادا لدين الاب بعد رهان او قمار، او لانه اساسا في ضائقة مالية ويحتاج الى سيولة يحصل عليها من «الصفقة» التي تبيع الطفلة او الفتاة بيع النخاسة. حدث ذلك مع الطفلة اليمنية نجود علي التي لفتت اليها انتباه العالم وهي تحصل على قرار بفسخ زواجها من زوج فرض عليها وهي في سن الثامنة. وحصلت نجود، رغم صغر سنها، على لقب امرأة العام من مجلة «غلامر» الاميركية. الضجة التي قامت حول هذه الطفلة لم تمنع من تكرار الحادثة ببشاعة مع صغيرات اخريات، او فتيات سقن الى ملكية رجل آخر كما تساق الاماء. وليست كل الفتيات بقوة ارادة الصغيرة نجود التي تحررت من الواقع وسيكون عليها ان تناضل كثيرا لتتحرر من الكوابيس التي عايشتها جراء الصفقة التي افقدتها طفولتها. في مكان آخر قريب، امرأة اكبر سنا وام، يقتلها زوجها الغاضب «سحلا» بالسيارة، ليرميها بعد ذلك عند باب اهلها وامام بصر اطفالها، كأنه يحطم «غرضا» استعاره من تلك العائلة قبل ان يعيده اليهم.
وفي مصر والمغرب ارتفعت وتيرة التحرش الجنسي العام الماضي، وسورية تم تصنيفها الخامسة عالمياً والرابعة عربياً في انتشار جرائم الشرف، وهناك مشروع امام مجلس الشعب السوري هذا الشهر لإلغاء مادة في القانون السوري تبرئ مرتكبي جرائم الشرف التي تعطيهم الاعذار المخففة بعد الجريمة. لذا نأمل ان يمر المشروع بسرعة عله يحد من حرية اي رجل في التخلص من احدى نساء العائلة بسبب انوثتهن التي تمرغ شرفه. والكلام عن سورية لا يدعنا ننسى ارتفاع وتيرة تلك الجرائم بين الاتراك والاكراد ايضا، كما تقول تقارير منظمات حقوق الانسان. واذا فكرنا بقضايا الاغتصاب التي تحدث في العالمين العربي والاسلامي، فان الجاني لا يزال يمضي من غير عقاب، بل ويكافأ على جريمته بتزويجه من الضحية، بينما تعاقب الفتاة بالعيش مع من اعتدى عليها وحصل عليها بالعنف. يحدث ذلك بتواطؤ من العائلة والعشيرة والقبيلة، حتى وان كانت الفتاة مجرد ضحية. اما قضايا الاعتداء الجنسي على المحارم، فتبقى في اغلب الاحيان في العتمة، في حالة يتواطأ فيه رجال الامن مع الاهل، سترا للفضيحة وسترا للمحرم المعتدي «الرجل»، معا.
ولا تزال المرأة الضحية الاكبر في حالات النزاع والحروب، تتعرض للهتك والاهانة الروحية والجسدية التي تقع تحت مسمى الاغتصاب، مثلما حدث في دارفور، وكما يحدث في بعض المناطق القبلية في الباكستان، حيث تنتقم القبائل من بعضها البعض بخطف النساء واغتصابهن ورميهن لاهاليهن، لتلفظهن قبيلتهن هذه المرة. الجميع يتعامل مع المرأة مثل شيء مستعمل وسخ لا روح وعقل وجسد وارادة حرة. يسرد الكاتب الافغاني خالد حسيني في روايته «الف شمس رائعة»، واقع المرأة في اوقات الازمات الكبرى التي تكون ضحية لمرتين، مرة عندما تكون تحت رحمة النظام الذي سيطر على البلاد، وفي حالة بلاده كانت قوات طالبان التي حرمت النساء من التعليم والطبابة والعمل، ومرة اخرى داخل البيت عندما تصير موضوعا للقمع الشديد من ضرب مبرح وقيود على حريتها. كل ذلك بسبب غياب الجهة التي يمكن ان تحميها في الدولة، ففي غياب شرعية الدولة لا يتدخل رجال السلطة «بما يفعله الرجل مع اهل بيته».
الاوضاع السابقة لخصتها منظمة العفو الدولية ببلاغة، عندما وصفتها بـ»العنف الذي تمارسه الدولة ووكلاؤها». فعلى الرغم من تعهد الدول بأن تلتزم بمنع العنف ضد المرأة، «فإن العنف ضد النساء والفتيات في العديد من المجتمعات، يواجه من جانب الحكومات بعدم الاكتراث والصمت واللامبالاة». وفي استطلاع الرأي الذي اجرته «مؤسسة الرأي العام الدولي» العام الماضي حول قضايا المساواة بين الرجل والمرأة، رأت الأغلبية التي تصل إلى ما نسبته 80 في المئة من المستطلعة آراؤهم، ان «على الحكومات بذل المزيد من الجهد لمنع التمييز ضد المرأة». القضية اذن قضية تشريعات تسنها البرلمانات والحكومات، اضافة الى توفير الحماية القضائية والامنية للنساء المعرضات للعنف، وتقديم برامج توعية في المجتمع حول قضايا المساواة والعنف الاسري. لا يجب ان تترك ادارة شؤون المرأة في المجتمع للرجل وحده، ايا كانت صلة القرابة بينه وبين المرأة. وعندما تتحرك المنظمات الدولية والمجتمع المدني لتحسين وضع المرأة في العالم، فان على الدولة ان تتخذ زمام المبادرة لكي تخلص المرأة من وضع العبودية والتصرف بها كملكية خاصة لذكور العائلة. انه ليس عار العائلة، بل عار البشرية في الفيتها الثالثة، ان تظل المرأة تعامل معاملة الرقيق رغم كل الاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان ومحاربة التمييز بين الجنسين، وقد حان الوقت للبدء بتحريرها والتعامل معها انسانة حرة مستقلة، تماما كما بدأت حركة تحرير العبيد قبل مائتي سنة.

غالية قباني

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...