صراع الأجنحة ومستقبل وحدة حماس

30-10-2007

صراع الأجنحة ومستقبل وحدة حماس

الجمل: تنشأ التنظيمات السياسية، أيّاً كانت، متماسكة، وبمرور الزمن، إن لم تتفرق السبل بقياداتها وزعاماتها، فإن الأحداث الجارية وتداعياتها المتراكمة، كفيلة بأن تعصف بوحدة التنظيمات وتحولها إلى فصائل مختلفة، تناصب بعضها البعض العداء بما يفوق عداءها للعدو الرئيسي..
ظلت قيادات وزعامات وعناصر الحركات الإسلامية تفخر دائماً بأن قوامها التنظيمي غير قابل للتفكك والانقسام، وذلك لأنه قوام يتميز بـ"القداسة" المستمدة من مقولة أن المؤمنين أخوة، وبأن عروة الإيمان الإسلامي الوثقى الرابطة بينهم قوية بما يكفي لتأمين تماسك القوام التنظيمي لحركاتهم السياسية من خطر أي انقسام، وبرغم ذلك، فقد مدّ التاريخ لسانه مراراً وتكراراً للحركات الإسلامية، والتي تعرضت للانقسام، وقامت بالكثير من عمليات "تفريخ" التنظيمات الجديدة، والتي وصلت الخلافات فيما بينها إلى حد الاتهام بـ"الكفر" والـ"خروج على الملّة".. وغير ذلك من المصطلحات التي يعرفها كل من قرأ تاريخ الفتنة الكبرى وما أعقبها من الـ"فتن" والقلاقل..
* القوام التنظيمي لحركة حماس:
حركة المقاومة الإسلامية، والتي تسمى اختصاراً «حماس»، هي بالأساس تنظيم سري يعتمد في إستراتيجيته على العمليات السرية والقيادة الجماعية على النحو الذي ظل فيه من الصعب جداً الإشارة إلى أي زعيم باعتباره القابض على مقاليد السيطرة والقيادة فيما يتعلق بعملية صنع واتخاذ القرار في حركة حماس..
أبرز قادة حماس في الفترة الممتدة منذ نشأتها الأولى في آب (أغسطس) 1988م، هم:
• الشيخ أحمد ياسين (1938 – 2004م).
• عبد العزيز الرنتيسي (1947 – 2004م).
• خالد مشعل (1956 -   ).
• إسماعيل هنيّة (1963 -  ).
• أحمد الجباري (تاريخ ميلاده غير معروف).
أبرز الأذرع الفاعلة في حماس تتمثل في الآتي:
• الجناح السياسي: ويتولى مهام جمع الأموال، والدعاية السياسية، وتجنيد الأعضاء الجدد، وممارسة السيطرة على المساجد.. وتعتبر مكاسب حماس السياسية، المتمثلة في الفوز بانتخابات البلديات الفلسطينية والانتخابات التشريعية الفلسطينية، من أبرز الإنجازات التي أدت إلى صعود حركة حماس فلسطينياً وعربياً ودولياً.
• الجناح الاجتماعي: ويقوم بالإشراف على تقديم الخدمات الاجتماعية، مثل الخدمات الصحية والتعليمية، إضافة إلى الأنشطة الخيرية الأخرى ذات الطابع الإنساني – الاجتماعي (الإسلامي).
• الجناح الاستخباري: ويطلق عليه اسم حركي هو "المجد"، وهو المسئول عن أمن التنظيم، وتقول المعلومات بأن هذا الجناح قد تم دمجه مع الجناح العسكري للحركة.
• الجناح العسكري: وتطلق عليه تسمية "كتائب عز الدين القسام"، وينتظم هذا الجناح ضمن منظومة محكمة من الخلايا، على النحو الذي جعل من الصعب جداً على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية القيام بأي عملية اختراق لها. وتقول المعلومات بأن حركة حماس استطاعت تجنيد أعداد كبيرة من العناصر لصالح هذا الجناح، الأمر الذي ترتب عليه أن أصبح الجناح العسكري الخاص بحركة حماس يتميز بكثرة العناصر، والتحركات الميدانية الفاعلة خلال عامي 2006م و2007م.
* حركة حماس وتأثيرات مجرى الصراع:
برغم تعدد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، فقد ركزت حركة حماس على مبدأ تصعيد الصراع ضد إسرائيل باعتبارها العدو الرئيسي الذي يتوجب عدم القيام بأي مهادنة معه، وقد راهنت حماس على هذا المبدأ باعتباره قاعدة الاشتباك الأولى والأخيرة ليس في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وحده، وإنما في مجمل الصراع العربي – الإسرائيلي..
التزامن بين "رهان حركة حماس" القائم على التصعيد، و"رهان حركة فتح" القائم على التهدئة، هو تزامن تميز بمفعوله السحري، أو بالأحرى هو إكسير الحياة، الذي أدى إلى بروز وصعود حماس كقوة فلسطينية أولاً وإسلامية ثانياً، أما حركة فتح، فقد كان رهانها بمثابة "قبلة الموت" التي لم يبق بعدها لحركة فتح وزعيمها محمود عباس سوى مرحلة الخروج من الساحة الفلسطينية والانتقال لـ"غرفة الإنعاش" بانتظار رصاصة الرحمة التي قد يطلقها محور تل أبيب – واشنطن إذا تم التوصل إلى أية صفقة مع حماس.
تطورات مجرى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، عززت قوة حماس وأضعفت قوة فتح، ولكن بسبب محاولة زعماء فتح استخدام رصيد إرث المقاومة، لا في مقاومة إسرائيل وإنما في مقاومة حماس التي منحها الشعب الفلسطيني ثقته في الانتخابات التشريعية، فقد أصبح الأمر أكثر تعقيداً، وتصاعدت الخلافات إلى حد قيام حماس بفرض وجودها عسكرياً في قطاع غزة، الأمر الذي احتفى به الإسرائيليون والأمريكيون كثيراً، لأنه يؤدي بالضرورة إلى تحقيق ما كان الجنرال إرييل شارون يحلم به طوال حياته: قيام دولتين فلسطينيتين، واحدة في قطاع غزة وأخرى في الضفة الغربية.
الآن، أصبح القوام التنظيمي والوجود السياسي لحركة حماس موزعاً ضمن ثلاثة دوائر:
• كيان حركة حماس في قطاع غزة.
• كيان حركة حماس في الضفة الغربية.
• كيان حركة حماس في الخارج.
صحيح أن الإسلاميين يعتمدون دائماً مبدأ القيادة الجماعية واستخدام نظام مجالس الشورى الإسلامية، كأساس لعملية صنع واتخاذ القرار بما يتطابق مع المقولات الإسلامية الأساسية مثل: "وأمرهم شورى بينهم"، "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة.." وغيرها من المبادئ الأساسية الشرعية، وصحيح أيضاً أن حركة حماس، مثلها مثل الحركات الإسلامية الأخرى، تعتمد صيغة مجالس الشورى كأساس لعملها ونشاطها... وبرغم ذلك فإن منطق الجغرافيا أبى إلا أن يجعل حماس موزعة ضمن ثلاثة دوائر جغرافية، وبالضرورة، لا بد من أن يكون لكل دائرة من هذه الدوائر مجلس الشورى الخاص بها الذي يشرّع لكل منها كيفية التصرف والعمل بما يتناسب مع مبادئ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"..
وبكلمات أخرى، فإن ما فعلته الجغرافيا بحركة حماس، قد انعكس بالضرورة على منطق السياسة في عمل الحركة، الأمر الذي سوف ينعكس (بالضرورة أيضاً) على إدراك مجالس شورى حماس لـ"منطق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".. خاصة وأن الواقع الحالي الذي تعيشه الحركة يختلف عن واقعها الماضي قبل خوض الانتخابات الفلسطينية، والذي كان زعماء حماس يبشرون فيه الفلسطينيين بـ"جنة عرضها السموات والأرض" كلما تصدوا للإسرائيليين..
الخيارات أمام حركة حماس كثيرة، فهل يا ترى سوف تختار المضي قدماً في خيار نموذج قطاع غزة، أم أنها ستختار المناورة على خطوط الواقع الفلسطيني الذي بات منقسماً بين "موديل" غزة (المقاوم لإسرائيل) و"موديل" الضفة الغربية (المتعامل مع إسرائيل)، أم أنها سوف تقوم ببناء ذريعة برجماتية إسلامية خاصة بها عن طريق "تأويل" منطق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسير في نفس الطريق الذي سار فيه "المغدور بالسم" الزعيم ياسر عرفات، ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الحالي، الذي أصبح عاجزاً على أن يحصل من الإسرائيليين على مجرد بيان شكلي يساعده على "رفع الرأس" أمام الفلسطينيين والعرب والعالم..
* الحد الفاصل بين منطق الخلافات وصراع الأجنحة:
يستبعد الجميع أن تمضي حماس في التعامل مع أمريكا وإسرائيل على طريقة ملك الأردن الذي يتعامل مع الإسرائيليين الذين يحتلون القدس ويقتلون الفلسطينيين من جهة، ومن الجهة الأخرى يقدم نفسه للعالم باعتباره من الجيل الثاني والأربعين لنسل الرسول الكريم.
في السياسة، باعتبارها فن الممكن، وتحديداً في الأوضاع السياسية الحرجة، كثيراً ما تبرز ظاهرة التعامل الواقعي مع مجريات الوقائع والأحداث الموضوعية، وحركة حماس على وجه الخصوص أصبحت الآن، قبل أي وقت مضى، مطالبة بالواقعية والتماسك والالتزام بروح المقاومة، والالتزام الشجاع مع الأطراف العربية الحقيقية، وبكلمات أخرى، فإن المقاومة بالأساس حينما تكون فعلاً عقلانياً تكون بالضرورة حقاً مشروعاً ومبدءاً أخلاقياً.. بكلمات أخرى أيضاً، كل الشارع العربي يحترم حركة حماس، على أساس اعتبارات وقوفها الجاد ضد المشروع الأمريكي – الإسرائيلي، وليس على أساس اعتبارات خلفيات علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، وإن كان قادتها قد خرجوا من رحم هذه الجماعة، وعلى قادة حماس بالمقابل أن يدركوا مدى فداحة خسارة تراجع دعم وتأييد الشارع العربي.. إن تبين له أن حركة حماس تظهر بمظهر المقاوم للمشروع الإسرائيلي في النهار، وتبدل جلدها في الليل بجلود تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين التي لم تعد لقاءات زعمائها مع زعماء اللوبي الإسرائيلي واليهود الأمريكيين سراً..
* الامتحان أمام التحدي: مستقبل وحدة حماس..
هل ستستمر حركة حماس موحدة القيادة، أم أن منطق الجغرافيا سوف يفرض تداعياته عليها ويحولها إلى ثلاثة تنظيمات تحمل اسماً واحداً؟ أم هل سيفرض منطق السياسة تداعياته على الحركة ويحولها إلى ثلاثة أجنحة نوعية: الأول يتبنى نموذج القاعدة، والثاني يتبنى نموذج المناورة، والثالث يتبنى نموذج التعامل..؟
كثيرة هي الأسئلة المتعلقة بمستقبل حركة حماس، وبرغم كثرتها وبرغم القول القائل "إن الله لطيف بعباده الصالحين" في حركة حماس، فإن الالتزام بثوابت الحق العربي هو الأساس لكل مخرج..


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...