سرائيل تغتصب الإدب

05-04-2006

سرائيل تغتصب الإدب

يصحو الكاتب العربي ليفاجأ بأن عمله الإبداعي مترجم إلى العبرية، ويجد نفسه أمام أحد أمرين: الدفاع عن حقوقه عبر نزاع قضائي يلزمه التعاون مع كيان لا يرغب في الاعتراف به، أو إعلان تبروئه من الترجمة نهائيا، وتخليه عن كافة حقوقه. والمحصلة النهائية هي أن المبدع العربي يصبح واقعاً تحت ما يمكن تسميته «التطبيع بالإكراه» أو «اغتصاب التطبيع»، كما عنون الروائي يوسف القعيد بيانه، عندما فوجئ، ذات خدعة، بأنه ضحية إحدى هذه العمليات.
الترجمة إلى العبرية، من وجهة نظر الدكتور محمد أبو غدير، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في «جامعة الأزهر»، هدفها الأساسي فهم طبيعة المجتمع المصري والعربي. فقد ترجمت أعمال نجيب محفوظ، مثلاً، لدراسة الطبقات الشعبية، وبنفس المنطق تم التعامل مع بقية الكتاب. ويشرح د. ابو غدير: «هذا مبدأهم منذ الهجرات اليهودية الأولى إلى فلسطين. فقد ترجموا «معاني القرآن الكريم» و«الأيام» لطه حسين و«عودة الروح» لتوفيق الحكيم. وبعد زيارة الرئيس السادات للقدس، تم تكليف عدد من المتخصصين في الأدب العربي لترجمة أعمال ادبية مصرية لمعرفة ما إذا كانت زيارة السادات مجرد رؤية عابرة لشخص أم انها نهج تفكير لأشخاص عديدين. الترجمة عندهم تسعى أساسا لأداء وظيفة، لكن هذا الدور غائب عندنا للأسف». كلمات أبو غدير تتلاقى مع ما أوردته ناشرة إسرائيلية في سياق حوار صحافي، أكدت فيه انه: «خلال 72 سنة، أي منذ بدأت الترجمة من العربية إلى العبرية، في ثلاثينات القرن الماضي وحتى عام 2000، فإن مجموع ما ترجم 32 رواية فقط». الناشرة هي ياعيل لرر التي أثارت ـ قبل فترة ـ ضجة، عندما حاولت الحصول على موافقات أدباء عرب لترجمة أعمالهم إلى العبرية عبر «دار الأندلس» التي تملكها. الرقم الذي ذكرته يؤكد أن الترجمة من العربية ليست مشجعة على مستوى سوق النشر بقدر ما هي ذات غايات استطلاعية كي لا نقول مخابراتية. يتفق د. أبو غدير مع هذا الرأي، لكنه يبدي تحفظاً على كلمة استخباراتية: «يمكن استعمال كلمة معلوماتية، فالهدف من الترجمة هو الحصول على معلومات. فقد ترجموا نجيب محفوظ، ثم إحسان عبد القدوس الذي اتهم بتشويه صورة المرأة اليهودية في كتاباته، ويوسف إدريس الذي اهتموا بأعماله كمبدع في مجال القصة القصيرة، وبعض المبدعين من الأجيال التالية». ومن بين الذين ترجمت كتبهم سحر خليفة «عباد الشمس»، يوسف القعيد «الحرب في بر مصر»، «يحدث في مصر الآن» و«أيام الجفاف»، نوال السعداوي «موت الرجل الوحيد على الأرض» و«سقوط الإمام»، هدى بركات «حجر الضحك»، الطيب صالح «عرس الزين» و«بندر شاه». وآخر الذين تعرضوا لمطاردات من ناشرين إسرائيليين كان الأديب علاء الأسواني.
الانتفاضة بالشيكل
وحول اعتقاد البعض بوجود تحريف متعمد لمضامين بعض الأعمال المترجمة، لخدمة أهداف ايديولوجية معينة، يقول د. محمد أبو غدير: «لا اتفق مع هذه الرؤية، التحريف غير متعمد. وعادة ما يكون الخطأ ناتجا عن عدم فهم، خاصة في حالتي نجيب محفوظ ويوسف القعيد. لأن الأول ركز في أعماله على الحارة والثاني على الريف، والمنطقتين تتضمنان مفردات قد لا يستوعبها المترجم. «قصة الزعبلاوي» لنجيب محفوظ مثلا، ترجمت 11 مرة، لأن ترجمتها صعبة جدا، وفي كل مرة كانت الترجمة تتم لتصحيح الأخطاء السابقة. لقد حرفوا عن عمد في ترجمتهم لمعاني القرآن الكريم، أما في الإبداع فهم يترجمون للوصول إلى معلومات، لذلك يفترض أن يلتزموا بالأمانة». لكن الروائي يوسف القعيد يختلف مع د. أبو غدير، ويسرد بعض ملامح تجربته ليدلل على ذلك. في نهاية الثمانينات تلقى القعيد اتصالا هاتفيا من الناقد الفلسطيني نزيه القاسم، وكان في زيارة للقاهرة قادما من الأراضي المحتلة، وأخبره أن روايته «الحرب في بر مصر» ترجمت إلى العبرية عن طريق «دار مفراس» التابعة للحزب الشيوعي الإسرائيلي «راكاح». سارع القعيد بإصدار بيان حمل عنوان «اغتصاب التطبيع» نشرته جريدة «الأهالي» المصرية، أوضح فيه اعتراضه على ما حدث. تدخل الكاتب الراحل اميل حبيبي والشاعر سميح القاسم، ليقنعا القعيد بأن موقفه خطأ، لكنه أجابهما بأن هناك مواقف يفرضها عليهما وجودهما داخل الأراضي المحتلة، لكن ذلك لا يسري عليه. بعد فترة نصح سميح القاسم القعيد بأن يحصل على المقابل ويتبرع به للانتفاضة. يروي القعيد: «اقتنعت في البداية ووجدتها فرصة لدعم الانتفاضة الأولى التي كانت مشتعلة، لكنني فوجئت بأن السفارة الإسرائيلية في القاهرة ستدخل طرفا، وأنني سأحصل منها على حقي بالشيكل، وفي النهاية لن أستطيع أن أوجهه للانتفاضة، فرفضت على الفور». وعلم القعيد بعد ذلك، أن هناك أخطاء في الترجمة، ويروي: «هناك تزييف متعمد يبدأ من الغلاف، فقد صمم الفنان حلمي التوني غلافا لطبعة بيروت التي تم الاعتماد عليها في الترجمة، نقلوه كما هو، لكنهم حولوا أرضيته السوداء إلى خضراء، مما يعني تغيير الإيحاءات الرمزية التي للغلاف، كان هذا هو أول مالاحظته. بعد ذلك حضرت ندوة رصد فيها د. جلاء إدريس ـ أحد المتخصصين في اللغتين العبرية والعربية ـ أخطاء عديدة متعمدة لا أذكر منها حاليا إلا واحدة فقط. ففي الرواية مثلا أن لكل عائلة في مصر مشكلات مع التجنيد، لكنهم ترجموها بأن كل مصري له مشكلات مع المؤسسة العسكرية الحاكمة».
الرضوخ أو الاقتناع
في عام 2001 خاض القعيد معركة بعد مساعي «دار الأندلس» الإسرائيلية لتوقيع عقود مع مبدعين عرب لترجمة أعمالهم إلى العبرية. وشهدت إحدى مراحل هذه المعركة سجالا عنيفا عبر الإذاعة البريطانية بينه وبين الناقد المغربي د. محمد برادة، الذي تردد أنه كان وسيطا بين الدار والمبدعين العرب، وعن ذلك يقول القعيد: «شهدت هذه الواقعة نقلة أساسية ففي كل الترجمات السابقة كان الموضوع يتم عنوة، لكنهم هذه المرة جاوا ليوقعوا مع الأدباء وهذا هو المستغرب. أعتقد أن هناك أدباء وقعوا بالفعل لكن انتقال الموضوع إلى العلن جعلهم يتراجعون». النقلة الأخرى التي لم يتحدث عنها القعيد هي أن هناك وجهات نظر ثقافية عربية، خرجت للمرة الأولى تؤيد هذه الترجمات، على اعتبار أن الدار التي تقوم بها مناصرة لحقوق العرب. ولم ينتبه أحد إلى أن هذا الموقف نفسه هو الذي انطلق منه علي سالم مع تغييرات بسيطة، ومع ذلك ظل الجميع يصبون غضبهم عليه، بينما تجاهلوا وجهات النظر الأخرى التي لا تختلف عن وجهة نظره كثيرا!
ماحدث مع الروائي علاء الأسواني تم وفق سيناريو يختلف عما سبق وروينا. فقد فوجىء الأديب بأن جريدة «هآرتس» تفرد صفحة كاملة لروايته «عمارة يعقوبيان»، وبعد قراءته لترجمة المقال خرج بانطباع أساسي هو ان: «الناقد الذي كتب المقال لديه معاييره النقدية، لكنه كتبها كإسرائيلي في المقام الأول. شعرت أنه يتعامل مع الأدب كوسيلة معرفية. ملاحظات عديدة جعلتني أتأكد من أنه يقرأ بعين إسرائيلية وأخرى أدبية، لكن العين الإسرائيلية هي الغالبة». ويضيف الأسواني: «إنهم يترجمون بهدف التعرف إلى المجتمع المصري وربما استخلاص رؤى تكون أشبه باستطلاعات الرأي التي تصب في النهاية بقنوات استخباراتية»، يوضح: «ما استغربته هو أن الكاتب أنهى مقالته قائلاً: انه يعرف ميولي السياسية الرافضة لأي تعامل مع إسرائيل، لكنه وجه دعوة لـ«دار الأندلس» لتترجم الرواية وتطبعها بغض النظر عن موافقة المؤلف!!».
وبدأت، بعد ذلك، محاولات الاتصال بالأسواني الذي يحكي: «فوجئت بمكالمة هاتفية من إسرائيلي يتحدث العربية. عرض علي ترجمة الرواية، فأجبت مؤكدا رفضي لأي تعامل مع إسرائيل قبل استرجاع كافة الحقوق العربية. اتجهوا بعدها لمدبولي رغم أن الناشر لا علاقة له بحق الترجمة وعندما حكى لي ما حدث كررت ما سبق أن ذكرته. بعدها بفترة كلمتني سيدة بالإنجليزية ومدحت الرواية، وفجأة ذكرت أنها تكلمني من إسرائيل، وأنها تعمل لحساب دار نشر تابعة لجريدة «معاريف»، وعرضت موضوع الترجمة، مؤكدة أن المقابل سيكون مرتفعا، فكررت نفس ما سبق، فاحتدت وأنهت المكالمة. لم تمر فترة طويلة حتى جاء اتصال ثالث من صحافية إيطالية تقول ان صحافيا إسرائيليا موجودا في القاهرة يرغب في عمل حوار معي لأن لي معجبين في اسرائيل، ولم يختلف ردي عن المرات السابقة». لكن هل الامتناع عن إعطاء الموافقة يعني أن الرواية لم تترجم؟ يجيب: «علمت أن الرواية ترجمت بالفعل. وقررت أن ألاحق هؤلاء اللصوص بالاحتكام لهيئة دولية، وكي يصبح لهذا الموقف مغزاه، فإن أي مبلغ سيعود علي سأوجهه على الفور لحركة حماس وليس لأي جهة أخرى في فلسطين».
بدوره يؤكد الدكتور يحيى عبد الله، أستاذ الأدب العبري الحديث في «جامعة المنصورة» أن اختيار الأعمال الإبداعية للترجمة يتم وفق معايير محددة: «اختاروا مثلا مسرحية «سعدون المجنون» للينين الرملي لأنها تتحدث عن البطل الذي يصاب بلوثة بعد النكسة، كما أنهم يركزون على القصص التي تنبش في قاع المجتمع لأنهم يريدون الوصول إلى أدق التفاصيل». ويضرب مثالا بكتاب أحضره من مكتبته يحمل عنوان: «مكان على وجه الأرض»، يتضمن قصصا لعدد من الكتاب العرب المعروفين منهم: نجيب محفوظ، يوسف إدريس، يوسف الشاروني، اميل حبيبي، زكريا تامر، غسان كنفاني، الطيب صالح. وهو كتاب صدر عن معهد «فان لير» بالقدس. ويؤكد د. عبد الله بدوره أن هناك أخطاء ترتكب أثناء الترجمة، لكنها ليست نابعة عن رغبة في تحريف المعنى، بقدر ما هي ناتجة عن جهل المترجم بمفردات اللغة العربية أو اللهجة العامية.

 


الشرق الأوسط - إيهاب الحضري

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...