حول قائمة "يجب أن يرحل" الأمريكية

24-06-2013

حول قائمة "يجب أن يرحل" الأمريكية

الجمل- غلين فورد- ترجمة: د. مالك سلمان:

تعيد الولايات المتحدة ما فعلته في العراق عبر اختراعها لخطر أسلحة الدمار الشامل في سوريا. تقوم "إف بي آي" بتلفيق الإرهاب المحلي, بينما تزعم "وكالة الأمن القومي" أنها أنقذت العديد من الأرواح مؤخراً. "لماذا كل هذا السيل من الرعب الذي تخترعه الحكومة على الرغم من انتشار الرعب الحقيقي في كل مكان؟" ثم, ألا تقوم الولايات المتحدة بتسليح وتمويل نفس الجهاديين الذين من المفترض أنها تتنصت عليهم عبر هواتفنا؟
يرغب الحكام في إقناعكم بأن العالم يصبح أكثرَ تعقيداَ وخطورة طيلة الوقت, مما يجبر الولايات المتحدة على التخلي عن القوانين المحلية والدولية السابقة (والمتخيَلة في معظمها) من أجل المحافظة على الحضارة. وفي الحقيقة, إن ما يلهثون للحفاظ عليه بيأس هو هيمنة الولايات المتحدة ورأس المال الأوروبي والعالم العرقي الذي نشأ عنه.
لقد نضجت التناقضات المتراكمة عبر القرون, جارفة قدرة "الغرب" على احتواء القوى الجديدة المتنامية في العالم. ولذلك, يجب أن يكون هناك حربٌ دائمة ومفتوحة – دائمة بمعنى أنها الخندق الأخير في معركة الدفاع عن الإمبريالية المتهاوية, ومفتوحة بمعنى أن الإمبرياليين لا يعرفون أية حواجز قانونية أو أخلاقية لاستخدامهم القوة العسكرية, الميزة الأخيرة الباقية التي يتمتعون بها.
لتقنيع هذه الحقائق البسيطة, تقوم الولايات المتحدة وآلة الدعاية المؤسساتية التي تعمل في خدمتها باختراع واقع متخيَل, وسيناريوهات حول نهاية العالم تعج بالأوغاد والأشرار وجيوش الظلام بشكل يفوق ما يمكن أن يتخيله جي آر آر تولكين [كاتب إنكليزي صاحب أعمال خيالية مثل "سيد الخواتم"/1892- 1973]. وفي الحقيقة, لم يتركوا شيئاً للخيال كيلا تتجولَ أذهان الناس في مملكة الحقيقة أو تقعَ على معرفة تخدم مصالحهم التي تختلف تماماً عن مصائر "وول ستريت" أو "مشروع القرن الأمريكي الجديد" (الذي تم تحديثه إلى نسخة أوباما "الإنسانية"). إنها حرب كاريكاتير.
صدام "يجب أن يرحل" – ورحل, مع مليون عراقي آخرين. القذافي "يجب أن يرحل" – وسرعان ما رحل ("أتينا, رأينا, مات", كما تشدقت هيلاري), مع عشرات الآلاف من ‘الليبيين السود’ الذين تقررت إبادتهم. "على الأسد أن يرحل" – لكنه لم يرحل بعد, مما استدعى من الولايات المتحدة وحلفائها زيادة تدفق الأسلحة إلى الجيوش الجهادية التي تتلخص شعاراتها في "على الغربيين الكفار أن يذهبوا أيضاً ... بعد هؤلاء." كانت الحكومة الأفغانية المتحالفة مع السوفييت الأولى على لائحة "يجب أن يرحل" الأمريكية التي تم إسقاطها على أيدي شبكات الجهاد العالمية التي قام بتصنيعها الأمريكيون بالتعاون مع السعوديين والباكستانيين في بداية الثمانينيات من القرن الماضي – وهي شبكة يتوقف وجودُها الآن على "رحيل" القانون الدستوري في الولايات المتحدة.
بشكل طبيعي, لتسهيل خروج حكومات هذه الدول السيادية, على القانون الدولي كما نعرفه "أن يرحل". ويتم استبداله بعقيدة التدخل العسكري "الإنساني" أو "مسؤولية الحماية", وهي إعادة تركيب لمقولة "عبء الرجل الأبيض" المصمَمة لسحق حقوق القوى الصغيرة في السيادة متى شاءت القوة العظمى.
سقطت القارة الأفريقية برمتها تحت مظلة "مسؤولية الحماية" (دون أن تتحررَ قط من المدار الاستعماري – ولكن هذا هو المقصود, أليس كذلك؟). حققت الصومال فترة وجيزة من السلام في سنة 2006 في ظل نظام "المحاكم" الإسلامي العام الذي تمكن من دحر مجموعة من أمراء الحرب المدعومين من الولايات المتحدة. لكن واشنطن ردت الضربة في أواخر تلك السنة عبر زبونتها إثيوبيا. لقد اخترع الأمريكيون العدوَ الإسلاموي و "مسؤولية الحماية" لتبرير غزو أغرق الصومال فيما أسماه مراقبو الأمم المتحدة "أسوأ أزمة إنسانية في أفريقيا – أسوأ من دارفور". وفي النهاية, قامت الولايات المتحدة بتجنيد "الاتحاد الأفريقي" نفسه بصفته السلطة الاسمية في بعثة إلى الصومال بقيادة (سي آي إيه) عملت على عَسكرة "القرن الأفريقي" بأكمله.
أشعلَ وكلاء الولايات المتحدة صراعات دموية قبلية في راوندة في سنة 1994, مما خدم كذريعة للغزو الراوندي والأوغندي لجمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالمعادن وزهق أرواح 6 ملايين إنسان – وكل ذلك تحت حماية وتمويل وتوجيه سلسلة من الإدارات الأمريكية في تكفير ساخر عن "الإبادة" الأصغر بكثير في راوندة. وقد أرسل الرئيس أوباما "الوحدات الخاصة" بشكل دائم إلى المنطقة بحثاً عن كاريكاتير آخر هو جوزيف كوني الذي يعاني من مشكلة وحيدة تتمثل في مسيحيته المسعورة, لكن وجوده المفيد في الأدغال يبرر نشرَ "البيريهات الخضر" في الكونغو, وأوغندة, وجمهورية أفريقيا الوسطى, وجنوب السودان.
عمل استئصال معمر القذافي في ليبيا على تعزيز شكيمة الجهاديين عبر القوس الشمال- أفريقي, وصولاً إلى شمال نيجيريا, وأعطى الضوءَ الأخضرَ للنهضة الاستعمارية الفرنسية ومزيداً من التوسع ﻠ "آفريكوم", القيادة الأمريكية في إفريقيا. فبعد 5 سنوات من تأسيسها فقط, تتربَع "آفريكوم" على عرش القارة, حيث تتمتع بروابط قوية بجيوش جميع هذه البلدان باستثناء بلدين أفريقيين: إريتريا وزمبابوي. (لذلك عليهما "أن يرحلا", في نهاية المطاف.)
يهيمن قانون العصر الأورو- أمريكي الجديد على أفريقيا على شكل "محكمة الجنايات الدولية". إذ إن دعاوى "المحكمة" القضائية محجوزة للأفارقة فقط الذين تحتكر قصوراتهم الحضارية مواردَ المحاكم الكونية. وهذا أيضاً نوع من "مسؤولية الحماية", ولكن في أرواب قضائية.
بالعودة إلى سوريا, حجر الدومينو المعاند هذا, فقد تم إرسال عينات دَم مأخوذة من ضحايا مفتَرَضين للأسلحة الكيماوية إلى الأمريكيين من قبل الجهاديين في سعيهم المحموم للبرهنة أن على الأسد, فعلاً, أن يرحل. وقد أعلن أوباما أنه سيفعل ما كان, في الحقيقة, يفعله منذ وقت طويل: إرسال الأسلحة إلى "المتمردين". وقد نقلت "واشنطن بوست", التي نسيت واجبَها في اتباع البرنامج الزمني للإدارة, أن قرارَ إعلان نقل الأسلحة إلى الجهاديين قد تم اتخاذه قبل أسبوعين من وصول "الدليل".
تتداخلُ الأكاذيب, وسرعان ما تليها أكاذيبُ جديدة لتبرير منطقة حظر الطيران, لكن الكاريكاتير المستهدف يبقى في الأمام والوسط لتعريضه للسخرية والنعيق حالما يموت. إن الأكاذيبَ وحدها هي التي تجعل هذه الأوضاع تبدو أكثر تعقيداً: الأكاذيب التي تغطي الإبادات الجماعية الأمريكية المتعددة في أفريقيا, لرسم لوحة من الاهتمام الإنساني, بينما أن الحقيقة البسيطة هي أن الأمريكيين والأوروبيين قد هيمنوا عسكرياً على القارة لتحقيق طموحاتهم الجشعة. هذه الأكاذيب التي حاولت تمويهَ سلسلة من الأعمال العدائية السافرة ضد الحكومات العربية العلمانية المسالمة بهدف إزاحة أي عقبة تقف في وجه الهيمنة الأمريكية على شمال أفريقيا والشرق الأدنى. والكذبة التي احتلت المركز الأول حول العدوان الأمريكي الكوني منذ 9/11 هي: أن الولايات المتحدة تخوض حرباً كونية ضد الجهاديين المسلحين. ففي الحقيقة, إن الجهاديين هم الجنود الميدانيون الذين تعاقدت معهم الولايات المتحدة في عالم عربي تحمل شعوبُه كراهية كبيرة للولايات المتحدة. فقد كانت واشنطن عرابَ الجهاد العالمي ومرشدَه على الأقل منذ بداية الثمانينيات في أفغانستان – والآن أيضاً, وبشكل علني في سوريا وليبيا, في الوقت الحاضر على الأقل.
الحقيقة البسيطة هي أن الولايات المتحدة تخوض الحروب لكي تحقق هدفَها في الهيمنة المستمرة على الكوكب, من أجل الحفاظ على النظام الإمبريالي وحكامه الرأسماليين الممولين. وفي حرب كهذه, يشكل الجميع, وفي كل مكان, أعداء محتملين, بما في ذلك الشعب الأمريكي.
لهذا السبب يتم النظر إلى برادلي مانينغ وجوليان أصانج, والآن إدوارد سنودن, على أنهم أشخاص خطرون؛ لأنهم يقوضونَ الإجماعَ الشعبي على سياسات الحكومة القائمة على الأكاذيب. فقد أرسلت الإدارة موظفيها إلى "كابيتول هيل" وإلى كافة الوسائل شبه – الإعلامية المرتبطة بالشركات الكبرى لكي يشرحوا للناس كيف أن عمليات تجسسها الضخمة على الهواتف والإنترنت قد حالت دون "تنفيذ الأعمال الإرهابية بفعالية تزيد 50 مرة عن السابق منذ 9/11", بما في ذلك 10 "تهديدات داخلية" على الأقل, كما قال رئيس "وكالة الأمن القومي" الجنرال كيث ألكساندر. والتفاصيل سرية, بالطبع.
لكن ما نعرفه عن التجسس الداخلي الأمريكي على "الإرهاب" كفيلٌ بنسف الأرضية التي تقوم عليها ادعاءات "وكالة الأمن القومي". فمن الواضح أن الخطرَ "الإرهابي" الفعلي على الأرض الأمريكية ضعيف جداً. وإلا, لماذا تقوم (إف بي آي) بتصنيع الجهاديين المحليين من خلال فبركة هجمات مشهدية يقوم بها مشردون سود في ميامي لم يكن بمقدورهم شراء بطاقات الحافلة إلى شيكاغو, هذا ناهيك عن تفجير برج "سيرز"؟ ولماذا يقومون بتحريض وحشر الناس المُهمَشين العاجزين عن القيام بأي أعمال تخريبية, والذين لا يملكون أية ميول سابقة لفعل مثل هذه الأشياء, من أجل تفجير أماكن العبادة اليهودية وإسقاط طائرة حربية, كما حدث في نيوبيرغ/نيويورك؟ لماذا كل هذا السيل المتواصل من الرعب الذي تفبركه الحكومة, إذا كان الإرهاب الحقيقي موجوداً بهذه الكثافة؟ ولو كانت (إف بي آي), بمساعدة من "وكالة الأمن القومي", تكتشف أعداداً كبيرة من الإرهابيين الفعليين, أما كنا شاهدنا أمثلة كثيرة على التباهي بتحقيق هذه الإنجازات؟ بالطبع. إن الخلاصة المنطقية الوحيدة هي أن الرعب هو خطر داخلي يكاد لا يذكر, ولا يتناسب مطلقاً مع كل هذا التجسس الذي تقوم به "وكالة الأمن القومي" على جميع الأمريكيين.
إذاً, ما الذي يبحثون عنه؟ أنماط؟ أنماط تفكير وسلوك تكشف, بشكل حسابي, وجودَ أشخاص بمقدورهم – كمجموعة, أو كشبكة نشطة – أن يخلقوا المشاكل للدولة في المستقبل. أشخاص لا يعرف بعضهم البعضَ الآخر بالضرورة, لكن أنماط حياتهم تجعلهم إشكاليينَ بالنسبة إلى الحكام, ربما في أزمة مستقبلية ما, أو في أزمة مستقبلية مفتعلة. ميول نحو المعارضة, مثلاً. ويمكن لحجم هؤلاء المشبوهين, هذه المجموعات المبنية على أنماط معينة, أن يكون ضخماً أو صغيراً تبعاً للمعايير التي يتم إدخالها من قبل المبَرمِج. إذاً, أي نوع من الأمريكيين سيهتم به المبرمِجون؟
اسألوا إدوارد سنودن. فهو الوحيد الذي يتكلم.
http://www.globalresearch.ca/the-lies-of-empire-dont-believe-a-word-they-say-washington-the-godfather-of-international-jihadism/5339820

تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش"/"بلاك أجندا ريبورت", 20 حزيران/يونيو 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...