التشكيليون السعوديون بلا خصوصية

03-01-2008

التشكيليون السعوديون بلا خصوصية

معظم أعمال رسامينا خصوصاً الرسامات، تفتقد إلى الخصوصية والإبداع، وتدور أعمالهم في فلك التقليد الأعمى والخواء الفكري، لأن مواضيع «الصحراء والبيوت القديمة ومفردات الرواشين والجمال والدلة والخيام والنخل والعمة والغبانة والسوبيا» ليست «تعريفاً» لأي إنتاج فني سعودي، ووصفها بالحراك التشكيلي، حتى ولو وُظفت بشكل عشوائي وعبثي بحجة «التجريد» للهرب من إشكالية ذوات الأرواح، يبقى العمل عديم الصلة بأي مضمون أو اتجاه فكري محدد وفلسفة جلية، لأن كل هذه المواضيع والمفردات والأشكال مشاعة، وهي ملك مشاع تجدها في كثير من دول العالم خصوصاً القريبة منا.
كما أن الأعمال التي تتطرق إلى البيئة السعودية وعاداتها الشعبية إذا نُقلت بالأسلوب الواقعي أو التأثيري وما إلى ذلك من الأساليب التي تتلمس فيها الوضوح والمطابقة، فهي تعتبر أعمالاً تسجيلية لغرض التوثيق والتعريف، ولا يمكن دخولها في المنافسات الدولية والبيناليات العالمية، فلها وضعها ومناسبتها وشأنها ومكانتها.
ولهذا فمشوارنا طويل وصعب جداً، قبل أن نصل أو حتى نحلم بالعالمية، ولكن ليس ذلك بمستحيل، إذا ما بدأنا السير في النهج السليم والتخطيط العلمي المدروس، ونتعلم ممن سبقونا في هذا المضمار من دون جحود أو مكابرة، وتحقيق ما يجب علينا بشفافية متناهية.
وتبقى الدراسة الاختصاصية هي الأساس لصقل الموهبة وتبنيها وتنميتها، والملجأ الوحيد لاكتساب الخبرة المعملية والعملية التي يحتاج إليها كل فنان ممارس أصيل للارتقاء بفنه الذي يتعاطاه إلى آفاق أوسع، تفيده وتضيف إليه مدارك ومفاهيم جديدة، تؤهله لخوض المشاركات الدولية بمعيارها الصحيح، مثل المشاركات في: البيناليات والمعارض والمسابقات الدولية التي يشترك فيها فنانون من جميع أنحاء العالم والتفوق عليهم، مثل: بينالي فينسيا، نيويورك، بودابست، روما، بنغلاديش، فيينا، القاهرة، برلين، والشارقة، أو إدراج اسمه ضمن القواميس العالمية الدورية، أو الحصول على أوسمة الدول التقديرية والدكتوراه الفخرية، لأن هذه المشاركات والتفوق فيها والرعاية الدولية، هي الطريق الصحيح التي تحقق له الوصول إلى العالمية، ويحقق لوطنه العزة والفخار.
وبمناسبة الحديث عن الوصول إلى العالمية، أردت التلميح عن أهم المنافسات الفنية في العالم، ألا وهو «بينالي فينسيا» الدولي، وهو من أقدم البيناليات الفنية في العالم وأهمها، الذي يقام كل سنتين في مدينة البندقية الايطالية (فينسيا) تسعى دول العالم للحصول على العضوية الدائمة أو المشاركات الدورية، وتدفع الرسوم والضرائب الباهظة من أجل ذلك، وتُعِدُّ الفنانين إعداداً جيداً يليق بالحدث، هدفها إبراز حضارتها وثقافتها وتاريخ أمتها ووعي شعبها وتقدمها، من خلال فنونها التشكيلية.
ويشارك في هذا البينالي فنانون من جميع أنحاء العالم، وهو حلم كل فنان يحظى بالمشاركة في هذه الفعالية ليتوج بها تاريخ حياته الفنية، ولا يقل هذا الاهتمام عند المتلقي ومحبي الفن، الذين ينتظرون موعده وبحجوزات مسبقة قد تستغرق ستة أشهر قبل افتتاحه ليحظوا ببطاقة الدخول، ولو من الدرجة الثالثة (كلفة رسم الدخول 150 يورو للشخص الواحد أي ما يعادل850 ريالاً) ويذكر أنه في الدورة السابقة زاره أكثر من 13 مليون زائر من أنحاء العالم كافة خلال فترة انعقاده (ستة أشهر».
ويزداد عدد المشاركين والدول المشاركة في كل دورة من دوراتها، حتى بلغ عدد الدول المشاركة في الدورة الثانية والخمسين 87 دولة، وفي الدورة الـ 51، دخلت أفغانستان كعضوة مشاركة، وهي الدولة الفقيرة بمواردها وإمكاناتها المالية ومشكلاتها السياسية، وهناك دول أخرى دخلت أخيراً هذا المهرجان مثل كازاخستان، وأذربيجان، أرمينيا، قبرص، مالطا، كريت، بورما، وغيرها من الدول الصغيرة الفقيرة، بينما الدول العربية بحضارتها وبكيانها ورجالها وفنانيها ومثقفيها وشعبها الـ 100 مليون نسمة، لا تمثلها سوى مصر والعراق والمغرب.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا هذا الغياب؟ أين موقعنا في صفوف الدول المتقدمة؟ خصوصاً ونحن نمتلك كل المقومات والقدرات للوصول نحو العالمية، ويبقينا في صدر هذا العالم! وأنه آن الأوان للتفكير جدياً لوضع الاستراتيجيات اللازمة والخطط السليمة، والاهتمام بتوحيد جهود الفنانين الجادة المبعثرة التي قامت بجهودهم الذاتية، وهم الذين يعول عليهم الأمل كبداية ونموذج لحراك تشكيلي سعودي، يستحقون الإشادة والدعم والتشجيع، ومنحهم المميزات التي تجعلهم يتفرغون للعمل الإبداعي للوصول إلى العالمية.
أخيراً، أتمنى أن أرى ذلك اليوم الذي يرتفع فيه علم بلادي في هذا البينالي والبيناليات المماثلة، كما ارتفع عالياً في الكثير من المحافل الثقافية والرياضية، وكان خير دليل على نماء وتقدم ورقي هذا الوطن الغالي.

أحمد فلمبان

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...