الاحتباس الحراري وأجندة الصراع العسكري العالمي

21-08-2007

الاحتباس الحراري وأجندة الصراع العسكري العالمي

الجمل:     تداعيات أزمة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، لم تتوقف مشكلة التأثير سلباً على ظواهر المناخ والطقس والبيئة الطبيعية، بل امتدت تأثيراتها إلى التوازنات والتفاعلات الجيو- سياسية العالمية والدولية، وقد انتقلت عدوى أزمة الاحتباس الحراري العالمي إلى مجال العلاقات الدولية والصراع الدولي، وذلك على النحو الذي أدى إلى نزاع روسي- أمريكي، حول السيطرة على القطب الشمالي.
• طبيعة الأزمة الجديدة.. من البيئة إلى السياسة:
أدى الاحتباس الحراري العالمي إلى الارتفاع المضطرد في معدلات درجات الحرارة في سائر أنحاء العالم، وقد ترتب على ذلك ذوبان الجليد، وعلى وجه الخصوص في منطقة القطب الشمالي، الأمر الذي أدى بدوره إلى انكشاف الغطاء الجليدي عن سطح الأراضي المرتفعة الموجودة في منطقة بحر اركتيك على الجانب المجاور لأراضي روسيا.
الأزمة السياسية بين روسيا وأمريكا نشأت حول من هو الأحق بالسيطرة على هذه الأراضي، وبكلمات أخرى ضمن نطاق إي مجال سيادي يجب أن يتم تضمين هذه الأراضي: مجال السيادة الروسية أم مجال سيادة الولايات المتحدة الأمريكية؟
ينظر المراقبون وخبراء النظام الدولي، إلى أن المعركة الروسية- الأمريكية الدائرة حالياً حول أركتيك، تمثل في حقيقة الأمر إحدى مكونات أجندة الصراع العسكري العالمي المتعلقة باحتلال الأراضي والسيطرة وفرض النفوذ عليها.
• معاهدة الأمم المتحدة حول القانون البحري وتعميق الأزمة:
رفضت الولايات المتحدة الأمريكية الالتزام بقواعد وبنود معاهدة الأمم المتحدة حول القانون البحري، والتي ظلت روسيا وكندا تلتزمان بها باعتبارهما الدولتين المجاورتين للقطب الشمالي، وأما الولايات المتحدة الامريكية، فقد لجأت إلى تخطي هذه المعاهد والتصرف من جانب واحد واستخدمت وجود ساحل منطقة الاسكا المقابل للقطب الشمالي كذريعة للتدخل ومحاولة فرض النفوذ على المنطقة.
يقول الخبراء بأن ساحل منطقة الاسكا الأمريكية بعيد نسبياً عن القطب الشمالي، وحتى إذا تم التسليم جدلاً بأنه له شريط ساحلي في مواجهة القطب الشمالي فهو شريط ضيق.
• الموقف الروسي- الأمريكي وإشكالية توازنات الصراع:
تستند كل دولة على ذرائع خاصة تتمسك بها في دعم وإسناد موقفها:
- الموقف الأمريكي: يرى الأمريكيون بأن أراضي القطب الشمالي التي ظهرت بسبب ذوبان الجليد لا تتبع لأي نطاق سيادي، وبالتالي فإن معيار تبعيتها السيادية هو أمر مفتوح لكل دول العالم، وفقد يتوقف على من يقوم أولاً ويستبق الآخرين في الإعلان عن السيادة، وبناء على ذلك يرى الأمريكيون بأن مناطق القطب الشمالي قد تم اكتشافها بواسطة المكتشفين الأمريكيين الذين كانوا أول من وصل إلى هذه المنطقة، ولما كانوا يحملون العلم الأمريكي فإن ذلك دلالة على أن السيادة على هذه المناطق هي لأمريكا وحدها.. ومن أبرز المكتشفين الأمريكيين الذين وصلوا إلى القطب الشمالي نجد فريدريك البيرت كوك الذي تمكن في عام 1908 من الوصول إلى القطب الشمالي، وأيضاً المهندس روبرت ادوين التابع لأسطول البحرية الأمريكية، والذي وصل إلى القطب الشمالي في 6 نيسان 1909م، وغيرهم..
- الموقف الروسي: يقول الروس بضرورة تبعية أراضي اركتيك إلى روسيا، وذلك لجملة من الأسباب أبرزها:
أ‌- ان روسيا هي صاحبة أطول خط ساحلي مقابل لمنطقة اركتيك.
ب‌-  يقطن بالقرب من منطقة أركتيك حوالي 400 ألف روسي، بينما لا يقطن أي أمريكي في المنطقة الصغيرة المقابلة لأركتيك.
ت‌-  في حالة ذوبان الجليد بشكل كامل، فإن أراضي منطقة اركتيك سوف تتصل مباشرة مع الأراضي الروسية، وبالتالي، فإن أراضي اركتيك هي جزء مكمل للأراضي الروسية، طالما أن ذوبان الجليد يؤكد مادياً بأنها جزء مكمل لا يتجزأ من الجرف القاري للأراضي الروسية وامتداداتها داخل البحر، والقانون البحري الدولي ينص على تبعية كل الأراضي مباشرة لأراضي الدولة إذا ثبت أن الأراضي البحرية الجديدة تشكل امتداداً للجرف القاري.
الصراع حول منطقة اركتيك، تتزايد حدته أكثر فأكثر، وذلك بسبب دخول المزيد من الأطراف الدولية الجديدة، وقد أصبحت أطراف الصراع بالإضافة إلى روسيا وأمريكا تتمثل في: كندا، الدانمارك، ومن المتوقع قريباً دخول السويد والنروج.
• مزايا منطقة اركتيك:
تمتلك منطقة القطب الشمالي عموماً، ومنطقة اركتيك التابعة لها على وجه الخصوص الكثير من المزايا الخاصة، والتي جعلت منها أحد المناطق العالمية ذات الأهمية الخاصة الفائقة الحساسية في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا.
- توجد الكثير من الغواصات النووية الروسية والأمريكية في هذه المنطقة.
- توجد الكثير من القواعد النووية الروسية والأمريكية في المناطق الساحلية الروسية المقابلة لهذه المنطقة، وفي منطقة الاسكا الأمريكية التي تعتبر الأقرب أمريكيا بالنسبة للأراضي الروسية.
- على أساس اعتبارات الصراع الصاروخي الباليستي، فإن أي حرب صاروخية أمريكية- روسية، سوف تعتمد بشكل أساسي على مدى نجاح مدى إدارة الهجمات وتبادل الردع والردع المضاد عبر منطقة اركتيك، وذلك لأن أقرب مسافة بين الأراضي الروسية والأراضي الأمريكية تمر عبر منطقة أركتيك.
المعلومات تؤكد وجود كميات هائلة من مخزونات النفط والغاز في هذه المنطقة، وبسبب قرب هذه المنطقة من الأراضي الروسية، ومن الأراضي الكندية، ومن الأراضي الأمريكية، فقد تحرك نهم الشركات الأمريكية النفطية الكبرى باتجاه دفع الإدارة الأمريكية من أجل القيام بأي طريقة بإكمال عملية السيطرة ووضع اليد على منطقة اركتيك.
ويقول الخبراء بأن الصراع بهذه الطريقة على منطقة أركتيك ستترتب عليه سابقة خطيرة للغاية في القانون البحري الدولي، وذلك لأن سابقة (وضع اليد) سوف تتيح لأمريكا القيام بالكثير من عمليات وضع اليد الأخرى في العالم، وبالذات في الجزر النائية الصغيرة المنتشرة في مختلف بحار ومحيطات العالم، وذلك على النحو الذي يمكّن الولايات المتحدة من تحويل هذه الجزر إلى قواعد عسكرية نووية جوية وبحرية، على غرار ما حدث في جزيرة دييغو غارسيا الموجودة في المحيط الهندي، وهو أمر سوف يؤثر كثيراً على الميزان العسكري الاستراتيجي العالمي والدولي.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...