إسرائيل تقر صفقة تبادل الأسرى وأولمرت يعترف بالذل

30-06-2008

إسرائيل تقر صفقة تبادل الأسرى وأولمرت يعترف بالذل

أقرت الحكومة الإسرائيلية، بغالبية ساحقة امس، صفقة التبادل مع «حزب الله»، بعد مداولات وسجالات استمرت أكثر من ست ساعات. وأيد الصفقة 22 وزيراً في مقابل اعتراض ثلاثة هم الأقرب إلى رئيس الحكومة إيهود أولمرت، فيما تردد أن رئيس الأركان غابي أشكنازي حسم سجالاً، بإعلانه أنه قائد للجنود، أحياء كانوا أم أمواتا ويجب إعادتهم وفق هذه الصفقة التي لا بديل لها.
ومع هذا الإقرار تكون صفقة التبادل قد وضعت في مسارها التنفيذي الذي قدرت مصادر اعلامية في تل أبيب حاجته الى ما بين اسبوع الى عشرة ايام، فيما قدرت مصادر رسمية إسرائيلية أن تنفيذ الصفقة يحتاج الى فترة تتراوح بين عشرة أيام إلى أسبوعين، من يوم إقرارها في الحكومة.
وتعتبر الصفقة سياسياً وتقنياً، هزيمة للمعايير الاسرائيلية، وخاصة للمعيار القائل إن إسرائيل لا يمكن أن تطلق سراح أسرى قد تلوثت ايديهم بالدم، الأمر الذي سيفتح الباب واسعاً أمام إعادة نظر إسرائيلية بمعايير الاعتقال والتبادل.
ويمكن القول سياسياً إن إسرائيل ستضيف الى رصيد هزائمها هزيمة سياسية جديدة، ركيزتها تبدأ من اللحظة ـ الحماقة التي ارتكبتها بعدم إطلاق سراح سمير القنطار في صفقة التبادل الأخيرة التي جرت في مطلع عام .2004
وقد أعطى الرفض الاسرائيلي ذريعة للمقاومة من أجل اختطاف جنود، وهو أمر ردده عشرات المرات الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بين مطلع الألفين وأربعة والثاني عشر من تموز ,2006 ولم يجد الاسرائيلي وسيلة للرد على تهديدات المقاومة اللبنانية سوى بإجراء مناورات محتملة.
وكما فعل الاسرائيلي عام ألفين عندما ركز مناوراته في منطقة «المزارع» لمواجهة احتمال تنفيذ عملية أسر بحق جنوده، ولاحقاً تمت العملية في هذا المكان، فإن الاسرائيلي حدد استخباراتياً منطقة قبالة عيتا الشعب، كمنطقة محتملة لتنفيذ عملية اسر جديدة في صيف عام ,2006 وصدقت تقديراته لكن تدابيره لم تحل دون تنفيذ المقاومة ما خططت له ميدانياً.
ومثلما كان بمقدور الاسرائيلي أن يوفر على نفسه أعباء الخطف، لو قبل بإطلاق القنطار عام ,2004 فإنه كان قادراً على منع تسجيل هزائم متتالية بعد عملية «الوعد الصادق»، حيث قال الأمين العام لـ«حزب الله» مخاطباً اولمرت إن الوسيلة الوحيدة لإطلاق سراح جندييه هي عملية التفاوض غير المباشر حتى ولو جاء العالم كله
وطلب غير ذلك، أما الثمن فهو إطلاق سراح القنطار وحتماً ما يتيسر من رفاقه الأسرى.
يومها رد أولمرت باختيار الأسر للجنديين ايهود غولدفاسر والداد ريغيف، ذريعة للحرب ضد لبنان والمقاومة، وذلك تحت عنوان أنه لا يريد التفاوض، واضعاً «حزب الله» أمام احتمال وحيد: إطلاق غير مشروط للجنديين... وجاءت الحرب على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً وتخللتها مبادرات أبرزها للرئيس نبيه بري عندما طرح مقايضة الجنديين بالقنطار فقط... وجاء الجواب الإسرائيلي سلبياً!
وهكذا وجد أولمرت نفسه بعد «حرب تموز» وصدور القرار ,1701 أمام خيار وحيد هو التفاوض غير المباشر مع «حزب الله» ودفع أثمان كبيرة، لم تتضح كلها بعد، ولكنها تشمل على أقل تقدير: مبادلة جنديين ميتين وأشلاء آخرين ومعلومات عن مصير الطيار الاسرائيلي المفقود رون آراد، حتى لحظة فقدان أثره (...) وذلك مقابل الافراج عن القنطار وأربعة من رفاقه الأسرى اللبنانيين بالاضافة الى عدد غير محدد من الأسرى الفلسطينيين، وكذلك الإفراج عن رفات مئات المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب وإعداد تقرير يتضمن معلومات الاسرائيليين حول ظروف فقدان أربعة دبلوماسيين ايرانيين في صيف عام .1982
وقال شهود عيان إن الإسرائيليين واصلوا في الساعات الماضية ورشة عمل كانوا قد بدأوها منذ اسبوعين تقريبا وتشمل نبش عدد من المقابر التي تحتوي رفات لمئات المقاومين اللبنانيين والعرب، تمهيدا لتسليمها لـ«حزب الله»، فيما حسم مكان التبادل في منطقة الناقورة بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحسب مصادر في الأمم المتحدة، فإن إجراءات عملية بوشر باتخاذها لإقامة حفل استقبال رسمي كبير للأسرى في الناقورة تشارك فيه قيادات رسمية وحزبية لبنانية، على أن ينظم شريط متواصل من الناقورة الى بيروت، حيث من المتوقع أن يقام احتفال ضخم يشارك فيه السيد نصرالله، من دون أن يعرف ما اذا كان سيشارك فيه الرؤساء الثلاثة أو يكلفون من يمثلهم فيه. ومن المتوقع أن يقام أيضا احتفال لكل اسير وخاصة للقنطار الذي سينتقل في الليلة نفسها من بيروت الى دارة أهله في بلدة عبيه في منطقة الشحار الغربي، فيما وضعت عائلته اللمسات الأخيرة على منزله في احدى بلدات جبل لبنان الجنوبي الساحلية.
أما مآتم تشييع الشهداء المقاومين، فإنه من المقدر لها أن تتحول الى اعراس وطنية تكاد تبلغ معظم أقضية لبنان، خاصة أن بين جثامين المقاومين من ينتمون الى مناطق وطوائف لبنانية عدة، بالاضافة الى جثامين المقاومين الفلسطينيين والعرب.
- افتتح رئيس الحكومة ايهود أولمرت، الجلسة الأسبوعية لحكومته بإعلانه أن المعلومات المتوفرة لإسرائيل تشير الى أن الجنديين الأسيرين لدى «حزب الله» ليسا على قيد الحياة. وأوضح بذلك أن الصفقة تجري في الواقع ليس على أساس مبادلة مفقودين (غولدفاسر وريغيف)مجهولي المصير، وإنما مبادلة جثث سيتم تسلمها من «حزب الله».
وتابع أولمرت «ليس لدينا أي أوهام. ستعرف اسرائيل حزناً لا يوازيه سوى الاحساس بالذل، نظراً الى الاحتفالات التي ستجري في الطرف الآخر» اللبناني.
وقدرت مصادر رسمية إسرائيلية تنفيذ الصفقة خلال فترة تتراوح بين عشرة أيام إلى أسبوعين، من يوم إقرارها في الحكومة. وثمة من يقول إن الاتفاق يتحدث عن جدول زمني لإنجاز التنفيذ بالضبط خلال 12 يوماً. وخلال هذه الفترة، يفترض أن يتسلم الوسيط الألماني غيرهارد كونراد، باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، تقارير تعهد الطرفان بتسليمها. وبعد أن يبدي رأيه في جديتها، يتقرر يوم التنفيذ بالاتفاق مع الطرفين.
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن للصفقة مراحل تنفيذ مستترة وأخرى علنية. وفي البداية، ستوقع الصفقة بصيغتها المقرة في كل من تل أبيب وبيروت، بواسطة المبعوث الألماني أو ممثلين عنه سيصلون إلى الدولتين. وبعد ذلك، سيتم تبادل التقارير التي تحوي المعلومات المطلوبة لكل طرف، من الطرف الآخر.
فقد طالبت إسرائيل بالحصول على تقرير مفصل عن الجهود التي بذلها «حزب الله» من أجل معرفة مصير الملاح الجوي المفقود رون أراد. وفي المقابل، طالب «حزب الله» بالحصول على تقرير حول مصير الدبلوماسيين الإيرانيين ومرافقهم اللبناني من السفارة الإيرانية في بيروت، الذين اختطفوا في لبنان وسلموا لإسرائيل.
ويطالب «حزب الله» بالحصول على خريطة تبين مواضع إسقاط القذائف العنقودية، في الأيام الثلاثة الأخيرة من حرب لبنان الثانية.
ومن الوجهة النظرية، فإن عدم كفاية أي من التقارير يعني عرقلة الصفقة. غير أن الجهة التي ستقرر مدى كفايتها هي الوسيط الألماني نفسه، الذي بذل جهوداً استخباراتية مسبقة لضمان أن تكون التقارير كافية. وبرغم أن كونراد لم يقرأ تقرير «حزب الله» عن مساعيه لمعرفة مصير رون أراد، فإنه يعرف أن التقرير يتعلق بفترة ما بعد عام 1988 والتي انقطعت فيها أخبار أراد. كما أن كونراد يدرك، على ما يبدو، أن التقرير الإسرائيلي بخصوص الدبلوماسيين الإيرانيين يفيد بأن «القوات اللبنانية» هي من قتلهم وتعلم مصيرهم.
ويعتبر تبادل التقارير حول تلك الامور بين الطرفين، المرحلة الأولى من الصفقة. وبعد ذلك بأيام، من المفترض أن تجرى المرحلة الثانية وهي تبادل جثتي الجنديين الإسرائيليين وأشلاء الجنود الإسرائيليين الآخرين التي بقيت على الأرض اللبنانية خلال الحرب الأخيرة، في مقابل خمسة أسرى لبنانيين في مقدمهم سمير القنطار. وفي هذه المرحلة، تسلم على دفعة أو دفعات جثامين حوالى عشرة شهداء لبنانيين سقطوا خلال حرب لبنان الثانية، وجثامين عشرات آخرين من شهداء المقاومة اللبنانية والفلسطينية المدفونين داخل أراضي فلسطين منذ عشرات السنين.
وأفاد المراسل العسكري للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي إن الصفقة ستنفذ في معبر رأس الناقورة الحدودي وبمشاركة الصليب الأحمر والقوات الدولية. وسيتم في موقع الأمم المتحدة التأكد من أن الجثتين هما للجنديين الإسرائيليين إيهود غولدفاسر وإلداد ريغيف.
وثمة مرحلة ثالثة، تتعلق بالإفراج عن أسرى فلسطينيين تتعهد إسرائيل بموجب الصفقة أمام الأمين العام للأمم المتحدة بالإفراج عنهم خلال مدة لا تتجاوز شهرا من موعد تنفيذ الصفقة. وأشارت صحيفة «يديعوت احرونوت» إلى أنه سيسبق المرحلة الثالثة هذه، نقاش مستجد داخل الحكومة حول عدد الاسرى الفلسطينيين المراد الإفراج عنهم، ونوعيتهم. ومع ذلك، شدد المراسل السياسي للقناة الثانية على أن موضوع الأسرى الفلسطينيين رمزي وهو يتعلق بسبعة أو ثمانية فقط.
وسبق قرار الحكومة قيام جهات عديدة بعرض مواقف وتقارير حول الصفقة، كان في مقدمها كلمات كل من المسؤول عن ملف الأسرى عوفر ديكل ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين ورئيس «الموساد» مئير داغان ورئيس «الشاباك» يوفال ديسكين، إضافة إلى تقارير من رئيس الطاقم السياسي الأمني في وزارة الدفاع عاموس جلعاد والمسؤول عن ملف رون أراد الجنرال إيلان بيران ورئيس مجلس الأمن القومي داني أرديتي. وبدا واضحا أن أشكنازي ويدلين يؤيدان الصفقة، فيما يعارضها بشدة داغان وديسكين.
وأبدى أولمرت حيرته خلال الجلسة، لكنه أوصى الوزراء بتأييد الصفقة، ليس بوصفها أفضل ما يمكن وإنما الصفقة الممكنة. وقال وقبل التصويت «في ختام جهد طويل توصلتُ إلى استنتاج بأن عليَّ كرئيس للحكومة التوصية أمامكم بإقرار المشروع الذي يقود إلى نهاية هذه الصفقة المؤلمة، حتى ولو كان الثمن المطلوب مؤلما»، مضيفاً «مذ كنا صغارا، تعلمنا اننا لا نترك جريحاً على ارض المعركة، ولا نترك جنوداً في الأسر، من دون ان نقوم بكل ما بوسعنا القيام به لتحريرهم».
وبرغم اعتراض أولمرت على رأي كل من داغان وديسكين، فإنه قال «إنهما الرجلان اللذان أقدر بلا حدود إسهاماتهما وحكمتهما وخبرتهما التي لا نظير لها. وقلبي يقول إنهما يريان صورة واقعية، حقيقية ومحتومة. ولكن يبدو لي أنه في الظروف التي وصلنا فيها، في غير مصلحتنا، إلى نقطة غدا فيها الجنديان القتيلان على مرمى حجر منا، بتنا متأخرين عن تغيير الشروط التي كانت إلزامية وفق التحليل الذي قدماه».
وقال وزير النقل شاؤول موفاز، من جهته، «إذا لم تبحث إسرائيل عن أبنائها، فلن يبحث أبناؤها عنها»، فيما قال نائب رئيس الحكومة حاييم رامون «في المحصلة الثمن منخفض نسبياً مقارنة بالاتفاقات السابقة»، مضيفاً «لقد تمت عرقلة عملية التبادل قرابة نحو عام لأن (الامين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله كان يشترط إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين، ومن ثم هبط الى الف سجين. وفي النهاية، لم يتم التوصل الى اتفاق الا عندما ترك نصر الله لإسرائيل حرية اختيار عدد الأسرى الفلسطينيين وهوياتهم».
أما وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، فشددت على أن «هناك فارقاً بين الأحياء والأموات، كما أن هناك فارقاً بين جنود ترسلهم إسرائيل ومدنيين يقعون في الأسر في ظروف خاصة. وحتى إذا كانت الصفقة قد أديرت بشكل مقلوب وأبرمت قبل أن يحسم أمر حياة أو موت الجنود، فإنها موضوعة أمامنا الآن. والخيار ليس بين عائلات وإنما يجب أن يقاس بأبعاد القرار على مكانتنا في المنطقة». واشترطت ليفني للموافقة على الصفقة، أن يكون واضحاً سلفاً أن عدد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم قليل وأن تكون خطورتهم متدنية.
وعرض وزير المال روني بار أون مبررات اعتراضه على الصفقة، فلخصها بأنها تشكل انتهاكاً لتعهد سلطوي قررته الحكومة السابقة باعتبار سمير القنطار ورقة ضغط من أجل معرفة مصير رون أراد. واعتبر بار أون أن الصفقة تؤثر على مصير التبادل مع حركة حماس حول الجندي الأسير في غزة جلعاد شاليت، مبدياً اعتراضه في الأصل على مبادلة أحياء بجثث، كما تساءل عمن يضمن لاحقاً عدم الإفراج عن المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي. وكان الوزيران الآخران المعترضان على الصفقة من أقرب المقربين لأولمرت، وهما زئيف بويم ودانئيل فريدمان.
وكان اعتراض رئيسي «الموساد» و«الشاباك» مركزاً بشكل أساسي على سمير القنطار، وعلى التعزيز الذي تمنحه الصفقة لحزب الله في لبنان والعالم العربي. وركز ديسكين في اعتراضه على أن «حزب الله» لم يقدم، طوال المفاوضات، أي معلومات حول مصير الجنديين، مما يتنافي مع مبدأ عدم إدارة مفاوضات في ظل غموض الموقف. وأوصى ديسكين الوزراء بعدم تأييد الصفقة لأنها تنتهك التعهدات لعائلة أراد.
وأشار داغان، من جهته، إلى الاحتفالات التي ستجرى للقنطار في بيروت، مبيّنا أن الثمن الذي تدفعه إسرائيل في مقابل إعادة جثتين باهظ جداً. وهنا وقع سجال حاد بين داغان وعوفر ديكل، حول «غلاء الصفقة ورخصها». وبيّن ديكل أن هذه الصفقة من كل النواحي، «أرخص» من أي صفقات أخرى. وهنا تدخل أولمرت وقطع السجال بين الرجلين.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...