«وثيقة العهد الدولي» في شرم الشيخ تمويه جديد لفشل الخطط الأميركية

27-04-2007

«وثيقة العهد الدولي» في شرم الشيخ تمويه جديد لفشل الخطط الأميركية

ما الذي تتوقعه الادارة الاميركية من مؤتمر شرم الشيخ الجديد الذي ينعقد على اسم العراق؟ لماذا يصر الجيش الأميركي على اقامة أسوار تكرس الفصل الطائفي في بغداد؟ وكيف ستنتهي المواجهة المتصاعدة بين الرئيس الأميركي والأكثرية داخل الكونغرس حول تمويل الحرب المشروط بانسحاب القوات؟
هذه الاسئلة الثلاثة كانت مطروحة خلال الأسبوع الفائت عشية التحضير لمؤتمر دول الجوار الموسع الذي لم تحسم طهران موقفها من المشاركة فيه, وسط تداعيات جديدة في المشهد العراقي الداخلي.

أكثر من تسعين دعوة وجهت الى جهات اقليمية ودولية لحضور مؤتمر شرم الشيخ, والتجاوب حتى نهاية الأسبوع الفائت كان كبيراً. والمؤتمر الذي ينعقد يومي 3 و4 أيار /مايو المقبل سوف يقر ما بات يسمى «وثيقة العهد الدولي» حول العراق, وهي عبارة عن اعلان رسمي عن تدشين علاقات تبادلية جديدة بين العراق والمجتمع الدولي تربط الدعم الدولي للعراق بوفاء الحكومة العراقية لالتزاماتها الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بحيث يتعزز الدعم الدولي لهذه الحكومة كلما تقدمت في تنفيذ برامجها الأمنية والاصلاحية.
وفي معلومات «الكفاح العربي» من مصدر دبلوماسي عربي في القاهرة أن ما بين سبعين وثمانين مؤسسة وحكومة سوف تشارك, في اطار هذه الوثيقة, في دعم الحكومة العراقية, وأن الفكرة انطلقت في الأساس خلال الصيف الفائت عندما تم التفاهم بين الحكومة والامانة العامة للأمم المتحدة على اعداد برنامج عمل تفصيلي خلال السنوات الخمس المقبلة يحدد مسؤولية الحكومة والتزاماتها على مختلف الاصعدة الداخلية والخارجية. في مقابل تنفيذ هذه الالتزامات تعمل الأمم المتحدة والجهات المشاركة في دعم العراق على اعفائه من الديون وتأمين المساعدات التنموية اللازمة لاعادة الاعمار, ومواكبة المرحلة المقبلة من خلال انشاء امانة عامة خاصة بالوثيقة يكون مقرها بغداد بمشاركة الأمم المتحدة والاطراف الدولية الراغبة, من دون ان يحدد مسبقاً السقف النهائي للتمويل.
في زيارته الاخيرة للقاهرة اكد رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ان «مؤتمر العهد الدولي» سوف يقر هذه الوثيقة التي لا تتضمن بالضرورة مساعدات عسكرية, بالتعاون مع الأمم المتحدة, وهي خطوة في الاتجاه المطلوب لتخفيف حجم الديون التي ينوء بها العراق نتيجة «المغامرات والحروب التي انزلق إليها النظام السابق», ومما قاله «أتوقع من المؤتمر الثاني (مؤتمر دول الجوار الموسع) أن ينفتح على التجربة العراقية ويساند المسيرة السياسية العراقية ويتفهم ظروف البلد وحجم التحدي الذي يعيشه في مواجهة التحديات الارهابية». وبشأن المهل الزمنية اللازمة لاستكمال تشكيل الجيش العراقي الجديد والقوى الأمنية قال المالكي ان العام الحالي سوف يشهد تطورا كبيرا جداً في اطار نمو واكتمال بناء هذه القوات, والمسألة مرتبطة الى حد كبير بمدى نجاح المصالحة الوطنية التي بدأت تتبلور في محافظات الأنبار وديالى والموصل وحتى في بغداد. وأضاف ان المصالحة نجحت في وضع حد لعمليات القتل على الهوية التي كانت تشكل خطراً كبيراً على وحدة المجتمع العراقي, وما يحصل الآن هو حرب مفتوحة مع «القاعدة».
وردا على استيضاحات «الكفاح العربي» أوضح المالكي انه يتوقع لمؤتمر شرم الشيخ أن ينجح وهو يلمس رغبة صادقة من جانب العرب والدول الصديقة في مساعدة العراق, ومصر في طليعة الجهات المتحمسة لهذه المساعدة.
لكن القراءة العراقية الرسمية في مؤتمر شرم الشيخ لا تلتقي من قريب او بعيد مع القراءات الأخرى غير الرسمية وغير الأميركية. وكثيرون هم المراقبون الذين يميلون الى الاعتقاد بأن المؤتمر ينعقد في ظروف بالغة التعقيد من اجل التمويه على الفشل الاميركي, ويمكن الاستدلال الى التعقيدات من خلال المعطيات الآتية:
­ خطة أمن بغداد فشلت حتى الآن وباتت في حاجة الى خطة بديلة للحد من الاضرار التي تسببت بها. فخلال الاسابيع الاخيرة تضاعفت خسائر قوات الاحتلال البشرية والمادية وتضاعف معها الانفاق العسكري وتجاوز الحدود المتوقعة.
وقد وصلت الاختراقات الأمنية الى قلب البرلمان الذي يقع في قلب «المنطقة الخضراء», وانفرط عقد التحالف الذي يشكل تغطية سياسية لسلطة الاحتلال, وانسحب الصدريون من الحكومة, ووصل الخلاف بين «حزب الفضيلة» وجماعة عبد العزيز الحكيم في جنوب العراق الى حد الصدامات المسلحة, فيما هدد زعماء الميليشيات الكردية بأن ينسحبوا بدورهم من الحكومة اذا لم يحصلوا على كركوك, وكل هذا خلال فاصل زمني قصير نسبياً.
­ في الداخل الاميركي تصاعدت وتيرة الاحتجاجات المعارضة للحرب في العراق لتصل الى اقرار مجلس النواب مشروع قانون يربط تمويل الحرب في العراق بجدول زمني لانسحاب القوات الأميركية, وتطالب الاكثرية النيابية بالافراج عن 124 مليار دولار مخصصة في معظمها لتمويل العمليات العسكرية في افغانستان والعراق, شرط ان تبدأ عملية اعادة نشر القوات الاميركية على أبعد حد في تشرين الأول /اكتوبر المقبل وأن يتم سحب القسم الاكبر من هذه القوات في 31 آذار /مارس من العام 2008. ويتسلح الديمقراطيون الذين استطاعوا استقطاب 218 صوتا /مقابل 208/ لاقرار مشروع القانون باستطلاع جديد للرأي اجرته محطة «ان. بي. سي» وصحيفة «وول ستريت جورنال» تظهر نتائجه ان 55 بالمئة من الأميركيين يؤيدون تحديد جدول زمني للانسحاب, وهذا يعني ان هناك رغبة اميركية واضحة في حصول «توجه جديد» في ادارة الحرب في العراق لا يمكن تجاهله في اعقاب تزايد الخسائر الاميركية ودخول العراق وضعاً ميؤوساً منه بعد اربع سنوات على الحرب.
­ الى جانب هاتين الحقيقتين تبرز حقيقة ثالثة مفادها ان الرئيس الأميركي جورج بوش بدأ فعلا يشعر بالضيق والعزلة بعدما تجمعت حوله اتهامات تتزايد يوما بعد يوم ابرزها الكذب على العالم من اجل شن حرب على العراق, تفويض العسكريين بتعذيب آلاف المعتقلين, ادارة معتقلات سرية يسودها التنكيل, استخدام اسلحة ضد الافراد في مناطق سكنية مأهولة, التنصت بشكل غير مشروع على ملايين الأميركيين من دون اذن قضائي, الترويج لهيمنة الولايات المتحدة على العالم... وفي هذا الصدد تبنى مجلس الشيوخ في ولاية فيرمونت الاميركية الشهيرة بأفكارها السباقة, قرارا يدعو الكونغرس الى بدء اجراءات «عزل الرئيس» وبالرغم من ان هذه الخطوة رمزية لا تملك حظوظا في التنفيذ فإن لها دلالاتها السياسية العميقة.
­ في هذا السياق تأتي مراهنة الرئيس الأميركي على مؤتمر شرم الشيخ, الذي سوف تحضره دول الجوار العراقي (باستثناء ايران على الأرجح) ومنظمة المؤتمر الاسلامي والأمم المتحدة والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن, ومجموعة الثماني. فالرجل يحاول تغطية الهزيمة الأمنية والسياسية بدعم دولي يبارك سياسته في العراق وتفرده بادارة شؤون العالم, علماً ان هذا الدعم لن يبدل شيئاً في المعادلة العراقية الحالية. وقد سبق لمؤتمر شرم الشيخ ان انعقد في منتصف تشرين الثاني /نوفمبر من العام 2004 ولم يتغير شيء في الداخل العراقي.
يبقى السؤال الثالث الذي يتصل حصرا بجدار الاعظمية وهو يعتبر نموذجاً للحلول والافكار الاميركية الجديدة للسيطرة على الوضع في العراق, بدءا بالعاصمة, بعد فشل كل الخطط الأمنية والسياسية. هذا الجدار اثار ضجة عراقية وعربية واسلامية واسعة لانه يكرس عمليا الفصل الطائفي والاقتتال المذهبي الذي ادت اليه السياسات الاميركية على امتداد العراق على يد الحكومات المتعاقبة طوال اربع سنوات من الاحتلال. وفي اقتناع العارفين ان سور الاعظمية الذي يهدف­ وفق وجهة النظر الاميركية­ الى حماية سنة المدينة من هجمات «فرق الموت» التي اسستها ميليشيات الائتلاف الحاكم ودعمتها وزارات الداخلية, بتشجيع من الاحتلال, بداية تقسيم فعلي للعاصمة على اساس الانتماء المذهبي او العرقي, يمكن ان ينتقل الى سائر المدن العراقية, وربما الى الارياف والقرى والعشائر, في المستقبل القريب. ويتساءل المراقبون: ما الذي يمنع ان تبدأ الامور بسور الاعظمية قبل ان يصبح غداً سور البصرة هو «الحل» وبعده سور الموصل ثم سور كركوك, فيتحول العراق الى «غيتوات» طائفية وعرقية معزولة تغلق ابوابها في وجه الغرباء من «الغيتوات» والمناطق الاخرى, وتسقط الهوية الوطنية العراقية لصالح هوية طائفية وهويات اخرى مناطقية ودينية وعشائرية, ويتمزق بصورة دراماتيكية عنيفة ويتشظى, قبل ان تعبر العدوى الحدود الى المنطقة العربية بأسرها تحت شعار «اعادة تشكيل» الشرق الاوسط الصغير او الكبير. وكل شيء يدل, في نهاية المطاف, على ان العراق لم يعد واحة انفتاح سياسي واجتماعي تسوده الديمقراطية والامان والرخاء (كما بشر جورج بوش) وانما بلد يهرب اهله من بيوتهم طلبا للسلامة, ويصدر الطائفية البغيضة والحروب الاهلية, في ظل فساد اداري وانهيار اخلاقي وعمليات نهب لثروات البلاد. والدليل ان الخطة الامنية للحكومات المتعاقبة لم تنجح, لا في بغداد ولا في سواها, وعدد الضحايا يتضاعف مع تضاعف عدد السيارات القاتلة, وتنظيم «القاعدة» يبني دولته في الانبار ويعين وزراء في حكومته الجديدة, وحماية الوزراء والنواب لم تعد ممكنة حتى في قلب «المنطقة الخضراء», وهذا ما يفسر وجود معظم المسؤولين العراقيين خارج العراق بذريعة القيام بمهام رسمية.
ومن الواضح ان الاسوار العازلة (على طريقة الجدار العنصري الاسرائيليي) لم تمنع الاستشهاديين والمقاومين الفلسطينيين من بلوغ اهدافهم, ومثلما توصل الفلسطينيون الى اجتياز عقبة «الجدار» بالصواريخ التي تطير فوقه فإن العراقيين قادرون على اختراع «حلول» ملائمة, حتى لو أرسل الاميركيون جيشهم كله الى العراق. والمصيبة تبقى ان اهل العراق تحولوا الى ضحايا, والتخبط الذي تمر به الخطط الأمنية المتلاحقة ادى حتى الآن الى هرب اكثر من اربعة ملايين عراقي من بيوتهم في الداخل والخارج بحثاً عن السلامة بعدما سقط منهم مليون شهيد واربعة ملايين جريح وعانوا ما عانوا طوال سنوات الاحتلال الاربع.
ويبدو واضحا جدا الا للذين لا يريدون ان يعاينوا الحقيقة, ان الفكر العسكري الاميركي بدأ يتصهين بصورة فاضحة وان بناء الجدران داخل العراق مجرد نصيحة اسرائيلية استجاب لها نوري المالكي قبل ان يتراجع تحت وطأة الضغوط الداخلية, علماً ان الاعظمية مدينة عريقة لا تصدر العنف او السيارات المفخخة, ومن المؤسف ان يتم التعامل معها بمثل هذه الاساليب بحجة حمايتها من العنف الطائفي.

 

  أيمن عبد الملاك
المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...