«مهرجان تسالونيكي السينمائي» الـ52: أفلام تصارع أزمة المال الإغريقي وتربح الرهان

10-11-2011

«مهرجان تسالونيكي السينمائي» الـ52: أفلام تصارع أزمة المال الإغريقي وتربح الرهان

أوروبا كلّها على الحافة الإغريقية. أزمة الديون المالية هزّت المجتمعين الكبار في «كانّ» الفرنسية. لكن السينما ظلّت زاهية في نظيرتها اليونانية «تسالونيكي»، التي تشهد الدورة الثانية والخمسين لمهرجانها السينمائي العريق (أول دورة انطلقت في العام 1960، حملت عنوانلقطة من «المنزل» للسلوفاكيّة سوزانا ليوفا «أسبوع السينما الإغريقية»). آخر معاقل السينما في البلقان، الذي لا يضاهيه سوى «كارلوفي فاري» التشيكي في قوّتي التنظيم والاختيارات، لن يغفل نار المصارف والصناديق الخاوية لحكومة جورج باباندريو قبل تنحّيه، التي كادت تُهدِّد في إفلاس بلد أرسطوطاليس ومحاربي إسبارطة. غير أنه ربح رهان المتفرّج المحلي الصبور، الذي حاصرته إدارة المهرجان في الدورة الحالية هذه (4 ـ 13 تشرين الثاني 2011) بكَمِّ وافر من النتاج العالمي والإقليمي. وقعت مدينة «كانّ» رهينة ديون أثينا لمدة أسبوع، فيما ارتهنت «تسالونيكي» إلى الصورة إلى الأبد. فمَنْ يقول إن خشية الإغريق فقط على سمعة الـ«يورو» ومنطقته؟ ما بدا في إصرار إدارة مهرجان السينما هنا كامنٌ في الحفاظ على أيامه ومدعوّيه وعروضه. ذلك أن سُمعة السينما ليست أهون من اكفهرار وجوه القادة الكبار، وهم يهدِّدون بطرد اليونان من الجنّة المالية.

خيارات
في قاعة «أولمبيا» التي تُذكِّر بمعابد الأقدمين، شعّت خيارات متضاربة المشارب والقيم والصنعة. فمن تجارية نجومية الأميركي جورج كلوني في «الأحفاد»، جديد مخرج «بخصوص شميدت» مواطنه ألكسندر باين، المُخصَّص بليلة الافتتاح، عن أب اكتشف حجم خرابه الأخلاقي عندما أبصر نشأة بناته وهو غافل عنهنّ، إلى أقصى فنيّة خطاب السينما، كما بدت في رائعة الروسي ألكسندر سوكوروف «فاوست»، («السفير»، 15 أيلول 2011)، المجدولة ضمن برنامج «العروض الخاصّة»، التي غازلت نعرة الذمّة الشخصية وأنانيتها القصوى، ضمن حكاية الخيميائي الذي باع روحه للشيطان، في مقابل الشباب الدائم.
رئيس المهرجان ديمتريس أيبيدس، المتمتّع بسيرة تُخيف منتقديه، ومؤسّس «مهرجان مونتريال للسينما الجديدة»، الذي ظلّ مديره لأربعة عشر عاماً متتالية، والذي لا يزال، منذ العام 1988، المسؤول الأوّل عن البرمجة العالمية في «مهرجان تورنتو السينمائي»، ومنذ العام 1995 مدير برمجة «مهرجان ريكافيك»، حَشَد أفلاماً شبابية في المسابقة الرسمية (خمسة عشر فيلماً)، مُخَصِّصاً على هامشها ثلاثة تكريمات: الأول لصاحب «إل ديفو» (2008) الإيطالي باولو سورنتينو، والثاني للأميركية سارة درايفير، كاتبة نصّي «أغرب من الجنة» و«عطلة دائمة» لمواطنها جيم جارموش، والثالث لمخرج «زواج سنان» (1996) الدانماركي أُول كريستيان مادسن. لهذه التكريمات ثلاث مثيلات أخريات في خانات أخرى: ضمن «آفاق مُشرّعة» (أربعة وأربعون فيلماً)، هناك تحيّة خاصة بالنمساوي المميّز أورلغيش زيدل، الذي خطف الاهتمام بهذياناته الجارحة حول المدنية المتوحشّة كما في «أيام القيظ (أيام الشِّعْرَى)» (الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في البندقية، 2001) و«استيراد/ تصدير» (2007). وضمن «نظرة عامة على البلقان» (ثمانية أفلام)، هناك استعادة لاشتغالات التركي المخضرم أردين كيرال، منها: «على سفر» (أو «على الطريق»، 2005)، حول السفر الذي يقود فيه أعوان الأمن التركي المخرج الراحل يلماز غوني إلى سجن جديد محصَّن الحراسة. وضمن «السينما اليونانية» (أحد عشر فيلماً)، هناك تحيّة للمخرج الطليعي الغزير الإنتاج كونستانتين جيناريس، يُعرض خلالها واحدٌ وخمسون فيلماً من توقيعه.
حصّة العرب ناقصة. تُثبت عناوينها حقيقة أن فريق أيبيدس لم يُكلِّف نفسه، هذه المرّة، جهداً إضافيا للاستئناس بدرايات عربية حول راهن الإنتاج الوافر في السينما العربية، الذي شَعّ في مهرجاني أبو ظبي والدوحة، ولاحقاً في دبي ربما. المغربية الموهوبة ليلى كيلاني تُشارك بباكورتها «على الحافة» («السفير»، 13 تموز 2011)، حول فتياتها الأربع، اللواتي يكدحن ضد حضيض طنجة. كما يُعرض فيلم اللبنانية رانية عطية وزميلها دانيال غارسيا «طيّب، خلص، يللا»، متبصِّراً في عزلة شاب لبناني في مدينة طرابلس. ويحضر لبنان أيضاً في فيلم الكندي إيفان غبوفيتش «روميو 11»(«السفير»، 28 تموز 2011)، حول الفتى اللبناني رامي، الذي يُخفي صيد «حبيباته» عبر «إنترنت»، متحايلاً على إعاقته وانكساره الذاتيّ. هناك مشاركات لبنانية بالجملة في «سوق الفيلم»، الذي يُطلَق عليه إسماً إغريقياً بامتياز: «أغورا» (مكان الاجتماع)، وذلك ضمن سبعة عشر عملاً عالمياً، منها: «موجة قيظ» للّبنانية التي ترعرت في أثينا جويس نشواتي، إلى جانب صاحب «فلافل» ميشال كمّون، الذي يأتي بمشروعه الجديد عن بيروت، ومثله وسام شرف الذي عنون نصّه بـ«عودة إلى الغابة»، بينما يحضر الأردني محمد الحشكي بمشروعه «ريشات ملوّنة»، الذي يأتي بعد عمله المفاجئ «مدن الترانزيت» في العام الماضي.

غلبة أوروبية
على صعيد «المسابقة الرسمية» التي تتضمّن ثماني جوائز، أكبرها «الكسندر الذهبي لأفضل فيلم» (عشرون ألف يورو)، في وقت يقدّم البرلمان الإغريقي جائزة «القيم الإنسانية» (سبعة آلاف وخمسمائة يورو)، في مقابل «جائزة الجمهور»، التي أُطلق عليها هذا العام اسم صاحب «زوربا اليوناني» المخرج الراحل ميخائيليس كاكويانيس، وتنقسم إلى أربعة تكريمات، القيمة المالية لكل واحد منها تُساوي ثلاثة آلاف يورو. تتضمّن القائمة الدولية غلبة أوروبية بامتياز: شريط الرسوم المتحرّكة التشيكي الخاطف «ألويس نيبل» للشاب توماس لوناك (1974)، حول مراقب قطارات في محطّة نائية يدخل في تهويمات تقوده إلى مصحّ عقلي، فيلتقي شخصية الأبكم الذي يقلب قدره. مواطنه فاكلاف كادرناك (1973) يُشارك بـ«80 رسالة»، عن أمّ وصبيّها الساعيِيَن إلى الحصول على موافقة سفر من السلطات الشيوعية التشكوسلوفاكية آنذاك إلى بريطانيا للمّ شملهما مع الأب الهارب في لندن. من سلوفاكيا، تقدّم سوزانا ليوفا عملها الروائي الثاني «المنزل»، حول محنة الشابة إيفا التي يرهنها والدها المحافظ في منزل يبنيه لها كي «يحفظها من الشرور». التركي طولقا كاراتشيليك، الذي درس السينما في نيويورك، يتنافس بعمله الذي حصد مديحاً نقدياً «كشك ضريبة المرور» حول الشاب كنعان الذي يتندّر عليه زملاؤه باسم «روبوت» لسرعته في رصد السيارات المخالفة، قبل أن تقلب امرأة حسناء عالمه المصطنع. بينما ترصد الروسية آنجلينا نيكونوفا في «بورتريه غسقي» الصدف التي تقود بطلتها مارينا إلى اغتصاب جماعي من قبل ثلاثة رجال شرطة. في السياق نفسه، تعالج زميلتها الألمانية برجيت ماريا بيرتيل في «النيران» قضية الاغتصاب من زاوية الرهان الشخصي، الذي يُحرِّض بطلتها الشابة جوديث على مقاضاة شاب استغلّ طيبتها وثقتها. تشارك اليونان بفيلمين: الأول لمينيلاوس كاراماخيوليس، حاملاً اسم بطله الفتى «جيس»، الذي ينتهي شخصاً مسلوب المستقبل في عالم وحشي وأناني. بينما رصد مواطنه بانايوتس فافوتيس في «الفردوس» أربع حيوات شابّة، يتجاذبها الحبّ والغيرة والشوق وسوء الظنون، على خلفية كرنفال ضاجّ بالحيوية والألوان. وصاغ الإيرلندي جون ماكالدوف حكايتي شخصيتين متضادتين: رجل في منتصف العمر وأم شابة، سعى كل واحد منهما لإنقاذ فلذة كبده، كإعلان سوسيولوجي حادّ النبرة ضد الفردانية.
خارج السور الأوروبي، جاء الاختراق الإسرائيلي للمسابقة بفيلمين: الاول لغي ناتيف بعنوان «الفيضان»، الذي حصد جوائز أساسية في «مهرجان حيفا» في دورته الأخيرة، وتدور أحداثه حول عائلة تبدو للآخرين متطامنة، لكنها في الواقع تنتظر عاصفة الانفصال. فالأم تخون الزوج، ولن تنفجر الكذبة إلاّ مع مَقدَم الابن الشاب يوني. في حين تذهب مواطنته مشاعل بوغنيم (الإسم يشي بعربيته، لكن سيرتها لا تذكر شيئا عن محتدها، سوى أنها ولدت في إسرائيل، ودرست السينما في لندن والأنتروبولوجيا في باريس، وتعيش بين هذه الأخيرة وتل ابيب، ولها فيلم مشهور بعنوان «أوديسا... أوديسا»، 2005) في «أرض النسيان» إلى تشرنوبيل الروسية، لتعيد ترتيب حكاية بطلتها أنايا (أداء الممثلة أولغا كوريلينكو، التي عُرفت في فيلم جيمس بوند «كَمّ من الأسى»)، العائدة إلى الأرض الملوّثة، ليس كابنة تربتها، بل كدليلة سياحية تبيع المحنة للفضوليين الأجانب.
أخيراً، هناك حصّة واحدة لكل من الولايات المتحدة الأميركية، من خلال فيلم «من دون» لمارك جاكسون، حول تجربة مغلقة الآفاق لشابّة تصل إلى بيت ناء للعناية برجل هرم وكسيح. من المكسيك، يعرض أودن سالزار فلوريس باكورته «حمير»، عن عوالم سحرية يخلقها فتى أُجبِر على الابتعاد عن عائلته. من كولومبيا، يُقدّم أليخاندرو لانديس عمله الدوكيودراما الحامل اسم بطله «بورفيريو» المشلول، نتيجة رصاصة.

زياد الخزاعي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...