مستجدات المشهد العراقي: الخاسرون والرابحون من تأجيج الصراع

02-08-2010

مستجدات المشهد العراقي: الخاسرون والرابحون من تأجيج الصراع

الجمل:  تزايد خلافات الكتل السياسية البرلمانية العراقية بشكلٍ مستمر يبدو كأنما هو بلا نهاية، وفي نفس الوقت تزايد موجات العنف السياسي العراقي بشكلٍ مستمر يبدو أيضاً وكأنما هو بلا نهاية. ماذا تقول المعلومات، وهل تزامن الخلافات السياسية العنف السياسي المتوازي، هل هو محض مصادفة، أم أن هناك هندسة خفية تربط بين الجانبين؟
* التطورات الجارية في المسرح العراقي: ماذا تقول المعلومات؟
تقول المعلومات الجارية بأن شهر تموز (يوليو) عام 2010م المنصرم يعتبر الأعلى خلال هذا العام لجهة تزايد وتائر عمليات العنف السياسي. وفي هذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى أن يوم الجمعة المنصرم قد شهد وحده حدوث 10 وقائع عنف سياسي: 3 عمليات في الموصل، عمليتين في كركوك، وعملية واحدة في كل من بغداد، تارمية، شرفات، اليوسفية وفيارا، أما يوم السبت الذي أعقبه فقد شهد عملية في بيجي وعملية في بوحريز.
لجهة الأهداف، فقد تم شن هذه العمليات ضد جملة أهداف، وبتركيز خاص ضد: جماعات الصحوة (أبناء العراق)، قوات الأمن العراقية، المسئولين العراقيين، إضافةً إلى بعض المنشآت العامة.
أما بالنسبة للتطورات والوقائع السياسية، فتقول المعلومات، بأن الكتلة الصدرية (التابعة للتيار الصدري الذي يقوده الزعيم الشيعي مقتفي الصدر) والتي يتبع لها 40 نائباً من بين إجمالي نواب التحالف الوطني العراقي البالغ 70 نائباً، قد قررت بشكلٍ حاسم عدم الموافقة على حصول الزعيم نوري المالكي على ولاية جديدة في منصب رئيس الوزراء العراقي، وهو أمرٌ سوف يجعل هامش الحركة المتاح أمام تحالف دولة القانون وزعيمه نوري المالكي هامشاً محدوداً للغاية، بحيث لم يعد أمامه سوى السعي للتحالف مع كتلة القائمة العراقية وزعيمها إياد علاوي، وهو تحالف لن يتم إلا إذا قدم المالكي المزيد من التنازلات، والتي لن يكون أقلها التنازل عن منصب رئاسة الوزراء!
* تزامن الخلافات السياسية – العنف السياسي: أبرز التفسيرات:خارطة العراق
خلال فترة ما قبل الانتخابات العامة العراقية الأخيرة، ظلت جميع الأطراف والقوى السياسية العراقية أكثر رهاناً لجهة تحميل تنظيم القاعدة والمسلحين الإسلاميين المسؤولية عن أعمال العنف الدامي التي ظلَّ يشهدها المسرح العراقي، وحالياً، وبرغم استمرار هذه التفسيرات، فإن تزامن عمليات العنف السياسي مع الخلافات السياسية، أصبح يمثل ظاهرةً تحمل في حد ذاتها المزيد من الدلالات والأبعاد التي ما زالت عصية على العديد من المحللين السياسيين وغيرهم من أصحاب النظريات التفسيرية لخلفيات مجريات مسرح الصراع العراقي.
تشير المعطيات والوقائع الجارية إلى أن ظاهرة تزامن الخلافات السياسية - العنف السياسي قد برز في الساحة العراقية، وفق الخطوط والملامح الآتية:
- كلما اقتربت بعض الأطراف العراقية من التوافق على صيغة الائتلاف الحكومي الجديد، كلما تزايدت عمليات العنف السياسي.
- كلما تباعدت الأطراف العراقية عن التوافق على صيغة الائتلاف الحكومي الجديد، كلما تزايدت عمليات العنف السياسي.
ونلاحظ أن العلاقة الطردية بين متغير الخلاف ومتغير العنف السياسي وأيضاً متغير التوافق ومتغير العنف السياسي هي علاقة طردية تصب في اتجاه واحد وهو مؤشر لمزيد من العنف، وعلى خلفية هذه العلاقة الطردية المثيرة للإهتمام يمكن طرح العديد من الأسئلة التي تحمل المزيد من الشكوك واللايقين:
- لو كان المسئول عن عمليات العنف السياسي هو تنظيم القاعدة، فلماذا لم تستهدف هذه العمليات القوات الأمريكية الموجودة بكثافة في العراق، وهل يا تُرى أصبح تنظيم القاعدة يعتمد نظرية الكيل بمكيالين إزاء أمريكا، بحيث يهاجم القوات الأمريكية خارج العراق باعتباره العدو، ويمتنع عن مهاجمتها داخل العراق باعتبارها أصبحت قوات صديقة؟ ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث.
- لو كانت القوى السياسية في العراق تسعى إلى استهداف بعضها البعض، فلماذا لم نشاهد عمليات استهداف متبادلة يسعى من خلالها كل طرف لإضعاف الآخر، وتصفية نوابه البرلمانيين على سبيل المثال لا الحصر، بما يؤدي إلى إضعاف وزنه النيابي، ويؤدي إلى إعادة الانتخابات وعلى وجه الخصوص في الدوائر الانتخابية التي تقاربت فيها مستويات التصويت، وما هو مثير للاهتمام أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث.
- لو كانت دول الجوار العراقي هي المتورطة في العمليات، فلماذا لم نشاهد عمليات تستهدف حلفاء إيران بما يجعلنا نفهم بأن الرياض هي التي تقف وراء ذلك، أو نشاهد عمليات تستهدف حلفاء السعودية بما يجعلنا نفهم بأن طهران هي التي تقف وراء ذلك، وهو مثير للاهتمام أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث!
جميع الفرضيات الثلاث المشار إليها لم تحدث، ولما كان من الصعب افتراض وجود «قوة غيبية» تعمل بنشاط لجهة تقويض استقرار العراق، فإن الا فتراض الأكثر قابلية للتحقق، لا بد وأن يبدأ بالضرورة من الإجابة على السؤال الحقيقي القائل: من هو الطرف المستفيد، ولمصلحة من تصب مفاعيل عمليات العنف السياسي المتزامن في ظل عدم وجود حكومة عراقية.
البحث عن الإجابة يقودنا بالضرورة إلى أن محور واشنطن – تل أبيب هو المستفيد الوحيد، وهو أمر تكشفه بوضوح المنهجية التي ظلت تتزامن على خلفياتها و قائع الخلافات السياسية مع وقائع عمليات العنف السياسي، بحيث تكون النتيجة المطلوبة هي: عدم وجود حكومة عراقية، وعدم استقرار أمن العراق. وتأسيساً على ذلك، فقد بدأت ثمرة هذه النتيجة تظهر بوضوح داخل الكونغرس الأمريكي، وتحديداً بواسطة الأصوات التي بدأت تطالب بضرورة تأجيل انسحاب القوات الأمريكية من العراق، طالما أن القوى السياسية العراقية مازالت غير قادرة على تشكيل الحكومة الجديدة وأن أعمال العنف ما تزال في حالة تزايد مستمر. هذا ويعتبر الجمهوريون الموجودون في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب الأمريكي الأكثر حماساً من غيرهم في المطالبة بتأجيل موعد الإنسحاب.
سوف تنتهي ولاية الرئيس الأمريكي الديمقراطي أوباما في مطلع 2013، وهو التاريخ الذي يمكن أن يجد فيه الجمهوريون فرصة لصعود إدارة أمريكية جمهورية جديدة إلى البيت الأبيض. ولكن، ما هو جدير بالملاحظة أن الجمهوريين لا يراهنون على عام 2013، وإنما على انتخابات الكونغرس النصفية التي سوف يتم إجراؤها بعد أربعة أشهر، وتحديداً في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 القادم. وتشير كل استطلاعات الرأي إلى احتمالات كبيرة بأن يكستح الجمهوريون هذه الانتخابات بما يتيح للحزب الجمهوري وجماعة المحافظين الجدد السيطرة على الكونغرس الأمريكي في مواجهة الحزب الديمقراطي المسيطر على الإدارة الأمريكية، وتأسيسياً على ذلك، وبحسب التسريبات والتقارير الأمريكية، فإن الجمهوريين سيسعون إلى دفع الكونغرس لإصدار المزيد من التشريعات والقوانين الجديدة التي سوف تسعى ليس إلى تقويض قرار الانسحاب الأمريكي من العراق وحسب، وإنما إلى تكثيف الوجود العسكري الأمريكي في العراق، جورجيا وأذربيجان، إضافةً إلى التدخل في الصراعين اليمني والصومالي. وإضافةً لذلك، فهناك حسابات إسرائيلية تقول بأن على إسرائيل أن تسعى إلى توتير أجواء المنطقة بما يفرض على الإدارة الأمريكية تأجيل سحب قواتها، خاصةً وأن إسرائيل تعوّل كثيراً على حشود القوات الأمريكية الموجود في العراق لجهة تقديم الدعم لإسرائيل في احتمالات حدوث المواجهة مع حزب الله إيران وربما بعض الأطراف الشرق الأوسطية الأخرى.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...